«جولة الغرافيتي» أحدث أنواع السياحة الداخلية في لبنان

30 لوحة فنية تغطي جدران بيروت وتجذب محبي الفن

لوحة فيروز لحلواني
لوحة فيروز لحلواني
TT

«جولة الغرافيتي» أحدث أنواع السياحة الداخلية في لبنان

لوحة فيروز لحلواني
لوحة فيروز لحلواني

تروج في لبنان حاليا السياحة الداخلية على أنواعها وبينها زيارة محميات طبيعية ومواقع أثرية ومتاحف مناطقية وغيرها. أما أحدث ما طرأ على هذه السياحة ويستقطب جمهورا لا يستهان به من اللبنانيين فهو تنظيم جولة «غرافيتي بيروت». فيجري خلالها التعرّف على أشهر لوحات هذا الفن الذي يغطي مختلف جدران وشوارع العاصمة. وتستغرق هذه الجولة نحو 4 ساعات متتالية تنطلق من درج مار نقولا في منطقة مار مخايل في بيروت وتنتهي في منطقة التباريس المتاخمة لشارع الجميزة في الأشرفية. ويتضمن برنامج الجولة مشاهدة أجمل لوحات فن الغرافيتي الموقعة من فنانين لبنانيين يتمتعون بشهرة واسعة في هذا المجال. وكذلك يطل فيها السائح على أعمال أخرى لفنانين أجانب كخورخيه رودريغيز الذي ترتفع له لوحة «شادي» في منطقة الخندق الغميق والمستوحاة من أغنية لفيروز.
وتؤكد آيا إحدى المشرفات على هذه الجولة أنها وبالتعاون مع شركة «التيرناتيف تور بيروت» قررا تنظيم هذا النوع من الجولات انطلاقا من بيروت لانتشار هذا الفن فيها منذ فترة طويلة. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط» «هي سياحة تعد الأولى من نوعها في لبنان وبدأناها مؤخرا انطلاقا من مناطق محددة في بيروت ولكننا ننوي التنقل بها في المستقبل بين مناطق لبنانية أخرى، كالأوزاعي والدورة ومنطقة الجامعة الأميركية وطريق الجديدة وغيرها التي تشهد وجود لوحات كثيرة فيها من فنون رسم الغرافيتي».
6 محطات متنوعة لنحو 30 لوحة
تتوزع جولة غرافيتي بيروت على 6 محطات أساسية تقع في خمسة من شوارع العاصمة المعروفة وهي: مار مخايل، وموقف باصات شارل الحلو، والجميزة، وأسواق بيروت، والخندق الغميق، والتباريس.

المحطة الأولى: لوحة فيروز ليزن حلواني
على بعد أمتار قليلة من درج مار نقولا في مار مخايل تنطلق جولة «غرافيتي بيروت» لنتعرف إلى إحدى أجمل لوحات رسم الغرافيتي في منطقة مار مخايل الموقعة من قبل يزن حلواني. واللوحة هي كناية عن رسم للفنانة فيروز التي تطل فيها برأسها على المارة بالأبيض والأسود على خلفية ترابية كتب عليها بالأحرف العربية. ويعد حلواني أحد أشهر فناني الغرافيتي في لبنان وله لوحات أخرى قدم فيها قطعا فنية ذاع صيتها عالميا، وبينها واحدة لجبران خليل جبران وصباح وغيرها.
أما اللوحة الثانية التي يتسنى للزوار مشاهدتها في المنطقة نفسها فهي للإخوة «أشكمان» بعنوان «الحجر اللي ببلدك إلك ولولدك».

المحطة الثانية: غرافيتي هادي بيضون
محطة باص شارل حلو المتفرعة من منطقة المرفأ في بيروت تشكل النقطة الثانية من جولة «غرافيتي بيروت». وهناك نتعرف إلى لوحات كثيرة بينها واحدة لهادي بيضون «فتاة الأرجوحة». وتعد من أقدم لوحات فنون الغرافيتي في لبنان والتي رسمت في عام 1995، وتمثل رسما لصبية صهباء تحمل مسقاة مياه وهي تجلس على أرجوحة.

المحطة الثالثة:«غرافيتي تاغينغ»
في منطقة الجميزة يتوقف السائح طويلا أمام جدار يحمل توقيع أشهر فناني الغرافيتي في لبنان. فهذه التقنية المعروفة بـ«غرافيتي تاغينغ» تنضم إلى غيرها من «كاليغرافي» و«كلاسيكل غرافيتي»، التي تتألف عادة منها أنواع هذا الفن. ويعد الـ«تاغينغ غرافيتي» تقليدا يلتزم به رسامو الغرافيتي في بداياتهم للإعلان عن دخولهم هذا الفن من بابه العريض. ونشاهد على هذا الحائط توقيع أسماء الإخوة أشكمان وهادي بيضون ويزن حلواني ويوسف طلاي والفنان رينو وغيرهم.

المحطة الرابعة: أسواق بيروت
في هذه المحطة يتوجه السياح مباشرة إلى مبنى البيضة وسط بيروت. وهو كناية عن مركز تجاري قديم يتضمن صالة مسرح وسينما تم بناؤه في السبعينات ضمن هندسة معمارية خارجة عن المألوف. وعلى جدران هذا المبنى رسومات غرافيتي حديثة تتناول الحراك المدني الدائر في لبنان منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) الفائت ولغاية اليوم. ونلاحظ في هذه الرسومات التي تحكي عن الثورة في غالبيتها، مدى تطور هذا الفن في لبنان الذي يستقطب مواهب جديدة من أصحابه الشباب. وهم رأوا في مبنى البيضة مساحة حرة يترجمون فيها أفكارهم حول الثورة.

المحطة الخامسة: الكوبي خورخيه رودريغيز
في منطقة الخندق الغميق الواقعة بموازاة أسواق بيروت تأخذنا جولة «بيروت غرافيتي» إلى لوحة للفنان الكوبي الأميركي خورخيه رودريغيز. فهو استوحاها من أغنية «شادي» لفيروز. وتأتي جداريته هذه التي نفذها في عام 2017 ضمن مشروع ضم لبنان ودولاً أخرى حول العالم، وبدعم من مؤسسة «بي إيه دي» العالمية التي تملك مراكز في برشلونة (إسبانيا) ودبلن (آيرلندا)، بالإضافة إلى بيروت.
ورسم الفنان لوحة عنوانها «الاتصال» على مبنى لا تزال آثار الحرب الأهلية (1975 - 1990) ظاهرة على جدرانه المثقوبة في منطقة الباشورة في بيروت. وضمت ولداً صغيراً يستكشف لوحة تطوير إلكتروني «آدوينو»، وتعكس الحاجة الأساسية إلى الابتكار والتعليم في بناء مستقبل أفضل للجميع.

المحطة السادسة والأخيرة «أنت حر»
في منطقة التباريس نصل إلى نهاية هذه الجولة الخاصة برسوم الغرافيتي في بيروت. فنتعرف فيها إلى لوحات للأخوة «أشكمان» تصور الراحل وديع الصافي. وأخرى بعنوان «أنت حر» والتي أزالتها بلدية بيروت يومها تحت ذريعة إزالة الشعارات السياسية لتعود وتسمح برسمها من جديد. أما اللوحة الثالثة التي نشاهدها في هذه المنطقة هي لهادي بيضون وتصور شابا يحمل مجهرا باحثا عن نفسه في بقعة خضراء. وتحمل هذه اللوحة الواقعة على جدار أحد المباني في شارع لبنان في المنطقة المذكورة عنوان «باحثا عن الربيع».



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».