وضعت السعودية قبل ثلاثة أعوام ونيف، وتحديداً في نهاية شهر أبريل (نيسان) عام 2016، استراتيجيتها للمرحلة القادمة، من خلال مشروعها الطموح «رؤية المملكة 2030»، الذي يهدف إلى تنوع الاقتصاد الوطني، وتخفيف الاعتماد على النفط تدريجياً للاعتماد على قطاعات أخرى متنوعة.
ومنذ ذلك التاريخ خطت السعودية خطوات متسارعة لتحقيق هذه الرؤية المبنية على ما وضعه مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية من برامج، شملت 13 برنامجاً تنفيذياً، بهدف تحقيق الأهداف الاستراتيجية الـ96 لـ«رؤية المملكة العربية السعودية 2030».
ومن أبرز الخطوات التي اتخذتها السعودية في الآونة الأخيرة التحول الملحوظ لعديد من الهيئات إلى وزارات، ومنها: «السياحة، والاستثمار، والرياضة» ودمج بعض الوزارات، وذلك بهدف إشراك القطاع الخاص للمساهمة بشكل فاعل في المرحلة المقبلة من التنمية الوطنية، وتنويع مصادر الدخل لتشمل كافة القطاعات الرئيسية. وكانت السعودية قد أعلنت أمس عن أمر ملكي بتكليف محمد بن عبد الله الجدعان، وزير المالية، بالقيام بأعمال وزارة الاقتصاد والتخطيط، بالإضافة إلى أعمال وزارة المالية.
ويرى مختصون في الشأن الاقتصادي أن تحويل الهيئات إلى وزارات يعد خطوة مهمة لتوسيع الصلاحيات وتحمل المسؤوليات، في تحقيق برامجها للتطوير والتنمية، بينما يشكل استحداث وزارت لها علاقة بالاقتصاد، مثل السياحة والاستثمار، مردوداً إيجابياً في تنويع مصادر الدخل للمملكة؛ خصوصاً أن دور القطاع الخاص كان هامشياً في وقت سابق.
ولفت المختصون إلى أن هناك تكاملاً في قرارات تحويل الهيئات إلى وزارات، ودمج وزارات، مثل وزارة «الخدمة المدنية» مع وزارة «العمل والتنمية الاجتماعية»، لتصبح «وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية»، والذي سيكون له مردود في توحيد أنظمة العمل والعمال بين القطاعين الخاص والعام، والذي يعول عليه في خصخصة القطاع العام.
وتأتي هذه القرارات وقد قطعت السعودية شوطاً كبيراً في تنويع مصادر الدخل، وتعزيز قدرة القطاع الخاص في المشاركة الوطنية، ومنها قطاع السياحة الذي شهد نقلة نوعية بعد قرار فتح السعودية أبوابها للسياح من خلال «التأشيرة السياحية» لمواطني 49 دولة أوروبية وأميركية وآسيوية، وتدشين جملة من الفعاليات الضخمة لجذب السياح.
وقال الدكتور فيصل الفاضل، رئيس لجنة الاقتصاد والطاقة في مجلس الشورى لـ«الشرق الأوسط»، إن المحور الاقتصادي لـ«الرؤية» يتمثل في التنمية الاقتصادية، والتي أهدافها تنويع مصادر الدخل، كذلك تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية، وهي تشمل منظومة كبيرة تعمل عليها الدولة، ومن هذه المنظومة مجموعات القرارات التي صدرت، والتي تصب في التنمية الاقتصادية بشكل عام والتنمية الوطنية على وجه الخصوص، من خلال تعزيز دور القطاع الخاص.
وأضاف الفاضل أن دور القطاع في وقت سابق كان هامشياً، وكانت الحكومة تتولى كافة الأمور، والآن مع توجه الدولة لا بد من أن تتحرك القطاعات الثلاثة الرئيسية في تناغم وتوازن «الدور الحكومي بكافة مكوناته، والقطاع الخاص، والقطاع غير الربحي»، وفي هذا الجانب التنمية ركزت دور القطاعين «غير الربحي، والخاص» من خلال منظومة كبيرة ومتعددة العناصر والآليات.
ويحتاج تفعيل القطاع الخاص، رئيس لجنة الاقتصاد بمجلس الشورى، إلى منظومة من الآليات تتمثل في التمويل، وزيادة الاستثمارات وتعزيزها «المحلية، والأجنبية»، إضافة إلى تحسين البيئة الاستثمارية من خلال تسهيل الإجراءات والحد من البيروقراطية، وزيادة الممكنات التي تساعد القطاع الخاص في الانطلاق، وهو ما تعمل عليه الدولة بشكل قوي ومتسارع لتحقيق «الرؤية»، الأمر الذي في تقدم تصنيف السعودية في تحسين البيئة الاستثمارية على المستوى العالمي.
ولفت إلى أن صندوق الاستثمارات في هذه المرحلة يلعب دوراً كبيراً، كذلك «الصناديق الصناعية، وبرنامج الصناعات الوطنية» وجميعها ستكون من خلال القطاع الخاص الذي سيتولى عملية التعدين بالكامل، والحكومة ستدخل كمحفز، سواء بالشراكة، والتمويل، أو من خلال تسهيل الإجراءات وتخفيض أجرة الأراضي الذي وصل إلى 50 عاماً الآن.
إلى ذلك، قال الدكتور لؤي الطيار، المختص في الشأن الاقتصادي، إن الأوامر الملكية القاضية بتحول عدد من الهيئات الحكومية إلى وزارات سيكون انعكاسها على الشأن الاقتصادي كبيراً، لما ستسهم به القرارات من تطور على كافة الأصعدة في تلك الوزارات، ومنها في جانب الخصخصة ومساهمة القطاع الخاص، باعتباره اليوم الأهم في المشاركة للتطوير، وتحقيق مستهدفات «رؤية المملكة 2030» التي تعد الجانب الأساسي فيما تشهده المملكة اليوم من تطور وتنمية.
وأشار الطيار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن مساهمة القطاع الخاص ستساعد على تطور النهج الاقتصادي للمملكة، وإعادة بناء وتطوير الوزارات من ناحية الهيكلة وزيادة المداخيل والتوطين والتوظيف، وستفتح مجالاً للتطوير؛ حيث ستكون هناك مجالات كبيرة.
وأضاف الطيار: «على سبيل المثال، تحول السياحة من هيئة إلى وزارة سيكون المناط به كبيراً في تطوير السياحة بالبلاد، كما سيكون له قوة أكبر، بألا تكون جهة رقابية فحسب؛ بل يسهم في عملها بتطوير المناطق السياحية في المملكة، وفتح المجال للتوطين لمساهمة المواطنين في النهضة التي تشهدها بلادهم؛ حيث سيكون القطاع أكثر مرونة، كما سيتم فتح المجال للاستثمار بالمدن السياحية التي تعد جميعها كالعلا وينبع على البحر الأحمر فرصاً استثمارية كبيرة، ويمكن للقطاع الخاص المساهمة مع وزارة السياحة في تطوير هذه المدن، وصنع سياحة وفق أعلى المعايير».
وأضاف الطيار: «اليوم وزارة الاستثمار وزارة مستقلة، ولديك في السعودية فرص استثمارية مؤهلة: نيوم، والقدية، والبحر الأحمر، والقطاع الخاص سيسهم فيها ويرفع المداخيل في المملكة»، منوهاً كذلك إلى تحول هيئة الرياضة إلى وزارة الرياضة، والذي سيسهم في خصخصة الأندية الرياضية، واستحداث عديد من الوظائف للمواطنين السعوديين، منوهاً: «الأندية الرياضية ليست فقط كرة قدم؛ بل على عاتقها مناط دور كبير اجتماعي وثقافي بالمجتمع».
وأوضح الطيار أن هناك دولاً اقتصادها قائم على السياحة، منوهاً بقدرة المملكة على تنمية القطاع السياحي الذي سيسهم في إيجاد موارد دخل إضافية، كما سيقلص البطالة، كما سيعزز الفرص الاستثمارية في استقطاب المستثمرين من داخل وخارج المملكة.
وبالعودة إلى برامج السعودية في تحقيق رؤيتها، يظهر جلياً برنامج التخصيص، لتعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات، وإتاحة الأصول الحكومية أمامه، مما يحسن من جودة الخدمات المقدمة بشكل عام، ويسهم في تقليل تكاليفها، ويعزز من تركيز الحكومة على الدور التشريعي والتنظيمي المنوط بها، كما يسعى البرنامج إلى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتحسين ميزان المدفوعات، لهذا كانت الأهداف واضحة في تحرير الأصول المملوكة للدولة أمام القطاع الخاص، وتخصيص خدمات حكومية محددة.
ويتماشى برنامج ريادة الشركات الوطنية، مع برنامج الخصخصة، الذي يركز على تحفيز وتمكين أكثر من 100 شركة لديها فرصة لتتحول من شركة محلية إلى شركة إقليمية رائدة، أو من شركة إقليمية رائدة إلى شركة عالمية رائدة، والعمل على تعزيز وترسيخ مكانتها، ما ينعكس إيجاباً على صورة المملكة ومتانتها الاقتصادية، كذلك رفع المحتوى المحلي، وتنويع الاقتصاد، وإنماء الشركات بما فيها الصغيرة والمتوسطة، وخلق مزيد من فرص العمل.
السعودية لترقية أجهزة الدولة لأدوار تتسق مع «رؤية 2030»
تسارع خطوات تمكين القطاع الخاص لدور فعال
السعودية لترقية أجهزة الدولة لأدوار تتسق مع «رؤية 2030»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة