مثقفون سعوديون يتحدثون عن برامجهم اليومية في الحجر المنزلي

بين البحث والقراءة وتعلم مهارات جديدة من العائلة (2 - 2)

عبد العزيز المانع
عبد العزيز المانع
TT

مثقفون سعوديون يتحدثون عن برامجهم اليومية في الحجر المنزلي

عبد العزيز المانع
عبد العزيز المانع

تحدث في حلقة أمس عدد من المثقفين السعوديين عن عزلتهم القسرية التي فرضها فيروس «كورونا»، حالهم حال ملايين البشر، وعن انشغالاتهم في تفرغهم الإجباري ومشاريعهم المؤجلة التي يمكن أن يعملوا على إنجازها، بعدما كانت الحياة اليومية تستهلك كثيراً من أوقاتهم وأرواحهم أيضاً. ورأى الكثير منهم أن من حسنات الإقامة في المنزل أنهم أعادوا ترتيب مكتباتهم، التي كانت أُمنية مؤجلة منذ زمن بعيد، وقراءة كتب انحبست على الأرفف، علاها الغبار ولم تطلها الأيدي.
في هذه الحلقة الثانية، تحدث عدد المثقفين السعوديين عن برنامجهم اليومي غير المعتاد الذي فرضه الواقع الحالي في جميع أنحاء العالم.

عبد العزيز بن ناصر المانع: لكل فرد طريقته
في ظل أزمة «كورونا» التي أحاطت بالعالم، وفرضت الدول حجراً على السكان، ومن ضمنها بلاده السعودية؛ الأمر يحتاج إلى كثير من التضحية وغلبة النفس لحمايتها ومجتمعه في آنٍ واحد. وبالطبع، إن لكل فرد طريقته الخاصة في ملء هذا الفراغ، بما يتماهى مع طبيعته وهوايته وتخصصه، لكنّ الحديث عن النفس معيب، وإن تجربته مع الإقامة في المنزل لا يتطرق إليها الملل بحال.
«أيامي منذ التحقت بالجامعة مرتبطة بالكتاب والبحث وتحقيق التراث، وهذا النمط من الاهتمام الشخصي لا يلتزم بمكان أو زمان، سواء أكان في الجامعة أم في المنزل، خصوصاً أني ولله الحمد أمتلك مكتبة تغنيني عن مكتبة الجامعة حالياً. إن فرض منع التجول قد أضاف حافزاً آخر لمواصلة البحث وعدم التفكير في الخروج والاكتفاء بالتواصل الهاتفي مع الآخرين. مشيراً إلى أنه من الناحية النفسية مستقر تماماً، خصوصاً بعد أن قرر العلماء أن علاج هذا الجرثوم لمن تجاوز السبعين أمر مستبعد! لكن لنا مع الله -جل جلاله- عظيم اليقين في رحمته ورضاه».

عبد الرحمن بن عبد الله الشقير: كنا بحاجة إلى صدمة
«حياتي اليومية بعد قرار حظر التجول تحولت إلى قسمين، هما: المكوث الإلزامي في البيت، والخروج لتأمين متطلبات البيت، وذلك للعطل الكبير في الحياة العامة. وحقيقة لم يتغير نظامي كثيراً، وذلك لأني أقضي معظم وقتي في البحث، وأنام وأصحو مبكراً»، معتبراً أن الذي فقده هو الجلوس مع الأصدقاء والأقارب، وقد عوّضه بالسؤال عنهم هاتفياً وعبر الرسائل، وخصص كل الوقت للقراءة والبحث والكتابة. «لقد تحولت أعمالي الخاصة والمهام الجامعية إلى التقنية والإيميلات، واستفدت وعائلتي بمسألة ترشيد الاستهلاك والعودة إلى الأكل المنزلي وتوزيع جديد للمهام والتحفيز على استثمار أوقات الفراغ.
كنا بحاجة إلى صدمة توقظنا من الانغماس في الحياة العصرية والاستهلاك الجائر وطوفان الدعايات والتخفيضات والتشجيع على الاقتراض من أجل مزيد من استهلاك الكماليات، وكنا بحاجة لإعادة ترتيب حياتنا وتأملاتنا وعلاقاتنا.
وبحكم تخصصي، كان من الواجب عليَّ المساهمة في نشر التوعية حول وباء (كورونا الجديد)، من خلال التنويه بصفحاته على تطبيقات التواصل الاجتماعي إلى التعليمات الموثوقة والرسمية، وكتابة مقالات حول منظور علم الاجتماع للأزمات والأوبئة من خلال قراءة المشهد السعودي وتحليله.
وأخيراً، إني على ثقة أن العلم سيتغلب على الوباء، بإذن الله تعالى، وأن الأزمة تعد فرصة لنا جميعاً لإعادة ترتيب نظامنا الاجتماعي واقتصاد الأسرة، وتقييم إنتاجيتنا لأنفسنا ولأهالينا وللمجتمع».

أحمد الشنبري: أحافظ على سلامتي العقلية بالقراءة
«إن الشعور بالخطر قد يحفز الإنسان على القيام بما يساعد على الابتعاد عن المخاطر والحفاظ على الصحة كأسلوب للاستمرار في البقاء على قيد الحياة ومقاومة الأوهام والقلق والهموم، والانشغال عنها بمهام فكرية كالقراءة المكثفة عما يجري في هذا العالم، وقراءة كتب الفلسفة، إضافة إلى الروايات، وممارسة رياضة المشي، التي أقوم بها لمدة ساعة كل يوم.
تهاجمني من وقت لآخر مخاوف التعرض لهذا الفيروس اللعين وآثاره المرعبة التي تهدد الحياة. لقد بدأت أنظر إلى الحياة بعين الحذر... وأراقب نفسي طوال لحظات اليقظة، وأتّبع برنامجاً يومياً مكثفاً يختلف تماماً عما سبق من فترات حياتي... بعد ممارسة المشي والاستحمام، أنطلق مشياً إلى دارين متجاورتين للكتب، بجانبهما مقهى، آخذ منه نصيبي اليومي من القهوة مع الشوكولاته وسماع مقطوعات من موسيقى الجاز والبلوز والموسيقى الكلاسيكية... ثم أعود إلى ارتياد دور الكتب. الأمر الذي تحوّل إلى ما يشبه الإدمان أكثر منه طلباً للتنوير والازدياد من المعرفة... أصبحت المكتبات السبيل الوحيد للمحافظة على السلامة العقلية، والوحيدة التي لا تقارَن بها أي متعة أخرى. القراءة تُبعد الهموم، وقد تدرأ الجنون، مع الاطلاع اليومي على ما يجري في العالم كل يوم، وأحياناً كل ساعة».
وهناك مواقع على الإنترنت لا بد أن يزورها كل يوم، وهي تخص موضوعات مختلفة، كآخر التطورات في العلوم الطبية وعلوم الفلك والرياضيات الجديدة والفيزياء، إضافة إلى الآداب والفلسفة، وأخيراً التقلبات الاقتصادية والسياسية، مضيفاً أن هناك صحفاً لا بد من زيارتها يومياً، مثل «نيويورك تايمز» و«وول ستريت» و«فاينانشيال تايمز» ومجلات تحليل العلاقات الدولية... وأخيراً الاطلاع على ما يُنشر في الدوريات الأكاديمية.

خالد بن عبد المحسن العبدان: إرهاب المعرفة القاتلة
مع إعلان الحكومة السعودية الحجر المنزلي لم أجد بُدّاً من التوجه إلى مكتبته، ليقع في يديَّ كتاب «بناء الكون ومصير الإنسان» لمؤلفه هشام طالب، الذي يتحدث في الكتاب عن إمكانية قيام جهات مجهولة باستخدام ما سماه «إرهاب المعرفة القاتلة» عن طريق نشر وباء جرثومي عام 2020 يقضي على مليون شخص بالعالم، لأن هذا العام سيكون عام الخطأ البشري، الذي أعدت له مجموعة من الأشرار!
وأوضح الكتاب أن إرهاب المعرفة القاتلة، هو الإرهاب البيولوجي ومخاطر التعديلات الوراثية والاستنساخ البشري والحيواني، والزراعة النسيجية، وغيرها من العلوم البيولوجية، مستشهداً بما قاله العالم البريطاني مارتن ريس، الذي توقع في كتابه الصادر عام 2003 «ساعتنا الأخيرة» حدوث كارثة تدمر نصف البشر ناتجة عن إرهاب نووي وفيروسات مميتة، معدلة وراثياً.
هذا الكتاب الذي وقع في يدي صدفه جعلني أفكر كيف للتنبؤات أن تحدث، وبعدها سكتّ عن الكلام المباح، ورميت «الريموت»، وامتنعت عن متابعة البرامج والأخبار، بعد أن أيقنت أن الحياة مسرحية هزلية، وأن هاجس المؤامرة عند كثيرين له ما يبرره، وبعدها أُصبتً بالأرق، ولم أجد ملاذاً من ذلك غير ترديد بيتين حفظتهما للشاعر صناجة العرب، الأعشى، الذي عاش في قرية منفوحة، وهي تبعد عن منزلنا في الرياض 25 كيلومتراً، وأضحت اليوم حياً من أحياء العاصمة السعودية:
أرقتُ وما هذا السُّهادُ المُؤَرِقُ *** وما بِي مِنْ سُقْمٍ وما بي مَعْشَقُ
وَلَكِنْ أُراني لا أزالُ بِحَادِثٍ *** أُغَادِي بِمَا لمْ يُمْسِ عندي وأُطْرَقُ



علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
TT

علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024

في حوار «الشرق الأوسط» مع الدكتور علي بن تميم، رئيس «مركز أبوظبي للغة العربية»، في هيئة الثقافة والسياحة في أبوظبي، الذي يتبع له مشروع «كلمة» للترجمة؛ أحد أكبر المشاريع الثقافية في العالم العربي، تحدّث عن التحديات التي تسوقها وسائل التواصل للهوية الثقافية للمجتمعات المحلية، لكنه دعا إلى الريادة في استخدام التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي بوصفها سبيلاً للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيزها، وذلك عبر تغذية الفضاء الرقمي بالمنتجات الفكرية والأدبية الجادة والرصينة.

لاحظ الدكتور علي بن تميم، أن الوسائل الرقمية فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب، وهي تحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل. وهنا نص الحوار:

> كيف ترون التحديات التي تواجهها الهوية الثقافية، وسط طوفان الثقافات السريعة التي تفرضها العولمة؟

- بالتأكيد فإن الثقافة التجارية السريعة، ومخرجات العولمة، التي قد تشكل فرصاً لتعزيز الهوية المتفردة، لها تأثيرات كبيرة وتفرض تحديات بالغة على المجتمعات، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي وما تفرضه من تشويه للغة العربية، والمفردات والتراكيب وغيرها، وما تنشره من محتوى مجهول المنشأ خصوصاً في مجالات الأدب والشعر والسرد، وهو ما بات يشكل تهديداً وجودياً لقطاع النشر من خلال إمكانية الوصول وتفضيلات الشباب لتلك الوسائل، وعدم التزام الوسائل الرقمية بحقوق الملكية الفكرية، لا بل بالتلاعب بالمحتوى واجتزائه وتشويهه، والأخطاء الجسيمة في حق اللغة والهوية الثقافية والاجتماعية التي تمارسها بعض المنصات.

الدكتور علي بن تميم (رئيس مركز أبوظبي للغة العربية)

> كيف رصدتم الأثر غير الإيجابي للوسائل الرقمية؟

- من الملاحظ أن تلك الوسائل فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب ونظرتهم ومحاكمتهم لمختلف الشؤون التي يعبرون بها في حياتهم، واللجوء إلى المعلومات المبتورة والابتعاد عن القراءات الطويلة والنصوص الأدبية والمعرفية الشاملة وغيرها التي تحقق غنى معرفياً حقيقياً.

وتأتي تلك التحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل، ما يعزز ضعف التفاعل مع الموروث الثقافي، حيث تفتقر العديد من المبادرات الثقافية التي تركز على الترويج للأصالة بصورة تتفاعل مع الأجيال الجديدة، إلى الوسائل الحديثة والتفاعلية التي تجعلها جذابة للأجيال الشابة. ويضاف إلى ذلك تأثير اختلاف طبيعة الأعمال وأسواق العمل، التي يتم فيها تسليع الثقافة لغايات تجارية.

> لكن الإمارات – كما بقية دول الخليج – قطعت شوطاً كبيراً في تمكين التقنيات الرقمية... فهل يأتي ذلك على حساب الهوية الثقافية؟

- صحيح، ينبغي النظر إلى أن ريادة الدولة في المجالات الرقمية والذكاء الاصطناعي تشكل بحد ذاتها عامل دعم للهوية الثقافية، إضافة إلى تأثير البيئة الاجتماعية ومخزونها القوي من الثقافة وغنى هويتها، والدور الإيجابي للمعرفة الرقمية في تعزيز تنافسية الدولة وريادة الأعمال، ووجود كفاءات متعددة للاستفادة منها في تعزيز المحتوى الثقافي والهوية الثقافية، على دراية كاملة بأساليب ووسائل انتشار تلك المنصات ووصول المحتوى إلى الجمهور المستهدف، وإمكانية استغلال ذلك في خلق محتوى ثقافي جديد موازٍ للمحتوى المضلل يمتلك كفاءة الوصول، والقدرة على مخاطبة الشباب بلغتهم الجديدة والعصرية والسليمة، لمواجهة المحتوى المضلل، إن جاز التعبير.

> ما استراتيجيتكم في مواجهة مثل هذه التحديات؟

- تساهم استراتيجية مركز أبوظبي للغة العربية، في تعزيز الهوية الثقافية الإماراتية والحفاظ عليها وسط تأثيرات العولمة. وتشكل المهرجانات الشاملة مثل مهرجان العين للكتاب ومهرجان الظفرة للكتاب ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، والجوائز الرائدة مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة سرد الذهب، وغيرها، بما تتضمنه من مبادرات متكاملة ثقافية واجتماعية وفنية ورياضية ومسابقات تنافسية، واحدة من وسائل لتعزيز جاذبية تلك المهرجانات والجوائز للجمهور، وتحفيزهم على المشاركة بها، من خلال دمج الموروث الثقافي بالوسائل العصرية.

كما يقوم مركز أبوظبي للغة العربية من خلال الشراكات الدولية بتعزيز نشر الثقافة الإماراتية وإبراز دورها الحضاري العالمي، ما يمنح مزيداً من الفخر والاعتزاز للشباب بهويتهم الثقافية ويحفزهم على التعرف عليها بصورة أوسع.

الترجمة والأصالة

> مع تزايد الترجمة بين اللغات، كيف يمكن ضمان أن تكون الأعمال المترجمة ناقلاً للأصالة الثقافية من مصادرها وليست مجرد (انتقاءات سطحية) لا تمثّل التراث الثقافي للشعوب أو للمبدعين؟

- يدرك مشروع «كلمة» للترجمة بمركز أبوظبي للغة العربية أهمية الترجمة ودورها البارز في دعم الثقافة بعدّها وسيلة أساسية لتعزيز التقارب، والتسامح بين الشعوب، انسجاماً مع توجهات دولة الإمارات ودورها في تعزيز تبني ثقافة التسامح بين الحضارات والشعوب. وقد أطلق المركز أربعة مشاريع رئيسية للترجمة حققت قفزة نوعية في مستوى الترجمة العربية، واعتماديتها ومستوى الموثوقية التي تحظى بها في الأوساط الأكاديمية ومؤسسات النشر العالمية، ما جعله شريكاً رئيسياً لكبرى مؤسسات وشركات ومراكز الأبحاث المعنية بالترجمة على مستوى العالم، على الرغم من التحديات الواسعة التي تجاوزها مشروع كلمة للترجمة، بسبب الطبيعة المكلفة لنشاط الترجمة والنشر، والأخطاء المتوقعة، وتحديات توافر المترجمين من أصحاب الكفاءة الذين يمكنهم نقل المعرفة بسياقها وروحيتها الأدبية والعلمية نفسها، مع الحفاظ على عناصر السرد والتشويق.

وفي هذا الإطار اعتمد المركز جملة من المعايير التي ساهمت بفاعلية في ريادة مشاريع النشر الخاصة به، التي تشمل اختيار الكتب، والمترجمين بالاعتماد على لجنة من المحكمين المشهود بخبرتهم في الأوساط الثقافية والعلمية والأكاديمية العالمية. كما عزز كفاءة المترجمين، والقدرة على إيجاد أصحاب الاختصاصات من ذوي الكفاءات عبر التعاون مع المؤسسات الأكاديمية في الدولة ومراكز الأبحاث العالمية، وتدريب مترجمين مواطنين بلغ عددهم اليوم نحو 20 مترجماً من أصحاب المهارات والمواهب في قطاع الترجمة، التي يحكمها الشغف والتطوير المستمر وحب القراءة، والقدرة على السرد.

> ماذا تحقق في هذا الصعيد؟

- ساهمت جهود المشروع في ترجمة أكثر من 1300 كتاب، وتوسيع اللغات لتشمل 24 لغة حتى اليوم، بالإضافة إلى الترجمة عن اللغتين التشيكية والسلوفاكية. كما شملت قائمة المترجمين أكثر من 800 مترجم، إضافة إلى تعاون نحو 300 آخرين مع مشاريع المركز، وانضمام 20 مواطناً من جيل الشباب والخريجين إلى القائمة، نحرص على توفير كل سبل الدعم والتحفيز لهم، لتشجيعهم على خوض غمار تجربة الترجمة تحت إشراف مترجمين محترفين.

وقد وفر تعدّد المشاريع التي يحتضنها المركز وخصوصيتها، نماذج خبرة متعددة وشاملة، ساهمت بشكل فعّال في تعزيز الكفاءة في قطاع الترجمة وصولاً إلى تحقيق السمعة الرائدة التي يحظى بها المركز في الأوساط العالمية حالياً، ومنها «مشروع إصدارات» الذي يعنى بالكتب التراثية والأدبية، وكتب الأطفال والرحالة، و«مشروع كلمة» الذي يمثل نقلة نوعية في تاريخ الترجمة العربية من خلال ترجمة نحو 100 كتاب سنوياً، منذ انطلاقته، من أرفع الإنتاجات المعرفية العالمية، إضافة إلى إطلاق «مشروع قلم»، وجميعها مبادرات رائدة تحظى بالاعتمادية والموثوقية العالمية، وتتبنى أرفع معايير حقوق النشر.

> كيف يوازن مشروع «كلمة» بين الحفاظ على التراث الثقافي ودعم الإبداع الحديث، هل ثمّة تعارض بينهما؟

- الموروث الثقافي والتاريخي يشكل ذاكرة وهوية المجتمعات، وهو نتاج عقول وجهود بشرية مستمرة، وتواصلٍ إنساني أسفر عن إرث فكري وإبداعي توارثته الأجيال، وهو مصدر ثري ومهم للإبداع في الفن والأدب.

ومن جهته، حرص مشروع كلمة على الاهتمام بترجمة كتب التراث العالمي، فقدم بادرة لترجمة سلسلة ثقافات الشعوب في 72 كتاباً تتضمن ترجمة لمئات الحكايات والقصص من التراث الشعبي والفلكلوري العالمي بهدف تعزيز العمق الثقافي الجامع بين مختلف الأعراق والجنسيات والثقافات.

وفي الإبداع الحديث ترجم العشرات من الروايات لكتاب عالميين، بالإضافة إلى ترجمة الشعر الأميركي الحديث، وكتب النقد والدراسات الأدبي والشعر الغربي.

ويسعى مركز أبوظبي للغة العربية عبر هذا المشروع إلى دمج نماذج الإبداع الحديث بالتراث الثقافي التي لا تشكّل أي تعارض في مضمونها، بل تحقّق تكاملية، وشمولية لتطوير الإبداع الثقافي وضمان مواكبته للتغيرات العصرية لتعزيز وصوله للمتلقين من دون إهمال العلوم ونشر جوانب المعرفة.

المعرفة والذكاء الاصطناعي

> هل نحن في سباق مع التقنيات الذكية للوصول إلى المعرفة مهما كلّف الثمن؟ كيف يمكن لحركة الترجمة أن تستفيد منها؟

- تشكل التقنيات الذكية بعداً أساسياً لانتشار المحتوى العربي الرائد والمتوازن في العصر الحالي، غير أنها لا تدخل ضمن اسم السباق وليست هدفاً في حد ذاتها، بل يتم استثمار إمكاناتها لتعزيز تحقيق الأهداف الاستراتيجية الثقافية ونشر اللغة العربية والثقافة العربية، ومواجهة التحديات التي يفرضها تجاهلها.

وتبرز أهمية استثمار الوسائل الذكية في تحديد وترسيخ احترام الملكية الفكرية، وإيجاد وسائل إلكترونية رقمية للحد من التعديات عليها.

وبالتأكيد، فإن استثمار المخرجات الذكية من شأنه تعزيز حركة الترجمة وتنوعها، وخلق تنافسية جديدة تعزز من ريادة القطاع.

رواد الثقافة قادرون على كشف «المسوخ» التي ينتجها الذكاء الاصطناعي

علي بن تميم

> هل هناك مخاوف من «مسوخ» ثقافية ينتجها الذكاء الاصطناعي تؤدي لمزيد من تشويه الوعي؟

- يستطيع رواد الثقافة التمييز بسهولة بين المنتج الثقافي الإبداعي والمهجن أو الدخيل، غير أن التحديات التي يفرضها الواقع الرقمي يتمثل في تشويه الإبداع الثقافي بين أفراد المجتمع، وفي رأيي فإن الوسائل الذكية أتاحت لبعض المدعين مجالات للظهور لكنها لا تزيد على فترة محدودة. فالثقافة والإبداع مسألتان تراكميتان وموهبتان لا يمكن اقتحامهما بسهولة، ونسعى بحرص إلى الاستفادة من البنية الرقمية الرائدة للدولة في إطلاق مبادرات ذكية وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي لنشر المحتوى الثقافي الحقيقي الذي يمثل هويتنا وحضارتنا.

> كيف يمكن لحركة الترجمة أن تتجنب التحيّز الثقافي وتقدم نصوصاً دقيقة وموضوعية؟

- الترجمة رافد مهم من روافد الثقافة الإنسانية، ومثل أي مهنة أخرى، تخضع مهنة الترجمة لمجموعة من الأخلاقيات التي ينبغي الالتزام بها. والكفاءة اللغوية والقدرة على ترجمة النص ليستا المعيار الوحيد في عملية الترجمة من لغة إلى لغة، فالابتعاد عن التحيز الثقافي والفكري واحترام الاختلافات الفكرية والثقافية، وفهم السياقات الثقافية المختلفة للغة المصدر وللغة المترجم إليها من الأمور الحيوية والمهمة في تقديم ترجمات رصينة وخالية من التشوهات. وبهذا يتحقق الهدف الأسمى للترجمة وهو تقريب الشقة بين الثقافات والحضارات.ويتم اختيار الإصدارات الخاصة بالترجمة بناء على أهميتها العالمية وما تقدمه من قيمة مضافة للقراء توسع مداركهم، وتعزز رؤيتهم للمستقبل، من خلال لجنة متنوعة ومتخصصة تعزز الموضوعية وسياقات الحوكمة واحترام حقوق الملكية الفكرية وغيرها من معايير وقيم عليا.