تغيير أغلب المدعين العامين في التشكيلات القضائية في لبنان

عون متحفظ عن استبعاد قضاة مقربين منه

TT

تغيير أغلب المدعين العامين في التشكيلات القضائية في لبنان

اجتاز مجلس القضاء الأعلى في لبنان امتحان التشكيلات والمناقلات القضائية بعد شهرين من الجلسات المتواصلة، فانتهى منتصف ليل الأربعاء من وضعها بصيغتها النهائية ضمن مشروع مرسوم، أحاله على وزيرة العدل ماري كلود نجم لتوقيعه، على أن يذيّل أيضاً بتواقيع وزيري الدفاع والمال زينة عكر وغازي وزني ورئيس الحكومة حسّان دياب، ثمّ يبلغ محطته الأخيرة بتوقيع رئيس الجمهورية ميشال عون.
وكما حال سابقاتها، فإن التشكيلات الجديدة أسعدت قضاة جرى تعيينهم في مواقع مهمّة وحساسة، وأثارت استياء آخرين نقلوا من مناصبهم إما تأديبياً وأما بحكم المداورة، وهو ما دفع بالبعض منهم إلى تقديم استقالته أو التلويح بها، وبآخرين إلى تقديم طلب «إستيداع»، أي السماح لهم بالسفر مؤقتاً إلى دول اخرى، غير أن هذا الواقع السلبي لم يقتصر على القضاة، بل وصل إلى مرجعيات سياسية، وعلمت «الشرق الأوسط»، أن الصيغة النهائية للتشكيلات أزعجت رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، لكونها أقصت كلّ القضاة القريبين من عون أو أغلبهم عن مراكز حساسة، عينوا فيها قبل ثلاث سنوات، خلال التشكيلات التي كان عرّابها وزير العدل الأسبق سليم جريصاتي.
وبانتظار أن تصدر التشكيلات، علم أنها شملت حوالي 300 قاضٍ، من أصل 560 قاضياً، وكشفت مصادر قضائية لـ «الشرق الأوسط»، أن «المناقلات التي تحصل على مستوى قضاة التحقيق والمحامين العامين ومحاكم البداية والاستئناف تبدو عادية وروتينية»، مشيرة إلى أنها «طالت عدداً من المراكز المهمة والأساسية، ابرزها مواقع المدعين العامين في أربع محافظات والمدعي العام العسكري، وقضاة التحقيق الأول وهي:
تعيين القاضي رجا حاموش مدعياً عاماً استئنافياً في بيروت، مكان القاضي زياد بو حيدر الذي نقل إلى مركز قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان.
القاضي سامر ليشع مدعياً عاماً استئنافياً في جبل لبنان، مكان القاضية غادة عون التي نقلت إلى مركز ثانوي، وهو مستشارة لدى محكمة التمييز الجزائية.
القاضية رانيا يحفوفي مدعياً عاماً في الجنوب، مكان القاضي رهيف رمضان، الذي عيّن قاضي تحقيق لدى المحكمة العسكرية. القاضية نجاة أبو شقرا، مدعياً عاماً في النبطية مكان القاضية غادة أبو علوان، التي عينت في مركز قاضي التحقيق العسكري الأول.
القاضي كلود كرم، مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية (المدعي العام العسكري)، مكان القاضي بيتر جرمانوس الذي ألحق بوزارة العدل.
القاضي ربيع الحسامي: قاضي تحقيق أول في بيروت، خلفاً للقاضي غسان عويدات، الذي أصبح نائباً عاماً تمييزياً (المدعي العام) بقرار من الحكومة أواخر الصيف الماضي.
القاضي جوني قزّي، قاضي التحقيق الأول في شمال لبنان، مكان القاضية سمرندا نصّار، وتردد أن الأخيرة نقلت كمستشار لدى محكمة التمييز المدنية.
القاضي أيمن عويدات، رئيساً أول لمحاكم الاستئناف في الجنوب، مكان القاضية رولا جدايل التي عينت سابقاً مديرة عامة لوزارة العدل.
القاضية رندى كفوري رئيسة للغرفة السادسة في محكمة التمييز الجزائية، خلفاً للقاضي جوزف سماحة الذي أحيل على التقاعد».
وكشفت مصادر واكبت التشكيلات لـ «الشرق الأوسط»، أنها «أثارت استياء واسعاً لدى رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، والتيار الوطني الحرّ، باعتبار أنها أكثر ما استهدفت القضاة المحسوبين على الرئيس، وابرزهم القضاة: غادة عون، بيتر جرمانوس، نقولا منصور، سمرندا نصار ورولان شرتوني وغيرهم»، مشيرة إلى أن هذا الفريق «يعزو إزاحة هؤلاء القضاة لأسباب سياسية، خصوصاً القاضية عون، التي سبق أن حرّكت دعوى قضائية ضدّ رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي وأفراد من عائلته بـ «الاثراء غير المشروع»، كما أثارت مشكلة مع النائب هادي حبيش غداة قرارها بتوقيف قريبته هدى سلّوم، رئيسة مصلحة تسجيل السيارات والآليات»، علما أن القضاة الشيعة المحسوبين على رئيس مجلس النواب نبيه برّي والدروز المحسوبين على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لم يمسّ بهم، بل جرى تعزيز مواقعهم وحمايتهم».
في هذا الوقت، أكد مصدر قضائي بارز لـ «الشرق الأوسط»، أن التشكيلات «اعتمدت مبدأ الكفاءة والنزاهة، كما مبدأ الثواب والعقاب، واستندت إلى ملف كلّ قاضٍ». وشدد على أنه «منذ اليوم الأول للبدء بدراسة التشكيلات، قطع رئيس مجلس القضاء القاضي سهيل عبود، خطوط الاتصال بكل المرجعيات السياسية، وحذّر جميع القضاة من اللجوء إلى السياسيين لاستجداء شفاعة هنا أو منصب هناك»، لافتة إلى أن «هناك قضاة مشهود لهم باستقامتهم وتفانيهم في العمل، لم يحالفهم الحظ سابقاً بتولي أي منصب، لأنهم غير محسوبين على أحزاب أو سياسيين نافذين، والآن جرى إنصافهم في هذه التشكيلات، التي تمثّل المدخل الأساس لاستعادة ثقة المواطنين بالسلطة القضائية».
وتتضارب المعلومات حول إمكانية توقيع مرسوم التشكيلات من قبل رئيس الجمهورية، واوضحت مصادر معنية بهذا الملفّ لـ «الشرق الأوسط»، أن «عدم توقيع المرسوم يحرج الرئيس عون الذي تعهّد بحماية القضاء وإطلاق يده في المحاسبة والتنقية الذاتية، ليكون جديراً بالثقة عند البدء بمحاكمة الفاسدين».
وفي التداعيات الأولى للتشكيلات، رفعت القاضية رولا الحسيني، كتاباً إلى مجلس القضاء الأعلى تقدمت فيه باستقالتها، وطلبت إنهاء خدماتها الفعليّة في السلك القضائي، وذلك اعتراضاً على مشروع التشكيلات القضائيّة. كما قالت القاضية غادة عون في تعلى صفحتها عبر «فيسبوك»: «بعد هذه التشكيلات الانتقامية، سأضع استقالتي بتصرف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون». ورأت أنه «اذا كان معيار مجلس القضاء الانتقام من القاضي الذي حارب الفساد فهنيئًا لكم بهذه التشكيلات».



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».