أبناء بلدة تل أبيض السورية تحولوا من مقاتلين إلى لاجئين

(«الشرق الأوسط») تلتقي مقاتلي {أحرار الشام} في تركيا

بلدة «تل الأبيض» تظهر بوضوح من الحدود التركية بعد فرار أبناء البلدة من مقاتلي «داعش»
بلدة «تل الأبيض» تظهر بوضوح من الحدود التركية بعد فرار أبناء البلدة من مقاتلي «داعش»
TT

أبناء بلدة تل أبيض السورية تحولوا من مقاتلين إلى لاجئين

بلدة «تل الأبيض» تظهر بوضوح من الحدود التركية بعد فرار أبناء البلدة من مقاتلي «داعش»
بلدة «تل الأبيض» تظهر بوضوح من الحدود التركية بعد فرار أبناء البلدة من مقاتلي «داعش»

يمكن للمرء أن يتتبع مسار الصراع السوري من خلال معرفة الأحداث التي نتجت عنها الجروح المنتشرة في ساقي المقاتل السوري عبد اللطيف. يكشف عبد اللطيف عن ساقه اليمنى التي بدت وقد غطتها الكثير من الجروح ذات اللون الوردي الضارب إلى الحمرة والتي تنتشر من الكاحل وحتى الركبة. يعلق عبد اللطيف على تلك الجروح بقوله «نتجت تلك الجروح عن الشظايا التي أصابت ساقي عندما كنت أقاتل ضد النظام في مدن الرقة ورأس العين». أما قدمه اليسرى، التي بدت ملفوفة في ضمادة تظهر عليها بقع الدم المتناثرة في لون أبيض يلمع تحت ضوء شمس الشتاء الساطع، فيقول عنها عبد اللطيف: «هنا أصابتني رصاصة قناص عندما كنت أقاتل ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)».
وبينما يجلس في مقعد بلاستيكي على أحد الأرصفة في مدينة أقجة قلعة التركية الواقعة على الحدود مع سوريا، يمكن لعبد اللطيف أن يسمع بوضوح أصوات الانفجار المتقطعة الناجمة عن أجواء إطلاق النار الاحتفالية التي يقوم بها أعداؤه. ولا يفصل بلدة أقجة قلعة التركية عن مسقط رأسه بلدة تل أبيض سوى معبر حدودي ضيق وبضعة أمتار غير مأهولة بالسكان. في شهر أغسطس (آب) الماضي، استطاعت كتيبة أحرار الشام، التي كان عبد اللطيف أحد مقاتليها، أن تطرد ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية وتستعيد السيطرة على تل أبيض ومعبرها الحدودي الاستراتيجي.
غير أنه ومنذ 10 أيام، تبدل الحال في تل أبيض، حيث سقطت في أيدي مقاتلي تنظيم «داعش» المرتبط بتنظيم القاعدة والذي انخرط في الصراع السوري نهاية ربيع عام 2013. وخلال الأشهر التالية، زادت أعداد مقاتلي «داعش» وقويت شوكتهم، وأصبح التنظيم من أكثر المجموعات المكروهة التي يخشاها المواطنون السوريون بسبب سمعتهم السيئة في تطبيق قوانين وإجراءات تعسفية لا ترحم في المدن التي استطاع مقاتلوه السيطرة عليها. وأخيرا وخلال الأيام الأولى من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، دخل تنظيم «داعش» في صراع صريح مع «الجبهة الإسلامية»، وهو ائتلاف يضم مجموعة من كتائب المعارضة المقاتلة، بما فيها كتيبة أحرار الشام، التي ينتمي لها عبد اللطيف. وخلال معركة شرسة اندلعت في الـ11 من يناير واستمرت ثلاثة أيام، استطاع مقاتلو «داعش» طرد مقاتلي «أحرار الشام»، ومعظمهم من أبناء البلدة مثل عبد اللطيف - من تل أبيض وأجبروهم على النزوح إلى تركيا.
عندما انضم عبد اللطيف إلى صفوف المعارضة السورية للقتال ضد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، كانت قواعد المعركة واضحة، فقد كان واحدا من المتمردين الذي يقاتلون ضد النظام. في بداية الصراع المسلح، انخرط عبد اللطيف في صفوف كتيبة الفاروق، التي كانت واحدة من أقوى كتائب الجيش السوري الحر. وبعد سبعة أشهر، ترك عبد اللطيف كتيبة الفاروق لينضم إلى كتيبة أحرار الشام، التي تعرف بتوجهاتها الفكرية الإسلامية وخط قتال أمامي مخيف. ويوضح عبد اللطيف سبب انشقاقه عن كتيبة الفاروق وانضمامه لكتيبة أحرار الشام بقوله لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد هناك ما يسمى بكتيبة الفاروق»، على الرغم من أنه ما زال يرتدي قميصا يحمل شعار تلك الكتيبة.
والآن وبينما يقترب حلول الذكرى الثالثة لانطلاق شرارة الثورة السورية، يبدو الصراع وكأنه قد تحول إلى شبه المستنقع، متمردون يقاتلون متمردين مثلهم، وإسلاميون منخرطين في صراع ضد إسلاميين مثلهم. قبل عدة أشهر، انخرط متمردو أحرار الشام الإسلاميين في قتال ضد متمردي وحدات حماية الشعب الكردية، وبعد ذلك بخمسة أشهر، دار قتال عنيف بين مقاتلي «داعش» ومتمردي «أحرار الشام» الإسلاميين. يعلق عبد اللطيف على المواجهة بين «أحرار الشام» و«داعش» قائلا: «حتى قبل تلك المواجهة، كان تنظيم (داعش) يصف مقاتلي أحرار الشام بأنهم كفار، وأنه ينبغي عليهم أن يقتلونا جميعا».
وقد جرى طرد مقاتلي «أحرار الشام» من مدينة تل أبيض السورية إلى مدينة أقجة قلعة التركية المتاخمة لها، حيث بقوا عالقين هناك يتابعون أعداءهم بينما ينهبون بيوتهم تحت سمعهم وبصرهم ولا يستطيعون أن يحركوا ساكنا. يبدو ذلك واضحا في ما يقوم به أبو حسين كل يوم حينما يصعد إلى أعلى ركام من الحصى مواز لسياج حدودي من السلك الشائك حتى يراقب منزله الواقع على بعد أقل من 200 متر. يقول أبو حسين وهو ينظر إلى منزله على الجانب السوري: «ها هو، إنه ذلك المنزل الأصفر اللون الذي يوجد مكاتب في طابقه السفلي». وما هي إلا دقيقة حتى يشير أبو حسين إلى شخصين يقتربان من منزله ويقول «إنهما من مقاتلي تنظيم (داعش)، أعرفهما لأنهما يرتديان الزي الباكستاني، كما يتميزون بلون ملابسهم السوداء».
وكان أبو حسين يعمل كحارس في نقطة التفتيش التي أقامتها كتيبة أحرار الشام في معبر تل أبيض الحدودي مع الجانب التركي. والآن، يبدو هذا المعبر قريبا منه، وكانت الحكومة التركية قد أغلقته عند اندلاع القتال بين «أحرار الشام» و«داعش»، وتفتحه بين الحين والآخر حتى تسمح للاجئين السوريين بالعبور إلى تركيا. وفي بعض الأحيان، يتسلل أبو حسين بطريقة غير شرعية ويتسلق سياج السلك الشائك رغبة منه في قضاء بعض الدقائق الثمينة على أرض وطنه الغالي. ومع ذلك، لا يستطيع أبو حسين الاقتراب من منزله الذي بات محاطا بمقاتلي «داعش»، الذين أعدموا عشرات المقاتلين من «أحرار الشام» عندما نجحوا في السيطرة على تل أبيض، ويعرف أبو حسين جيدا أنه سيلقى نفس المصير لو وقع بين أيدي مقاتلي التنظيم. وخلال عمله في نقطة التفتيش، كانت مهمة أبو حسين تتلخص في مقارنة أسماء المارين بالنقطة مع قائمة سوداء بأسماء مقاتلي نظام الأسد المطلوبين. غير أن الحال تبدل خلال 10 أيام فقط، يقول أبو حسين ضاحكا «أما الآن، صار اسمي مدرجا على قائمة سوداء».
وتعج شوارع مدينة أقجة قلعة التركية بالكثير من الرجال الذين كانوا يحملون صفة مقاتلين قبل 10 أيام، أما الآن، فقد صاروا لاجئين. وببشرته الصهباء وشعره الأحمر اللامع، يبدو محمود، الذي انشق عن جيش النظام السوري في مارس (آذار) 2011، بمظهر مختلف بين رفقاء السلاح. ومثل عبد اللطيف، انضم محمود إلى كتيبة الفاروق قبل أن يلتحق بكتيبة أحرار الشام. والآن، ينام محمود في شوارع أقجة قلعة حيث لا يوجد مكان آخر غيرها يمكنه النزوح إليه. ويتساءل محمود: «ما الذي يمكننا فعله الآن؟ سيقوم مقاتلو (داعش) بتفجير منازلنا، فمن الذي سيوفر لنا منازل جديدة؟».
وبصوت يملؤه الغضب، يصف محمود المعركة التي دارت بين «أحرار الشام» و«داعش» في تل أبيض: «كان من الممكن أن نهزم مقاتلي (داعش)، لكن قادتنا كانت لهم سياسة أخرى». ويتهم محمود قادة أحرار الشام بـ«خيانة» مقاتلي الكتيبة، قائلا: «لقد كانوا يصدرون أوامر بالانسحاب من دون الاشتباك مع (داعش). في بادئ الأمر، رفضنا إطاعة تلك الأوامر، لكننا حوصرنا في نهاية الأمر، فاضطررنا للانسحاب».
ويواصل هؤلاء الرجال، الذين تغص بهم شوارع أقجة قلعة معركتهم على الرغم من تغير معطيات الحرب من حولهم. لقد خبر أولئك الرجال الكثير من المواقف في ذلك الصراع الذي يشهد تحولات لم يشهدها صراع مثله قبل ذلك، ثم وجدوا أنفسهم في نهاية الأمر يجلسون هنا مرهقين ومرتبكين وغاضبين وغير متأكدين مما سيحمله المستقبل لهم. غير أن ولاءهم القديم بقي على حاله ولم يتغير، فبعد كل ما حدث في تل أبيض، لا يرون أنفسهم إلا متمردين.
يقول عبد اللطيف: «ما زلت أنتمي للجيش السوري الحر!»، مصرا على أنه ما زال يقاتل من أجل مبادئه الثورية التي يبدو أنها أصبحت أبعد ما يكون عن الصراع الدائر حاليا في سوريا، مضيفا: «أريد ديمقراطية وحرية وسأقاتل من أجلها». وبسؤاله عن أكثر جروحه إيلاما، رد عبد اللطيف مبتسما ابتسامة ساخرة: «الجرح الذي سببه القتال ضد (داعش) هو الذي يؤلمني أكثر».



الداخلية السورية تعلن مقتل شخص واعتقال 8 بعملية أمنية ضد خلية لـ«داعش»

من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)
من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)
TT

الداخلية السورية تعلن مقتل شخص واعتقال 8 بعملية أمنية ضد خلية لـ«داعش»

من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)
من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)

أعلنت السلطات السورية، الثلاثاء، أن قواتها قتلت زعيم خلية مرتبطة بتنظيم «داعش» واعتقلت 8 آخرين، على خلفية الهجوم الدامي الذي استهدف، الأحد، قوات الأمن بشمال البلاد.

ووفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية، قالت الوزارة في بيان إن العملية «استهدفت موقع خلية إرهابية تتبع لتنظيم (داعش) الإرهابي»، وأدت العملية إلى «إلقاء القبض على جميع أفراد الخلية وعددهم 8، وحُيّد (قُتل) العنصر التاسع، متزعم الخلية، أثناء المداهمة».

وأفادت الوزارة بعملية أمنية ثانية بناء على المعلومات التي جمعتها من العملية الأولى، وأسفرت العمليتان عن «ضبط أحزمة ناسفة، وكواتم صوت، وصواريخ من نوع ميم-دال، إلى جانب أسلحة رشاشة».

وقالت الداخلية إن المجموعة المستهدفة «مسؤولة عن تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية التي استهدفت دوريات أمنية وعسكرية في محافظتي إدلب وحلب».

وتأتي هذه العملية بعد هجوم استهدف، الأحد، دورية لإدارة أمن الطرق في ريف إدلب، ما أسفر عن مقتل أربعة من عناصر قوى الأمن الداخلي وإصابة خامس، حسب وزارة الداخلية السورية.

وأفادت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» بأن مسلحين أطلقوا النار على الدورية أثناء تنفيذ مهامها على طريق معرة النعمان جنوب المحافظة.

وتبنى تنظيم «داعش» لاحقاً الهجوم، وفق ما أورده موقع «سايت» المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية.

ويأتي ذلك بعد أيام من استهداف وفد عسكري مشترك في مدينة تدمر وسط سوريا، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أميركيين، بينهم جنديان ومدني يعمل مترجماً، إضافة إلى إصابة عناصر من القوات الأميركية والسورية، حسب واشنطن ودمشق.


تسهيلات مصرية لمستثمرين في السياحة بسيناء لتعويض خسائر حرب غزة

أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)
أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)
TT

تسهيلات مصرية لمستثمرين في السياحة بسيناء لتعويض خسائر حرب غزة

أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)
أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)

أقرت مصر حزمة واسعة من التسهيلات لمستثمري منطقة طابا ونويبع، الواقعتين على شاطئ البحر الأحمر بجنوب سيناء، بعد تضرر الأنشطة السياحية هناك على مدار العامين الماضيين، نتيجة الحرب في قطاع غزة والتوترات الأمنية المحيطة بالمنطقة.

وبحسب تصريحات إعلامية لرئيس الهيئة العامة للتنمية السياحية في مصر، مصطفى منير، فإنه تمت الموافقة من جانب إدارة الهيئة على منح المستثمرين عاماً إضافياً لتأجيل سداد المديونيات، مع وقف المطالبة بالسداد لمدة 18 شهراً دون فوائد، لافتاً إلى أن هذه القرارات جاءت استجابة لمطالب المستثمرين وبعد عدة اجتماعات ميدانية وجولات تفقدية للمنطقة.

وتضمنت حزمة التسهيلات المقررة مد فترة الإعفاء من سداد قيمة الأراضي إلى 3 سنوات بدلاً من عامين، إلى جانب تجميد المديونيات لمدة سنة ونصف السنة دون فرض أي أعباء إضافية.

وأوضح أن المنطقة تعرضت لضغوط استثنائية أدت إلى توقّف غالبية المقاصد السياحية، مشيراً إلى أن عدد الفنادق العاملة حالياً لا يتجاوز 6 فنادق من بين 55 فندقاً مسجلة في المنطقة.

حوافز حكومية لمنتجعات جنوب سيناء في مصر لتنشيط السياحة (هيئة تنشيط السياحة)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أشارت تقارير إعلامية مصرية إلى «إغلاق نحو 90 في المائة من المنشآت السياحية في مدينتي طابا ونويبع الواقعتين بسيناء على شاطئ البحر الأحمر وتراجع معدل الإشغالات الفندقية في منتجع شرم الشيخ ومدن جنوب سيناء نتيجة الحرب على غزة».

الدكتور يسري الشرقاوي، مستشار الاستثمار الدولي ورئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة، عدّ التسهيلات المالية التي تقدمها الحكومة المصرية لمساندة المشروعات السياحية المتعثرة خطوة مهمة، لكنها لا تمثل حلاً كاملاً في مواجهة تداعيات الظروف الجيوسياسية الراهنة، مشدداً على ضرورة تبني استراتيجية متعددة المحاور.

وقال الشرقاوي، لـ«الشرق الأوسط»: «تُعد السياحة أحد أهم المصادر للعملة الصعبة في مصر، وكان تأثير الظروف الجيوسياسية على مناطق سيناء، خصوصاً المناطق الجنوبية المتضررة جغرافياً، تأثيراً مباشراً وحاداً».

وتابع: «اليوم، تنظر الحكومة المصرية إلى عام 2026 بوصفه عاماً مرتقباً للهدوء النسبي والاستقرار، وهو العام الذي سيأتي أيضاً بعد شهور من الافتتاح الكامل للمتحف المصري الكبير، والتدابير المتخذة تهدف إلى جعل عام 2026 عاماً ذهبياً لقطاع السياحة إذا ما تلاشت التأثيرات الخارجية»، مؤكداً أن الحلول المالية المطروحة حالياً ستسهم في سداد الفواتير الكبيرة المستحقة على أصحاب المشروعات السياحية المتعثرة في سيناء، ومتوقعاً المزيد من المساعدات التدريجية في هذا الصدد.

وبحسب تصريحات رئيس الهيئة العامة للتنمية السياحية في مصر، مصطفى منير، فإن الهيئة حرصت على جمع مطالب المستثمرين، وإقرار ما يدعم استمرارية النشاط في المنطقة التي تمثل أحد أهم المقاصد في جنوب سيناء.

واستقبلت مصر، وفق بيانات رسمية 15.7 مليون سائح خلال عام 2024، ما يُعدّ أعلى رقم تحققه البلاد في تاريخها. كما أعلنت زيادة أعداد السائحين خلال الربع الأول من العام الحالي 2025 بنسبة 25 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، رغم التحديات الجيوسياسية التي تواجهها المنطقة.

ودعا الشرقاوي إلى ضرورة تدخل أوسع من الحكومة على 3 محاور متزامنة لضمان جذب أعداد أكبر من السائحين؛ أولها المحور الدبلوماسي والسياسي، عبر استمرار الجهد المكثف، ممثلاً في وزارة الخارجية وتحت توجيهات القيادة السياسية، لضمان التحسن التدريجي المستقر في الظروف الجيوسياسية وتلاشي أثرها، إلى جانب الترويج النوعي، من خلال إعداد وزارة السياحة والآثار المصرية برامج ترويجية جاذبة تستهدف إعادة تثبيت الرؤية الآمنة لأسواق السياحة الدولية تدريجياً، خاصة للوافدين إلى سيناء.

وتابع: «كما يجب أن يكون هناك ترويج مدعوم للسياحة الداخلية للحفاظ على نسب الإشغال داخل هذه المنطقة، فلا يمكن لأي منطقة في العالم أن تتجاوز جميع الآثار إلا إذا تضافرت الأيدي الداخلية مع الدعم الخارجي».


«الخط الأصفر» يشعل التوترات بين مصر وإسرائيل

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«الخط الأصفر» يشعل التوترات بين مصر وإسرائيل

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

في وقت تحدث فيه إعلام إسرائيلي عن زيادة وتيرة التوتر بين مصر وإسرائيل في الفترة الحالية، بسبب ممارسات حكومة بنيامين نتنياهو في قطاع غزة، قال مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأجهزة المصرية رصدت ما تقوم به إسرائيل من مخالفات لاتفاق شرم الشيخ، وأعدت به ملفاً وأبلغت به واشنطن للتأكيد على أن القاهرة ملتزمة ومصرة على تنفيذ الاتفاق».

ووفق عسكريين سابقين بمصر، فإن «القاهرة ترى في ممارسات إسرائيل بغزة محاولة للتملص من خطة ترمب المتفق عليها، واللجوء لترسيخ وجود عسكري إسرائيلي دائم فيما يعرف بالخط الأصفر بغزة، مما يهدد الأمن القومي المصري».

و«الخط الأصفر» هو خط تقسيم يفصل قطاع غزة إلى جزأين، وفقاً لخطة السلام الموقعة بشرم الشيخ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهي الخطة التي تهدف إلى إنهاء حرب غزة. ويفصل الخط الأصفر 47 في المائة من الأراضي في المنطقة الغربية التي يسيطر عليها الفلسطينيون، عن 53 في المائة من قطاع غزة التي تسيطر عليها إسرائيل، وتقريباً جميع الفلسطينيين في غزة نزحوا إلى المنطقة الغربية من الخط.

قمة مرتقبة بين ترمب ونتنياهو آخر الشهر تناقش خطة السلام في غزة (أ.ف.ب)

وكشف تقرير لـ«القناة 14» الإسرائيلية عن نشاط للجيش الإسرائيلي فيما يعرف بـ«الخط الأصفر»، وتعديل التضاريس الجغرافية لقطاع غزة، وهو ما تعدّه القاهرة «تهديداً مباشراً لمصالحها الإقليمية»، وفق القناة، التي ذكرت أن «ذلك أغضب مصر ودفعها للشكوى إلى الولايات المتحدة، متهمة إسرائيل بأنها تعمل على تقسيم قطاع غزة إلى جزأين، وتغيير التركيبة الديموغرافية والتضاريسية للمنطقة».

وحسب التقرير، فإن القاهرة «تنظر بقلق بالغ لما يجري في قطاع غزة، خصوصاً بعد تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي إيل زامير، حول الخط الأصفر، باعتباره خطاً دفاعياً وهجومياً جديداً»، حيث إن نشاط الجيش الإسرائيلي في المنطقة «الصفراء» - الذي يشمل تدمير بنية تحتية للأنفاق وهدم منازل - «يفسر في القاهرة على أنه استعداد لترسيخ وجود عسكري طويل الأمد في غزة، ما دفع مصر إلى التحرك الدبلوماسي العاجل باتجاه واشنطن»، وفق القناة العبرية.

وأكد نائب مدير المخابرات الحربية ورئيس جهاز الاستطلاع السابق بمصر، لواء أركان حرب أحمد كامل، أن «مصر غاضبة بشدة من محاولات إسرائيل التملص من التزامها بخطة السلام المتفق عليها، وتحركاتها في المنطقة الصفراء توحي برغبتها في تثبيت وجود عسكري دائم في غزة وقرب الحدود المصرية، مما يمثل تهديداً للأمن القومي المصري».

مصادر تتحدث عن اشتراطات مصرية لعقد قمة بين السيسي ونتنياهو (إعلام عبري)

كامل، وهو مستشار بالأكاديمية العسكرية المصرية للدراسات العليا والاستراتيجية قال لـ«الشرق الأوسط»: «الموقف المصري واضح ومحدد وثابت في عده قضايا رئيسية تخص الأمن القومي المصري، ويقوم على أن السلام هو الهدف الرئيسي والاستراتيجي للسياسة الخارجية المصرية، واحترام مصر للاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، خصوصاً اتفاقيه السلام الموقعة عام 1979، والملحق العسكري المرفق بالاتفاقية وتعديلاته الخاصة بزيادة أعداد القوات المسلحة المصرية في سيناء، وضرورة احترام إسرائيل للاتفاقيات الموقعة بين الجانبين».

وأوضح أن «هناك اشتراطات مصرية للتهدئة مع إسرائيل تتعلق بتنفيذ اتفاق غزة طبقاً لمبادرة الرئيس الأميركي ترمب بمراحلها المختلفة، والبدء فوراً في المرحلة الثانية دون عرقلة أو أسباب واهية، مع التأكيد على تثبيت وقف إطلاق النار الدائم والتحول إلى مرحلة السلام، وقيام إسرائيل بالتنفيذ الدقيق للاتفاقية ودخول المساعدات الإنسانية بالكميات المتفق عليها، وفتح معبر رفح في الاتجاهين».

ومن الشروط كذلك بحسب كامل، «رفض مصر الهجرة القسرية أو الطوعية لسكان قطاع غزة، وكذلك الإجراءات الإسرائيلية بالضفة الغربية الخاصة بإقامة المستوطنات وضم الضفة الغربية لإسرائيل، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من كامل أراضي القطاع بما فيها محور فيلادلفيا والعودة لحدود 7 أكتوبر 2023، والتأكيد أن الوجود الإسرائيلي الحالي هو وضع مؤقت مرهون بتطور تنفيذ مراحل الاتفاق، وأن الخطوط الملونة ومنها الخط الأصفر، هي خطوط وهمية لا يعتد بها».

الشرط الرابع، وفق كامل، متعلق بـ«مدى تجاوب نتنياهو وحكومته مع المطالب العربية الواضحة في المبادرة العربية، والخاصة بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، والشروع والموافقة على حل الدولتين وعدم التهجير للفلسطينيين؛ سواء بغزة أو الضفة، وإبداء النوايا الحسنة الخاصة بحسن الجوار وعدم الاعتداء، والتجاوب مع المطالب الدولية الخاصة بإخلاء المنطقة من التهديد بالسلاح النووي، وانضمام إسرائيل للاتفاقيات الدولية بذات الشأن».

مسلحون من «حماس» يرافقون أعضاء «الصليب الأحمر» نحو منطقة داخل «الخط الأصفر» الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية في مدينة غزة (أرشيفية - رويترز)

ويعتقد أن «مصر لن تتجاوب مع المساعي الأميركية والإسرائيلية الخاصة بعقد اجتماع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، دون تقديم إسرائيل مبادرة واضحة ومحددة لرغبتها في السلام واستقرار المنطقة، وتكون قابلة للتنفيذ».

وذكرت التقارير الإسرائيلية أن الولايات المتحدة حاولت فعلياً تنظيم قمة ثلاثية في واشنطن؛ بين السيسي ونتنياهو بحضور ترمب، لكن الفكرة ارتطمت بجدار الشروط المصرية التي وصفها الإعلام العبري بـ«غير المقبولة» من وجهة النظر الإسرائيلية، لكن التقارير ذاتها أشارت إلى أن القاهرة تتوقع أن يمارس ترمب ضغوطاً خلال لقائه المرتقب مع نتنياهو في فلوريدا نهاية الشهر الحالي، لـ«كبحه» والحد من خطواته في غزة.

وقال رئيس الأركان السابق للجيش المصري، اللواء سمير فرج، إن «هناك تعويلاً كبيراً على القمة التي ستعقد بين ترمب ونتنياهو ومخرجاتها، وإن ترمب بالقطع سيضغط على نتنياهو للالتزام بخطة السلام في غزة، التي تحمل اسم ترمب شخصياً».

ونوه فرج في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن مصر ستقيم الموقف في إطار ما ستتمخض عنه قمة ترمب ونتنياهو، ولكن في الوقت ذاته، فإن موقفها واضح وثابت في أنها لا تقبل أبداً بتثبيت الوجود العسكري الإسرائيلي في الخط الأصفر، أو في أي منطقة من غزة، وكل ما تفعله حكومة نتنياهو تدرك القاهرة تماماً أنه محاولة لعرقلة خطة السلام التي تنص على الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من جميع أراضي غزة.