أوروبا تبدأ تخفيف «قيود كورونا»

الوباء يتراجع في إيطاليا وإسبانيا... وفرنسا وبريطانيا في «عين العاصفة»

أوروبا تبدأ تخفيف «قيود كورونا»
TT

أوروبا تبدأ تخفيف «قيود كورونا»

أوروبا تبدأ تخفيف «قيود كورونا»

بعد مائة يوم على ظهور «كوفيد - 19» في مقاطعة ووهان الصينية، ووقوع 114 ألف ضحيّة في العالم، ورغم الارتفاع السريع في عدد الإصابات، خلال الأسبوعين الأخيرين، في الولايات المتحدة، ما زالت أوروبا تستقطب أكثر من 65 في المائة من عدد الوفيات العالمية، فيما يواصل الوباء انتشاره في جميع البلدان الأوروبية، بعد أن بدأ يتراجع في بؤرتيه الرئيسيتين إيطاليا وإسبانيا اللتين تحوّلتا مرة أخرى إلى مختبر لتجارب الاحتواء والمكافحة والنهوض من هذه الكارثة، التي لم يشهد لها العالم مثيلاً في الأزمنة الحديثة.
وحبست إسبانيا أنفاسها منذ صباح أمس (الاثنين) بعدما بدأت أول تجربة في أوروبا لتخفيف تدابير العزل التام ضمن خطة احتواء «كوفيد 19»، وسمحت باستئناف بعض الأنشطة الإنتاجية التي كانت توقّفت كلياً نهاية الشهر الماضي مع بداية مرحلة الحظر الشامل التي فرضت حالاً من السبات العام في العجلة الاقتصادية. وتتزامن بداية هذه التجربة مع تراجع نسبة الإصابات الجديدة والوفيّات إلى أدنى مستوى منذ بداية الأزمة، وسط تحذيرات ومخاوف من عودة نسبة انتشار الوباء إلى الارتفاع ومواجهة موجة ثانية أعتى من الأولى التي أوقعت حتى الآن أكثر من 17 ألف ضحيّة.
وتفيد مصادر بأن القرار لا يحظى بالإجماع داخل الحكومة التي تدرك خطورة المجازفات التي أقدمت عليها في هذه الخطوة، فيما تتضارب الآراء حول ضرورتها في هذا التوقيت وما تنطوي عليه من تسرّع أو تهوّر، خصوصاً وأن إسبانيا ما زالت تحتلّ المرتبة الأولى في العالم من حيث نسبة الوفيّات من العدد الإجمالي للسكّان، وتعاني منظومتها الصحّية من ضغط هائل اضطرها منذ شهر إلى تهميش كل الحالات المرضية غير المتصلّة بـ«كوفيد - 19».
ويدافع رئيس الحكومة بيدرو سانتشيز، عن قراره بالقول إن إطالة الشلل الاقتصادي ستكون لها تداعيات أخطر من الفيروس على صحة مئات الآلاف من الذين يفقدون فرصة عملهم وموارد رزقهم بين ليلة وضحاها، ويشدّد على ضرورة الامتثال لتدابير الوقاية، ويراهن على روح المسؤولية والسلوك الفردي للمواطنين. ويؤكد سانتشيز أن القرار لا يعني إطلاقاً إنهاء مرحلة الحظر الذي فرضته الحكومة نهاية الشهر الماضي، بل عودة إلى تدابير العزل التي كانت سارية قبل ذلك بأسبوعين مع إعلان حالة الطوارئ.
ويقول عضو اللجنة العلمية المشرفة على متابعة الوباء البروفسور طوني تريّا الأخصائي في علم الأوبئة، «منذ ثلاثة أشهر والأوساط العلمية تتحرّك على بساط من التقديرات والتخمينات، وتستخلص نتائج غير نهائية حول سلوك الفيروس وطرائق انتشاره وأسبابها، لكن أحداً لا يعرف بعد إذا كان تمديد الحظر التام أسبوعاً إضافيّاً ستكون منافعه أكبر من الأضرار الاقتصادية وتبعاتها على صحة المواطنين».
وفيما يرى آخرون أن القرار متهوّر، ومن شأنه أن يدفع البلاد نحو كارثة أكبر في حال عودة الوباء إلى الانتشار بكثافة، يقول رئيس قسم الأمراض السارية في «مستشفى برشلونة الجامعي» بنيتو آلميرانتي: «إن الجدل حول هذا الموضوع سياسي أكثر منه علمي. المواطنون استوعبوا تدابير الوقاية والعزل، ويمتثلون لها بروح عالية من المسؤولية والانضباط والتضحية، والوباء خفّت كثافة سريانه مقارنة بالأيام الأولى. المهم الآن هو تحديد مصدر الإصابات اليومية الجديدة التي تزيد عن 4 آلاف: إن كانت في دور العجزة لا بد من اتبّاع وسيلة أخرى غير العزل لاحتوائها، وإذا كانت الأسر هي بؤرتها، فإن العزل هو التدبير الأسوأ في هذه الحالة، أما إذا كانت بين العمّال الذين يقومون بالخدمات الأساسية فليس من سبيل لوقفها».
أما نقابة الممرضين، التي تحفظت عن قرار الحكومة، فحذّرت من كارثة في صفوف الطواقم الصحية التي زادت الإصابات على 20 ألفاً حتى الآن في صفوفها، وطالبت بالإسراع في تأمين معدات الوقاية التي ما زالت تفتقر إليها معظم المستشفيات.
لكن أوساطاً طبّية أخرى مؤيدة لخطوة تخفيف تدابير الحظر حذرّت من أن عدد الوفيّات الناجمة عن أمراض غير «كوفيد 19» زاد عن عدد الوفّيات بسبب الفيروس، وأن المشكلات الصحّية التي ستنجم عن إطالة فترة السبات الاقتصادي يرجّح أن تكون أصعب بكثير من المشكلات الصحيّة، خصوصاً بين الأطفال والمراهقين الذين لم يبرحوا منازلهم منذ أكثر من شهر. وتقول هذه الأوساط إن العزل وحده لن يقضي على الفيروس، وإن التحدّي الأكبر الآن أمام المنظومة الصحيّة هو الاهتمام بالمرضى الذين أقصتهم الأزمة عن المستشفيات لمتابعة علاجاتهم.
وتقف إيطاليا أيضاً أمام قرارها الأصعب منذ بداية الأزمة، التي بعد مائة يوم على بدايتها خلّفت أكثر من مائة ألف ضحّية، عشرها في إقليم لومبارديّا الإيطالي وحده، تلتقط أنفاسها بعد التراجع المتواصل منذ أيام في أعداد الوفيات والإصابات الجديدة، وتستعدّ لمهمة شبه مستحيلة على الجبهة الاقتصادية التي أوقعت فيها الأزمة دماراً واسعاً يتراكم فوق الركود الذي تجرّه منذ أكثر من 10 سنوات.
وما يزيد من صعوبة مرحلة النهوض في المرحلة الإيطالية أنه عندما بدأ الفيروس بالانتشار في 21 فبراير (شباط) الماضي، كان الاقتصاد الإيطالي في غرفة العناية الفائقة، ويسجّل أدنى معدّل للنمو منذ سنوات في منطقة اليورو. ويقول خبراء إن الوضع الاقتصادي لم يعد يحتمل أي تمديد لوقف العجلة الإنتاجية، بعد أن أصبح كابوس الانهيار على الأبواب، ونفد وقت الانتظار للخروج منه، خصوصاً وأن الشركاء الأوروبيين لن يمدّوا الشريك الإيطالي بالعون الذي يلحّ منذ أسابيع على طلبه منهم.
في غضون ذلك، تراقب الدول الأوروبية الأخرى، عن كثب، تطورات الوضع في إيطاليا وإسبانيا لوضع اللمسات الأخيرة على خططها لاستئناف النشاط الاقتصادي، والعودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية، التي تحذّر منظمة الصحة العالمية من عواقب التسرّع فيها.
وبينما تراوح الوفيات والإصابات الجديدة عند أرقام معتدلة في بلجيكا، حيث قارب عدد الضحايا 4 آلاف من أصل حوالي 30 ألف إصابة، دعت الحكومة إلى الحذر والتروّي، وقالت إنها بصدد إعداد خطة من 10 نقاط للعودة إلى الحياة الطبيعية ستعلن عنها غداً الأربعاء، بعد مناقشتها مع مجلس الأمن القومي.
ألمانيا، من جهتها، ورغم النسبة المتدنية من الوفّيات مقارنة بعدد الإصابات، تتريّث هي أيضاً في تحديد موعد لاستئناف النشاط الاقتصادي الكامل، الذي توقّعت بعض الأوساط الرسمية ألا يبدأ قبل نهاية الشهر الحالي. وصرّح مصدر علمي صباح أمس بأن أحد المختبرات الألمانية قد يكون على شفا اختراق كبير في تجارب علاج «كوفيد 19» بالأدوية، مستبعداً أن يكون أي لقاح جاهزاً قبل مطالع السنة المقبلة.
وتتجه الأنظار منذ أيام بشكل خاص إلى فرنسا وبريطانيا اللتين أصبحتا، حسب تقديرات منظمة الصحة، في عين العاصفة الأوروبية، التي يرجّح الخبراء أن تبدأ انحسارها أواسط الشهر المقبل.
ومع تجاوز الوفيّات عتبة الـ15 ألفاً، واقتراب الإصابات من المائة ألف، تستعدّ فرنسا لتمديد فترة الحظر، مع احتمال العودة إلى الحياة الطبيعية اعتباراً من مطلع الشهر المقبل. وفي بريطانيا تتعرّض الحكومة لانتقادات شديدة بسبب تدنّي عدد الاختبارات التي تجرى لتحديد الإصابات، فيما توقّعت أوساط علمية ارتفاعاً سريعاً في عدد الوفيّات قد ينتزع المرتبة الأولى من إيطاليا قبل نهاية الشهر الحالي. وقالت وزارة الصحة البريطانية، أمس، إن 11329 شخصاً توفوا في المستشفيات بأنحاء المملكة المتحدة بعد إصابتهم بفيروس كورونا، بزيادة 717 عن اليوم السابق. وارتفع عدد حالات الإصابة المؤكدة 4342 حالة، لتصل الحصيلة في البلاد إلى 88621.


مقالات ذات صلة

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.