إيطاليا تتحوّل «مختبراً أوروبياً» وتساؤلات حول سبب تفشي «كورونا» في أراضيها

22 % من السكان مسنّون وخبير صحي لا يستبعد إصابات بين الشباب

أحد أعضاء الفريق الطبي يغادر خيمة الطوارئ التي تم إنشاؤها لتسهيل الإجراءات الخاصة بالتصدي لـ«كورونا» خارج مستشفى بريشيا بشمال إيطاليا (أ.ب)
أحد أعضاء الفريق الطبي يغادر خيمة الطوارئ التي تم إنشاؤها لتسهيل الإجراءات الخاصة بالتصدي لـ«كورونا» خارج مستشفى بريشيا بشمال إيطاليا (أ.ب)
TT

إيطاليا تتحوّل «مختبراً أوروبياً» وتساؤلات حول سبب تفشي «كورونا» في أراضيها

أحد أعضاء الفريق الطبي يغادر خيمة الطوارئ التي تم إنشاؤها لتسهيل الإجراءات الخاصة بالتصدي لـ«كورونا» خارج مستشفى بريشيا بشمال إيطاليا (أ.ب)
أحد أعضاء الفريق الطبي يغادر خيمة الطوارئ التي تم إنشاؤها لتسهيل الإجراءات الخاصة بالتصدي لـ«كورونا» خارج مستشفى بريشيا بشمال إيطاليا (أ.ب)

يقول الإيطاليّون إن المصائب لا تنزل عادة بصيغة المفرد، لكن يبدو أنها في هذه الفترة لم تعد تنزل بصيغة المثنّى ولا بجمع القلّة. من الأزمة المالية والاقتصادية التي ترزح البلاد تحت عبئها الثقيل من سنوات، إلى 3 كوارث طبيعية في الأعوام الخمسة المنصرمة، ثم أزمة الهجرة التي أخرجت السياسي اليميني المتطرف ماتيو سالفيني من القمقم الفاشي وأحدثت شرخاً عميقاً في المجتمع وصدّعت المشهد السياسي بشكل غير مسبوق، إلى «كوفيد - 19» الذي يبدو أنه اختار إيطاليا بعد الصين، ليُنزل بها ما لم تعرفه، حتى الآن، البلدان الأخرى.

قفز عدد الوفيات في إيطاليا بواقع 196 حالة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية إلى 827. بزيادة نسبتها 31 في المائة، هي الأكبر من حيث العدد منذ ظهور العدوى في 21 فبراير (شباط)، ما حوّل إيطاليا إلى مختبر أوروبي لجهود مكافحة الفيروس. وذكرت وكالة الحماية المدنية في إيطاليا أن إجمالي عدد الإصابات في البلد ارتفع إلى 12462 من 10149. أي بزيادة 22.8 في المائة. في المقابل، أكّدت الوكالة أن 1045 شخصاً من إجمالي المصابين تعافوا تماماً من المرض، ارتفاعاً من 1004 في اليوم السابق.
دفعت هذه الأرقام الصادمة إلى التساؤل عما الذي جعل إيطاليا تدفع، إلى اليوم، الجزية الأعلى بعد الصين لهذا الفيروس؟ وما الأسباب التي أدّت إلى تفشّيه بهذه السرعة والكثافة في دولة أوروبية واحدة دون غيرها من الدول المجاورة؟
معظم الإجابات التي حاولها الخبراء الإيطاليون في علوم الجراثيم والأوبئة على هذه التساؤلات ليست مقنعة، ولا تفسّر اقتصار الخسائر البشرية الفادحة في أوروبا على دولة واحدة حتى اليوم؛ حيث بلغت نسبة الوفّيات 5 في المائة على الأقل بين المصابين في إيطاليا، بينما لم تتجاوز 4 في المائة في الصين، وما زالت دون 0.7 في المائة في معظم الدول الأخرى.
ثمّة من يقول إن الوفيّات المرتفعة مردّها إلى أن معظم الإصابات تقع بين أشخاص تزيد أعمارهم عن الثمانين يعانون أصلاً من حالات مرضيّة خطرة. ويعزوها آخرون إلى أن إيطاليا هي البلد الأوروبي الذي يضمّ أعلى نسبة من المسنّين، تصل إلى 22 في المائة من مجموع السكّان، أي أن هناك 14 مليون إيطالي قد تجاوزوا الخامسة والستين، يموت بضعة آلاف منهم سنوياً بسبب الإنفلونزا العادية.
ويذهب آخرون إلى الجزم بأن انتشار الفيروس في المحيط الأوروبي، وفي الولايات المتحدة، بنفس الضراوة التي انتشر بها في إيطاليا، ليس سوى مسألة وقت قد لا يتجاوز بضعة أسابيع. وفيما يرى البعض أن المنظومة الصحّية الإيطالية التي تعاني من عجز في التجهيزات والموارد البشرية منذ سنوات، مسؤولة بنسبة عالية عن ارتفاع عدد الوفيّات، وأن عدم الانضباط التقليدي في مسلكيّة الإيطاليين ساهم في تفاقم هذا الوقع، ويعتبر البعض الآخر أن ثمّة مبالغة في مقاربة هذا الوباء وأن الهستيريا المفرطة التي رافقت الحديث عنه وتناقل أخباره ساهمت في تضخيمه.
لكن بعض الآراء العلمية تنحو في اتجاه آخر لتفسير الوضع الخطير الذي تعيشه إيطاليا بسبب انتشار هذا الوباء، ويدعو أيضاً إلى التروّي في استخلاص العِبر النهائية في هذه المرحلة المبكرة. يقول أحد خبراء منظمة الصحة العالمية، تحدّثت إليه «الشرق الأوسط» هاتفياً، وطلب عدم الكشف عن اسمه، إنه ليس مع الرأي القائل بأن ارتفاع عدد الوفيّات بهذا الشكل في إيطاليا مردّه إلى أن معظم الإصابات وقعت بين المسنّين المرضى. ويضيف: «أعتقد أن مقاربة هذا الوباء في المراحل الأولى كانت خاطئة، ولا يجب أن نبني استنتاجاتنا على المقارنة بين البلدان، لأن هذه تختلف كثيراً عن بعضها».
ويضرب مثالاً على ذلك، عدد التجارب التي تجريها الدول لتحديد الإصابات بالوباء، ويقول إن «عدد الإصابات لا يعكس بالضرورة أن العدوى في بلد معيّن منتشرة أكثر، بل هي نتيجة إجرائه عدداً أكبر من التجارب. كوريا الجنوبّية مثلاً كانت تجري 10 آلاف اختبار يوميّاً لتحديد الإصابات، وتقوم بعزل جميع المصابين بعوارض خفيفة منعاً لسريان الفيروس، ما أدّى إلى انخفاض عدد الوفّيات».
ويقول خبير منظمة الصحة إن «التجارب التي أجرتها إيطاليا عند ظهور الإصابات الأولى لم يصل عددها إلى هذا المستوى، وأنا متأكد من أن هناك عدداً كبيراً من الإصابات بين الشباب في إيطاليا، وحالات كثيرة غير معروفة. أعتقد أنه لم يعد من الممكن تطبيق التجربة الكورية في إيطاليا، لأن الأوان قد فات مع ارتفاع عدد الإصابات المؤكدة ووجود إصابات كثيرة غير معروفة، ومن الأرجح أن تدفع إيطاليا ثمناً باهظاً لذلك».
وعندما طلبنا من الخبير الدولي تعليقاً على ما صرّحت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنه «إذا استمرّ الوضع على ما هو، وطالما لم نتمكّن من إيجاد المضاد الحيوي، فإن 70 في المائة من سكّان العالم قد يصابون بهذا الفيروس في الأشهر أو السنوات المقبلة»، أجاب: «لا أعتقد أن القرائن العلميّة المتوفّرة اليوم تبرّر مثل هذا القول».


مقالات ذات صلة

صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )

الأمم المتحدة تسعى لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
TT

الأمم المتحدة تسعى لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)

أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، الأربعاء، نداء لجمع أكثر من 47 مليار دولار، لتوفير المساعدات الضرورية لنحو 190 مليون شخص خلال عام 2025، في وقتٍ تتنامى فيه الحاجات بسبب النزاعات والتغير المناخي.

وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، مع إطلاق تقرير «اللمحة العامة عن العمل الإنساني لعام 2025»، إن الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك الأطفال والنساء والأشخاص ذوو الإعاقة والفقراء، يدفعون الثمن الأعلى «في عالم مشتعل».

سودانيون فارُّون من المعارك بمنطقة الجزيرة في مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

وفي ظل النزاعات الدامية التي تشهدها مناطق عدة في العالم؛ خصوصاً غزة والسودان وأوكرانيا، والكلفة المتزايدة للتغير المناخي وظروف الطقس الحادة، تُقدِّر الأمم المتحدة أن 305 ملايين شخص في العالم سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية، العام المقبل.

أطفال يحملون أواني معدنية ويتزاحمون للحصول على الطعام من مطبخ يتبع الأعمال الخيرية في خان يونس بقطاع غزة (إ.ب.أ)

وأوضح «أوتشا»، في تقريره، أن التمويل المطلوب سيساعد الأمم المتحدة وشركاءها على دعم الناس في 33 دولة و9 مناطق تستضيف اللاجئين.

وقال فليتشر: «نتعامل حالياً مع أزمات متعددة... والفئات الأكثر ضعفاً في العالم هم الذين يدفعون الثمن»، مشيراً إلى أن اتساع الهوة على صعيد المساواة، إضافة إلى تداعيات النزاعات والتغير المناخي، كل ذلك أسهم في تشكُّل «عاصفة متكاملة» من الحاجات.

ويتعلق النداء بطلب جمع 47.4 مليار دولار لوكالات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية لسنة 2025، وهو أقل بقليل من نداء عام 2024.

وأقر المسؤول الأممي، الذي تولى منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الأمم المتحدة وشركاءها لن يكون في مقدورهم توفير الدعم لكل المحتاجين.

أم أوكرانية تعانق ابنها بعد عودته من روسيا... الصورة في كييف يوم 8 أبريل 2023 (رويترز)

وأوضح: «ثمة 115 مليون شخص لن نتمكن من الوصول إليهم»، وفق هذه الخطة، مؤكداً أنه يشعر «بالعار والخوف والأمل» مع إطلاق تقرير «اللمحة العامة»، للمرة الأولى من توليه منصبه.

وعَدَّ أن كل رقم في التقرير «يمثل حياة محطمة» بسبب النزاعات والمناخ «وتفكك أنظمتنا للتضامن الدولي».

وخفضت الأمم المتحدة مناشدتها لعام 2024 إلى 46 مليار دولار، من 56 ملياراً في العام السابق، مع تراجع إقبال المانحين على تقديم الأموال، لكنها لم تجمع إلا 43 في المائة من المبلغ المطلوب، وهي واحدة من أسوأ المعدلات في التاريخ. وقدمت واشنطن أكثر من 10 مليارات دولار؛ أي نحو نصف الأموال التي تلقتها. وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن عمال الإغاثة اضطروا لاتخاذ خيارات صعبة، فخفّضوا المساعدات الغذائية 80 في المائة في سوريا، وخدمات المياه في اليمن المعرَّض للكوليرا. والمساعدات ليست سوى جزء واحد من إجمالي إنفاق الأمم المتحدة، التي لم تفلح لسنوات في تلبية احتياجات ميزانيتها الأساسية بسبب عدم سداد الدول مستحقاتها. وعلى الرغم من وقف الرئيس المنتخب دونالد ترمب بعض الإنفاق في إطار الأمم المتحدة، خلال ولايته الرئاسية الأولى، فإنه ترك ميزانيات المساعدات في الأمم المتحدة بلا تخفيض. لكن مسؤولين ودبلوماسيين يتوقعون تقليل الإنفاق في ولايته الجديدة، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

من جانبه، قال يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين: «الولايات المتحدة علامة استفهام كبيرة... أخشى أننا ربما نتعرض لخيبة أمل مريرة؛ لأن المزاج العام العالمي والتطورات السياسية داخل الدول ليست في مصلحتنا». وكان إيغلاند قد تولّى منصب فليتشر نفسه من 2003 إلى 2006. والمشروع 2025، وهو مجموعة من المقترحات المثيرة للجدل التي وضعها بعض مستشاري ترمب، يستهدف «الزيادات المسرفة في الموازنة» من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ولم تردَّ الإدارة التي يشكلها ترامب على طلب للتعليق. وأشار فليتشر إلى «انحلال أنظمتنا للتضامن الدولي»، ودعا إلى توسيع قاعدة المانحين. وعند سؤال فليتشر عن تأثير ترمب، أجاب: «لا أعتقد أنه لا توجد شفقة لدى هذه الحكومات المنتخبة». ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن أحد التحديات هو استمرار الأزمات لفترة أطول تبلغ عشر سنوات في المتوسط. وقال مايك رايان، المدير التنفيذي لبرنامج منظمة الصحة العالمية للطوارئ الصحية، إن بعض الدول تدخل في «حالة أزمة دائمة». وحلّت المفوضية الأوروبية، الهيئة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي، وألمانيا في المركزين الثاني والثالث لأكبر المانحين لميزانيات الأمم المتحدة للمساعدات، هذا العام. وقالت شارلوت سلينتي، الأمين العام لمجلس اللاجئين الدنماركي، إن إسهامات أوروبا محل شك أيضاً في ظل تحويل التمويل إلى الدفاع. وأضافت: «إنه عالم أكثر هشاشة وعدم قابلية على التنبؤ (مما كان عليه في ولاية ترمب الأولى)، مع وجود أزمات أكثر، وإذا كانت إدارة الولايات المتحدة ستُخفض تمويلها الإنساني، فقد يكون سد فجوة الاحتياجات المتنامية أكثر تعقيداً».