على مشارف اكتمال شهر واحد من اندلاع المعركة الأوروبية في الحرب العالمية ضد «كوفيد-19»، تنطوي أوروبا على ذاتها في قلق عميق وخوف من المجهول، وتعود بين ليلة وضحاها لترفع الحواجز التي أمضت سبعين عاماً في إزالتها، وتشطب بأسطر كل الاتفاقيات والقواعد التي اقتضى إبرامها عقوداً من المفاوضات.
وإذا كان انفجار أزمة الهجرة في عام 2015 قد أحدث شرخاً عميقاً في اتفاقية «شينغن» التي تعتبر أهمّ إنجازات المشروع الأوروبي، إلى جانب العملة الموحّدة، فإن أزمة فيروس كورونا توشك أن تسدل الستار على هذا الإنجاز التاريخي الذي يتيح لما يزيد على 400 مليون أوروبي التنقّل بين 26 دولة من غير جواز سفر. وبعد أن كانت المفوضية الأوروبية تحذّر منذ بداية انتشار الوباء من مغبّة العودة إلى فرض المراقبة على الحدود الداخلية، أصبحت اليوم تكتفي بالحفاظ على حرّية تنقّل البضائع والعمّال الذين يقدّمون خدمات أساسية.
وفي سابقة تاريخية، قرّر الاتحاد الأوروبي، أمس، إقفال جميع حدوده في وجه غير الأوروبيين لفترة 30 يوماً، قابلة للتجديد، وإخضاع الذين يُسمح لهم بالدخول لإجراءات صارمة خلال هذه الفترة. وتولّت رئيسة المفوضية، أورسولا فون در لاين، إبلاغ قادة مجموعة الدول الصناعية السبع بهذا القرار الذي يأتي بعد أيام من قرار الإدارة الأميركية إغلاق حدود الولايات المتحدة في وجه القادمين من دول منطقة «شينغن»، ثم بريطانيا وإيرلندا. ويشمل القرار الأوروبي مواطني 62 دولة لا يحتاجون لتأشيرة من أجل الدخول إلى الاتحاد، وأولئك الذين يطلبون تأشيرات لإقامة قصيرة، ويقدّر عددهم بنحو 14 مليوناً سنوياً.
وإذ يقدّر خبراء البنك المركزي الأوروبي أن هذه الأزمة ستقضي على 1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في دول الاتحاد مع نهاية هذا العام، يتوقّع الاختصاصيون في المفوضية أن ينتشر هذا الوباء في جميع الدول الأعضاء، على غرار ما حصل في إيطاليا ويحصل في إسبانيا، الأمر الذي دفع إلى قرار إغلاق الحدود للسيطرة على الفيروس.
وفي إيطاليا التي ما زالت البؤرة الرئيسية لانتشار الفيروس داخل الاتحاد الأوروبي، يقترب عدد الإصابات من 30 ألفاً، وتزداد الوفّيات يومياً بنسبة 19 في المائة، بعد أن تجاوزت الألفين، وسط حالة من الهلع العام الذي تجتهد الحكومة لمعالجته بصعوبة كبيرة، من خلال تعزيز الموارد الصحّية، والقدرات العلاجية، والمساعدات المالية والتسهيلات للمواطنين المتضررين.
وفي الذكرى السنوية الـ159 لتوحيد إيطاليا، التي صادفت أمس (الثلاثاء)، قررت الحكومة إلغاء جميع الاحتفالات المعتادة في هذه المناسبة، ودعا رئيس الوزراء جوزيبي كونتي الجميع إلى رصّ الصفوف، والتقيّد بإجراءات الحجر، وقال: «معاً سنهزم هذا العدو الذي لا نراه».
وكانت مدينة بيرغامو الصناعية في الشمال قد سجّلت 385 حالة وفاة في الأيام الخمسة المنصرمة، وشهدت احتجاجات في أوساط العمّال الذين طالبت نقاباتهم بوقف الحركة الإنتاجية لعدم توفّر تدابير الحماية الكافية. وبينما شهدت مناطق الجنوب آلاف المخالفات للتعليمات الرسمية بمنع التجمّع وحظر التجوال، تعرّضت منطقة كالابريبا لهزّة أرضية مساء الاثنين دفعت بأعداد كبيرة من المواطنين للخروج إلى الشوارع خوفاً من الارتدادات.
وفي حين دعت منظمة الصحة العالمية إلى تكثيف الفحوصات على الحالات المشتبه بها، كأنجع وسيلة للحد من انتشار الفيروس، توقّع رئيس اللجنة الصحيّة الإيطالية أن يصل عدد الوفّيات في إيطاليا إلى 5 آلاف، قبل أن يبدأ بالتراجع بعد 10 أيام أو أسبوعين.
الجبهة الأخرى المشتعلة في «الحرب» الأوروبية ضد «كوفيد-19» هي إسبانيا التي تجاوز عدد الإصابات فيها 12 ألفاً، وعدد الوفيّات 500، نصفها تقريباً في العاصمة مدريد. وكانت الحكومة الإسبانية قد عقدت اجتماعاً آخر طارئاً صباح أمس (الثلاثاء)، قرّرت فيه ضخّ مبلغ 200 مليار يورو لمساعدة المـؤسسات والعائلات على مواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة. وكانت مدريد قد أعلنت مساء الاثنين إغلاق حدودها الخارجية في وجه الوافدين، باستثناء الرعايا الإسبان المقيمين في الخارج. ومنذ السبت الماضي، تتولّى وحدة الطوارئ العسكرية التابعة للقوات المسلّحة الإشراف على تطبيق إجراءات الحجر في جميع المدن الكبرى.
ولأول مرة منذ سنوات، رصّت القوى السياسية صفوفها وراء الحكومة، وأعلنت تأييدها لخطة الطوارئ، واستعدادها الكامل للتعاون من أجل تنفيذها. وفي كاتالونيا، أصرّ رئيس الحكومة الإقليمية كيم تورّا على المطالبة بعزل الإقليم كليّاً عن بقية المناطق الإسبانية، واعتبر أن إعلان حالة الطوارئ ووضع أجهزة الأمن الإقليمية تحت إشراف الجيش يشكّل انتهاكاً للسيادة الإقليمية.
إجراءات الحجر العام التي بدأتها إيطاليا، ثم إسبانيا، انضمّت إليها فرنسا وألمانيا اعتباراً من أمس (الثلاثاء)، بعد أن كانت برلين قد أعلنت عن خطة لإنقاذ الاقتصاد من تداعيات الأزمة بقيمة 550 مليار يورو، وتبعتها فرنسا بخطة أعلن عنها إيمانويل ماكرون مساء الاثنين بقيمة 330 مليون يورو.
وفيما تنشلّ الحركة الاقتصادية تدريجياً في دول الاتحاد الأوروبي، عادت الحركة إلى العجلة الصناعيّة في الصين التي لم تسجّل أمس (الثلاثاء) سوى إصابة واحدة جديدة بالفيروس الذي انطلق منها أواخر العام الماضي.
«حرب» أوروبا على الوباء تعزل سكانها
«حرب» أوروبا على الوباء تعزل سكانها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة