إردوغان يبلغ بوتين بتوسع استهداف النظام السوري وينتظر أفعالاً من واشنطن

أنقرة طالبت بحظر جوي في ادلب بعد مقتل 33 من جنودها

مقاتلون سوريون معارضون تدعمهم تركيا في ريف ادلب أمس (أ.ف.ب)
مقاتلون سوريون معارضون تدعمهم تركيا في ريف ادلب أمس (أ.ف.ب)
TT

إردوغان يبلغ بوتين بتوسع استهداف النظام السوري وينتظر أفعالاً من واشنطن

مقاتلون سوريون معارضون تدعمهم تركيا في ريف ادلب أمس (أ.ف.ب)
مقاتلون سوريون معارضون تدعمهم تركيا في ريف ادلب أمس (أ.ف.ب)

أبلغ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأن كل عناصر النظام السوري أصبحت أهدافاً مشروعة للقوات التركية، وسيتم ضربها رداً على مقتل 33 جندياً تركياً في قصف جوي سوري على نقطة مراقبة تركية في جنوب إدلب الليلة قبل الماضية، أسفر أيضاً عن إصابة 32 جندياً آخرين.
وقال رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، في تصريحات، إن إردوغان دعا بوتين، خلال اتصال هاتفي بينهما أمس، إلى أن تفي روسيا، التي تدعم دمشق بالضربات الجوية، بمسؤولياتها في إدلب، وتوقف هجمات جيش النظام السوري.
وأضاف ألطون أن الرئيسين التركي والروسي اتفقا على عقد لقاء بينهما في أقرب وقت ممكن، مشيراً إلى أن إردوغان أبلغ بوتين بأن وضع اللاجئين الحالي على طول الحدود التركية كان بسبب إهمال النظام السوري وأعماله المتعمدة، وأكد بوضوح أن دماء الجنود الأتراك لن تضيع سدى.
وأضاف أن إردوغان أبلغ بوتين أيضاً بأن تركيا تتوقع أن تعمل روسيا على جعل النظام يمتثل لتفاهم سوتشي الموقع بين تركيا وروسيا في 17 سبتمبر (أيلول) 2018، بشأن إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح للفصل بين قوات النظام والمعارضة في إدلب، مشيراً إلى أن الهجمات التي يشنها النظام على الجنود الأتراك لا يمكن أن تغير موقف تركيا من إدلب، وذكر روسيا بالوفاء بمسؤوليتها عن طريق إيقاف نظام الأسد على أساس المادة 3 من مذكرة التفاهم في سوتشي.
وتابع ألطون أن إردوغان سيبلغ نظيره الأميركي دونالد ترمب، في اتصال هاتفي، بأن الدعم الشفهي فيما يتعلق بمنطقة إدلب السورية لا يكفي، وأن أنقرة تتوقع دعماً «فعلياً»، مشيراً إلى أن إردوغان سيجري اتصالات أيضاً مع قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا حول التطورات في إدلب.
وفي السياق ذاته، قال الكرملين إن بوتين وإردوغان اتفقا، خلال الاتصال الهاتفي، على ضرورة اتخاذ إجراءات جديدة لتخفيف التوتر، وإعادة الوضع لطبيعته في شمال غربي سوريا. وذكر الكرملين، في بيان، أن بوتين وإردوغان اتفقا على ترتيب اجتماع رفيع المستوى لبحث الوضع في إدلب السورية الذي قال الرئيسان إنه مبعث «قلق بالغ».
وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن الرئيسين الروسي والتركي بحثا، عبر مكالمة هاتفية، مستجدات الوضع الراهن في إدلب، في اتصال تم بناء على طلب من الجانب التركي، مشيراً إلى أن المحادثات بين تركيا وروسيا مستمرة.
وواصل الوفدان التركي والروسي، أمس، اجتماعاتهم حول إدلب، لليوم الثالث على التوالي، في مقر وزارة الخارجية التركية في أنقرة، في محاولة للتوصل إلى اتفاق حول التهدئة.
وكانت تركيا قد رفضت الرواية الروسية حول مقتل جنودها في سوريا، حيث أعلنت موسكو أن الجنود كانوا برفقة عناصر مسلحة أخرى (في إشارة إلى مسلحين من الفصائل السورية) عندما تم استهدافهم.
وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن الضربات الجوية على منطقة إدلب السورية، التي أسفرت عن مقتل 33 من الجنود الأتراك، حدثت رغم التنسيق مع المسؤولين الروس على الأرض، وإن الهجمات استمرت بعد تحذير صدر عقب الضربات الأولى.
وأضاف أكار، في تصريحات أمس من غرفة عمليات الجيش التركي في ولاية هطاي الحدودية مع سوريا، أن تركيا ردت على الضربة السورية، وأن 309 من جنود الجيش السوري المدعومين من موسكو قتلوا في إطار الرد التركي، وتم أيضاً تدمير كثير من المروحيات والدبابات والآليات التابعة للنظام.
وأمضى أكار وقائد القوات البرية التركية الساعات الأولى من صباح أمس في مركز العمليات، حيث أدار أكار بنفسه عملية الرد على الضربة السورية، وقال: «استهداف جنودنا وقع رغم التنسيق الميداني مع المسؤولين الروس حول إحداثيات مواقع قواتنا. ورغم تحذيراتنا عقب القصف الأول، استمرت الغارات الجوية، وطالت حتى سيارات الإسعاف... نؤكد أنه لم تكن هناك أي مجموعة مسلحة في محيط وحداتنا خلال الهجوم الأخير على قواتنا في إدلب».
كانت وزارة الدفاع الروسية قد ذكرت، في بيان أمس، أن جنوداً أتراكاً كانوا وسط المسلحين السوريين، وأن تركيا لم تبلغ الجيش الروسي بوجود جنودها هناك، وما كان ينبغي أن يكون الجنود الأتراك في المنطقة، وفقاً للمعلومات التي قدمتها تركيا.
وأضافت أن الطائرات الروسية لم تنفذ ضربات على منطقة في إدلب كانت الوحدات التركية موجودة بها، مشددة على أن روسيا فعلت كل شيء لفرض وقف كامل لإطلاق النار من جانب الجيش السوري، بعدما علمت بمقتل جنود أتراك.
وأشارت إلى أن مسلحين سوريين في منطقة خفض التصعيد بإدلب حاولوا شن هجوم كبير على القوات الحكومية أول من أمس.
وقال وزير الدفاع التركي إنه جرى قصف أكثر من 200 هدف للنظام السوري بعد الهجوم «الغادر» على جنود تركيا، بشكل مكثف، عبر مقاتلات وطائرات مسيرة مسلحة، ووسائط الإسناد الناري البرية، وتم تحييد 309 من عناصر قوات النظام السوري، وتدمير 5 مروحيات، و23 دبابة، و23 مدفعية، ومنظومتين للدفاع الجوي من طراز (إس إيه 17) و(إس إيه 22). كما تم تدمير 10 مدرعات، و5 شاحنات لنقل الذخيرة، و3 مستودعات للذخيرة، ومستودعين لمستلزمات عسكرية، وأحد المقرات التابعة لقوات النظام.
وأكد أكار أن القصف في إطار الرد على هجوم النظام «ما زال مستمراً»، مضيفاً: «ستتواصل عملياتنا لحين كسر الأيادي الملطخة بالدماء التي تتطاول على جنودنا والمظلومين في المنطقة».
وفي مقابل تصريحات أكار حول مقتل 309 من قوات النظام السوري، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بمقتل 16 عنصراً من قوات النظام في قصف مدفعي وبالطائرات المسيرة نفذه الجيش التركي في إدلب، غداة مقتل 33 جندياً تركياً في غارات جوية نسبتها أنقرة إلى دمشق.
وكان الرئيس إردوغان قد ترأس، في وقت متأخر ليل أول من أمس، اجتماعاً أمنياً استمر 6 ساعات. وأعلنت الرئاسة التركية، فجر أمس، أنه تقرر خلال الاجتماع الرد بالمثل على النظام السوري «غير الشرعي» الذي يوجه سلاحه صوب جنودنا الذين يدافعون عن حقوق الجمهورية التركية ومصالحها.
وقال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، عقب الاجتماع الأمني، إن بلاده «استهدفت جميع أهداف النظام السوري المحددة بنيران عناصرنا المدعومة جواً وبراً، وسنواصل الاستهداف».
وطالبت تركيا القوى العالمية بفرض منطقة حظر طيران في سوريا لحماية مئات الآلاف من النازحين بسبب الاشتباكات، بعد مقتل 33 من جنودها في ضربات جوية سورية في إدلب.
وكتب فخر الدين ألطون، على «تويتر»، أن روسيا وإيران اللتين تدعمان الرئيس السوري بشار الأسد ستفقدان كل مصداقيتهما إذا لم يوقفا القتال في إدلب، وأن نظام الأسد مثل شبكة إجرامية يمارس أعمالاً إرهابية بحق شعبه، ويشكل تهديداً على الأمن القومي التركي وأمن أوروبا.
ودعا ألطون أطراف اتفاق آستانة، والمجتمع الدولي عموماً، للالتزام بالمهام الواقعة على عاتقهم إزاء تنفيذ الاتفاق، قائلاً: «لا يمكن السماح بوقوع مجازر في إدلب مشابهة لتلك التي وقعت في رواندا والبوسنة والهرسك، لن تذهب دماء جنودنا الأبطال سدى، وستستمر أنشطتنا العسكرية بالأراضي السورية حتى كسر جميع السواعد التي تطاولت على العلم التركي».
وذكر أن «نظام الأسد يجري تطهيراً عرقياً بحق شعبه، ويسعى لإجبار ملايين السوريين في إدلب على ترك ديارهم. وسيحاول هؤلاء الأشخاص اللجوء إلى تركيا والقارة الأوروبية، حيث يوجد في الوقت الحالي نحو 4 ملايين سوري على الأراضي التركية، وبالتالي ليست لدينا القدرة على استيعاب مليون سوري إضافي».
ومن جانبه، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين إن الأزمة في إدلب «تجاوزت جميع الحدود»، داعياً المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات ملموسة تجاه الأزمة الإنسانية في إدلب، وسوريا عموماً.
وأضاف كالين، في تصريح أمس، أنه تم الرد بشكل قوي على الهجوم على الجنود الأتراك اعتباراً من منتصف ليل أول من أمس، وأن دماء الجنود الأتراك «لن تذهب سدى»، وستتم محاسبة النظام السوري «الملطخة يديه بالدماء».
وداخلياً، دعا حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، البرلمان لبحث تداعيات مقتل عشرات الجنود الأتراك في قصف بمحافظة إدلب في جلسة مغلقة، وأيدت رئيسة حزب «الجيد»، ميرال أكشنار، الدعوة.
وتقدم حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى البرلمان أمس بطلب لعقد هذه الجلسة يوم الثلاثاء المقبل، بعد ضغوط المعارضة ومطالبتها بتوضيح ما يجري في إدلب.
وحجبت سلطات تركيا عدداً من وسائل التواصل الاجتماعي، منها «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام»، عقب الهجوم الذي استهدف قواتها في إدلب، وجعلت الوصول إلى تطبيقات أخرى، مثل «واتساب» و«يوتيوب»، مقيداً بشكل جزئي.



«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
TT

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

قال فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، اليوم الاثنين، إنه كان من المقرر أن يقوم قائد «قسد» مظلوم عبدي والوفد المفاوض لشمال وشرق سوريا، بزيارة لدمشق، اليوم، إلا أن الزيارة تأجلت «لأسباب تقنية».

وأضاف، عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه سيجري تحديد موعد جديد لزيارة قائد «قسد» مظلوم عبدي لدمشق، في وقت لاحق يجري الاتفاق عليه بالتوافق بين الأطراف المعنية.

وأكد أن تأجيل زيارة عبدي لدمشق في إطار ترتيبات لوجستية وفنية، ولم يطرأ أي تغيير على مسار التواصل أو الأهداف المطروحة.

كان التلفزيون السوري قد أفاد، الجمعة، بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على حاجز أمني في مدينة حلب، في حين ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الجيش أسقط مُسيّرات أطلقتها «قسد» باتجاه مواقع تابعة له في سد تشرين، بريف حلب الشرقي.

وأوضح التلفزيون أن عناصر «قسد» المتمركزين في حي الأشرفية بحلب يطلقون النار على عناصر الأمن الداخلي الموجودين عند حاجز دوار شيحان.

لكن «قسد»، من جهتها، أكدت أن فصائل تابعة لحكومة دمشق أطلقت قذيفتين صاروخيتين على قواتها، ما أجبرها على الرد.

وفي وقت لاحق، قالت «قسد» إن الفصائل التابعة للحكومة السورية شنّت «هجوماً عنيفاً باستخدام الرشاشات الثقيلة والمدفعية» على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، ووصفت الهجوم بأنه «اعتداء سافر يهدد أمن المدنيين ويُنذر بتداعيات خطيرة».


الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.