‏الرحلة 20 ‏راكباً وتدابير ‏للوقاية... ملامح ‏السفر في زمن ‏‏«كورونا»‏

داخل الطائرة أثناء التوجه من مينيابوليس إلى بالتيمور (أ.ف.ب)
داخل الطائرة أثناء التوجه من مينيابوليس إلى بالتيمور (أ.ف.ب)
TT

‏الرحلة 20 ‏راكباً وتدابير ‏للوقاية... ملامح ‏السفر في زمن ‏‏«كورونا»‏

داخل الطائرة أثناء التوجه من مينيابوليس إلى بالتيمور (أ.ف.ب)
داخل الطائرة أثناء التوجه من مينيابوليس إلى بالتيمور (أ.ف.ب)

يرزح قطاع ‏السفر في ‏الولايات ‏المتحدة تحت ‏وطأة تداعيات ‏كبرى لفيروس ‏‏«كورونا» ‏المستجد وسط ‏مطارات مقفرة، ‏وعدد لا يُحصى ‏من الرحلات ‏الملغاة ومطاعم ‏ومحال مغلقة.‏
مراسلو «وكالة ‏الصحافة ‏الفرنسية» ‏رصدوا ‏مشاهدات ‏خلال تجربة ‏سفر «غير ‏اعتيادية» من ‏ولاية داكوتا ‏الجنوبية إلى ‏واشنطن، في ‏زمن الجائحة.‏
الرحلات إلى ‏دنفر ملغاة، ‏وكذلك بالنسبة ‏إلى فينيكس. ‏السبت، تقلع ‏طائرة واحدة من ‏المطار الصغير ‏في رابيد سيتي ‏بولاية داكوتا ‏الجنوبية متّجهة ‏إلى مينيابوليس ‏في ولاية ‏مينيسوتا.‏
في مطار رابيد ‏سيتي كل المحال ‏مُغلقة، في حين ‏يتولى عامل من ‏دون كمامة ‏تعقيم السلّم ‏الآلي في محطة ‏الركاب شبه ‏الخالية.

إلا أن لهذا ‏المشهد المأسوي ‏فوائده أيضاً: ‏لأول مرة ليس ‏هناك طابور ‏طويل أمام نقطة ‏التفتيش، حيث ‏تسأل شرطية ‏بلباقة: «هل ‏يمكنك إزالة ‏الكمامة؟»، ‏للتدقيق في ‏تطابق الصورة ‏على جواز ‏السفر.‏
وتملأ قاعات ‏الركاب لافتات ‏على غرار «ما ‏هو التباعد ‏الاجتماعي؟»، ‏في تذكير لا بد ‏منه في ولاية تُعد ‏من القليلات ‏اللواتي لم تفرض ‏العزل على ‏سكانها خلال ‏الجائحة.‏
القلة المسافرون ‏لبقون ويتقيدون ‏بالتدابير، ‏وبالمسافة الآمنة ‏المفروضة قبل ‏الصعود إلى ‏الطائرة. بعضهم ‏يضع كمامات، ‏علماً بأنه مشهد ‏نادر في هذه ‏الولاية.‏
وبسبب إلغاء ‏‏«الخطوط ‏الجوية دلتا» ‏رحلتين في اليوم ‏السابق من رابيد ‏سيتي إلى ‏مينيابوليس ‏لتفادي تسيير ‏رحلات شبه ‏خالية من ‏الركاب، تراكم ‏عدد ركاب ‏رحلة السبت ‏ليبلغ 20 ‏مسافراً قررت ‏الشركة تحديد ‏مقاعدهم ‏بطريقة غير ‏اعتيادية.

تم وضع الركاب ‏غير المترافقين ‏إلى جانب ‏بعضهم البعض، ‏ومنح كثر من ‏بينهم مقاعد في ‏الناحية الخلفية ‏من الطائرة ‏الصغيرة فيما ‏المقاعد الأمامية ‏بقيت شاغرة.‏
وبما يشبه ‏الاعتذار قالت ‏مضيفة تضع ‏قفازات من دون ‏كمامة خلال ‏توزيع وجبات ‏سريعة مغلّفة ‏بأكياس ‏بلاستيكية ‏وقوارير مياه ‏ومحارم التعقيم: ‏‏«لا نقدم ‏خدمات على ‏متن الطائرة».‏
وتجوب المضيفة ‏الممر مراراً ‏حاملة كيساً ‏للقمامة للتأكد ‏من عدم ترك ‏أي مخلفات في ‏الجيوب الخلفية ‏للمقاعد.‏
وأجرت الطائرة ‏التي تقل فريق ‏‏«وكالة ‏الصحافة ‏الفرنسية» ‏توقفاً قصيراً في ‏مينيابوليس ‏حيث غالبية ‏المحال والمطاعم ‏مغلقة.‏
وفي المطار المفعم ‏عادة بالحياة، ‏الذي يُعدّ صلة ‏وصل إقليمية، ‏خيّم صمت ‏شبه مطبق ‏خرقته بين الحين ‏والآخر ‏توجيهات التقيّد ‏بتدابير الوقاية.

ومع استعداد ‏الركاب للإقلاع ‏على متن رحلة ‏أخرى لشركة ‏‏«دلتا» متّجهة ‏إلى مطار ‏بالتيمور - ‏واشنطن الدولي، ‏عُرض لهم ‏تسجيل فيديو ‏عن تدابير ‏الوقاية من ‏الفيروس قبل ‏الفيديو ‏الاعتيادي الذي ‏يشرح كيفية نفخ ‏سترة النجاة أو ‏إيجاد المخارج ‏في حال حصول ‏أي حادث ‏خلال الرحلة.‏
على متن الطائرة ‏الثانية، وهي ‏أكبر بكثير من ‏الأولى، حظي ‏كل راكب ‏بصف من ‏ثلاثة مقاعد، ‏وكأنه مسافر في ‏الدرجة الأولى ‏إنما من دون ‏الشمبانيا.‏
لكن عند ‏الوصول إلى ‏مطار بالتيمور ‏‏- واشنطن هرع ‏الركاب لمغادرة ‏مقاعدهم من ‏دون التقيّد بأي ‏من تدابير ‏التباعد ‏الاجتماعي. ‏يبدو أن ‏العادات السيئة ‏يصعب تغييرها!‏


مقالات ذات صلة

موريشيوس تفوز بلقب أفضل وجهة لقضاء شهر العسل

سفر وسياحة موريشيوس وجهة رومانسية (الشرق الأوسط)

موريشيوس تفوز بلقب أفضل وجهة لقضاء شهر العسل

فازت دولة جزيرة موريشيوس بلقب أفضل وجهة في العالم لقضاء شهر العسل ضمن جوائز خيار المسافرين المرموقة لعام 2025 التي يمنحها موقع Trip Advisor

سفر وسياحة ينصح بوضع المتعلقات الثمينة في مكان آمن على الطائرة (أدوبي ستوك)

كيف تحمي نفسك من السرقة على متن الطائرة؟

في خبر تناولته الوسائل الإعلامية العربية جاء فيه أن الإعلامي اللبناني نيشان، تعرض لسرقة أغراضه الخاصة والثمينة من حقيبته التي كانت في المقصورة العلوية للطائرة

جوسلين إيليا (لندن)
سفر وسياحة سياح من مختلف  انحاء العالم يتجهون إلى حيث أحد أقدم منتزهات مدينة كيوتو(الشرق الأوسط)

«كيوتو»... مدينة السياحة والتاريخ والثقافة والطعام

يزول الاندهاش بحجم الإقبال الكبير من المسافرين بالقطار السريع، من العاصمة اليابانية طوكيو إلى كيوتو مدينة السياحة والتاريخ والثقافة والإبداع والتعليم والطعام.

فتح الرحمن يوسف (كيوتو)
سفر وسياحة تقدم المتاحف في إيطاليا يوماً مجانياً لرعاية الكلاب لجذب مزيد من الإيطاليين إلى أبوابها على مدار العام المقبل (أ.ب)

المتاحف الإيطالية تقدم خدمة مرافقة الكلاب مجاناً لتشجيع الزوار

تقدم المتاحف في إيطاليا يوماً مجانياً لرعاية الكلاب لجذب مزيد من الإيطاليين إلى أبوابها على مدار العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (روما)
الاقتصاد شعار الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) (الشرق الأوسط)

«إياتا»: ارتفاع الطلب على السفر الجوي 8.1 % في نوفمبر

أعلن الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) ارتفاع إجمالي الطلب على السفر خلال نوفمبر الماضي بنسبة 8.1 % مقارنةً مع الشهر ذاته من عام 2023

«الشرق الأوسط» (الرياض)

التشكيلية اللبنانية زينة الخليل... الألم خطَّاطُ المسار

الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)
الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)
TT

التشكيلية اللبنانية زينة الخليل... الألم خطَّاطُ المسار

الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)
الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)

كانت على الدوام فنانة، تتمدَّد كمَن يُراقب الكون، وتحلُم. ألحَّ شعورٌ بالانسلاخ عن العالم والبحث المرير عن شيء مفقود تُطارده ويهرُب. فضَّلت التشكيلية اللبنانية زينة الخليل العزلة. طَرْحُ الأسئلة الصعبة نَبَت منذ الصغر: «مَن أنا وما معنى الحياة؟». تعجَّبت لانشغال رفاق الصفّ باللعب دون سيطرة الهَمّ. «لِمَ يلهون ولا ألهو؟»، تساءلت. تأمّلت من دون أن تدري ماهية التأمُّل، وفكَّرت في الوجود من دون علمها بأنها الفلسفة.

ولمَّا رسمت؛ فوجئت: «آه، إنني أرسم! لا أدري كيف ولكنني أرسم! أستطيع نقل الأشياء إلى الورق. ذلك يُشعرني ببهجة». الرسم ضمَّد جراح العقل. وجَّه طاقتها نحو شيء آخر غير البحث المُنهك عن شرح. ومن هنا بدأت.

من التأمُّل والتفكير في الوجود رسمت للمرة الأولى (زينة الخليل)

تُخبر الفنانة زينة الخليل المقيمة في لندن «الشرق الأوسط» أنّ نشأتها في أفريقيا أتاحت الوقت الكافي للتفكير. شدَّتها الطبيعة، وراحت تشعر برابط بين الجسد الإنساني والأرض. وبالصلة بين جبّارين: الروح والتراب. تقول: «عبر النجوم والأشجار، حدث اتصالي مع الوجود. بالتأمّل والرسم، كتبتُ الفصل الأول من حياتي».

يأتي الألم بوعي مختلف لم يُعهَد من قبل ويتيح النموّ الداخلي (زينة الخليل)

عام 1994 عادت إلى لبنان. كانت مدافع الحرب الأهلية قد هدأت، مُتسبِّبةً بعطوب وبرك دم: «كنتُ في الـ18 حين شعرتُ بأنّ شيئاً يجرُّني للعودة ويقذفني نحو بلدي المُثقل. أتيتُ وحيدةً، وعائلتي في نيجيريا. اليوم أتفهّم عمق العلاقة بالأرض والطاقة. تلك التي لاحت في الطفولة ولم أستقرّ على تعريف لها. جسَّدها شعور تجاه صخرة أو شجرة أو ورقة تتساقط. الصوت الذي ناداني للعودة، سمعتُه جيداً. لم أقوَ على صدِّه. ورغم هواجس العيش على أرض هشَّمتها الحرب، اخترتُ المجيء».

طَرْحُ الأسئلة الصعبة نَبَت منذ الصغر وألهمها الرسم (زينة الخليل)

الفنّ عند زينة الخليل ليس للنفس فقط، وإنما للآخرين. وفي وقت واجهت التجارب القاسية في بلد شهد عقدين من احتدام المعارك، شعرت، بكونها امرأة، بالاعتداء المستمرّ عليها. مسلّحون يتجوّلون ومظاهر تفلُّت. ذلك يفسِّر ميل أعمالها المُبكرة إلى «النسوية المُفرطة»: «أردتُ إيجاد مكاني بوصفي امرأة والنضال للشعور بالأمان. لم أجسِّد الحركة النسوية المألوفة التي شهدتها أوروبا وأميركا آنذاك. مواجهة الميليشيا والإحساس بالخطر الفردي جعلا نسويتي تتجاوز حيّزها. راحت أعمالي تنتقد الحرب والأسلحة. وضعتُ فنّي بمواجهة هذه الإشكالية: هل حقاً يحتاج الإنسان إلى سلاح لإثبات نفسه؟».

الرسم ضمَّد جراح العقل (زينة الخليل)

ولمحت مُحرِّك العنف ومؤجِّجه: «البشر والدول يتقاتلون حول الموارد والثروات. العناوين الأخرى، منها الأديان، ذريعة. أدخلتُ مادة البلاستيك في أعمالي لإدراكي قوة العلاقة بين المُستهلك والمعركة. البلاستيك مصنوع من النفط، والنفط يُشعل الحروب. تجرَّد الإنسان من الحسِّ وأصبح العالم مُجمَّعاً تجارياً ضخماً. بتبنّي (الكيتش) في الرسم، سجّلتُ موقفي ضدّ تغليب القوة والحلول السريعة على وَضع استراتيجيات السلام. طغى اللون الزهريّ على رسومي مُجسِّداً البلاستيك والعلكة واللامعنى. شكَّل فنّي محاكاة للعبة الباربي بصورتها النمطية وما مثّلته من سطحية وانعدام العمق».

تسلُّل السخرية إلى الموضوع الجدّي محاولةٌ لجَعْل النقاش أقل غرابة (زينة الخليل)

تسلُّل السخرية إلى الموضوع الجدّي محاولةٌ لجَعْل النقاش أقل غرابة. لسنوات واصلت الفنانة تبنّي هذا الأسلوب وبه عرفت. وباندلاع حرب 2006 في لبنان، تحوَّلت إلى تدوين الأحداث، وإنما الرغبة بمواصلة الرسم تأجَّجت: «دوري ناشطةً ومدوّنةً لم يُشبع نهمي. وذات يوم، عشتُ تجربة صوفية لا أملك شرحها. كأنني عدتُ إلى زينة في أفريقيا والرابط بين الوجود والإنسان. البعض يسمّيه النداء الروحي. فجأة، لم يعُد عالم المادة مهماً، وشعرتُ بحبل في داخلي يُقطَع. غمرني الشعور بألم الأرض، فلم أجد منزلاً لي. مسقطا أمي وأبي، كلاهما تألّم بتداعيات الحروب. سمعتُ نداء الأرض: (تعالي لنُشفى معاً!). كأنني كنتُ أتعرّف إلى وجعي من أوجاعها. كان نداء عميقاً. أمضيتُ الوقت في تلمُّس التراب. شعوري بأنني لستُ في منزل؛ لا أنتمي، ولا أعرف مَن أنا، جرَّ فنّي إلى مكان آخر. رسمتُ ولم أدرك ماذا أرسم. أجريتُ مراسم لشفاء الأرض، فأشعلتُ النار من أجلها ورفعتُ الصلاة. سألتُ الطاقة أن تتبدَّل. والأشياء العالقة في الكون أن تتّخذ مجراها. مثل مَن ماتوا بلا دفن لائق، وبلا جنازة ووداعات. طاقة هؤلاء ظلَّت عالقة. لم تحدُث المصالحة بعد الحرب. بزيارتي الأماكن حيث حلَّت مجازر، وإشعالي النار، حَدَث التواصل. كأنني أقول للموتى الذين أرسم أرواحهم بأنني هنا؛ أراكم وأعترف بكم. أنتم منسيّون بجميع الطرق. الدولة لم تعترف بكم، لم تُؤبَّنوا. أنا هنا لأراكم وأكون شاهدة. بهذا بنيتُ اتصالاً فريداً مع لبنان».

طغى اللون الزهريّ مُجسِّداً البلاستيك والعلكة واللامعنى (زينة الخليل)

أرادت لفنّها التصدّي للعنف، فوظَّفت رماد النار التي أقامتها للمراسم مادةً للرسم. أنجزت مجموعات بتلك المادة السوداء ومن الحبر. وبدل الفرشاة، فضَّلت الأقمشة. بالكوفية مثلاً، لمست وحدة الشعوب، فأدخلتها في لوحاتها: «كل حفل شفاء أردتُه لنفسي وللبنان وللشرق الأوسط والكون. غمّستُها بالحبر ورسمتُ بها لنحو 10 سنوات. في الهند، درستُ الروحانيات ولمستُ اختفائي. الرسوم تتحوّل انعكاساً لروحي، كما أنّ روحي تُغذّي فنّي، فيتكاملان تماماً».

وظَّفت رماد النار التي أقامتها لمراسم الشفاء مادةً للرسم (زينة الخليل)

يأتي الألم بوعي مختلف لم يُعهَد من قبل ويتيح النموّ الداخلي. الألم أحياناً يختار المرء؛ يتعرّف إليه. ولا ينتظره. يُناديه ليخطَّ مساره. تقول: «بعد انفجار بيروت عام 2020، شاهدتُ الدخان والتصدُّع. سرتُ على شوارع يفترشها الزجاج. في تلك اللحظة، تجمَّد الزمن كأنه سينما. بحركة بطيئة، رأيتُ انهيار جانب ضخم من سقف منزل، ووجوهاً مُدمَّاة، وهلعاً. فكّرتُ أنها الحياة. كفَّ الوقت عن التحلّي بأي معنى. لمحتُ التقبّل المريع لفكرة أنّ العنف جزء من الوعي الإنساني. هنا شعرتُ بأنني فكرة تأتي وتعبُر. أو لحظة ونَفَس. جسدٌ مُعرَّض لانتهاء تاريخ الصلاحية، وجوهر واحد يُعبِّر عن نفسه بمليارات الطرق. فنّي إعلان للسلام الداخلي ولحقيقة أننا مُنتقلون. ألم الانسلاخ هو الأقسى. في موضع إحساسنا بالانفصال عن الكون، عن الهوية، وعن الفردية؛ تبدأ رحلة الشفاء».