أثار الهجوم الذي شنّه عناصر «القبعات الزرق»، التابعة لـ«التيار الصدري»، ليل أول من أمس (الأربعاء)، على المعتصمين في ساحة الصدرين بمحافظة النجف، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 7 متظاهرين وعشرات الجرحى، موجة غضب واستنكار واسعين، خصوصاً في صفوف الطلبة الذين خرج الآلاف منهم، أمس، بحشود غاضبة في ساحة التحرير وسط وبغداد، وفي النجف حيث وقعت المجزرة، وبقية محافظات وسط البلاد وجنوبها.
وفي حين هتف متظاهرون في النجف قائلين إن «الساحة لنا، ولن نعطيها»، في إشارة إلى محاولة أتباع الصدر السيطرة عليها، ردد طلبة غاضبون في البصرة هتاف: «حرقوا خيم الأحرار... أرض النجف حمرة (حمراء)».
وتزامن تشييع النجف أبناءها القتلى أمس مع انتقال المواجهات بين المحتجين وأنصار مقتدى الصدر إلى مدينة كربلاء (100 كلم جنوب بغداد)، حيث تحدث ناشطون عن إطلاق النار على المحتجين، ومحاولة إحراق خيامهم في محاولة لطردهم من ساحة الاعتصام. وأشارت «وكالة الصحافة الفرنسية» إلى انطلاق مظاهرة في كربلاء للتنديد بأحداث النجف الدامية، مضيفةً أن المتظاهرين طالبوا القوات الأمنية بحماية ساحات الاحتجاج، وحصر السلاح بيد الدولة.
وليس واضحاً كيف اندلعت المواجهات بين المحتجين وأنصار مقتدى الصدر من أعضاء «القبعات الزرق»، لكن مصدراً أمنياً قال لاحقاً إن قوات الأمن تمكنت من السيطرة على الوضع قرب ساحة التربية وسط كربلاء، وفضّت الاشتباكات بين المتظاهرين والقبعات الزرق.
وفي الناصرية، نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن المتظاهر عدنان ظافر الذي يواصل احتجاجه منذ أشهر، قوله إن الهجوم الذي وقع، مساء الأربعاء، في النجف، بمثابة استمرار منطقي لأربعة أشهر من حملات القمع والتخويف التي يقوم بها المهاجمون الذين لم تستطع الدولة حتى الآن تحديد هويتها، لكن الأمم المتحدة وصفتهم بـ«ميليشيات». وفي الديوانية، خرجت مظاهرة طلابية مناهضة للصدر وهادي العامري أحد كبار قيادات «الحشد الشعبي» الموالي لإيران، وهتف المشاركون فيها «لا مقتدى ولا هادي، تبقى حرة بلادي»، بحسب الوكالة الفرنسية التي ذكرت أن المحتجين في هذه المدينة يخشون أن يتكرر سيناريو النجف، حيث هاجم أنصار الصدر بعد ظهر الأربعاء ساحة الاعتصام الرئيسية للمتظاهرين المناهضين للسلطة قبل احتلاله، أمس (الخميس)، والتمركز وسط أنقاض الخيام التي أحرقت في الليل، وفق ما قال صحافيون لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».
وتابعت الوكالة أن هذا العنف لا يقوّض تصميم المتظاهرين على ما يبدو. ففي ميدان التحرير ببغداد، قالت طيبة، طالبة الإعدادية في بغداد، وهي تلفّ العلم العراقي حول كتفيها: «لقد اعتدنا ذلك، لكننا أكثر تصميماً من قبل... كان الطلاب يخرجون مرة في الأسبوع للمظاهرات، والآن أصبحت ثلاث مرات».
في غضون ذلك، ونتيجة التحولات الشديدة في مواقف زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، حيال الحراك الاحتجاجي، سرت في الأيام الأخيرة تكهنات، نفاها مؤيدون للصدر، باحتمال خضوعه لإقامة جبرية في إيران، وتحكّم الإيرانيين بمجمل التعليمات الصادرة لأتباعه بشأن شن هجمات على ساحات الاعتصام.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي بيانات ومناشدات من شباب ينتمون إلى التيار الصدري، وموجهة إلى مقتدى الصدر نفسه لمطالبته بتوجيه كلمة متلفزة إلى الشعب العراقي، للتأكد من عدم خضوعه للإقامة الجبرية في إيران (حيث يدرس في قم)، وأن تغريداته عبر «تويتر» صادرة فعلاً عنه. لكن أطرافاً مؤيدة للصدر تنفي قصة الإقامة الجبرية جملة وتفصيلاً وتعدها نوعاً من حملات الاستهداف التي يتعرض لها الصدر، وتشير إلى أن أسباباً كثيرة دفعته إلى مغادرة العراق إلى إيران، وضمنها إكمال دراسته الدينية هناك.
وأثار حادث النجف الذي تورط به أتباع الصدر، حالة غضب وإدانات من السفارات والبعثات الدبلوماسية والشخصيات السياسية والثقافية في بغداد.
وفي هذا الإطار، وجّه رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي بتشكيل لجنة تحقيق بأحداث النجف، فيما لوّح رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي بالاعتذار عن مهمة تشكيل الحكومة، في حال استمرار العنف ضد المتظاهرين. وقال علاوي في كلمة موجّهة للشعب إن «ما حدث من أوضاع مؤسفة ومؤلمة في اليومين الأخيرين، مؤشّر خطير على ما يحدث، وما يُمكن أن يحدث، من سقوط شهداء وجرحى» في ساحات الاحتجاج، مشيراً إلى أن «هذا الوضع ليس مقبولاً بالمرّة، وأن مَن في الساحات هم أبناؤنا السلميّون، الذين يستحقّون كلّ تقدير واحترام، وواجبنا خدمتهم وسماعُ صوتِهم، لا أن يتعرّضوا للقمع والتضييق». ولفت إلى أن «الممارسات هذه تضعنا في زاوية حرجة، لا يُمكن حينها الاستمرار بالمهمة الموكلة إلينا مع استمرار ما يتعرض له الشباب».
أما رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، فعبّر عن مساندته لاستمرار المظاهرات السلمية، وحمايتها من أجل إجراء إصلاحات جوهرية. واعتبر في تغريدة أن «الجماهير سيدة نفسها، لا وصاية عليها، ستنتصر إرادة الشعب رغم القتل والتنكيل والتخويف».
وحذّر نائب رئيس مجلس النواب بشير خليل الحداد من خطورة تفاقم الأوضاع في النجف، بعد الهجمات التي شنّت على المتظاهرين، التي راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح. كذلك حمّل بيان صادر عن 13 عشيرة في محافظة ذي قار مقتدى الصدر مسؤولية إراقة الدماء، في حال استمر اتباعه بمهاجمة ساحات التظاهر.
وطالب العشائر الصدر، في بيان، بأن «لا يكون طرفاً في إراقة دماء أبنائنا في المحافظة، وعدم زج أبناء مدينتنا في قتال وصراع أهلي لمصالح شخصية وسياسية، لذا ندعوه إلى سحب أتباعه، وعدم التحريض بين أبناء المدينة، وجعل الأمن بيد القوات الرسمية الحكومية». وأضاف البيان: «نرجو احترام كرامة الدم العراقي، والابتعاد عن المصالح الشخصية والسياسية، وإلا فستكون أنت (الصدر) المسؤول الأول عن أي إراقة دماء لأبنائنا».
وفي الإطار ذاته، أدانت السفارة الأميركية في بغداد اعتداء النجف. وذكر مكتب المتحدث الرسمي باسم السفارة، في بيان، أن «سفارة الولايات المتحدة في بغداد تدين بشدة الهجوم الوحشي الذي حصل في مدينة النجف الأشرف... الذي أدى إلى مقتل وجرح عدد من المتظاهرين السلميين». وأضاف أنه «من المؤسف أنه لا يزال يُسمح للجماعات المسلحة بانتهاك سيادة القانون بالعراق مع الإفلات من العقاب ضد المواطنين السلميين». وأشار إلى أن «الحكومة العراقية وقواتها الأمنية يقع على عاتقها وضع حد لهذه البلطجة، التي تشمل خطف واغتيال الناشطين المدنيين والصحافيين، وكذلك الضرب واستخدام الذخيرة الحية وحرق الخيام في المظاهرات السلمية».
كما أدانت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) أحداث النجف، وقالت رئيسة البعثة والممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، جينين هينس بلاسخارت، عبر تغريدة في «تويتر»: «ندين بشدة أعمال العنف والعدد الكبير من الضحايا في النجف الليلة (قبل) الماضية، يجب ضمان حماية المتظاهرين المسالمين في جميع الأوقات، وليس عندما يفوت الأوان». وقال سفير الاتحاد الأوروبي في بغداد، السفير مارتن هوت، إن «الترهيب والعنف ضد المتظاهرين على أيدي عناصر مسلحة، الذي تسبب بوفيات، ليلة (أول من) أمس، في النجف، أمر غير مقبول، ولا بد من تحديد الجُناة ومحاسبتهم».
أما السفير البريطاني في بغداد، ستيفن هيكي، فعبّر عن شعوره بـ«الصدمة»، وقال، في تغريدة، هو الآخر: «صدمتُ بسبب استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين في النجف، إن من الأولويات الضرورية للحكومة الحالية والحكومة القادمة إنهاء العنف الجاري، وحماية المتظاهرين السلميين، ومحاسبة مرتكبي الجرائم».
من جهة أخرى، وفي حادث آخر، في غضون أقل من يوم، أفاد مصدر أمني في محافظة البصرة، أمس، باغتيال القيادي في «سرايا السلام» التابعة للصدر الشيخ حازم الحلفي. وقال المصدر إن «حازم الحلفي يعمل موظفاً في وزارة الزراعة، وكان يستقل سيارة نوع (بيك آب) ذات لوحة تسجيل حكومية تابعة لدائرة الري أثناء عملية الاغتيال». وكانت جماعة مجهولة اغتالت، أول من أمس، القيادي الصدري أبو مقتدى الازيرجاوي، في محافظة ميسان.
النجف تشيّع قتلاها والمواجهات تنتقل إلى كربلاء
إدانات محلية ودولية لاعتداء أنصار الصدر على المحتجين... وعلاوي يلوّح بالانسحاب
النجف تشيّع قتلاها والمواجهات تنتقل إلى كربلاء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة