هل يحتاج اليمن إلى أجهزة «تنفس سياسي»؟

سباق بين تفشي «كورونا» واستجابة الحوثيين... وغريفيث يخاطب مجلس الأمن اليوم

ممرضون يتلقون تدريبا على استخدام جهاز تنفس صناعي في صنعاء (رويترز)
ممرضون يتلقون تدريبا على استخدام جهاز تنفس صناعي في صنعاء (رويترز)
TT

هل يحتاج اليمن إلى أجهزة «تنفس سياسي»؟

ممرضون يتلقون تدريبا على استخدام جهاز تنفس صناعي في صنعاء (رويترز)
ممرضون يتلقون تدريبا على استخدام جهاز تنفس صناعي في صنعاء (رويترز)

يعكف المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، اليوم، على الإدلاء بإفادة لمجلس الأمن في جلسة تبحث الشأن اليمني، الذي شهد قبل أسبوع نافذة فتحها «تحالف دعم الشرعية»، في اليمن، بإعلان وقف نار لمدة أسبوعين قابلين للتمديد حرصاً على مواجهة «كورونا»، وخلق بيئة أفضل للحوار بين طرفي الأزمة اليمنية.
وترجح مصادر مطلعة أن حديث المبعوث سيتركز على المقترح الذي بعث به إلى طرفي الأزمة، تنفيذاً لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتيرش، وتضيف المصادر التي تحدثت (مفضلة عدم الإِشارة إلى طبيعة عملها) أن الطرفين تلقيا مقترحاً لآلية وقف النار، ليبيديا وجهة النظر في الآلية، ومن ثم ينخرطان في اجتماع افتراضي مشترك.
وأعلن التحالف استمرار الحوثيين في القتال، رغم أنه أعلن الهدنة، في الوقت الذي يترقب فيه المجتمع الدولي استجابة الحوثيين لتوحيد جهود مكافحة «كورونا».
ويشهد اليمن سباق وصول بين طرفين: وصول الحوثيون إلى طاولة الحوار بإعلان وقف النار، ووصول الوباء العالمي. فمن يا تُرى سيصل أولاً إلى البلد الذي لا يريد أي متابع للأوضاع الداخلية فيه أن يفكر حتى في عواقب تفشي الفيروس الذي قلب جدول أعمال العالم رأساً على عقب، واستحال على كبرى الدول. وهل يحتاج اليمن إلى أجهزة تنفُّس «سياسي» لتساعد الأطراف التي لم تنخرط بعدُ في السلام ووقف النار والتوحُّد صوب مواجهة الوباء العالمي؟

كارثتان تحدقان بالجماعة

إذا استمرّ الحوثيون، يعتقد خبراء تحدثت معهم «الشرق الأوسط»، أن الجماعة ستجد نفسها أمام كارثتين: الأولى تعم اليمن وتتسبب في وفيات وفوضى بانهيار ما تبقى من النظام الصحي الذي بدأوا تدميره بانقلابهم على الحكومة في سبتمبر (أيلول) 2014، وحربهم على الشعب اليمني، وأكملوا ذلك بتجاهل الإجراءات لمواجهته.
الكارثة الأخرى تتمثل في تحمّل المسؤولية الأخلاقية أمام العالم. وبالتحديد مَن كان يدعمهم أو يتعاطف معهم؛ سواء لأسباب سياسية أو ضيقة، أو مَن كان يحاول من القوى السياسية الدولية إقناعهم بترك إيران وخلق الأعذار لهم. تقول الدكتور وسام باسندوة المحللة السياسية اليمنية إن الميليشيات تعيش على الحرب ويخنقها السلام، لكن للـ«كورونا» وزمن «كورونا» حسابات أخرى لم تستوعبها الميليشيا بعدُ، كما تعتقد أن الحوثيين «يراهنون على حسابات خاطئة ويرفضون السلام... ستكتب نهايتهم، إلا أن تراجعوا والتقطوا فرصة ربما لن تتكرر».
ويرى الدبلوماسي اليمني، محمود شحرة، وهو المستشار الإعلامي بسفارة اليمن في الأردن، أن التحالف والحكومة الشرعية وضعوا المجتمع الدولي والمنظمات الدولية شهود عيان على الحوثيين، هذه المرة، بشكل واضح، بإعلانهم والتزامهم الهدنة الشاملة وغير المشروطة لمواجهة الفيروس، ورغم ذلك استمر الحوثيون في التصعيد، بل تمادوا إلى إصدار أحكام بالإعدام على أربعة صحافيين، بعد تعرُّضهم للتعذيب طيلة أربع سنوات مضت.

المسؤولية الأخلاقية

سألت «الشرق الأوسط» المحللة السياسية السعودية خديجة عبد الله، هل يتحمل التحالف أي مسؤولية إذا تفشى الفيروس؟ فأجابت: «بالطبع لا».
وعللت ذلك بالقول: «إن المسؤولية الكاملة تقع على عاتق الميليشيات، لأنها المعرقل الدائم لأي مبادرة سلام، والمخترق لكل الهدن السابقة. السعودية كدولة راعية لجهود السلام في المنطقة مدّت يدها للشعب اليمني لإعادة السلام».
وأضافت أن «المنظمات الأممية والعالم ثمّن المبادرة التي هدفت لحماية الشعب اليمني خصوصاً من جائحة (كورونا). وفي الوقت نفسه قدّمت السعودية حزمة إضافية (25 مليون دولار) إلى جانب حزم المساعدات المستدامة، وآخرها الاستجابة للنداء الأممي بما يربو على 500 مليون دولار»، وزادت بالقول: «نحن الآن على أعتاب شهر رمضان، على الحوثيين عدم الاستمرار في نهجهم الإرهابي ضد الشعب اليمني، وأن يستجيبوا لوقف النار».
ويعتقد محمود شحرة أن المنظمات الدولية التي كانت أعطت الحوثيين فرصاً كبيرة للوصول إلى السلام تجد نفسها اليوم بمأزق أخلاقي، لضرورة مواجهة هذه الميليشيات بحزم، لا سيما أنها تعيش في عزلة ولا تكترث بما يواجهه العالم اليوم في مكافحة الوباء.

نقص الأجهزة والخدمات

التحذيرات المحلية والدولية خرجت مبكراً منذ تفشي فيروس «كورونا» في العالم. واليمن من آخر الدول فيما يبدو وصل إليها الوباء ولم يسجل سوى حالة مؤكدة في حضرموت (شرق البلاد). وترجح «منظمة أطباء بلا حدود» أن قلّة الفحوص قد تكون السبب في أن اليمن كان من بين آخر الدول التي سجّلت إصابات بالفيروس.
ورغم اتهامات للحوثيين بإخفاء حالات، لم يصدر (حتى لحظة إعداد هذه القصة، مساء الأربعاء، الساعة 7 بتوقيت غرينيتش) أي حديث عن تسجيل إصابات مؤكدة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن. وهناك جانب من عدم الثقة بأسلوب إدارة الجماعة.
خبير الطوارئ بـ«منظمة الصحة العالمية»، مايك رايان، يقول: «سنواجه جميعا صعوبات في تقديم مستويات ملائمة من العناية الداعمة للناس، ‬إذا بدأ المرض في التفشي». ووفقاً لتقرير نشرته «رويترز»، فهناك نقص بأجهزة التنفس الصناعي على مستوى الدولة إذ يبلغ عددها بضع مئات. وذكر رايان أن «التنفس الصناعي سيكون تحدياً جسيماً، ولا يقتصر الأمر على أجهزة التنفس الصناعي، وإنما يتعلّق أكثر بالفنيين الذين يشغلونها».
وينقل التقرير ذاته عن منظمة «أطباء بلا حدود» تحذيرها بأن الاستجابة «ستكون صعبة إذا وصل التفشي إلى المناطق الريفية، حيث المرافق الصحية موجودة بالكاد، وإمكانية الفحص ضئيلة أو منعدمة».

طوق النجاة

تعود الدكتورة باسندوة لتذكر بأن «ما لا يعرفه الحوثيون هو أن الجائحة العالمية شكلَت تحدياً للدول الكبرى وأنهكتها، وستكون أشد وطأة وخطراً، في حال بلاد منهارة أصلاً، كما هو الحال في اليمن... التحدي هذه المرة مختلف؛ فلا مجال لدعم النظام الإيراني لهم فهو نفسه يمرّ بحالة انهيار في تقديري، لن يستطيعوا أن يصمدوا في مواجهة أي اجتياح للوباء الذي سيبدأ بقياداتهم أولاً، مهما حاولوا التكتم»، وأضافت: «المبعوث الأممي يحاول رمي طوق النجاة الأخير لهم لالتقاطه، والتحالف دعم الحكومة اليمنية وأبدى حسن النيات، وبرأ ساحته من أي اتهامات سيحاول نسجها له الخصوم مع تكشف حالة الانهيار في القطاع الصحي المتوقعة، علينا ألا ننسى أن الحوثيين حولوا مستشفيات إلى ثكنات عسكرية ومخازن تخزين أسلحة، وأخرجوا بعضها من الخدمة».
ورغم التشاؤم المحيط بكل المتحدثين عن اليمن أو الفيروس، أو كليهما معاً، يتمنى كثير من اليمنيين أن يسبق الحوثيين هذه المرة، ويحمون أنفسهم قبل 27 مليون يمني، مرارة الوباء والحرب. وهو ما قد يتمنى أن يعلنه غريفيث في مجلس الأمن اليوم، أو على الأقل، في يوم قريب.


مقالات ذات صلة

لماذا ارتدت إمبراطورة اليابان قناعاً للوجه أثناء جلوسها بجوار الملكة كاميلا؟

يوميات الشرق الإمبراطورة اليابانية ماساكو مع الملكة كاميلا (رويترز)

لماذا ارتدت إمبراطورة اليابان قناعاً للوجه أثناء جلوسها بجوار الملكة كاميلا؟

فاجأت الإمبراطورة اليابانية، ماساكو، المواطنين ووسائل الإعلام البريطانية عندما استقلّت عربة تجرها الخيول مع الملكة كاميلا وهي ترتدي قناعاً للوجه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ شخصان يرتديان الكمامات الطبية في متجر بمدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الأميركية 15 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

​بسبب دعم فلسطين... كيف تحولت الأقنعة من «إلزامية» إلى «إجرامية» بولايات أميركية؟

يعمل المشرّعون في أميركا ومسؤولو إنفاذ القانون على إحياء القوانين التي تجرّم ارتداء الأقنعة لمعاقبة المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين الذين يخفون وجوههم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل يمر أمام نموذج مضيء لفيروس «كورونا» (رويترز)

لماذا لا يصاب البعض بفيروس كورونا؟

اكتشف باحثون اختلافات في ردود فعل الجهاز المناعي تجاه فيروس كوفيد - 19 قد تفسر لماذا لم يصب بعض الأشخاص بالفيروس.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ قوارير تحتوي على لقاح «فايزر/بيونتيك» ضد مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) معروضة قبل استخدامها في عيادة لقاح متنقلة في فالبارايسو، تشيلي، 3 يناير 2022 (رويترز)

ولاية أميركية ترفع دعوى قضائية ضد شركة «فايزر» بتهمة إخفاء مخاطر لقاح كوفيد-19

رفعت ولاية كانساس الأميركية، أمس الاثنين، دعوى قضائية ضد شركة «فايزر»، متهمة الشركة بتضليل الجمهور بشأن لقاح كوفيد-19 من خلال إخفاء المخاطر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل يمر أمام نموذج مضيء لفيروس «كورونا» (رويترز)

الإصابة السابقة بـ«كورونا» قد تحمي من نزلات البرد

أفادت دراسة أميركية، بأن الإصابات السابقة بفيروس «كورونا» يمكن أن توفر بعض الحماية للأشخاص ضد أنواع معينة من نزلات البرد التي تسببها فيروسات كورونا الأقل حدة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

المصريون يترقبون «زيادة جديدة» في أسعار الوقود

يترقب المصريون أسعاراً جديدة للبنزين (أ.ف.ب)
يترقب المصريون أسعاراً جديدة للبنزين (أ.ف.ب)
TT

المصريون يترقبون «زيادة جديدة» في أسعار الوقود

يترقب المصريون أسعاراً جديدة للبنزين (أ.ف.ب)
يترقب المصريون أسعاراً جديدة للبنزين (أ.ف.ب)

بعد رفع الحكومة المصرية أسعار الخبز المدعم، للمرة الأولى منذ عقود، بداية الشهر الحالي، وإعلانها رسمياً نيتها رفع أسعار الكهرباء، يترقب المصريون احتمال إضافة زيادة جديدة لأسعار الوقود، خلال الأيام المقبلة.

وازدادت التكهنات، في الساعات الماضية، بشأن الزيادات الجديدة في أسعار البنزين، مع الاجتماع المرتقب للجنة «التسعير التلقائي للمواد البترولية»، المسؤولة عن إعادة النظر في أسعار مشتقات البترول المختلفة.

وتعقد اللجنة اجتماعات ربع سنوية، وينص قرار تشكيلها على السماح بزيادة الأسعار أو تخفيضها في حدود 10 في المائة من الأسعار المطبَّقة بالفعل.

وحددت الحكومة سعر برميل النفط عند 82 دولاراً، مع الأخذ في الاعتبار أن كل دولار زيادة في سعر برميل خام برنت يكلف الموازنة 4.5 مليار جنيه، في حين رصدت الحكومة المصرية زيادة دعم المواد البترولية إلى 154.5 مليار جنيه، مقارنة بـ119.3 مليار جنيه، وفق موازنة العام المالي الحالي الذي ينتهي الأحد.

ويخشى المصرون من انعكاس زيادة أسعار البنزين على مؤشرات تضخم السلع والخدمات، نتيجة زيادة تعريفة المواصلات، بالإضافة إلى زيادة أسعار الخضر والفاكهة.

وكان المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، محمد الحمصاني، قد أكد، في تصريحات تلفزيونية، نهاية أبريل (نيسان) الماضي، وضع خطة لرفع الدعم الحكومي عن الوقود بشكل نهائي، باستثناء السولار، قبل نهاية عام 2025.

لكن مصدراً في اللجنة قال، لـ«الشرق الأوسط»، إن موعد الاجتماع الجديد لم يتحدد بعدُ، خصوصاً أن الموعد وإعلان الأسعار الجديدة التي «ستتضمن زيادة مؤكَّدة في البنزين» يراعي عدة أمور، ومن ثم لا يمكن الحديث عن اجتماع في غضون أيام، في ظل استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي، لافتاً إلى أن هناك تنسيقاً مسبقاً يجري مع بعض الجهات الرقابية؛ من أجل متابعة آليات تنفيذ القرارات، وتجنب إحداث حالة من الارتباك بالشارع.

وأضاف أن الأسعار الحالية سيجري العمل بها لحين انعقاد الاجتماع المقبل، الذي يتوقع أن يكون خلال شهر يوليو (تموز) المقبل، كما هو مقرر دون تأخير، لكن مع مراعاة «توقيت الاجتماع»، لافتاً إلى أن أعضاء اللجنة يتواصلون مع بعضهم البعض، من أجل النقاش حول القرار ونسب الزيادة، بناء على المعادلات السعرية التي ترتبط بالأسعار العالمية والتكاليف العالمية وسعر الصرف.

وتقوم آلية التسعير التلقائي للمواد البترولية على وضع معادلة سعرية تشمل أسعار البترول العالمية، وسعر صرف الجنيه أمام الدولار، بالإضافة إلى أعباء التشغيل داخل مصر، بحيث تسمح بارتفاع وانخفاض سعر المنتج، حسب التغير في عناصر التكلفة، بما يسهم في خفض تكلفة دعم الطاقة بالموازنة.

كانت اللجنة، التي زادت أسعار بيع المنتجات البترولية بنسب وصلت إلى 33 في المائة، خلال اجتماعها الأخير في مارس (آذار) الماضي، قد أرجعت الزيادة إلى إجراءات تحرير سعر الصرف، والذي كان له تأثير مباشر في زيادة تكلفة المنتجات البترولية، بالإضافة إلى ارتفاع فاتورة النقل وشحن المنتجات البترولية التي يجري استيرادها من الخارج نتيجة أحداث البحر الأحمر، مما كان له الأثر في اتساع الفجوة السعرية بين التكلفة وسعر البيع بزيادة غير مسبوقة.

وقال عضو مجلس النواب «البرلمان»، محمود قاسم، إنهم في انتظار اجتماع اللجنة وقرارها بشأن أسعار المحروقات، مع متابعة مدى التزامها بالخطة المالية التي وافق عليها مجلس النواب لموازنة العام المالي المقبل، مطالباً بعدم استباق الأحداث، ومتعهداً، في الوقت نفسه، بـ«التحرك السريع»، حال شعور البرلمان بأن قرارات اللجنة لن تكون في صالح المواطن المصري.

ويشير المسؤول في اللجنة إلى متابعة متوسطات أسعار النفط، خلال الأسابيع الماضية، بالإضافة إلى الأسعار المتوقعة، خلال الشهور الثلاثة المقبلة، لافتاً إلى أنه حتى الآن مع استقرار سعر الصرف والاستقرار النسبي بأسعار النفط العالمية، فإن نسب الزيادة ستكون «في الحدود المقبولة».