سلطات الجزائر تواصل ملاحقة {رموز الفساد}... وتفرج عن متظاهرين

رئيسة «حزب العمال» تلجأ للقضاء لإبراء ذمتها

TT

سلطات الجزائر تواصل ملاحقة {رموز الفساد}... وتفرج عن متظاهرين

في سياق الملاحقات القضائية لرموز الفساد في الجزائر، اعتقلت أمس قوات الأمن، بناءً على أوامر من قاضي التحقيق بمحكمة في العاصمة، رجل الأعمال الشهير العيد بن عمر، و30 شخصاً آخر، أغلبهم أطر عليا بمؤسسات مصرفية حكومية. وأفادت مصادر قضائية بأن اعتقالهم يعد باكورة تحقيقات متواصلة منذ شهور حول شبهات «تبديد أموال عامة»، و«تحويل أراضٍ زراعية إلى استثمارات صناعية»، وهو ما يعتبر جرماً حسب القوانين.
واستفاد بن عمر، مالك مجمع للصناعات الغذائية، من قروض بمئات الملايين من الدينارات، حسب مصادر قضائية أكدت أنها كانت بمثابة «معاملة تفضيلية» لرجل الأعمال، وتمت لصالحه بفضل تدخل جهات نافذة بالدولة في عهد الرئيس السابق. وكانت هذه الممارسات غير القانونية سبباً في سجن الكثير من رجال الأعمال، ثلاثة منهم في ملف ما يعرف بـ«تركيب السيارات»، وذلك بعد حصولهم أيضاً على امتيازات بفضل قربهم من صانع القرار آنذاك.
كما عاد أمس ملف «تركيب السيارات» إلى المحاكم بتنظيم جلسة في محكمة الاستئناف بالعاصمة. لكن القاضي أجّل الفصل في القضية إلى 26 من الشهر الحالي، تحت إلحاح دفاع المتهمين، الذي ذكر بأنه «لم يكن لديه الوقت الكافي لدراسة القضية».
وأصدرت محكمة الجنح أحكامها في هذا الملف عشية الاستحقاق الرئاسي، حيث نال المتهمون عقوبات قاسية، وأهمهم رئيسا الوزراء سابقاً أحمد أويحيى (15 سنة) وعبد المالك سلال (12 سنة)، ووزيرا الصناعة سابقاً يوسف يوسفي ومحجوب بدة (10 سنوات لكليهما). كما أدان القضاء وزير الصناعة الأسبق عبد السلام بوشوارب غيابياً بـ20 سنة سجناً، وتم إطلاق مذكرة اعتقال دولية ضده.
في غضون ذلك، برأت أمس محكمة بغرب الجزائر 30 ناشطاً بالحراك من تهمة «عرقلة تنظيم الانتخابات الرئاسية»، التي جرت في نهاية العام الماضي، وانفجرت محكمة عين تيموشنت (400 كلم غرب العاصمة) بالزغاريد وترديد الشعارات المؤيدة للحراك الشعبي، من طرف أفراد عائلات المتظاهرين، أغلبهم في العشرينات، بمجرد سماعهم القاضي وهو ينطق بالبراءة. وجرى اعتقال الأشخاص الثلاثين أثناء حملة «رئاسية» 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي؛ بسبب تنظيم مظاهرات معادية لمترشحين للانتخابات، جاءوا إلى المدينة في إطار الدعاية الانتخابية.
واحتج محامون وناشطون سياسيون على اتهامهم بـ«عرقلة تنظيم الانتخابات»، ونفوا أي أثر لها (التهمة) في القانون الجنائي الجزائري، مطالبين بإلغائها. غير أن النيابة أصرت على الاحتفاظ بها في بداية القضية، وجرى ذلك في أجواء من التوتَر والانقسام داخل المجتمع بين مؤيد ورافض للانتخابات، التي أفرزت عبد المجيد تبون، رئيس وزراء بوتفليقة سابقاً، رئيساً للجمهورية.
ومنذ أسابيع بدأ ملف «معتقلي الحراك» يعرف انفراجاً ملحوظاً؛ وذلك بعد عودة العشرات منهم إلى الحياة العادية، إثر استنفاد عقوبتهم السجنية، وتبرئة آخرين من التهمة. في حين يظل في السجون عشرات المعتقلين، بينهم كتاب وصحافيون وناشطون وسياسيون، وما يعرف بـ«حاملي راية الأمازيغ»، الذين أمر قايد صالح، قائد الجيش المتوفى بعد 11 يوماً من انتخابات الرئاسة، بسجنهم.
لكن اللافت الآن، حسب بعض المراقبين، هو أن السلطات الجديدة تريد التخلص من هذا العبء الثقيل، على سبيل طمأنة الرأي العام بأن الجزائر «دخلت عهداً جديداً»، بحسب ما تعهد به تبون في حملته الانتخابية.
إلى ذلك، قالت لويزة حنون، رئيسة «حزب العمال» التي غادرت السجن ليل الاثنين بعد نفاد عقوبتها، لـ«الشرق الأوسط»، إن محاميها أودع طعناً بالنقض لدى «المحكمة العليا» لإلغاء تهمة «عدم التبليغ عن الجريمة»، التي على أساسها أدانها القضاء العسكري بثلاث سنوات سجناً، 9 أشهر منها مع التنفيذ.
وكانت لويزة قد قضت هذه المدة في السجن بعد إدانتها بالمحكمة العسكرية الابتدائية بـ15 سنة سجناً، إثر اتهامها بـ«التآمر على سلطة الجيش»، و«التآمر على الدولة»، لكن «مجلس الاستئناف العسكري» ألغى التهمتين وأعاد تكييف القضية على أساس «عدم التبليغ».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».