«كورونا» يرغم المخابرات الأميركية على تغيير أسلوب عملها

صحة المواطنين ركيزة أساسية في الحكم

المدمرة الأميركية «يو إس إس كيد» تبحر إلى جانب حاملة الطائرات «ثيودور روزفلت» خلال اشتراكها في مناورات في خليج ألاسكا مايو 2019 (رويترز)
المدمرة الأميركية «يو إس إس كيد» تبحر إلى جانب حاملة الطائرات «ثيودور روزفلت» خلال اشتراكها في مناورات في خليج ألاسكا مايو 2019 (رويترز)
TT

«كورونا» يرغم المخابرات الأميركية على تغيير أسلوب عملها

المدمرة الأميركية «يو إس إس كيد» تبحر إلى جانب حاملة الطائرات «ثيودور روزفلت» خلال اشتراكها في مناورات في خليج ألاسكا مايو 2019 (رويترز)
المدمرة الأميركية «يو إس إس كيد» تبحر إلى جانب حاملة الطائرات «ثيودور روزفلت» خلال اشتراكها في مناورات في خليج ألاسكا مايو 2019 (رويترز)

فيروس «كورونا» يؤكد بطريقة مثيرة للغاية أنه إذا كانت الولايات المتحدة في حالة من الفوضى داخلياً، فلن يكون أداؤها جيداً كقوة عالمية. حتى لو افترضنا تعافيها سريعاً من الوباء، فهناك تكلفة طويلة المدى لسياسة الولايات المتحدة باستهلاك الكثير من الأموال التي يجب أن تسددها في نهاية المطاف - جزئياً من خلال الضغط على ميزانية البنتاغون. فالتأثير الاقتصادي كبير للغاية، وقد أدى إلى محو النمو الذي تحقق خلال الفترة الأخيرة، ورفع معدلات البطالة إلى درجة قياسية. ويتوقع السيناتور الجمهوري شوك غراسلي أن يفوق إجمالي الخسائر الاقتصادية ما سببته هجمات 11 سبتمبر (أيلول). وفي ظل جبهة داخلية مشتتة التفكير، يعمل أعداء الولايات المتحدة في حرية، عسكرياً واقتصادياً، مستغلين الاستعدادات الأميركية غير الكافية.
وتعد صحة المواطنين والازدهار، كما يعتقد المؤرخ الأميركي هال براندز، الركيزتين الأساسيتين للحكم في أميركا، وعندما تنهاران سينهار النظام الذي تقوده أميركا.
في عالم السياسة الدولية، لم تتوقف الأنماط الطبيعية للمنافسة كما لم تهدأ. ومن المؤكد أن الصين لم تأخذ استراحة من محاولة الهيمنة على منطقة غرب المحيط الهادئ. وعززت توسعها في بحر الصين الجنوبي، مع انتهاكات لمناطق متنازع عليها وإنشاء هياكل إدارية جديدة تهدف إلى ترسيخ السيطرة على المناطق المتنازع عليها.
ويشير براندز إلى أن هناك انفصالاً ملحوظاً بين الشؤون الداخلية والخارجية للدول حالياً. فقد أوقفت الدول في كل قارات العالم اقتصاداتها ومجتمعاتها بشكل متعمد. ويقول براندز، أستاذ الشؤون الدولية بكلية الدراسات التابعة لجامعة «جونز هوبكنز» إنه قبل تفشي فيروس «كورونا»، كانت الولايات المتحدة تحارب مشكلات على عدة جبهات في وقت واحد، من أوروبا الشرقية إلى الشرق الأوسط إلى المياه قبالة سواحل شرق آسيا. ومنذ بدء تفشي الفيروس، تحولت الطاقات الأميركية والتحديات إلى الداخل. ويضيف براندز، كما جاء في تحقيق الوكالة الألمانية، بأن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتحرك بشكل جيد في العالم إذا لم تكن على ما يرام في الداخل، كما أن الفيروس يوضح أنه كلما استمر تعثر الولايات المتحدة لفترة طويلة، كان العالم أكثر فوضى. وفي تقرير له نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، يقول براندز إن كوريا الشمالية سجّلت رقماً قياسياً في وتيرة اختبارات الصواريخ، حيث أطلقت ثمانية أو ربما تسعة صواريخ في مارس (آذار) الماضي. وبدلاً من أخذ فترة راحة بسبب فيروس «كورونا»، شنت حركة «طالبان» الأفغانية هجمات في عدة أقاليم. ومارست روسيا حيلها المعتادة باختبار صاروخ مضاد للأقمار الصناعية ونشر نظريات مؤامرة لاستغلال التوترات داخل أوروبا. والأمر الواضح هو أنها تضغط لأن الولايات المتحدة مشتتة للغاية.
كان تحويل اتجاه حاملة الطائرات الأميركية «ثيودور روزفلت» إلى غوام مبرَّراً تماماً، وسحبت مجموعة ضاربة من غرب المحيط الهادئ في وقت حساس. كما أن حاملة الطائرات الأخرى «رونالد ريغان»، عالقة في الميناء أيضاً لأن طاقمها مصاب بفيروس «كورونا». كما توقف تدريب واستعداد القوات الأميركية في كوريا الجنوبية وأماكن أخرى بسبب القيود الصحية.
وعلقت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) معظم الرحلات الجوية المحلية والدولية. ويكرس البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي جهودها للتعامل مع تداعيات فيروس «كورونا»، بدلاً من تكريسه للتعامل مع التحديات الجيوسياسية.
في غضون ذلك، تحاول الولايات المتحدة توضيح أنها لم تخرج من اللعبة. وقد برهنت القوات الجوية مؤخراً قدرتها على إطلاق قاذفات «بي - 52» بتتابع سريع من قاعدة «أندرسين» الجوية في غوام، كتحذير للصين وكوريا الشمالية.
شهد تاريخ الولايات المتحدة حدثين كان لهما أثر كبير على مجريات الأمور في البلاد، هما: الأول هو الهجوم الياباني المباغت على قاعدتها البحرية في «بيرل هاربور» في بداية الحرب العالمية الثانية، والآخر هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. وأدى الحدثان إلى تغيير شامل في كثير من أجهزة الدولة، ولم تسلم منه أجهزة الاستخبارات الأميركية. جائحة فيروس «كورونا» سوف تؤدي إلى تغيير أجهزة المخابرات بدرجة أكبر بكثير مقارنةً بالحدثين السابقين.
ويقول غريغ باركيا، خبير المخابرات المضادة الأميركي في تقرير نشرته، الخميس، مجلة «ذا ناشيونال إنتريست» الأميركية، إن الولايات المتحدة، ومعظم الدول الغربية تدرس عوامل مختلفة عندما تقوم بتحديد عدو ما، إذ إنه من دون تحديد الأعداء وإمكانياتهم بشكل واضح، من المستحيل تنفيذ الإجراءات المضادة الفعالة. ومن هنا تبدأ إجراءات تخفيف شدة أي احتمالات.
ويقول براندز إنه نظراً لأن الولايات المتحدة لديها الكثير من الالتزامات، فإنه يجب عليها الموازنة بينها حتى في ظل الظروف العادية نسبياً.
وقد تمت مقاطعة الإيقاع الطبيعي لسياسة الولايات المتحدة، على الرغم من استمرار ما أطلق عليه جورج كينان «الإيقاع الدائم للصراع» في الشؤون العالمية.
ويبدو أن الصينيين قد لاحظوا ذلك بالتأكيد. فقد ذكر الموقع الصادر باللغة الإنجليزية لجيش التحرير الشعبي الصيني بشكل غير مباشر أن فيروس «كورونا»، «خفض بشكل كبير القدرة على نشر السفن التابعة للبحرية الأميركية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ». على الرغم من أنه من الصعب، وربما من الخطأ، رسم خط مستقيم بين هذا التراجع الأميركي المؤقت وسلوك بكين كنتيجة له.
ويقول غريغ، الذي قضى خمسة أعوام في الجيش الأميركي كرجل مخابرات، زار خلالها العراق وأفغانستان، إنه يمكن توقع توسع كبير للغاية في المركز القومي للمخابرات الطبية، التابع لوكالة المخابرات العسكرية التي تنفّذ عمليات تجسس لجمع معلومات استخباراتية عن مجموعة كبيرة من القضايا الصحية التي يمكن أن تؤثر على المصالح الأميركية. وسوف يظهر نوع جديد من أولويات التوظيف للعمل في أجهزة المخابرات؛ حيث ستكون هناك حاجة لتوظيف أطباء وعلماء لهم خلفيات تتعلق بعلم الأوبئة والانتشار المستمر للأمراض.
وإذا عانت الولايات المتحدة أو تعرضت لركود لفترة أطول، ستكون هناك آثار متتالية على مشاركتها في الخارج. أميركا المشلولة أو المركزة داخلياً ستؤدي إلى وجود عالم مضطرب. وكما كتب العالم السياسي هيدلي بول في كتابه «المجتمع الفوضوي» فإن الشؤون العالمية تعتمد على منافسة مستمرة بين القوى المتعارضة. ويضيف براندز أن اجتياز الوباء في أسرع وقت ممكن يعد أمراً ضرورياً للصحة العامة وللاقتصاد. واتضح أيضاً أنه يشكّل ضرورة استراتيجية.
ومن المعروف أن القاعدة الأساسية في المخابرات هي أن يفكر مسؤولوها كما يفكر العدو. فكيف يمكن التفكير مثل عدو لا يفكر؟


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».