«تبرع إلزامي» لمواجهة «كورونا»... مشروع قانون مصري تواجهه «تحفظات شعبية ودستورية»

اقتطاع نسب تصل إلى 20 % من دخل المواطنين شهرياً

رجل يضع كمامة بينما يستقل حافلة في العاصمة المصرية القاهرة (إ.ب.أ)
رجل يضع كمامة بينما يستقل حافلة في العاصمة المصرية القاهرة (إ.ب.أ)
TT

«تبرع إلزامي» لمواجهة «كورونا»... مشروع قانون مصري تواجهه «تحفظات شعبية ودستورية»

رجل يضع كمامة بينما يستقل حافلة في العاصمة المصرية القاهرة (إ.ب.أ)
رجل يضع كمامة بينما يستقل حافلة في العاصمة المصرية القاهرة (إ.ب.أ)

«تبرع إلزامي»، مفارقة لغوية هي عنوان لمشروع قانون مصري، يجبر المواطنين على «التبرع» بنسبة تصل إلى 20 في المائة من رواتبهم شهرياً، لمصلحة صندوق حكومي يعمل على مواجهة أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد. لكن مشروع القانون، الذي يعتزم حزب «الوفد» العريق تقديمه للبرلمان، وُوجه بتحفظات واسعة، واتهامات بمخالفته الدستور، كون التبرع قراراً تطوعياً لا يحتاج لقانون.
وسجلت مصر، حسب آخر إحصاءات، 1173 إصابة بفيروس كورونا، تشمل 78 وفاة. ومع اتساع رقعة انتشاره، يتحسب كثيرون أن تواجه المستشفيات المصرية نقصاً في المستلزمات والخدمات الضرورية، فضلاً عن تأثيرات اقتصادية واجتماعية سلبية تشهدها البلاد جراء الأزمة.
ويستهدف مشروع القانون، خلق مشاركة من المواطنين للدولة في تحمل أعباء وباء كورونا، حسب بيان لرئيس الحزب بهاء أبو شقة الذي يرأس كذلك لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب.
وفي التفاصيل، ينص المقترح على تبرع من يزيد راتبه الشهري عن 5 آلاف جنيه بنسبة 5 في المائة، ومن يزيد على 10 آلاف جنيه بنسبة 10 في المائة، ومن يزيد على 15 ألف جنيه بنسبة 15 في المائة، ومن يزيد عن 20 ألف جنيه يتبرع بـ20 في المائة، على أن تقتطع تلك النسب من مصدر هذا الدخل، وتوجه لصندوق «تحيا مصر» لمواجهة الفيروس.
ويعتبر أبو شقة الفكرة سليمة قانونياً ودستورياً، وتخضع لنظرية معروفة في الاقتصاد السياسي هي «المشاركة في الأعباء» وقت الأزمات، كما حدث أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات،وقت الحرب، عندما كان هناك صندوق لدعم المجهود الحربي.
وأُسس صندوق «تحيا مصر» مطلع يوليو (تموز) عام 2014، بمبادرة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فور وصوله للحكم، لدعم الاقتصاد المصري ومواجهة أي أزمات طارئة. ومنذ انتشار الفيروس بمصر، أقدمت عدد من الجهات الرسمية والخاصة ورجال أعمال على التبرع للصندوق لدعم الإجراءات الحكومية لمواجهته.
وبرر أبو شقة أن يكون التبرع إلزامياً قائلاً، في بيانه، إنه يأتي وفق قانون، وأن تحديد نسب الاستقطاع من الرواتب، حتى تكون هناك مبالغ ثابتة تستطيع من خلالها الدولة معرفة ما سيدخل منها.
ويحق لكل نائب في البرلمان التقدم بمشروع قانون، على أن يُؤيّد بتوقيع عُشر أعضاء المجلس على الأقل، لكن مشروع القانون بصيغته الحالية واجه انتقادات كثيرة. حتى إن هيثم الحريري، عضو مجلس النواب، وصفه بـ«الجباية»، مؤكداً أن التبرع قرار تطوعي لا يحتاج لقانون، فضلاً عن أن المواطنين ما زالوا يعانون بسبب القرارات الاقتصادية القاسية التي اتخذت على مدار السنوات الماضية، ويطالبون بزيادة مرتباتهم، لمواجهة ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
ودعا الحريري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، من لديه قدرة على التبرع للتبرع، وفق إمكاناته، وليس بالإجبار.
ويعتقد الدكتور ياسر حسان، القيادي السابق في حزب «الوفد»، أن «فكرة التبرع الإجباري قانوناً غير دستورية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «العالم يتحدث عن ضمان اجتماعي للمواطنين وتمويل من الدولة للقطاع العام والخاص، بسبب ما لحق بهما من أضرار جراء الأزمة، بينما مشروع القانون يتحدث في جانب معاكس تماماً».
واستغرب النائب محمد فؤاد التبرع الإجباري في وجود الضرائب، داعياً في تصريحات له للبحث في ملف التهرب الضريبي، خصوصاً في المهن الحرة، بدلاً من إجبار الموظفين على التبرع، خصوصاً أن الضرائب يتم خصمها فعلياً من المواطنين تنفيذاً للنصوص القانونية.
وقدم عدة نواب مقترحات لدعم جهود الدولة، بخلاف مشروع القانون، من بينها مقترح للنائب أحمد الطنطاوي، لتبرع أعضاء المجلس بـ50 في المائة من مجموع ما يتقاضوه عن شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان)، لصالح صندوق إعانات الطوارئ للعمال.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، قُوبل مشروع القانون بانتقادات واسعة. ورفض مواطنون أن يكون التبرع إجبارياً. تقول ليلى صديق «التبرع والإجبار لا يلتقيان»، فيما شرح أحمد جمال الفرق قائلاً «التبرع هبة من الشخص المتبرع دون إلزام... مجرد ما يدخل على الهبة صفة الإلزام أصبحت جباية، والجباية تبقى بقانون الضرائب».
وسبق أن أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي تخصيص تمويل بقيمة 100 مليار جنيه (6.38 مليار دولار) للتعامل مع تداعيات «كورونا».


مقالات ذات صلة

«إكسون موبيل» تستعد لحفر بئر جديدة للتنقيب عن الغاز في مصر

الاقتصاد اجتماع وزير البترول  والثروة المعدنية المصري كريم بدوي بمسؤولي شركة «إكسون موبيل» (وزارة البترول والثروة المعدنية)

«إكسون موبيل» تستعد لحفر بئر جديدة للتنقيب عن الغاز في مصر

ستبدأ شركة «إكسون موبيل» المتخصصة في أعمال التنقيب عن البترول وصناعة البتروكيماويات يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل بأنشطة الحفر البحري للتنقيب عن الغاز.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مصريون يلجأون للمعارض لشراء احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار (الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية)

الغلاء يُخلخل الطبقة الوسطى في مصر... رغم «التنازلات»

دخلت الطبقة الوسطى في مصر مرحلة إعادة ترتيب الأولويات، بعدما لم يعد تقليص الرفاهيات كافياً لاستيعاب الزيادات المستمرة في الأسعار، فتبدلت معيشتها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال استقباله الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس وزراء قطر في العاصمة الإدارية الجديدة (مجلس الوزراء المصري)

مصر وقطر ستتعاونان في مشروع عقاري «مهم للغاية» بالساحل الشمالي

قال مجلس الوزراء المصري، الأربعاء، إن مصر وقطر ستتعاونان خلال المرحلة المقبلة في مشروع استثماري عقاري «مهم للغاية» في منطقة الساحل الشمالي المصرية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

حذّر تقرير أممي من زيادة نسبة خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية، بعد أن تضخّم الدين العام المستحق من عام 2010 إلى 2023، بمقدار 880 مليار دولار في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد مقر البنك المركزي المصري بالعاصمة الإدارية الجديدة (رويترز)

تحويلات المصريين بالخارج زادت بأكثر من 100 % في سبتمبر

أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، اليوم الاثنين، أن تحويلات المصريين بالخارج ارتفعت لأكثر من مثليها على أساس سنوي في سبتمبر (أيلول) الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.