لبنان يخرج من الحجْر متسائلاً: لماذا لم تعد المدينة تشبهنا؟

الغموض يسيطر على المهن الثقافية

لوحة للفنان جي. مكتبي
لوحة للفنان جي. مكتبي
TT

لبنان يخرج من الحجْر متسائلاً: لماذا لم تعد المدينة تشبهنا؟

لوحة للفنان جي. مكتبي
لوحة للفنان جي. مكتبي

مع رفع الحجر الصحي، يكتشف أصحاب المسارح، ودور السينما، ودور النشر، والغاليريات، وغيرهم من أصحاب المهن الفنية والثقافية، أنهم آخر من سيخرج من الأزمة، وهم من بين المتأثرين بشكل كبير بالجائحة التي عصفت بالعالم.
آلاف المؤسسات الثقافية أقفلت أبوابها، وإن تم رفع الحجر عن بعضها فهو يتم بشروط. فالنبض الحقيقي للثقافة هو الناس باجتماعهم، وتلاقيهم وتلاقح أفكارهم. وإن كانت المسارح ودور السينما لا تزال مغلقة في لبنان، وسيجد الناس صعوبة في شراء تذكرة للجلوس في مكان مغلق مع آخرين، فإن دور النشر تجد نفسها أكثر تحرراً؛ لكنها في الوقت نفسه مقيدة بسبب انشغال الذهن بشكل عام بقضايا حياتية بسيطة، وشلل حركة الشحن وتوقف الطيران.
تبدّل أولويات الناس سيصعب إعادة تشغيل آلة النشر، ويؤجلها لأشهر مقبلة. هذا لا يعني أن دور النشر متوقفة تماماً؛ بل على العكس ثمة كتب تنتظر، وهناك من بدأ يطلق إصدارات كانت شبه جاهزة قبل الحجر.
«دار الآداب» أطلقت روايتها الأولى، وهي للروائية السورية ديمة ونوس، وتحمل عنوان «العائلة التي ابتلعت رجالها»، وخلال اليومين المقبلين ستكون في المكتبات اللبنانية، كما أنها شحنت إلى الكويت، وستوجد في «مكتبة التنمية» في مصر. استفادت الدار من وجود طائرات خاصة للشحن، ولو كانت أعلى كلفة، بينما تتريث دور أخرى.
ثمة رغبة في تشغيل المحركات. هذا ما تراه «دار نلسن» التي لها جرأة إطلاق كتاب عن الفنان زكي ناصيف في الأيام المقبلة، وإن كان صاحب الدار سليمان بختي يعتقد أن صعوبات كبيرة ستواجه الناشر في التوزيع والتوصيل، كما والتعريف بالكتاب في غياب القدرة على إقامة حلقة نقاش أو حفل توقيع. فالاهتمامات صارت فردية أكثر منها مجتمعية، بعد الانهيار الاقتصادي الذي ترافق مع جائحة «كورونا»، ومحنة لبنان مضروبة باثنين، ومضاعفة عما أصاب أي بلد آخر.
سوق الكتب تفتح بخجل، مع أن المكتبات في لبنان أعفيت جزئياً من الإغلاق أثناء الحجر الصحي. بعض الطلبات بدأت ترد من الخارج إلى دور النشر؛ لكن التوزيع انخفض إلى أكثر من ثمانين في المائة.
لا تتوقع صاحبة «دار الآداب» رنا إدريس أن تعود الدور إلى نشاطها المعتاد قبل شهر سبتمبر (أيلول) المقبل. أي بعد انتهاء فصل الصيف وبداية العام الدراسي الجديد.
في جعبة الناشرين كمّ كبير من الكتب تجمّع لديهم. هناك الكتب التي لا تزال مخزّنة من قبل حلول الوباء، وكان يفترض أن تطلق في معرض الرياض للكتاب، ومعارض أخرى؛ لكنها بقيت في صناديقها، يضاف إليها ما تم تحضيره خلال أشهر الحجر، وما سيطبع خلال الصيف.
«دار الآداب» في جعبتها لشهر سبتمبر حوالي 7 أو 8 روايات ستكون جاهزة، وتفضل عدم المجازفة بإطلاق نصوص لأسماء جديدة، ليكتشفها القراء. هذا يعني أن الظروف الصعبة ستسهم في تغيير خيارات النشر، كما ستدعو للتريث في المغامرة، وتحديد الأهداف.
«دار الآداب» لا ترى مناسباً أن تتكلف على لجان دراسة نصوص جديدة، ووضعها جانباً، دون أن تعرف متى سيكون بإمكانها نشرها وتوزيعها.
الانتظار الكبير لشهر سبتمبر سيراكم عدداً كبيراً من الإصدارات؛ لكن حصيلة السنة بشكل عام لن تكون كما المعتاد؛ إذ إن دار نشر كبيرة كانت تصدر أربعين إلى خمسين عنواناً في السنة، لن يتجاوز إنتاجها الثلاثين كتاباً عام 2020. المجازفة غير مأمونة العواقب.
معرض الشارقة ذكّر الناشرين بتسجيل مشاركتهم في معرض الكتاب الذي يبدأ في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني). ومن أيام قليلة فُتح باب التسجيل في معرض الكويت للكتاب، للدور التي تريد المشاركة، وهو يبدأ في 18 نوفمبر المقبل. وبدأ الناشرون بالتواصل مع المعنيين في البلدين بالفعل «وهو ما سيحفز الناشرين على المضي في العمل على إصدارتهم، وتهيئة أعمال جديدة بين شهر أغسطس (آب) وسبتمبر؛ حيث إن الشحن للمعارض يبدأ في هذه الفترة» بحسب إدريس.
إذن ثمة معارض للكتب تعمل وكأن كل شيء سيكون على ما يرام، رغم التحذيرات العالمية من أن موجة وباء جديدة قد تضرب العالم في الخريف المقبل. والناشرون في غالبيتهم لا يحبذون التشاؤم، وهذا يأتي في صالح الكتاب، ويمنح الجميع الأمل والعزيمة.
جائزة البوكر للرواية العربية، سهّلت بدورها مهمة الناشرين والروائيين معاً، وقبلت ترشيح روايات بصيغتها الإلكترونية، شرط أن تكون قد أصبحت ورقية قبل الإعلان عن الفوز باللائحة الطويلة، في شهر فبراير (شباط) من السنة المقبلة.
مع أن الحركة بدأت، وثمة ميل للقول إن كل شيء سيكون على ما يرام، فإن الانهيار الاقتصادي في لبنان لا يساعد كثيراً على رؤية بداية ميسّرة. ويعتقد سليمان بختي أن «الإنسان بات محشوراً في دائرته الفردية وهمومه الخاصة، باحثاً عن كفايته الذاتية، بينما الثقافة بشكل عام هي ذهاب إلى الدوائر الكبرى». وأكثر ما يخشاه في هذه الفترة هو «الإحباط»؛ لأن المحبط لا ينتج، وإن أنتج فبهزال.
وإن كانت الفنون البصرية من تشكيل وسينما لا تزال بخير، فإن المسرح والصحافة يتراجعان بشكل ملحوظ، وثمة أماكن لها رمزيتها الكبيرة تغلق أبوابها، ومؤسسات تتخلى عن مهماتها. «ويخشى على بعض المهن أن تنقرض بالفعل، تحت وطأة التقهقر، بعد أن أعيد الإنسان في الحجر إلى مرحلة أهل الكهف؛ حيث عليه أن يكتفي بتأمين حاجياته الأولى من أكل وشرب ونوم لساعات كافية من أجل الوقاية الصحية». لا يخفي بختي خوفه من التحولات «بحيث نجد أنفسنا في مدينة لم تعد تشبهنا، وقد أصبحت شيئاً آخر، بعد أن تفقد العديد من ملامحها، ولا تتمكن من مخاطبة آفاق الإنسان».
كيف ستكون بيروت بعد الحجر والانهيار الاقتصادي؟ من الصعب تخيل الأشهر المقبلة، ولا بد من أن تمويلات الأنشطة الثقافية التي كان يعتمد عليها والآتية من الخارج ستشح، والمهرجانات الصيفية لا تزال مجهولة المصير، ما دامت التجمعات غير ممكنة.
الثقافة تحتاج مناخات مؤاتية، وهذا ما لا يلوح في الأفق؛ لكن الأمل الوحيد المتبقي هو في المخيلة والنبض الحي الذي لم يفارق اللبنانيين يوماً. بين الرجاء والخوف من المجهول يتأرجح اللبنانيون، ويتلمسون طريقهم وهم يخرجون من الحجر إلى نصف حرية، بقليل جداً من الإمكانات.


مقالات ذات صلة

كيف يبدو مستقبل «كوفيد-19» في 2026؟

صحتك سجَّلت بريطانيا أحد أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بجائحة «كورونا» في أوروبا إذ حصد «كوفيد-19» أرواح نحو 226 ألف شخص (رويترز)

كيف يبدو مستقبل «كوفيد-19» في 2026؟

يتوقع خبراء استمرار «كوفيد-19» في 2026، مع هيمنة متحوِّرات «أوميكرون» وأعراض مألوفة، محذِّرين من التهاون.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك فيروس «كورونا» تسبب في وفيات بالملايين حول العالم (رويترز)

دراسة مصرية تثبت قدرة أدوية الالتهاب الكبدي على الحد من وفيات «كوفيد - 19»

كشفت دراسة طبية مصرية عن نجاح دواء يستخدم في علاج مرضى فيروس (التهاب الكبدي الوبائي سي) في الحد من مضاعفات الإصابة بفيروس «كوفيد - 19» المعروف بـ«كورونا»

نصري عصمت (لندن)
أوروبا سجّلت بريطانيا أحد أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بجائحة كورونا في أوروبا إذ حصد «كوفيد - 19» أرواح نحو 226 ألف شخص (رويترز)

أكثر من 14 مليار دولار تكلفة الاحتيال المتعلق بـ«كوفيد - 19» في بريطانيا

بلغت تكلفة الاحتيال المتعلق ببرامج الدعم الحكومي خلال جائحة كوفيد - 19 في بريطانيا 10.9 مليار جنيه إسترليني (14.42 مليار دولار).

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق امرأة ترتدي الكمامة خلال فترة انتشار الجائحة في كندا (رويترز)

كيف أثّر وباء «كوفيد» على مرحلة البلوغ لدى الفتيات؟

تسبب الإغلاق الذي فُرض بعد انتشار جائحة «كوفيد - 19» في توقف شبه تام للحياة، وشهد مئات الملايين من الأشخاص تغيُّرات جذرية في أنماط حياتهم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك طفلة تتلقى جرعة من لقاح «موديرنا» لفيروس «كورونا» بصيدلية سكيباك في شوينكسفيل - بنسلفانيا (رويترز)

تقرير أميركي: وفاة 10 أطفال بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا»

قال مارتي ماكاري، مفوض إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية، اليوم (السبت)، إن البيانات أظهرت وفاة 10 أطفال؛ بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

5 تمارين ذهنية لتنشيط الدماغ بعد سن الأربعين

ممارسة الكتابة الحرة تساعد على تنشيط الدماغ (جامعة يوتا الأميركية)
ممارسة الكتابة الحرة تساعد على تنشيط الدماغ (جامعة يوتا الأميركية)
TT

5 تمارين ذهنية لتنشيط الدماغ بعد سن الأربعين

ممارسة الكتابة الحرة تساعد على تنشيط الدماغ (جامعة يوتا الأميركية)
ممارسة الكتابة الحرة تساعد على تنشيط الدماغ (جامعة يوتا الأميركية)

تؤكد بحوث حديثة أن الدماغ لا يتوقف عن التطور مع التقدم في العمر؛ بل يواصل إنتاج خلايا عصبية جديدة حتى بعد منتصف العمر. وعلى عكس الاعتقاد السائد بأن «المرونة العصبية» تبلغ ذروتها في مرحلة الطفولة، أظهرت الدراسات أن الدماغ يظل قادراً على التكيُّف والتجدد طوال الحياة.

وبالنسبة لمن تجاوزوا سن الأربعين، يحمل هذا الاكتشاف رسالة أمل واضحة، مفادها أن نسيان الأسماء أو الشعور بما يُعرف بـ«ضبابية الذهن» ليسا أمرين حتميين؛ بل يمكن الحد منهما عبر تمارين ذهنية يومية لا تتجاوز 5 دقائق في اليوم، شرط الالتزام بها بانتظام.

وتشير مجلة «VegOut» الأميركية إلى أن هذه التمارين تحفِّز الدماغ وتدفعه للعمل بطرق جديدة وأكثر كفاءة.

واللافت أن هذه التمارين لا تتطلب وقتاً طويلاً أو أدوات باهظة الثمن؛ بل يمكن لأي شخص تطبيقها بسهولة ضمن روتينه اليومي.

1- الكتابة الحُرّة

في كل صباح، وقبل الانشغال بقائمة المهام اليومية، يُنصح بممارسة الكتابة الحرة دون تفكير أو مراجعة أو تصحيح. وقد تكون الكتابة عن أفكار عابرة، أو أحلام، أو حتى جمل متكررة، مثل: «لا أعرف ماذا أكتب». وتكمن الفائدة هنا ليس في مضمون ما يُكتب؛ بل في عملية تحويل الأفكار إلى كلمات دون رقابة داخلية.

2- العدُّ العكسي خلال تنظيف الأسنان

تقوم هذه العادة على اختيار رقم مكوَّن من 3 أرقام، والبدء في العد تنازلياً بطرح 7 خلال تنظيف الأسنان، مثل: 298، 291، 284. ويُجبر هذا التمرين الدماغ على التركيز خلال أداء مهمة روتينية، ما يُنشِّط الانتباه والذاكرة دون إضافة وقت جديد إلى جدول اليوم.

3- تعلَّم 5 كلمات بلُغة جديدة

تشير البحوث إلى أن تعلُّم اللغات الأجنبية يزيد من نشاط الدماغ، ويعزز مقاومته للتدهور المعرفي. ولا يشترط الوصول إلى الطلاقة؛ إذ إن تعلُّم 5 كلمات يومياً كافٍ لتحقيق فائدة ملموسة، ومع الاستمرارية يمكن اكتساب أكثر من 1800 كلمة سنوياً، وهو ما ينعكس إيجاباً على القدرات الذهنية.

4- التأمل عبر فحص الجسد

وهو نوع من التأمل يركِّز على الانتباه الواعي لكل جزء من الجسم، بدءاً من أصابع القدمين وصولاً إلى الرأس، خطوة بخطوة، مع ملاحظة أي شعور جسدي، مثل التوتر أو الحرارة أو البرودة، دون محاولة تغييره أو إصدار أحكام بشأنه.

5- الامتنان بتفاصيل محددة قبل النوم

بدلاً من عبارات الامتنان العامة، مثل: «أنا ممتن لعائلتي»، يُفضَّل التركيز على تفاصيل دقيقة، مثل ضوء الصباح أو موقف لطيف مع أحد الجيران. ويُنشِّط هذا النوع من الامتنان مراكز الذاكرة والعاطفة واللغة معاً، كما ثبت أنه يُحدث تغييرات إيجابية في بنية الدماغ.

ويشير الخبراء إلى أن دماغ الإنسان بعد منتصف العمر لا يتدهور بالضرورة؛ بل يتغير، ويمكن توجيه هذا التغيير بشكل إيجابي؛ فالعادات اليومية البسيطة تُحفِّز الخلايا العصبية على العمل بأنماط جديدة، ما يعزز الوضوح الذهني والإبداع والمرونة العقلية.

وينصح الخبراء باختيار تمرينين أو ثلاثة من هذه الممارسات، والالتزام بها لمدة شهر، ثم إضافة المزيد تدريجياً، مؤكدين أن التأثير التراكمي لهذه الخطوات الصغيرة قد يكون مذهلاً على المدى الطويل.


من الألم إلى الإبداع... كيف يُعيد الفن بناء الذات؟

التعافي من مرض مزمن كان تحدياً صعباً لبيثاني ويليامز (غاليري بيثلم)
التعافي من مرض مزمن كان تحدياً صعباً لبيثاني ويليامز (غاليري بيثلم)
TT

من الألم إلى الإبداع... كيف يُعيد الفن بناء الذات؟

التعافي من مرض مزمن كان تحدياً صعباً لبيثاني ويليامز (غاليري بيثلم)
التعافي من مرض مزمن كان تحدياً صعباً لبيثاني ويليامز (غاليري بيثلم)

في بعض الأحيان، يكون الفن أكثر من مجرد إبداع؛ يكون ملاذاً، وطريقة لاستعادة الذات المفقودة بين الألم والصمت. هذا ما اكتشفته الفنانة الشابة بيثاني ويليامز، التي وجدت في ممارسة الفن وسيلة لإعادة الاتصال بنفسها تدريجياً بعد صراع طويل مع مرض مزمن.

معرضها الأول «هذا المكان البري، المؤلم حدّ الوجع، والجميل»، يعكس رحلتها الشخصية بكل تفاصيلها الدقيقة. المعرض، المعروض حالياً في لندن، ليس مجرد قطع فنية، بل هو سرد حي لتجربة إنسانية عميقة، تحكي قصة الألم، والصبر، والتعافي.

في عام 2013، شُخِّصت ويليامز بـ«الصداع اليومي المستمر الجديد»، مرض يزرع الألم في الرأس والوجه بلا هوادة. وحين دخلت في فترة هدوء مؤقتة، عاد المرض عام 2022 بأعراض أقسى، أجبرتها على ملازمة الفراش لفترة طويلة. عن تلك المرحلة الصعبة تقول: «قضيت عاماً ونصف العام طريحة الفراش، ثم بدأت أتحسن ببطء شديد، وكانت تلك المرحلة بالغة الصعوبة».

المعرض، كما تصفه، هو «رسالة حب إلى الأرض التي احتضنتني، وإلى الألم الذي غيّرني، وإلى نسخة من نفسي لم أكن أتوقع أن ألتقيها يوماً». وخلال تلك الفترة الحرجة، عادت ويليامز، الفائزة مؤخراً بجائزة مجلس الأزياء البريطاني وصندوق فوغ للمواهب الصاعدة، إلى جزيرة مان، لتجد فيها المساحة والوقت لإعادة التواصل مع إبداعها الفني واستعادة توازنها الداخلي؛ وفق «بي بي سي».

رحلتها نحو التعافي كانت مليئة بالتجارب المتنوعة؛ من العمل بالخزف إلى الانغماس في الطبيعة، وهي تقول إن هذه اللحظات «أعادتني إلى ذاتي ببطء». وأضافت: «طورنا في المعرض منحوتات ضوئية، وبما أنني كنت شديدة الحساسية تجاه الضوء، أردت استخدامه كرمز لتقدمي في التعافي».

تصاميمها استُلهمت من المناظر الطبيعية ورحلتها في التعافي (غاليري بيثلم)

المعرض، أول عرض فردي لها، يضم 3 منحوتات ضوئية نسيجية تمثل مراحل التعافي المختلفة، إلى جانب منحوتات بورسلان، ولوحات فنية، وتركيب من الأقمشة، وشاشة خشبية. وتقول ويليامز إن هذه الأعمال تختزل مسيرتها نحو الشفاء، رحلة «مؤلمة إلى حد كبير، لكنها حملت معها دروساً حياتية جميلة للغاية».

إلهامها جاء من الطبيعة الساحرة لجزيرة مان: الأحجار القائمة في العراء، والمرتفعات الشامخة، والأشجار التي شكلتها الرياح العاتية. وأضافت أن المناطق المرتفعة، حيث تنمو ثمار العليق والتنور ونبات الخلنج، كانت بالنسبة لها «منعزلة على نحو جميل».

وعن أسلوبها الفني، تقول: «كنت أسعى لخلق إحساس شبحاني، غامض وجميل في آن واحد، يشبه تلك اللحظة التي يفقد فيها الإنسان ذاته ثم يعود إليها تدريجياً». وختمت: «إنه رسالة حب إلى الأرض التي احتضنتني، وإلى الألم الذي غيّرني، وإلى النسخة من نفسي التي لم أكن أتوقع أن ألتقيها».

يستضيف «غاليري بيثلم» في لندن المعرض حالياً حتى نهاية يناير (كانون الثاني)، وسيُنقل لاحقاً إلى «بيت مانانان» عام 2027، ليبقى شاهداً حياً على رحلة فنانة استطاعت تحويل الألم إلى جمال، والفقدان إلى اكتشاف الذات.


مصر: هروب جماعي لمدمنين يثير تساؤلات بشأن طبيعة عمل المصحّات

جانب من عمليات التفتيش على منشآت علاج الإدمان (الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان)
جانب من عمليات التفتيش على منشآت علاج الإدمان (الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان)
TT

مصر: هروب جماعي لمدمنين يثير تساؤلات بشأن طبيعة عمل المصحّات

جانب من عمليات التفتيش على منشآت علاج الإدمان (الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان)
جانب من عمليات التفتيش على منشآت علاج الإدمان (الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان)

أثارت واقعة هروب جماعي لعدد من مرضى الإدمان في مصر من داخل إحدى المصحات الخاصة في محافظة الجيزة تساؤلات بشأن بروتوكول العلاج بالمصحات ومدى الالتزام بتطبيق الإجراءات العلمية المتبعة للعلاج داخلها.

وانتشر، الأحد، عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لهروب جماعي لعدد من المرضى في منطقة المريوطية بالجيزة، مع أحاديث انتشرت عبر هذه المواقع بشأن «سوء معاملة» داخلها، في حين أكدت وزارة «الصحة» المصرية أن المنشأة «غير مرخصة من الأساس، وتمارس نشاطاً غير قانوني عبر انتحال صفة (منشأة طبية)، مع التحرك الفوري لمحاسبة المسؤولين القائمين عليها وإحالة الواقعة للنيابة العامة من أجل غلقها نهائياً».

منشآت غير مرخصة

وأكدت الوزارة تشكيل لجان لتنفيذ حملات تفتيش موسعة على المنشآت الطبية غير المرخصة على مستوى الجمهورية، وبمشاركة المجلس القومي للصحة النفسية والأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، إلى جانب وزارة الداخلية، حيث أسفرت هذه الحملات خلال عام 2025 عن إغلاق مئات المنشآت المخالفة، منها 112 منشأة في 5 محافظات فقط خلال النصف الأول من العام.

وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مشكلات داخل مراكز غير مرخصة، مع تكرار وقائع هروب المقيمين في المراكز غير المرخصة أو الحاصلة على تراخيص قانونية، التي كان منها وفاة شقيق المطرب رامي صبري بعد هروبه من مركز مماثل في المنطقة نفسها في يوليو (تموز) 2021.

توقيع مذكرة تفاهم مع «فياترس» لتطوير مجالات الرعاية الصحية بملف الصحة النفسية (الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان)

وقالت عضو لجنة الصحة في مجلس النواب، إيرين سعيد، لـ«الشرق الأوسط»، إن الواقعة تفتح الباب أمام تساؤلات عدّة حول غياب الرقابة والتفتيش المستمر على مراكز علاج الإدمان، على الرغم من تعدد الجهات التي يفترض أن تقوم بهذا الدور وفقاً للقانون، مشيرة إلى أن «الحصول على تراخيص لإقامة منشأة طبية أمر يمر عبر جهات عدّة ويستلزم استيفاء شروط وتراخيص قبل البدء في ممارسة عملها».

وأضافت أن «المراكز غير المرخصة والمنتشرة في مواقع كثيرة تفتقد للعديد من الأساسيات الواجب توافرها، ليس بالعلاج فقط، ولكن في توفير الظروف التي يمكن أن تساعد المدمن على التعافي»، مؤكدة أن «هذا الأمر يتطلب تحركاً واضحاً للعمل على إغلاقها وتوفير البدائل، خصوصاً لما يشكله هذا الأمر من خطورة داهمة».

فجوة كبيرة

المدير السابق ومؤسس وحدة الإدمان في مستشفى «العباسية للصحة النفسية»، عبد الرحمن حماد، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك فجوة عالمية بعدد الأسِرّة المتوفرة من أجل معالجة المدمنين على مستوى العالم، وليس في مصر فقط»، مشيراً إلى أن «تجهيز منشأة للعلاج النفسي يتطلب تراخيص من نقابة (الأطباء) و(المجلس القومي للصحة النفسية)، بالإضافة إلى إدارة (العلاج الحر) في وزارة الصحة، وهو أمر لا تلتزم به غالبية المصحات التي تتلقى مبالغ متواضعة مقابل علاج المرضى».

وأضاف أن «هناك مصحات كثيرة لا توفر بيئة علاجية مرتبطة بمكان جيد وطعام مناسب وإشراف طبي ونفسي واجتماعي ورياضي للمريض في رحلته للتعافي»، موضحاً أن «جزءاً من الأزمة يكون مرتبطاً برغبة الأهالي في إدخال مرضاهم لمصحة من أجل تلقي العلاج، وربما صعوبة العثور على مكان في مستشفى حكومي مع وجود حالات انتظار كثيرة يتسبب في إيداعهم بمصحات غير مرخصة».

وتابع أن «علاج الإدمان يتطلَّب معايير متعددة لا تتوافر في المصحات غير المرخصة بشكل كبير»، موضحاً أن «الحملات الرقابية التي ساهمت في إغلاق كثير منها يتم التحايل عليها بإعادة فتحها في مبانٍ جديدة مع سهولة التجهيزات التي تتطلبها من وجهة نظر القائمين عليها، والمرتبطة بتركيب أبواب حديدية وشبابيك مماثلة لمنع المرضى من الهرب».

دار غير مرخصة لعلاج الإدمان بالإسكندرية (الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان)

وهنا يشير أستاذ الطب النفسي جمال فرويز لـ«الشرق الأوسط» إلى المبالغ المالية الكبيرة التي يتطلبها إنشاء مصحة مرخصة وتجعل الشريحة الكبرى من المواطنين غير قادرة على التعامل معها من الناحية المالية، مؤكداً أن «متوسط يوم العلاج في المستشفى وفق المعايير الطبية المطلوبة لا يجب أن يقل عن 8 آلاف جنيه (الدولار يعادل 47.5 جنيه في البنوك) وهو أمر لا يناسب الشريحة الكبرى من المرضى».

طريقة قاسية

وأضاف أن «أسراً كثيرة تلجأ إلى المصحات غير المرخصة التي تتقاضى في المتوسط من الأسرة ما بين 10 إلى 15 ألف جنيه شهرياً، في مقابل احتجازه للعلاج، مؤكداً أن طرق العلاج المتبعة في داخلها تكون قاسية في كثير من الأحيان، وترتكز على منع المدمن من التعاطي، لكن من دون أي اعتبارات أخرى، وهو أمر قد تكون له تداعيات سلبية بشكل كبير على حياته بعد الخروج منها».

ووفق بيانات «صندوق مكافحة الإدمان»، فإن عددَ من تقدموا للعلاج في 2025 بلغ نحو 150 ألفاً، في حين خضع أكثر من ربع مليون فرد للكشف الإداري لبيان مدى تعاطيهم المواد المخدرة من عدمه، فيما يتبنى الصندوق التابع لوزارة «التضامن الاجتماعي» خطة وطنية لمكافحة المخدرات والحدّ من مخاطر التعاطي والإدمان، بدأ تنفيذها في 2024 وتستمر لمدة 4 سنوات.