الوباء يحمل أنباء «سارة» إلى المافيا الإيطالية

عدد من زعمائها شوهدوا يتجوّلون في الشوارع بعد إخلاء سبيلهم

الشرطة الإيطالية تعتقل أحد المتظاهرين خارج سجن بروما الشهر الماضي (رويترز)
الشرطة الإيطالية تعتقل أحد المتظاهرين خارج سجن بروما الشهر الماضي (رويترز)
TT

الوباء يحمل أنباء «سارة» إلى المافيا الإيطالية

الشرطة الإيطالية تعتقل أحد المتظاهرين خارج سجن بروما الشهر الماضي (رويترز)
الشرطة الإيطالية تعتقل أحد المتظاهرين خارج سجن بروما الشهر الماضي (رويترز)

منذ أن انقضّت جائحة «كوفيد - 19» على الشمال الإيطالي وقصمت ظهر أحد أفضل الأنظمة الصحية في العالم ووضعت القوة الاقتصادية والصناعية الثالثة في الاتحاد الأوروبي في حال من الإغماء، انسدل الخوف على المشهد الإيطالي الذي راح يتلبّد بالقلق من المستقبل على وقع الخسائر البشرية والمادية الفادحة والانهيارات الاقتصادية وإفلاس المؤسسات، وارتفاع هرم البطالة بشكل لم تعرفه البلاد منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن مع مرور الأيام، يتبدّى أن «كورونا» الذي يوزّع الرعب والقلق بسخاء على الإيطاليين لا يحمل سوى الأخبار السارّة إلى المافيا والعديد من التنظيمات التي تدور في فلكها. فمنذ الأسابيع الأولى للحظر الذي أوقف النشاط الاقتصادي وشلّ الحركة في قطاع العمل غير المنظّم، توفّرت تربة خصبة لتمدّد المنظمات الإجرامية في الأحياء الفقيرة التي تنشط فيها عادة، وحيث تسجل معدلات مرتفعة من البطالة بين الشباب في مدن مثل نابولي وباليرمو. ومع مرور الوقت وعجز الكثير من الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عن تحمّل أعبائها المالية، كانت المافيا جاهزة من أجل «إنقاذها» وغسل كتلتها النقدية الطائلة التي تقدّر بما يقارب ١١٪ من إجمالي الناتج القومي في إيطاليا.
كل ذلك كان في حسابات المراقبين الذين يعرفون أن الأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية كانت دائماً تضرب موعداً مع الفرص التي تفتح الأبواب أمام المافيا، لكي تتغلغل أكثر في النسيج الاجتماعي والاقتصادي، لكن أحداً لم يتوقّع أن التدابير والإجراءات التي تتخذها الحكومة لاحتواء الفيروس ومنع انتشاره ستؤدي يوماً إلى فتح أبواب السجون أمام زعماء المافيا التاريخيين ليخرجوا إلى الحريّة. أواخر الأسبوع الماضي، أصدر وزير العدل الفونسو بونافيدي مرسوماً يقضي بإخلاء سبيل المعتقلين الذين تجاوزوا السبعين من العمر ويعانون من أمراض سابقة يمكن أن تهدد حياتهم في حال إصابتهم بفيروس كورونا. الهدف من المرسوم كان توفير العناية الصحية للمعتقلين، وتخفيف الاكتظاظ في السجون الإيطالية التي شهدت سلسلة من أعمال العصيان والتمرّد أدّت إلى مقتل ١٣ شخصاً. لكن من بين الذين خرجوا في الدفعة الأولى مطلع هذا الأسبوع، ٣٧٦ من زعماء المافيا. وينتظر أن يلحق بهم حوالي ٦ آلاف من عناصر المنظمات الإجرامية تقدموا بطلبات للاستفادة من المرسوم الذي يجيز الانتقال إلى الحجز المنزلي لمن لا تزيد عقوباتهم عن ١٨ شهراً.
وقد شوهد عدد من «نجوم» زعماء المافيا وأشدّهم خطورة، يتجوّلون في شوارع بعض المدن الجنوبية ويرتادون المقاهي والمطاعم التي يعتقد أنهم يملكونها، فيما راحت صورهم وأخبارهم تتصدّر الصحف والنشرات الإخبارية إلى جانب وقائع أزمة فيروس كورونا وتطوراتها. وفي نابولي، شوهد المارّة يصوّرون بهواتفهم «باسكوالي زاغاريا» الذي كان يتزعّم أحد أكبر التنظيمات الإجرامية في تاريخ إيطاليا، والذي أصدر «الحكم بالإعدام» على الكاتب والصحافي المعروف روبرتو سافيانو الخبير في شؤون المافيا والذي يعيش منذ اثنتي عشرة سنة تحت الحراسة الدائمة. وفي باليرمو، شوهد أمس «فرنكو كاتالدو» المحكوم بالسجن المؤبد لتذويبه في الأسيد ابن أحد التائبين الذي أدلى بمعلومات للشرطة عن الزعيم التاريخي الأكبر للمافيا «توتو رينا».
وقد أثارت هذه التطورات عاصفة من الاحتجاجات السياسية، حيث طالبت المعارضة باستقالة وزير العدل الذي يعتبر من الأركان الأساسية للحكومة، وكان وراء تكليف رئيسها جوزيبي كونتي الذي لم يكن له عهد بالعمل السياسي في السابق. لكن الاحتجاجات لم تقتصر على المعارضة السياسية والعديد من وسائل الإعلام التي انتقدت بشدّة خطوة الحكومة، بل شملت الأجهزة القضائية التي تنشط منذ سنوات في مكافحة المافيا والجريمة المنظمة، وروبرتو سافيانو الذي قال إن «الحرص على صحة جميع المعتقلين واجب في هذه المرحلة، لكن يجب أن يكون في مراكز صحّية خاصة تخضع لمراقبة أمنية مشدّدة وليس في الحجز المنزلي». واعتبر سافيانو الذي له مؤلفات هامة تكشف الكثير من خبايا المافيا وأسرارها، أن ثمّة احتمالات قوية جداً في أن يستغلّ زعماء المافيا الإفراج عنهم للهرب، خاصة أنهم يتمتعون بقاعدة لوجيستية واسعة في الداخل والخارج، ويسهل عليهم التواري نهائياً عن أنظار الأجهزة الأمنية والعدالة. وتتوقع بعض الأوساط القضائية أن يخرج من السجن قريباً بعض الزعماء التاريخيين للمافيا المسؤولين عن جرائم كبرى مثل اغتيال القاضي الشهير «جيوفانّي فالكوني» في عملية تفجير سيارته بعبوة أودت بحياة جميع مرافقيه وحرّاسه، أو اغتيال اللواء «دي لا كييزا» الذي كان مفوّضاً خاصاً مكلّفا مكافحة المافيا في صقلية، والذي أدّى اغتياله إلى موجة غضب شعبي عارمة واتهامات للدولة بأنها تخلّت عنه وكانت متواطئة مع المافيا لتصفيته. كما ينتظر أيضاً أن يعود إلى إيطاليا بعض قادة المافيا الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي إثر اندلاع الحرب بين عائلات المافيا الكبرى في صقلية.
وفي محاولة لتهدئة الاحتجاجات واحتواء الانفجار السياسي الذي يلوح في الأفق، سارع وزير العدل إلى إصدار مرسوم تعديلي يجيز للقضاة إعادة النظر في الظروف التي أتاحت إخلاء سبيل المعتقلين من الزعماء التاريخيين للمافيا، لكن العاصفة لم تهدأ وعلّق أحد القضاة على قرار الوزير بقوله إن «زعماء المافيا مثل معجون الأسنان، متى خرجوا من الأنبوب تصعب إعادتهم إليه».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».