أزمة «كورونا» والعلاقات الدولية: أسئلة مفتوحة وافتراضات مؤقتة

جنود إيطاليون يفرضون الحجر الإجباري في ميلانو في 24 فبراير (رويترز)
جنود إيطاليون يفرضون الحجر الإجباري في ميلانو في 24 فبراير (رويترز)
TT

أزمة «كورونا» والعلاقات الدولية: أسئلة مفتوحة وافتراضات مؤقتة

جنود إيطاليون يفرضون الحجر الإجباري في ميلانو في 24 فبراير (رويترز)
جنود إيطاليون يفرضون الحجر الإجباري في ميلانو في 24 فبراير (رويترز)

لقد أثرت كل أزمة مر بها العالم حتى الآن على النظام الدولي، وهياكله، وقواعده، ومؤسساته. ليس من الضروري العودة إلى الحروب العالمية، وما تلاها من تأسيس لعصبة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة بعد ذلك، إذ إنه في القرن الحالي، وحتى يومنا هذا، فإن اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 غيرت القانون الدولي وممارسات الدول في التعامل مع الجهات الفاعلة التي لا تتبع دولاً بعينها. ومع الأزمة المالية لعام 2008، تم تحويل «مجموعة العشرين» من نادٍ لوزراء المالية إلى هيئة من الرؤساء الذين لعبوا دوراً توجيهياً ناعماً في بعض المجالات الأقل إثارة للجدل في السياسة الدولية.
من السابق لأوانه الإدلاء بتصريحات محددة بشأن الوقت الذي أعقب أزمة «كورونا». فقد تم استخدام العبارة الشائعة التي تقول: «لن يكون أي شيء كما كان مرة أخرى»، ويجري ذكرها بشكل متكرر، لكنها غالباً ما تكون خاطئة. ومن المنطقي أن نسأل ما الذي يمكن أن يتغير في السياسة الدولية مع و«ما بعد كورونا». في المرحلة الحالية لا يمكننا النظر إلى الإجابات سوى كافتراضات.
من المحتمل، أن تؤدي أزمة «كورونا» إلى مضاعفة جهود الولايات المتحدة لـ«فصل» الصين، وبالتالي تعزيز الاتجاه نحو إلغاء العولمة. لكن في مجالات معينة من العلاقات الدولية، يمكن أن تظهر أشكال جديدة من العولمة أيضاً، ومن غير المحتمل أن تكون هناك صورة شاملة موحدة للتأثير الجيوسياسي للأزمة، وما ينتج عنها من تطورات في النظام العالمي والتنافس بين الدول، سواء الصراعات أو التعاون. سيظل شكل العالم بعد الوباء خاضعاً للإرادة السياسية والقيادة، وقدرة الجهات الفاعلة الدولية على التعاون.
هل سيحد الوباء، حسبما يوحي بعض المعلقين، من التعاون متعدد الأطراف، ويضعف النظام الدولي القائم على القواعد؟ لقد ردت معظم الدول بالفعل بشكل مبدئي من جانب واحد على الأزمة، وقد تستمر في ذلك. وبما أن الأزمة قد أكدت أيضاً على الحاجة إلى تعاون فعال وعالمي، من المرجح أن تكون التطورات غير متسقة ومتناقضة أكثر من كونها نمطاً ثابتاً. حتى القادة القوميون لا يجادلون في أهمية «منظمة الصحة العالمية» (WHO)، أو في أهمية التعاون في تبادل المعلومات أو البحث عن اللقاحات. لذلك، من المتصور أن تولي الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية المزيد من الاهتمام للنظم الصحية والرعاية الصحية العامة في المستقبل، وأن يصحب ذلك تعزيز لـ«منظمة الصحة العالمية»، وسن قواعد أكثر إلزاماً، وإيجاد المزيد من الموارد. بعد كل شيء، أن الأنظمة الصحية الضعيفة في بعض البلدان تشكل تهديداً واضحاً للآخرين.
يبدو من الصعب، توقع مبادرات سريعة لتعزيز التعاون متعدد الأطراف من قبل «مجموعة السبع» أو «مجموعة العشرين». مع ذلك، قد يكون من الأسهل وضع الموضوعات التي تتعامل مع الصحة العامة على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي، حتى دون ربطها بقضايا الأمن الكلاسيكية. ولا ينبغي أن يكون هناك شك في أن الصحة العالمية ترتبط مباشرة بالسلام والأمن الدوليين.
هل سيكون لأزمة «كورونا» تأثير على صراعات القوى العظمى، لا سيما التنافس بين الولايات المتحدة والصين - وهو التنافس الذي وصفته سابقاً بأنه النموذج الإرشادي الجديد للسياسة الدولية؟ من الوارد ألا يخفف الوباء من مثل هذه التنافسات، ومن المرجح أن يسير التعاون والصراع المفتوح بين القوى العظمى، وبين الولايات المتحدة والصين، على وجه الخصوص، جنباً إلى جنب، بدلاً من أن يكون أنماطاً منفصلة تماماً للسياسة الدولية.
ويمكننا أن نفترض أن النزاع الآيديولوجي بين الصين والدول الغربية سيصبح أكثر حدة، فقد يتعلق ذلك في جوهره بالمنافسة بين الأنظمة الحكومية المختلفة، وعلاقة الدولة والمجتمع. فبعد تعرضها لانتقادات في البداية لإخفائها الوباء، تقدم الصين الآن نظامها التسلطي باعتباره النموذج الأكثر ملاءمة للتعامل مع مثل هذه الأزمات مقارنة بأسلوب تعامل الدول الديمقراطية في وقت الأزمات. كما تكتسب الصين «قوة ناعمة» من خلال إرسالها شحنات المساعدات إلى إيطاليا وإلى غيرها من الدول المتضررة بشدة. وعلى النقيض من ذلك، قلصت الولايات المتحدة من صورتها كقوة عظمى حميدة. فواشنطن لم تحاول حتى استخدام نفوذها في التنسيق لحملات دولية لمواجهة تفشى الوباء. وبدلاً من ذلك، تعامل الرئيس ترمب مع بلاده بصورة منفردة، وحاول شراء شركة صيدلانية ألمانية بهدف تأمين إنتاج لقاح لـ«الولايات المتحدة فقط»، بالإضافة إلى رفض تخفيف العقوبات أحادية الجانب على إيران مؤقتاً على الأقل.
هل سيساعد الفيروس في احتواء الحروب والحروب الأهلية؟ في الأغلب لا، إذ إن البلدان التي تشهد صراعات عنيفة مستمرة، ونسبة عالية من الفئات السكانية الضعيفة ستتضرر بشدة من الوباء. وفي أسوأ الأحوال، سيتم رسم خطوط الصراع الداخلي في الدول شديدة الانقسام بشكل أكثر حدة. ولم يلق نداء الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لـ«وضع نهاية للنزاع المسلح»، والتركيز على محاربة فيروس «COVID-19»، أو فيروس «كورونا»، استجابة إيجابية سوى في الفلبين فقط. وفي المقابل، لم تكن هناك استجابة في ليبيا واليمن وشمال غربي سوريا، وكذلك تنظيم «داعش»، و«بوكو حرام»، فيما تواصل كوريا الشمالية اختبار الصواريخ.
ومن المحتمل أيضاً أن يظل تأثير الوباء على صراعات القوة الإقليمية ضئيلاً. ومع ذلك، يمكن للحكومات التي تتمتع بقدر من الإحساس بالمسؤولية أن تستخدم الوضع الحالي لوضع تدابير لبناء الثقة. هكذا أرسلت الإمارات العربية المتحدة والكويت شحنات مساعدات إلى إيران. وفي هذا الإطار، قال لي مسؤول إماراتي رفيع المستوى، إنها ليس لمرة واحدة: «لقد ساعدنا إيران من قبل في حالات الطوارئ؛ ومن المؤكد أن إيران ستفعل الشيء نفسه بالنسبة لنا. لكننا لم نتمكن من ترجمة هذه الإجراءات إلى مصالحة سياسية».
من المرجح أن يكرس المجتمع الدولي ككل وقتاً واهتماماً أقل لدبلوماسية الأزمات، أو الجهود المبذولة لحل النزاعات. ومن الواضح أن الأمر كذلك اليوم، حيث يعتبر الوباء القضية الأكثر إلحاحاً، ولكن من المحتمل أيضاً أن يكون الأمر كذلك بعد ذلك عندما تحاول الحكومات التعامل مع عواقب الأزمة والركود. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تنزلق العديد من الدول الفقيرة والضعيفة بالفعل إلى أزمات اقتصادية حتى من دون احتواء الأزمات المتعلقة بالصحة. ومن الممكن أن توافق الدول الأغنى على تخفيف ديون الدول الأكثر فقراً، ولكن من المحتمل أن نشهد رغبة أقل في حشد المساعدات لحالات الطوارئ الإنسانية، وفي إجراءات الاستقرار، أو لدعم «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» في مساعدة اللاجئين، أو في توفير المال والقوى العاملة لبعثات الأمم المتحدة.
ماذا عن أوروبا؟ لن تخصص واشنطن، ولا بكين، الكثير من الطاقة لإيجاد حلول مشتركة للمشكلات العالمية. هنا يقع على عاتق «الاتحاد الأوروبي» والدول متعددة الاتجاهات ذات التفكير المماثل مثل كندا وكوريا وإندونيسيا والمكسيك وغيرها مهمة اتخاذ المبادرة. فقد تتعاون الصين أو الولايات المتحدة أو روسيا حال تقدم الآخرون بمقترحات قابلة للتطبيق بشأن السياسات الصحية العالمية مثلاً، لكن من غير المحتمل أن تقود هذه الدول الجهود الشاملة متعددة الأطراف.
من الممكن، وإن كان من غير المضمون على الإطلاق، أن تعزز الأزمة في نهاية المطاف من تماسك الاتحاد الأوروبي وأعضائه. الأهم من كل شيء، وإن حدث متأخراً، أن الاتحاد الأوروبي قام بسرعة بتطبيق تدابير دعم لدوله الأعضاء الأكثر تأثراً بالوباء. وبالنسبة لموقفه الدولي، سيظل على الاتحاد الأوروبي أن يعيد تعلم لغة القوة، حسب جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي. لا يزال هذا صحيحاً، حيث يتعين على المرء أن يضيف إلى ذلك أن قوة أوروبا وقوة الجذب تعتمدان أيضاً على التضامن، خصوصاً في مثل هذه الأوقات.

* مدير «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية»


مقالات ذات صلة

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)

أستراليا تقر قانوناً يحظر وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم أقل من 16 عاماً

رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي (رويترز)
رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي (رويترز)
TT

أستراليا تقر قانوناً يحظر وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم أقل من 16 عاماً

رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي (رويترز)
رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي (رويترز)

أقر البرلمان الأسترالي، اليوم (الجمعة) قانوناً يحظر استخدام الأطفال دون سن الـ16 عاما لوسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما سيصير قريباً أول قانون من نوعه في العالم.

وسيتحمل مالكو منصات التواصل الاجتماعي مثل «تيك توك وفيسبوك وسناب شات وريديت وإكس وإنستغرام» غرامات تصل إلى 50 مليون دولار أسترالي (33 مليون دولار أميركي) بسبب الإخفاقات النظامية في منع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 عاماً من امتلاك حسابات على هذه المنصات.

وكان مجلس الشيوخ الأسترالي قد مرر مشروع القانون يوم الخميس بأغلبية 34 صوتاً مقابل معارضة 19، بينما أقر مجلس النواب التشريع يوم الأربعاء بأغلبية ساحقة بلغت 102 صوت مقابل معارضة 13.

وفي يوم الجمعة، وافق مجلس النواب على التعديلات التي أجراها مجلس الشيوخ، مما جعل مشروع القانون قانوناً نافذاً.

وقال رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز، إن القانون يدعم الآباء القلقين بشأن الأضرار التي قد يتعرض لها أطفالهم على الإنترنت.

وأضاف: «المنصات الآن تتحمل مسؤولية اجتماعية لضمان أن تكون سلامة أطفالنا أولوية بالنسبة لها».

وسيكون أمام المنصات عام كامل لتحديد كيفية تنفيذ الحظر قبل فرض العقوبات.