مع استمرار ارتفاع أعداد ضحايا وباء «كوفيد – 19»، تداعت «الوحدة الوطنية» التي دعا إليها الرئيس إيمانويل ماكرون وعادت التناحرات السياسية إلى واجهة الأحداث مع تكاثر الانتقادات الموجهة لأداء السلطات ولإدارتها هذا الملف المتفجر.
وانصبّت الانتقادات على الرئاسة والحكومة من اليمين واليسار، كما بيّن آخر استطلاع للرأي أجري لصالح إذاعة «أوروبا رقم واحد» ومجموعة «أورانج»، أن 43 في المائة فقط من الفرنسيين يؤيدون طريقة معالجة الحكومة لأزمة «كورونا»، في حين يتخوّف 80 في المائة من الأيام المقبلة. وفي الساعات الماضية، ارتفعت الأصوات. فالحزب الاشتراكي، على لسان أمينه العام أوليفيه فور، يأخذ على ماكرون والحكومة «غياب الوضوح»، و«انعدام الحزم» في المعالجة وحتى في فرض الحظر الذي بدأ العمل به منذ الثلاثاء الماضي. وجاء في رسالة وجّهها إلى رئيس الجمهورية دعوته للانتقال إلى ««اقتصاد الحرب»، ومصادرة الصناعات كافة القادرة على توفير الكمامات وأجهزة التنفس الصناعي، وسوائل التطهير والتعقيم والاختبارات الضرورية للكشف المبكر عن الإصابة بالوباء. ودعا فور إلى مكافأة الأشخاص الذين «يقفون في المواقع الأمامية» لمحاربة الوباء كالعاملين في قطاع الصحة بالطبع، لكن أيضاً كل من يساهم في استمرار الدورة الحياتية والاقتصادية كالمزارعين والعاملين في المتاجر الغذائية وقطاع النقل... ودعا أمين عام الحزب الاشتراكي السلطات إلى إجراء اختبارات الإصابة بالوباء على نطاق واسع، وهو ما ليس متاحاً في الوقت الحاضر.
واقتصادياً، يرى فور ضرورة التزام الحكومة بالقيام بحملة واسعة لمنع إفلاس الشركات عن طريق الدعم المالي والضرائبي، مع التأكيد على ضرورة أن تلزم الحكومة الوضوح والشفافية في قراراتها، التي يرى فور أنها إما غير مفهومة أو متناقضة، أو حتى بعيدة عن الواقع.
وعلى يسار الحزب الاشتراكي، يدعو حزب «فرنسا المتمردة»، الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق والنائب جان لوك ميلونشون الى إنشاء «لجنة برلمانية للمتابعة الدائمة» لعمل الحكومة. ولا يكتفي الحزب المذكور بتوجيه الانتقادات، بل قدم ورقة تتضمن 11 مقترحاً مستعجلاً يركز على الجوانب الاقتصادية والمالية لمواجهة الأزمة أبرزها تخصيص 10 مليارات يورو بشكل عاجل للقطاع الصحي ومداواة التبعات الاجتماعية والاقتصادية الناتجة من الإجراءات التي تسبب بها الفيروس، مثل التسريح وغلق المؤسسات والبطالة الجزئية.
لم يكن اليمين الفرنسي أكثر رأفة في تقييمه أداء الحكومة. ففي بيان صادر عن نواب حزب «الجمهوريون» اليميني الكلاسيكي، دعا هؤلاء إلى وضع حد لـ«الضبابية» التي تغلف الإجراءات الحكومية، مهدداً بفتح الملفات كافة بعد انتهاء الأزمة. وشدد «الجمهوريون» على ضرورة الوضوح في التعاطي مع المؤسسات والشركات التي يتعين على الحكومة أن تحدد بوضوح تلك لا يمكن الاستغناء عنها لاستمرار الدورة الاقتصادية وكيفية مساعدة الشركات الأخرى التي ستتوقف «أو توقفت» عن العمل. ومن جانبه، طالب اليمين المتطرف ممثلاً بـ«التجمع الوطني»، بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية لإيضاح الحقائق وللنظر في كيفية أداء الحكومة التي يرى أنها «مقصرة» في معالجة الأزمة ومغرقة في «التناقضات».
في هذا الوقت، تتأهب السلطات لإعلان تمديد العمل بنظام الحظر الذي فرض يوم الثلاثاء الماضي لأسبوعين. وينتظر أن تعمد الحكومة إلى إدخال عدد من التعديلات عليه لجعله أكثر تشدداً، بعد الملاحظات التي صدرت أول من أمس عن مجلس الدولة. وينتظر الرئيس إيمانويل ماكرون توصية «اللجنة العلمية» المشكلة من عشرة اختصاصيين، والتي تقدم المشورة للسلطات للإعلان عن قرار التمديد الذي يبدو أن ثمة إجماعاً حوله، بالنظر إلى أن موجة وباء «كوفيد – 19» ما زالت في بداياتها، مثلما قال ماكرون أول من أمس. إلا أن الجسم الطبي هو الأكثر إلحاحاً في طلب التمديد.
وثمة مؤشر آخر على مخاوف السلطات من استطالة الأزمة، دل عليه قول وزير التربية جان ميشال بلانكير، إن «السيناريو الأفضل» بالنسبة لاستعادة الدروس في المدارس والجامعات هو أن تتم في الرابع من مايو (أيار) المقبل.
ويترافق ذلك كله مع تزايد ارتفاع ضحايا الفيروس، يوماً بعد يوم. فما بين مساء السبت وصباح الاثنين، قضى الوباء على 112 شخصاً في المستشفيات. ولا يستبعد أن تكون ضحايا أخرى قد وقعت خارجها، خصوصاً في دور المسنين؛ ما يجعل الرقم الإجمالي في فرنسا يصل إلى 674 ضحية. أما الإصابات فقد وصلت إلى 7240 شخصاً، بينهم 1746 في العناية الفائقة. ورغم أن هذه الأرقام بعيدة جداً عما هو الحال في البلدين الجارين لفرنسا وهما إيطاليا وإسبانيا، فإن السلطات الفرنسية تتخوف من أن تكون البلاد سائرة على دربهما. وقال مدير عام وزارة الصحة جيروم سالومون، أمس، إن «الوضع مستمر في التدهور للأيام المقبلة قبل أن تبدأ بالظهور منافع الحظر المشدد وتراجع الوباء». من هنا، التشدد في الحظر والرغبة في فرض مزيد من القيود على الخروج من المنازل. ومنذ أن تبنى البرلمان ليل الأحد - الاثنين مشروع قرار فرض «حالة الطوارئ الصحية»، فإن الحكومة أخذت تمتلك القاعدة القانونية التي ستمكنها، لشهرين قابلين للتمديد، من التصرف وفق ما ترى فيه من مصلحة عامة لمحاربة الوباء. ويخولها القانون الجديد سلطات واسعة إضافة إلى الحظر وشروطه ومدته، مثل مصادرة ما ترتئي أنه «أساسي وضروري» للتغلب على «كوفيد – 19»، كالأدوية والكمامات والسيارات والفنادق. كما يُمكّنها من اتخاذ الإجراءات الضرورية على الصعيد الاقتصادي.
وعمدت السلطات إلى تغليظ العقوبات على المخالفين لتدابير الحظر. فالغرامة المفروضة على المخالف تصل، المرة الأولى، إلى 135 يورو. إلا أنها في حال التكرار خلال 15 يوماً، فإنها ترتفع إلى 1500 يورو وقد تصل إلى 3700 يورو مع السجن لستة أشهر إذا تكررت أربع مرات في ثلاثين يوماً. ورغم ذلك، يؤخذ على الحكومة أنها لم تعمد إلى إغلاق الأسواق المفتوحة التي يتدفق إليها المواطنون بكثافة، حيث لا تحترم فيها الحدود الدنيا المطلوبة للوقاية.
وحتى اليوم، لم تجد السلطات حلاً لنقص الكمامات والقفازات الطبية، في حين وصل عدد الأطباء المتوفين بسبب إصابتهم بـ«كورونا» إلى ثلاثة. كذلك، ضرب الوباء العشرات من الممرضات وثلاثة وزراء، ونحو عشرين نائباً وعضواً من مجلس الشيوخ. وأعلنت وزارة الصحة، أنها قدمت طلبات للحصول على 250 مليون كمامة، في حين المخزون المتوافر لديها لا يزيد على 86 مليوناً، وهي تحتاج إلى 24 مليون كمامة أسبوعياً. وتتصاعد الطلبات من العديد للحصول على وسائل الحماية الضرورية لممارسة مهامها، بينما السلطات تركز على توفيرها للعاملين في الحقل الصحي والذين على تماس مباشر مع المرضى. ورغم طلب الرئيس ماكرون من الجيش إنشاء مستشفى شرق فرنسا مجهزة بآلات التنفس الصناعي. فإن المخاوف تكمن اليوم في ألا تتمكن المستشفيات في باريس ومحيطها من استيعاب الأعداد الكبيرة من المرضى المتوقع تدفقهم عليها في الأيام المقبلة؛ إذ إن هذه المنطقة أصبحت، بعد شرق البلاد، البؤرة الثانية لانتشار الفيروس.
إزاء هذا الوضع المتفاقم، عمد ماكرون إلى إجراء اجتماع عن بعد مع مسؤولي الديانات في فرنسا للبحث معهم في التدابير المطلوبة مع اقتراب الأعياد المسيحية والإسلامية واليهودية الشهر المقبل. وأبلغ الرئيس الفرنسي مسؤولي الأديان، وفق ما نقل عنه هؤلاء، أن الأعياد القادمة «لا يمكن أن تجرى كالعادة»، بل يجب أن تحصل دون تجمعات. ونقل عن أوساط الإليزيه، أن ماكرون طلب منهم «التحضر للاحتفال بالأعياد الكبرى بشكل مختلف»، كما أنه طمأن محاوريه إلى أن فرنسا لن تعمد إلى حرق جماعي للجثث كما يحصل في إيطاليا. وتنص تعليمات وزارة الداخلية الحالية على أن عدد الأشخاص المسموح لهم بالتواجد أثناء دفن المتوفى يجب ألا يزيد على عشرة أشخاص.
الرئيس الفرنسي عرضة للانتقادات... وترقب تمديد الحظر
مخاوف من السيناريو الإيطالي والإسباني مع ارتفاع أعداد الضحايا
الرئيس الفرنسي عرضة للانتقادات... وترقب تمديد الحظر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة