3 شبكات أمان أوروبية لدعم أكثر الدول تضرراً من «كوفيد ـ 19»

تحذير من مغبّة التراخي والإفراط في التفاؤل مع الاستعداد لتخفيف إجراءات الحجر

إسبان ينتظرون الحصول على مساعدات غذائية خارج كنيسة ببرشلونة أمس (إ.ب.أ)
إسبان ينتظرون الحصول على مساعدات غذائية خارج كنيسة ببرشلونة أمس (إ.ب.أ)
TT

3 شبكات أمان أوروبية لدعم أكثر الدول تضرراً من «كوفيد ـ 19»

إسبان ينتظرون الحصول على مساعدات غذائية خارج كنيسة ببرشلونة أمس (إ.ب.أ)
إسبان ينتظرون الحصول على مساعدات غذائية خارج كنيسة ببرشلونة أمس (إ.ب.أ)

بعد جولة ثانية من المفاوضات المتوترة استمرّت 15 ساعة، تأكد مرة أخرى أن مخاض القرارات الأوروبية المفصلية يحتاج كي يصل إلى خواتيمه، لأقصى درجات الضغط والوقوف على شفا الهاوية، بعد أن توصّل مجلس وزراء المال إلى اتفاق في ساعة متأخرة من ليل الخميس الماضي حول حزمة مساعدات طارئة لمواجهة جائحة «كوفيد-19»، بعد أن هددت إيطاليا وإسبانيا بالانسحاب من المفاوضات وتعميق الشرخ الذي يعتمل في الجسم الأوروبي منذ سنوات أمام أخطر أزمة تواجه أوروبا في تاريخها الحديث.
ولدى إعلانه عن الاتفاق حول حزمة المساعدات التي ستعرض على القمة الأوروبية المقبلة لبتّها، قال رئيس المجلس الأوروبي لوزراء المال البرتغالي ماريو سنتينو: «هذه الحزمة تتضمّن مقترحات طموحة لم تكن واردة في حسابات أحد منذ أسابيع، وكلنا يتذكّر الاستجابة الضعيفة والمتأخرة للاتحاد خلال الأزمة المالية الأخيرة. هذه المرة اختلفت الأمور».
وتقوم هذه الحزمة على 3 شبكات أمان للحكومات والمؤسسات والعمّال، تتيح للدول التي تتدهور أوضاعها المالية بسرعة جراء هذه الازمة، خصوصاً إيطاليا وإسبانيا، الحصول على قروض ميسّرة لا تتجاوز قيمتها 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، من غير أن تخضع لشروط تقشفيّة سوى التعهّد بإنفاقها على القطاع الصحي وما يتفرّع عنه من قطاعات أخرى تضررت مباشرة بفعل الأزمة.
وكانت المفاوضات التي بدأت منذ أسابيع داخل الاتحاد الأوروبي حول خطة مشتركة لمعالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي بعد نهاية الأزمة قد تحولّت إلى ساحة معركة بين دول الجنوب الأوروبي التي تتزعمها إيطاليا وإسبانيا، الدولتين الأكثر تضرّراً على الصعيدين الصحي والاقتصادي من الأزمة، ودول الشمال بزعامة هولندا التي ترفض تقاسم أعباء الدين العام الذي ينشأ عن الأزمة وتصرّ على شروط صارمة وملزمة للاقتراض من الموارد المالية المشتركة.
وأمام هذا التحدي الكبير الذي كان يواجه المشروع الأوروبي ويشكّل خطراً محدقاً على بقائه، عادت الحرارة إلى المحور الألماني - الفرنسي بعد أن لعبت برلين وباريس دور الوسيط في هذه المفاوضات التي إذا تبنّت القمة المقبلة نتائجها من غير تعديل ستكون، في رأي الخبراء، تكريساً للهيمنة الألمانية في المشهد الاقتصادي والمالي الأوروبي ومبايعة لفرنسا بالقيادة السياسية التي كانت دائماً تسعى إليها.
ويقول الخبراء إن الشرط الوحيد الذي تتضمنه آلية الاقتراض من حزمة المساعدات، وهو حصر إنفاق القروض بالقطاع الصحي وما يتفرّع عنه، سيحرم القطاعات الصناعية، وغيرها من القطاعات الحيوية في الدول المتضررة مثل السياحة والخدمات، من المساعدات التي ستذهب إلى قطاعات لا تشكّل أي منافسة للاقتصاد الألماني.
في قراءة حكومات الدول الأعضاء لهذا الاتفاق إجماعٌ على أن الاتحاد تجاوز مرحلة مصيرية في أخطر أزمة تمرّ بها أوروبا في تاريخها الحديث. الحكومة الإسبانية التي كانت أول من طالب بإصدار سندات كورونا ووضع «خطة مارشال» للنهوض من الأزمة، أعربت عن ارتياحها للاتفاق الذي وصفته بأنه «أفضل الممكن في هذه الظروف، وأساس متين يُبنى عليه لمواجهة الأزمة الاقتصادية بعد الانتصار على الوباء». وزير الاقتصاد الإيطالي روبرتو غوالتيري قال من ناحيته: «إن إيطاليا قد انتصرت، وسنطرح اقتراحنا حول السندات في القمة بعد أن نجحنا في إزالة الشروط على الاقتراض من آلية الاستقرار»، فيما قال رئيس الحكومة جوزيبي كونتي: «لم نحصل على كل ما كنا نصبو إليه، لكن أمامنا موعد آخر في القمة».
لكن قراءة أحزاب المعارضة، خصوصاً في إيطاليا وإسبانيا حيث تتعرّض الحكومتان لانتقادات شديدة، جاءت مختلفة تماماً وظهرت في مواقف تصعيدية تذكّر بذروة الحملات الانتخابية. الأحزاب اليمينية الإسبانية التي لم تهادن الحكومة منذ بداية الأزمة، اعتبرت أن الاتفاق ليس كافياً ولن يساعد في النهوض من الأزمة الاقتصادية، وأعلنت أنها لن تؤيده في حال عرضه على البرلمان.
وفي إيطاليا التي يرزح اقتصادها تحت وطأة أزمة عميقة منذ سنوات وكانت أولى الدول التي أوقفت عجلتها الإنتاجية، شنّت المعارضة اليمينية هجوماً عنيفاً على الحكومة بسبب ما سمته «الاستسلام لمشيئة كتلة الشمال الأوروبي التي تتزعمها ألمانيا». وقال زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف ماتّيو سالفيني: «هذا الاتفاق يرهن مستقبلنا ومدخرات أولادنا ويضعنا تحت رحمة دكتاتورية الفيروس». وإذ هدد سالفيني بطرح الثقة في وزير الاقتصاد، وصفت زعيمة حزب الفاشيين الجدد «إخوان إيطاليا» جيورجيا ميلوني الاتفاق بأنه «خيانة عظمى» ودعت إلى استقالة الحكومة. ومع تراجع أعداد الوفيّات منذ أيام في إيطاليا وإسبانيا والإعدادات لتخفيف تدابير الحظر والاستئناف التدرّجي للنشاط، عاد الخبراء إلى التحذير من مغبّة التراخي والإفراط في التفاؤل، مشددين على ضرورة عدم ارتكاب الأخطاء في هذه المرحلة. وقال المستشار الصحي في اللجنة العلمية الإيطالية التي تشرف على إدارة الأزمة والتر ريتشياردي: «ليس ما يدعو بعد إلى انتشار هذا الشعور بالتفاؤل. كنا نتوقّع تراجعاً أسرع لعدد الوفيّات والإصابات، لكن الأرقام تفيد بأننا ما زلنا في مرحلة انتشار الوباء. يجب أن نصارح الناس ونقول لهم إن العودة إلى الحياة الطبيعية قبل الأوان تؤدي إلى كارثة. لا بد من التحلّي بالصبر، وإلا سنواجه موجة ثانية نعرف أنها تكون عادة أقوى من الأولى».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».