60 % من الأمراض المعدية مصدرها الحيوانات... كيف أصبح الإنسان عدو نفسه؟

صورة بطائرة من دون طيار تُظهر دفن جثث ضحايا فيروس «كورونا» في نيويورك (رويترز)
صورة بطائرة من دون طيار تُظهر دفن جثث ضحايا فيروس «كورونا» في نيويورك (رويترز)
TT

60 % من الأمراض المعدية مصدرها الحيوانات... كيف أصبح الإنسان عدو نفسه؟

صورة بطائرة من دون طيار تُظهر دفن جثث ضحايا فيروس «كورونا» في نيويورك (رويترز)
صورة بطائرة من دون طيار تُظهر دفن جثث ضحايا فيروس «كورونا» في نيويورك (رويترز)

تأكد المصدر الحيواني لفيروس «كورونا» المستجد الذي قلب حياة العالم رأساً على عقب، وحصد مائة ألف ضحية، إلا أن نشاط الإنسان هو الذي سهل انتقال العدوى إلى البشر، بينما يحذر خبراء من أن فيروسات أخرى ستتبع المسار نفسه في حال عدم اعتماد تغييرات.
والأمراض الحيوانية المنشأ التي تنتقل إلى الإنسان ليست بجديدة، ومنها السل والكلب والملاريا وداء المقوسات. ويفيد برنامج الأمم المتحدة للبيئة بأن 60 في المائة من الأمراض البشرية المعدية مصدرها الحيوانات. وترتفع هذه النسبة إلى 75 في المائة في حالة الأمراض المعدية «الناشئة» مثل «إيبولا»، وفيروس «إتش آي في» المسبب لمرض «الإيدز»، و«إنفلونزا الطيور»، و«زيكا»، والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس).
ويفيد تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في عام 2016، بأن «بروز الأمراض الحيوانية المنشأ مرتبط في غالب الأحيان بالتغيرات البيئية الناجمة عادة من النشاط البشري، من تعديل في استخدام الأراضي إلى التغير المناخي»، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.
وتؤكد غيانيل فورتش، المديرة المساعدة لقسم علم الأوبئة البيطرية في المركز الوطني للبحث الزراعي والبيئي، وهو هيئة رسمية فرنسية: «نظراً إلى نمو عدد السكان واستخدامهم المكثف لموارد الأرض، يؤدي تدمير الأنظمة البيئية بأعداد متزايدة إلى ارتفاع كبير في التماس» بين الأجناس.
ومن العوامل المسؤولة عن ذلك، قطع أشجار الغابات لأغراض الزراعة، وتربية الحيوانات بشكل مكثف التي قد تشكل بدورها «جسراً» مع الإنسان (لا سيما من خلال تطوير مقاومة على المضادات الحيوية المستخدمة كثيراً في الزراعة الصناعية) وتوسع المدن، وتشرذم المواطن الطبيعية، ما يؤثر على التوازن بين الأنواع. يضاف إلى ذلك الاحترار المناخي الذي قد يدفع بعض الحيوانات الناقلة للمرض إلى الانتشار في أماكن لم تكن تقيم فيها.
وتوضح آن لاريغودري، الأمينة العامة التنفيذية للمنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات، المعني بالتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، وهو هيئة تابعة للأمم المتحدة تعنى بالتنوع الحيوي، أن «المسار الذي يدفع جرثومة مثل فيروس من الانتقال من مجموعة من الفقريات، كالوطاويط على سبيل المثال، إلى البشر، معقد؛ لكنه من فعل البشر... النشاطات البشرية توفر الفرصة للجراثيم للاقتراب من الإنسان».
وتضيف: «سرعة التغييرات الحاصلة في المواطن الطبيعية في السنوات الخمسين الأخيرة لا سابق لها في تاريخ البشر... ويشكل التبدل في استخدامات الأراضي العامل المباشر الأهم في هذا التغيير».
ويفيد المنبر بأن الأمراض الحيوانية المنشأ تحصد نحو 700 ألف ضحية سنوياً، بغض النظر عن الجائحة الحالية.
وتحدد دراسة أجراها باحثون أميركيون قبل ظهور الوباء الحالي، القوارض والرئيسات والوطاويط على أنها «حاملة» لغالبية الفيروسات المنقولة إلى الإنسان (75.8 في المائة)، إلا أن الحيوانات المنزلية تحمل أيضاً 50 في المائة من الأمراض الحيوانية المنشأ.
ومع التركيز على الحيوانات البرية المهددة، تظهر الدراسة أن تلك التي تنقل أكبر عدد من الفيروسات إلى البشر هي تحديداً «تلك التي تراجعت أعدادها بسبب الاستغلال وفقدانها لمواطنها».
وتقول كريستين جونسون، من كلية الطب البيطري في جامعة كاليفورنيا التي أشرفت على الدراسة: «نحن نعدل استخدام الأراضي... الأمر الذي يزيد من الاتصالات بين البشر والحيوانات البرية، ما يوفر الظروف المثالية لانتقال لفيروسات».
وتحذر آن لاريغودري من أن هذا الميل لن يتراجع؛ لأن التعديلات في استخدام الأراضي «فضلاً عن الزيادة في المبادلات التجارية والسفر» ستزيد من عدد الجوائح في المستقبل.
لذا ينبغي أن يكون الرد على مستوى النظم المعتمدة، على ما تؤكد غينايل فورتش، موضحة: «إلى جانب الاستجابة الضرورية لكل وباء، يجب أن نفكر بالنموذج الذي نعتمده، لا سيما إعادة النظر في علاقتنا بالأنظمة البيئية الطبيعية والخدمات التي توفرها لنا».
وتذهب آن لاريغودري في الاتجاه نفسه، وتدعو إلى «تحول كامل لحل هذه المأساة العالمية، مع العمل على (تثبيت البيئة) في مجالات اقتصادية مختلفة، من المال إلى الصيد، مروراً بالنقل أو الطاقة».
وجاء في تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة العائد لعام 2016 أيضاً، أن «الاستراتيجيات الفعالة متوفرة للسيطرة على غالبية الأمراض الحيوانية المنشأ المهملة؛ لكن يبدو أن العائق الرئيسي هو نقص في الاستثمارات»؛ مشدداً على أن «سلامة الأنظمة البيئية تشمل الصحة والتطور البشري».
وتحذر خبيرة الرئيسات البريطانية جاين عودال (86 عاماً) التي أمضت الجزء الأكبر من حياتها في دراسة الحيوانات والدفاع عنها، لا سيما الشمبانزي في أفريقيا، وتحديداً في تنزانيا، من أنه «كان متوقعاً حصول ذلك، وسيتكرر الأمر إلى حين استخلاصنا العبر منه».
وترى أن أسباب الجائحة واضحة، وهي «انتهاكنا للطبيعة وللحيوانات التي ينبغي أن نتشارك معها كوكب الأرض».


مقالات ذات صلة

«كايسيد» يؤكد أهمية الحوار البنّاء في دفع التقدم العالمي

العالم الدكتور زهير الحارثي خلال القمة العالمية لقادة ورموز الأديان في باكو (كايسيد)

«كايسيد» يؤكد أهمية الحوار البنّاء في دفع التقدم العالمي

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز «كايسيد» للحوار، على أهمية الحوار البنّاء في دفع عجلة التقدم العالمي، ودور المجتمعات الدينية للتصدي لتحديات تغير المناخ.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد صورة جماعية في الاجتماع الدوري الـ35 لمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة بجدة (الشرق الأوسط)

مسؤول عراقي لـ«الشرق الأوسط»: مشروعات مشتركة جديدة مع السعودية لتحقيق الاستدامة البيئية

يعيش العراق حالة انتعاش في المسارات كافة؛ منها قطاع البيئة الذي يعيش طفرة نوعية في المشروعات، وتحسين البنية التحتية، وفقاً لما أورده الدكتور جاسم الفلاح.

سعيد الأبيض (جدة)
آسيا بلغ الضباب الدخاني الملوّث مستويات قياسية في مدينة لاهور الباكستانية (أ.ب)

لاهور تغلق المدارس الابتدائية بسبب مستويات تلوث قياسية

قررت سلطات لاهور، ثانية كبرى مدن باكستان، إغلاق دور الحضانة والمدارس الابتدائية سعياً إلى تجنيب ملايين الأطفال الضباب الدخاني الملوّث الذي بلغ مستويات قياسية.

«الشرق الأوسط» (لاهور (باكستان))
الاقتصاد السعودية تستعد لاستضافة المؤتمر في بداية ديسمبر المقبل (الشرق الأوسط)

السعودية تدعو العالم لمواجهة تحديات تدهور الأراضي في «كوب 16»

وجّهت الرئاسة السعودية لمؤتمر الأطراف (كوب 16) القادم في الرياض، نداءً إلى المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات قوية بشأن التصدي لتهديدات الجفاف.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تتميّز السواحل السعودية على البحر الأحمر بجمال الشُّعب المرجانية (صور المؤسّسة)

رئيس مؤسّسة الحفاظ على الشُّعب المرجانية: تمتدّ لـ2600 كيلومتر في السواحل السعودية

من خليج العقبة شمالاً، إلى حدود السعودية مع اليمن جنوباً، وعلى طول سواحل 2600 كيلومتر، تتراءى الشُّعب المرجانية على شكل شريط ممتد.

سعيد الأبيض (جدة)

فرار جماعي لقردة من مختبر طبّي في أميركا

القردة الهاربة شغَّلت مُطارديها (آدوب ستوك)
القردة الهاربة شغَّلت مُطارديها (آدوب ستوك)
TT

فرار جماعي لقردة من مختبر طبّي في أميركا

القردة الهاربة شغَّلت مُطارديها (آدوب ستوك)
القردة الهاربة شغَّلت مُطارديها (آدوب ستوك)

هربت 43 قرداً من مجمَّع يُستخدم للبحوث الطبّية في ولاية كارولاينا الجنوبية الأميركية، وسط تطمينات بأنْ «لا خطر يُذكر» على العامة.

ونقلت «أسوشييتد برس» عن رئيس شرطة بلدة يماسي، حيث يقع المعمل، غريغوري ألكسندر، قوله إنّ القردة الهاربة «ليست مُصابة بأي مرض، وغير مؤذية، لكنها متوتّرة بعض الشيء».

وفرَّت القردة من نوع «ريزوس ماكاك» من منشأة «ألفا جينيسيس»، الأربعاء، عندما غفل موظّف جديد عن إغلاق قفصها بإحكام.

وأفادت الشرطة بأنّ القردة هي إناث تزن نحو 3 كيلوغرامات، صغيرة السنّ، ولم تُستخدم بعدُ في الاختبارات.

عادةً، تتعامل الشركة مع حالات الهروب ضمن الموقع، لكنّ القردة نجحت في الخروج من المجمّع الذي يبعد نحو 1.6 كيلومتر عن وسط المدينة.

قال ألكسندر: «المتعاملون معها يعرفونها جيداً، ويمكنهم إعادتها باستخدام الفاكهة أو بعض المكافآت». لكن جَمْعها يتطلّب جهداً أكبر هذه المرّة، وأوضح رئيس الشرطة أنّ الشركة تتولّى الأمر الآن، فتُعدُّ فخاخاً وتستخدم كاميرات تصوير حراري للإمساك بها.

ونصح ألكسندر الأشخاص المقيمين في الجوار «إغلاق نوافذهم وأبوابهم لئلا تعثر القردة على مكان للاختباء داخل المنازل. وفي حال شاهدوها؛ الاتصال برقم الطوارئ».

تُقدّم شركة «ألفا جينيسيس» القردة لأغراض البحث العلمي في جميع أنحاء العالم من مجمّعها الواقع على بُعد نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي مدينة سافانا بولاية جورجيا.

وعام 2018، فرضت السلطات الفيدرالية غرامة مقدارها 12600 دولار على «ألفا جينيسيس» بعد هروب عشرات القردة، وكذلك بسبب ترك بعضها من دون ماء، ومشكلات أخرى تتعلّق بكيفية إيوائها.

وقالت السلطات إنّ 26 قرداً فرَّت من منشأة يماسي عام 2014، وفرَّت 19 أخرى عام 2016.

وبعثت جماعة «أوقفوا استغلال الحيوانات الآن» برسالة إلى وزارة الزراعة الأميركية تُطالبها بإرسال مفتّش على الفور إلى منشأة «ألفا جينيسيس»، وإجراء تحقيق شامل، ومعاملتها بكونها دأبت على تكرار المخالفات.

وقال المدير التنفيذي للجماعة، مايكل بودكي: «الإهمال الواضح الذي سمح بهروب 40 قرداً لم يعرِّض سلامة الحيوانات للخطر فحسب، بل هدَّد أيضاً سكان ولاية كارولاينا الجنوبية».