المعارضة اللبنانية تتهم دياب بإطلاق وعود من دون إنجازات

تنسيق متوقع بين أطرافها في مواجهة الحكومة مع عودة الحريري إلى بيروت

رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب خلال توجيه كلمته المتلفزة (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب خلال توجيه كلمته المتلفزة (دالاتي ونهرا)
TT

المعارضة اللبنانية تتهم دياب بإطلاق وعود من دون إنجازات

رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب خلال توجيه كلمته المتلفزة (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب خلال توجيه كلمته المتلفزة (دالاتي ونهرا)

لم يحمل الهجوم الدفاعي لرئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب على المعارضة أي جديد، وإن كان الأخير - كما يقول مصدر سياسي - عرف كيف يطل على اللبنانيين ويتوجّه إليهم بخطاب فيه الكثير من الوعود، ويكاد يفتقد إلى إنجاز ولو وحيداً رغم أنه مضى أكثر من ثلاثة أشهر على ولادة الحكومة.
ويعتقد المصدر السياسي، أن عون بادر في مستهل جلسة مجلس الوزراء إلى شن هجوم دفاعي على معارضيه في محاولة منه لتحميل الذين كانوا شركاء بالأمس تبعات الانهيار الاقتصادي، وبالتالي لم يغادر المربع الأول لجهة رجوعه إلى تكرار معزوفة السياسات السابقة التي كان استحضرها فور انهيار التسوية السياسية التي عقدها مع زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري العائد إلى بيروت قادماً من باريس.
ويرى بأن مشاركة الرئيس دياب في الحملة على المعارضة في كلمته المتلفزة إلى اللبنانيين جاءت دفاعية بامتياز وفتحت الباب أمام دخوله في سجال مع خصومه، رغم أنه أشار إلى أنه ينأى بنفسه عنه مع الآخرين، ويقول بأن إطلالته قد تكون تركت انطباعاً إيجابياً لدى البعض، لكن إصراره على إغداق الوعود الوردية سيضعه أمام اختبار جدي للتأكد من قدرته على تحقيق ما وعد به في ظل غياب الخطة الاقتصادية والرؤية المستقبلية.
ويؤكد المصدر السياسي، أن عون يتباهى بأن الليرة بألف خير ولم يبدّل موقفه حتى بعد انطلاق الانتفاضة الشعبية، ويقول بأنه بدأ يلمّح إلى الانهيار الاقتصادي بالتلازم مع سقوط التسوية التي عقدها مع الحريري والتي كانت سهّلت انتخابه رئيساً للجمهورية، وأتاحت لزعيم تيار «المستقبل» بأن يترأس الحكومتين الأولى والثانية من عهده قبل أن يتنكر الفريق السياسي المحسوب على عون لهاتين الحكومتين ويتعامل مع حكومة دياب على أنها حكومة العهد الأولى.
ويعتبر المصدر السياسي بأن قوى المعارضة بدأت تتحضّر للرد على عون وتتقاطع في حملتها على «العهد القوي» برؤية موحّدة حتى لو أن الظروف الراهنة لن تسمح لها بأن تجتمع تحت سقف سياسي واحد على الأقل في المدى المنظور؛ ما يقودها إلى استعادة الدور الذي لعبته طوال فترة صعود هذه القوى التي كانت موحّدة باسم «ثورة 14 آذار».
ويتوقّع المصدر مع عودة الحريري في الساعات المقبلة إلى بيروت بأن يصار إلى رفع منسوب التنسيق في مواجهة «العهد القوي» وحكومته، ويؤكد بأن التواصل قائم بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وبين رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي التقى أخيراً النائب أكرم شهيّب موفداً من جنبلاط.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن التنسيق بين «التقدمي» و«القوات» لم ينقطع ويشهد حالياً تقاطعاً حول جملة من المواقف في مواجهة الحكومة والعهد اللذين يعدّان من وجهة نظر المعارضين لانقلاب يطيح بالنظام المصرفي.
وكشفت مصادر مقربة من الحزبين عن أن الحفاظ على المصالحة في الجبل وتدعيمها أمر أساسي وستبقى مصانة باعتبارها من الخطوط الحمر، وقالت إن لقاء جعجع وشهيب شكّل مناسبة لتقويم الوضع السياسي الراهن على قاعدة مواصلة التنسيق، خصوصاً أن «التقدمي» هو الأقدر حتى إشعار آخر على التواصل مع «القوات» و«المستقبل»، ولفتت بأن لا قطيعة بينهما، لكن لا بد من العمل المشترك المؤدي إلى تفعيل التعاون، وقالت إن الحريري اتصل بجعجع مهنّئاً إياه بحلول عيد الفصح، لكن هذا لا يكفي، وبات عليهما التواصل المباشر وعن كثب؛ لأن هناك ضرورة لتنقية العلاقة من الشوائب التي شابتها في الحقبة السياسية السابقة وكانت وراء انقطاع التواصل إلا في الحالات الطارئة.
لذلك؛ يشكّل جنبلاط رأس حربة في استهداف عون ودياب اللذين تناوبا في الرد على المعارضة، وإن كانا يصوبان هجومهما على رئيس «التقدمي» الذي لن يُترك وحيداً في مواجهة الانقلاب الذي يخطط له في الغرف السرية - كما يقول مصدر قيادي في المعارضة - لإسقاط اتفاق «الطائف» والانقلاب عليه.
وفي هذا السياق، يسأل المصدر دياب، لماذا تجاهل التحذير من الإطاحة بـ«الطائف»، وما مدى صحة تناغمه مع عون، وأيضاً مدى صحة تعدد الآراء داخل فريقه الاستشاري المطعّم بعدد من المستشارين المحسوبين على التيار السياسي لرئيس الجمهورية؟ كما يسأل كيف أن دياب كان أكد أن 90 في المائة من الودائع لم تمس ليعود لاحقاً للقول إن الأموال تبخّرت؟
وأيضاً كيف يتحدّث عن إقرار 57 في المائة من الإصلاحات لتعود وزيرة الإعلام منال عبد الصمد إلى القول بأنه يجري حالياً التحضير للقوانين المتراكمة المرتبطة بمؤتمر «سيدر» مع أن مسودة الخطّة الإنقاذية تضمّنت رزمة الإصلاحات التي أقرّتها الحكومة السابقة وإن كانت وردت تحت عنوان مجموعة أفكار مبدئية مطروحة للنقاش.
ناهيك عن السؤال عن موقف وزير المال غازي وزني من المسودّة ومدى صحة عدم مشاركته في الاجتماعات؟ وما هي طبيعة التواصل مع «صندوق النقد الدولي» وهل تلقّى منه مدير عام وزارة المال آلان بيفاني إشارات تشجيعية تتعلق بالمسودّة الإنقاذية مع أن مسؤول الصندوق في منطقة الشرق الأدنى الوزير السابق جهاد أزعور كان صرّح بأن لبنان لم يطلب شيئا حتى الساعة، ونحن ننتظر الإصلاحات التي تعهدت بها الحكومة؟
حتى أن وزيرة الإعلام كانت قالت بأن ورقة الإنقاذ المالي ما زالت قيد الإعداد لتقول، إن بيفاني تلقى مؤشرات تشجيعية من صندوق النقد، إضافة إلى أن مصدراً في المعارضة يسأل الرئيس دياب كيف أن «سيدر» سيؤمّن للبنان الحصول على أموال طازجة بالعملة الصعبة مع أن دوره يقتصر على توفير المال لتنفيذ مجموعة من المشاريع وإعادة تأهيل البنى التحتية وبمراقبة مباشرة منه.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.