الأسد مستعد لدراسة «تجميد القتال» في حلب.. والمعارضة تصف موقفه بـ«المراوغ»

رمضان: خريطة طريق مدعومة من «أصدقاء سوريا» قد تعيد إطلاق الحل السياسي

مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا في زيارة إلى مدينة حمص أمس برفقة محافظ المدينة طلال البرازي (أ.ف.ب)
مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا في زيارة إلى مدينة حمص أمس برفقة محافظ المدينة طلال البرازي (أ.ف.ب)
TT

الأسد مستعد لدراسة «تجميد القتال» في حلب.. والمعارضة تصف موقفه بـ«المراوغ»

مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا في زيارة إلى مدينة حمص أمس برفقة محافظ المدينة طلال البرازي (أ.ف.ب)
مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا في زيارة إلى مدينة حمص أمس برفقة محافظ المدينة طلال البرازي (أ.ف.ب)

أبدى الرئيس بشار الأسد استعداده لدراسة مقترح المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا المتضمن خطة «لتجميد» القتال في مدينة حلب، شمال البلاد. وقال بيان رسمي إن الأسد وخلال لقائه دي مستورا في دمشق، يوم أمس، اعتبر مبادرته «جديرة بالدراسة وبمحاولة العمل عليها من أجل بلوغ أهدافها التي تصب في عودة الأمن إلى مدينة حلب»، وذلك بعد أن عبر عن «حرص» نظامه «على سلامة المدنيين في كل بقعة من الأرض السورية».
وتعتبر هذه الزيارة الثانية للمبعوث دي مستورا إلى سوريا، منذ تعيينه مبعوثا للسلام في يوليو (تموز) الماضي. وقد طرح خطة عمل في أكتوبر (تشرين الأول) اقترح فيها «تجميد» القتال في عدد من المناطق، بهدف السماح بتوصيل المساعدات الطبية والإنسانية، وتمهيد الأجواء لمحادثات سلام.
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن دي مستورا، قوله إنه حريص على إنجاح مهمته. وعبّر «عن عزمه متابعة مهمته مع كل الأطراف، من أجل تذليل الصعوبات والوصول إلى الاستقرار والسلام في سوريا».
وقالت «سانا» إن الرئيس الأسد ودي ميستورا اتفقا على «أهمية تطبيق قراري مجلس الأمن 2170 و2178، وتكاتف جميع الجهود الدولية من أجل محاربة الإرهاب في سوريا والمنطقة الذي يشكل خطرا على العالم بأسره».
وكان المبعوث الدولي قد وصل إلى دمشق، يوم السبت، وأجرى مباحثات مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم، وصفتها دمشق بـ«الإيجابية»، حسب وسائل الإعلام الرسمية التي نقلت عن مصدر في الخارجية السورية قوله إن «المبعوث الدولي قدم تفصيلا وشرحا لخطته حول (تجميد القتال) ، واستمع من الوزير المعلم إلى الأفكار السورية وملاحظات دمشق حول طروحاته، وضرورة تنفيذ واحترام القرارات الدولية ذات الصلة».
ويتضمن برنامج زيارة دي مستورا إلى دمشق لقاءات مع عدد من ممثلي الأحزاب المعارضة في دمشق، اليوم (الثلاثاء). ومن ثم عقد مؤتمر صحافي يعرض خلاله نتائج مباحثاته.
وقبيل زيارة دي مستورا لدمشق، أعلنت بعض قوى المعارضة السورية في الداخل تأييدها لمقترحه، كـ«هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي» المعارضة في الداخل بزعامة حسن عبد العظيم، و«هيئة العمل الوطني الديمقراطي» المعارضة التي دعت إلى «بدء الحوار الوطني الجاد» واعتبرت مبادرة دي مستورا «بوابة لحقن الدم وحصار الإرهاب» على أن تتواكب مع «إطلاق عملية سياسية داخليا بين القوى الوطنية».
ويرفض النظام السوري إقامة منطقة عازلة أو «آمنة» على أراضيه، باعتبارها أمرا يطعن في سيادتها، ويوفر ملاذا آمنا للمسلحين، لا سيما أن تركيا هي التي تطالب بإقامة المنطقة العازلة. ويقول إنه لا يوجد ما يُسمى «مناطق مجمدة» في معجم قوانين الأمم المتحدة، وهو مصطلح جديد كليا.
وكان دي ميستورا الذي غادر دمشق، أمس، إلى حمص، للقاء مكاتب منظمات أممية ووفود معارضين، قد أعلن أن «مدينة حلب منطقة مرشحة لتجميد القتال فيها، والسماح بوصول المساعدات إليها بصورة أفضل».
وشكك معارضون سوريون على وسائل التواصل الاجتماعي بموافقة الأسد، وإفشال نظامه المبادرات السابقة سياسية وعسكرية، وذكروا بذهاب النظام إلى «جنيف 2» بعد أن وافق شكليا عليها، لكن ممثليه ذهبوا إلى هناك ليفشلوها بتفاصيل وطلبات تغير من تراتبية موادها الـ6 المطروحة.
وفي هذا الإطار، اعتبر عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة أحمد رمضان، أن هذا الطرح من قبل الأسد تكتيكي ويفتقر إلى المصداقية، وإذا أراد أن يثبت العكس أو أي حسن نيّة، فعليه أن يوقف القصف الذي بات كثيفا بشكل غير مسبوق في الأسبوعين الأخيرين، وسجل سقوط 1400 برميل متفجر، ووقوع 1300 ضحية مدنية نتيجتها.
وقال رمضان في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن المعارضة قدمت خارطة طريق سياسية - عسكرية لتهيئة الوضع وإعادة إطلاق المسار السياسي لحل الأزمة السورية، مشيرا إلى أن دول أصدقاء سوريا، أهمها تركيا وبعض الدول العربية تبنت هذه الخارطة وتعمل عليها للتوصل إلى نتائج إيجابية. ولفت إلى أن هذه الخارطة كانت قد قدمت قبل أكثر من سنة، واليوم أعيد البحث بها.
وأوضح رمضان أن أساس هذا الطرح تحديد مناطق آمنة في الشمال والجنوب، وحظر القصف في المناطق الأخرى. ولفت إلى أن اقتراح دي ميستورا يقضي كذلك، بإقامة جيوب آمنة في مناطق الاشتباكات في الوسط، ولا سيما في ريف دمشق وحي الوعر في حمص.
وترفض سوريا إقامة منطقة عازلة أو «آمنة» على أراضيها، وهو اقتراح تطالب به تركيا الداعمة للمعارضة السورية، معتبرة أن هذا الأمر يطعن في سيادتها، ويوفر ملاذا آمنا للمعارضين الذين يقاتلون القوات الحكومية.
وفي إطار الجهود السياسية أيضا، وبعد الزيارة التي قام بها رئيس الائتلاف السابق معاذ الخطيب إلى موسكو، قال رمضان: «هناك جهود تُبذل من قبل أكثر من طرف لطرق الأبواب الموصدة في العملية السياسية المتوقفة، لكن النظام يتجاهل ويرفض أي محاولة في هذا الإطار».
وأوضح أن هناك رغبة روسية لتهيئة الأجواء باتجاه عملية سياسية في سوريا، لكن لم يقدم للخطيب خلال لقائه المسؤولين أي طرح أو عرض متكامل، معبرا عن اعتقاده أن روسيا لا تزال تحتاج إلى تغيير في موقفها، من شأنها أن يعكس إيجابا على أي جهود سياسية.
ورغم إشارته إلى أهمية أن يكون التنسيق مع جميع الأطراف في المعارضة، شدد على أن جهود الخطيب تصب وبلا أدنى شك في خدمة القضية الوطنية.
وكان دي ميستورا، الذي وصل، السبت الماضي، إلى دمشق في زيارته الثانية منذ تولي منصبه في يوليو (تموز) الماضي، قد أجرى محادثات مع وزير الخارجية وليد المعلم، تناول خلالها نتائج جولاته إلى عدة عواصم، بالإضافة إلى ما عُرض في مجلس الأمن حول الأزمة في سوريا، بما في ذلك مبادرته حول التجميد المحلي في مدينة حلب، حسبما ذكرت وكالة «سانا».
وقال رئيس تحرير صحيفة «الوطن» المقربة من النظام وضاح عبد ربه لوكالة الصحافة الفرنسية: «إن دمشق لم تمانع قط أي خطة ميدانية يمكنها إنقاذ حياة الناس في أي مكان من سوريا، لكن مبادرة كهذه لا يمكن الموافقة عليها من طرف واحد، ورفضها من الأطراف الأخرى».
وأشار عبد ربه إلى أن ذلك «يعني أن الكرة الآن في ملعب دي ميستورا الذي تقع على كاهله مهمة إقناع مقاتلي المعارضة بمبادرته، خاصة البلاد التي تدعمهم وعلى رأسها تركيا التي تسمح بإدخال السلاح إليهم عبر حدودها إلى حلب».
وقدم المبعوث الدولي خطته في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى مجلس الأمن الدولي، التي تقضي بـ«تجميد» القتال في بعض المناطق للسماح بنقل مساعدات والتمهيد لمفاوضات. واعتبر تقرير أعدته منظمة «مدني» السورية غير الحكومية، أن اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية في سوريا قد تكون «أفضل أمل» لتخفيف معاناة المدنيين، وتوفير أساس لحل أوسع للنزاع المتواصل في هذا البلد.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».