«حرب توسيع النفوذ» تشتعل بين ميليشيات طرابلس ومصراتة

آثار الدمار جنوب العاصمة طرابلس بعد غارة جوية في صورة أرشيفية (أ.ف.ب)
آثار الدمار جنوب العاصمة طرابلس بعد غارة جوية في صورة أرشيفية (أ.ف.ب)
TT

«حرب توسيع النفوذ» تشتعل بين ميليشيات طرابلس ومصراتة

آثار الدمار جنوب العاصمة طرابلس بعد غارة جوية في صورة أرشيفية (أ.ف.ب)
آثار الدمار جنوب العاصمة طرابلس بعد غارة جوية في صورة أرشيفية (أ.ف.ب)

رشاشات ثقيلة تحملها عناصر أمنية، محسوبة على رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج، تجوب مدن وشوارع العاصمة طرابلس، وقد أخفت وجوهها بأقنعة سوداء، ومن خلفها ترابط سيارات «قوة الدعم المركزي»، التابعة اسمياً لوزارة الداخلية بحكومة «الوفاق»، في مشهد بدا أنه «يستهدف تأمين العاصمة»، لكنه ينطوي على «استعراض قوة، ومحاولات لحماية المكتسبات». هذا المشهد الذي اعتاده غالبية سكان العاصمة، يرى فيه متابعون محاولة لإخفاء «محاولات إثبات السطوة والنفوذ، وفرض سلطة الأمر الواقع على الأرض من قبل الميليشيات المسيطرة على مدينة طرابلس الكبرى، في مواجهة باقي المجموعات المماثلة بالمدن المجاورة في مصراتة والزنتان».
وموازاة مع العملية العسكرية بمحاور الاقتتال، تجري حرب صامتة، آخذة في التصاعد داخل دهاليز وزارة الداخلية التي يترأسها وزير خارجية «الوفاق» فتحي باشاغا، من جهة، وقوات مدينة مصراتة (200 كيلو متر شرق العاصمة) وإدارة ميليشياتها المسلحة، من جهة ثانية، ولسان حالها يقول إنه «آن الأوان لزوال دولة ميليشيات طرابلس»، وأن قادم الأيام سيكون لقوات مصراتة، التي «يبذل أبناؤها الدم دفاعاً عن العاصمة» في مواجهة قوات «الجيش الوطني».
الوزير باشاغا، الذي أعطى إشارة بدء المعركة ضد ميليشيات طرابلس، بعد تعهدات للسفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، دخل هذا المعترك وظهره محمي. فهو أساساً ابن مدينة مصراتة، وصاحب نفوذ قوي وواسع بين قواتها المحاربة على الجبهات. وبالتالي أصبح النيل من ميليشيات العاصمة أمراً اعتيادياً، لكنه مقصور على أبناء مصراتة، وهو ما وصفه أحد النشطاء السياسيين بالمدينة لـ«الشرق الأوسط»، بـ«تغول جناح جماعة (الإخوان المسلمين)، ورغبتها في تسيّد الموقف، بالنظر إلى ما تراه من تضحيات عناصرها على الجبهات». وقال ناشط سياسي، رفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، إن «ميليشيات (الإخوان) بالمدينة تعتبر نفسها فوق المساءلة، وتتحدث عن ضرورة تفكيك ميليشيات طرابلس، دون التطرق إلى قوتها وكتائبها»، ورأى أن «عدداً كبيراً من المواطنين ضاقوا ذرعاً بسطوة هذه المجموعات التي تتباهى بعتادها، وترى أنها صاحبة الحكم في البلاد».
وفي مؤشر على فضح المستور، وجّه العقيد فرج مصطفى أخليل، آمر سلاح المدفعية بميليشيات مصراتة التابعة لحكومة «الوفاق»، انتقادات نادرة للميليشيات المسلحة المسيطرة على طرابلس، وقال إن «مقرات ومراكز وسرايا الأمن المركزي بطرابلس أصبحت مثل محل البقالة. ففي كل عشرة أمتار تجد مقراً وألوان أسلاك شائكة ومناظر (مقززة)... وكل هذه التقسيمات بمربعات داخل العاصمة طرابلس». وأرجع أخليل هذه الإجراءات «لإثبات وجود سطوة ميليشيات معينة على مربعات بالعاصمة، ورسالة تقول: نحن هنا موجودون وممنوع اقتراب أي جهة أمنية، نظامية أو غيرها، سواء شرطة أو جيشاً»، مستكملاً: «إذا حاولت الاقتراب منها تعرّض نفسك للتساؤل عن تبعيتك... فإذا كنت تتبع جهة نظامية، سواء شرطة أو جيشاً، فقد تكون مستهدفاً، ويتم احتجاز سيارتك المملوكة للدولة بأي حجة، وإزالة لونها واستبداله بلون سيارات ميليشيا (الدعم) أو غيرها».
انتقادات أخليل، جاءت عقب توجيه باشاغا اتهامات صريحة إلى ميليشيا «النواصي» بارتكاب مخالفات قانونية، مما دفع كتيبة «ثوار طرابلس»، التي يتزعمها القيادي أيوب أبو راس، للدخول على خط المواجهة دفاعاً عن نفسها، معبرة عن انزعاجها بالقول: «إنها هي من تصدت لجحافل الغزاة» في طرابلس، في إشارة إلى قوات «الجيش الوطني». وعلى مدار السنوات التسع الماضية، اشتكى مواطنون وسياسيون من سطوة ميليشيات طرابلس، وما ارتكبته من «جرائم خطف وسطو وابتزاز»، وفي هذا السياق، قال آمر سلاح المدفعية بميليشيات مصراتة، «إذا كنت تتبع ميليشيا أخرى غير ميليشيا طرابلس، فذلك يتوقف على الجهة والمنطقة التي تنتمي إليها، فمنها ما يكون بمثابة جواز السفر الأميركي، لأن هؤلاء مشمولون بالحماية، أما غيرهم فمن الممكن أن يكونوا في خبر كان!». وتحدث أخليل، ابن مصراتة، عن حتمية تفكيك الميليشيات، دون التطرق إلى مثيلاتها في مدينته، وقال: «الفوضى تسيطر على طرابلس وأجهزتها منذ سنوات، وهذا يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين من وزير الداخلية لتفكيك هذه الفوضى العارمة، بمساعدة الأميركان أو غيرهم. لكن هذه حقيقة لا يريدها البعض، ولا تعجبهم».
وتابع أخليل، متحدثاً للمرة الأولى عن خفايا ميليشيات طرابلس وما تمتلكه، وقال إنها «تسيطر على مربعات بالعاصمة ولديها دبابات، وأنشأت عدداً من الأجهزة الخاصة بها، من بينها وحدات (جيش)، كما أن لديهم مشاة ومدفعية ومكافحة إرهاب، وحرساً بلدياً، وتحرياً... ثم يحدثونك عن الشرعية، وكل ميليشيا تقول لك أنا شرعي».
وانتهى أخليل قائلاً: «إذا كانوا وطنيين، ويريدون النصر على العدو سياسياً وعسكرياً، فعليهم تفكيك هذه الميليشيات، وضمها إلى أجهزة الدولة فرداً فرداً».
وتأسست «قوة حماية طرابلس» بقرار من رئيس حكومة «الوفاق» فائز السراج، عام 2018، بعد انتهاء الاشتباكات مع اللواء السابع مشاة من ترهونة في العام ذاته، وتتشكل من اتحاد 9 ميليشيات، أبرزها «ثوار طرابلس»، و«النواصي»، و«الردع»، و«الأمن المركزي أبو سليم».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.