حروب اليمين واليسار ومعركة الرئاسة المقبلة تتصدر الصحافة الفرنسية

الهجوم المسلح في كندا يفرض نفسه بقوة * الاقتصاد والقضايا الأمنية ما زالت المسائل المحببة لدى الصحف البريطانية

حروب اليمين واليسار ومعركة الرئاسة المقبلة تتصدر الصحافة الفرنسية
TT

حروب اليمين واليسار ومعركة الرئاسة المقبلة تتصدر الصحافة الفرنسية

حروب اليمين واليسار ومعركة الرئاسة المقبلة تتصدر الصحافة الفرنسية

توزعت اهتمامات الصحافة الفرنسية هذا الأسبوع على 3 محاور أساسية: الاهتمامات الداخلية بشقيها السياسي والاقتصادي والمحاور الساخنة في العالم وعلى رأسها مواجهة الإرهاب وتمدده من الشرق الأوسط وامتداداته إلى بلدان الساحل وصولا إلى أوروبا وأميركا الشمالية وتشعبات الحرب في سوريا والعراق وأخيرا وباء الإيبولا ومخاطره والوسائل والأدوات المسخرة لمواجهته ومنع انتشاره.
بيد أن الاهتمامات الداخلية كان لها قصب السبق. ففي الشق السياسي، المرجل يغلي في صفوف الحزب الاشتراكي (الحاكم) بسبب الانقسامات الآيديولوجية بين جناح إصلاحي يمثله رئيس الحكومة مانويل فالس ووزير الاقتصاد ماكرون ويحظى بغطاء من الرئيس فرنسوا هولاند وبين جناح تقليدي متمسك بيساريته ناقم على هولاند لأنه تخلى عن وعوده وها هو يتبع سياسة «يمينية». وذهب فالس إلى حد اقتراح تغيير اسم الحزب الاشتراكي لأن التسمية «عفا عنها الزمن». وفي الأيام الماضية انضمت الوزيرة السابقة والأمين العام السابق للحزب مارتين أوبري إلى حلقة «الناقمين» وبينهم نواب كانوا إلى أيام خلت وزراء في حكومة فالس الأولى للتنديد بالسياسة «اليبرالية» للحكومة التي يصفونها بـ«الفاشلة» والبعيدة عن تحقيق النتائج المتوخاة منها. ويدعو معسكر «الناقمين» إلى اتباع سياسة يسارية حقيقية تتجاوب مع الفئات التي تشكل القاعدة الانتخابية للاشتراكيين. وما يفاقم الأزمة غياب النمو الاقتصادي واستمرار أرقام البطالة بالقفز إلى فوق «3.5 مليون عاطل عن العمل» واتباع الحكومة لسياسة تقشفية وارتفاع الضرائب...
وصدرت صحيفة «لوموند» المستقلة يوم الخميس بعنوان رئيس على صفحتها الأولى يقول: «معركة ما بعد هولاند بدأت داخل الحزب الاشتراكي» فيما وضعت مجلة «لو بوان» على غلافها صورة هولاند مع العنوان التالي: «فرصته الأخيرة قبل الصدمة» مصحوبة بـ3 عناوين فرعية: الأزمة الاقتصادية المنذرة بالمخاطر، آخر أوراق هولاند ولعنة الإليزيه». والمفارقة أن هولاند ما زال في منتصف ولايته التي تنتهي بعد عامين ونصف. والحال أن معركة انطلقت بسبب ضعفه الشعبي كما تعكسه استطلاعات الرأي وغياب نتائج الإصلاحات التي أقرها منذ وصوله إلى الرئاسة وتدهور صورة الحكم والحكومة في الداخل والخارج. ولعل أبرز دليل على ذلك أن كافة الصحف الفرنسية رصدت مكانا بارزا لنبأ توجيه المفوضية الأوروبية كتابا للحكومة الفرنسية تطلب فيه توضيحات عن طبيعة الميزانية الجديدة التي ترى أنها لا تحترم المعايير الأوروبية لجهة العجوزات.
لكن إذا كان اليسار يتمزق، فإن اليمين ليس أفضل حالا. فالرئيس السابق نيكولا ساركوزي يتأهب للعودة رئيسا لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية. ومشكلته أنه يجر وراءه سيلا من الفضائح منها 5 رئيسة وأن له منافسين على رئاسة الحزب من جهة وخصوصا على المقعد الرئاسي الذي لن يشغر إلا في عام 2017. ومن بين منافسيه على التأهل للمنافسة الرئاسية رئيسا حكومة سابقان هما آلان جوبيه وفرنسوا فيون. بيد أن الأخطر بينهما هو جوبيه لأنه يحظى باحترام كبير في صفوف اليمين ويتبع نهجا معتدلا بينما أخذ ساركوزي يذهب في خطابه السياسي نحو التشدد لسحب البساط من تحت أرجل مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن. وصدرت مجلة الإكسبرس هذا الأسبوع وعلى غلافها صورة مركبة تجمع ساركوزي وجوبيه ومع عنوان: «من سيجهز على الآخر؟».
و استمرت الصحف البريطانية بتغطيتها للقضايا الاقتصادية والأمنية والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي، ونشرت تحقيقات صحافية حول قضايا التنصت الأمني واختراق الأجهزة الأمنية للمنظمات اليسارية. وجاءت التغطية متنوعة ومختلفة بين صحيفة وأخرى لتعكس ميولها السياسية والآيديولوجية. كما تضمنت التغطية المسائل الترفيهية الخفيفة والتي جاءت من خلال نشر صور الممثلين وأفلامهم. لكن أحداثا أخرى جديدة فرضت نفسها على التغطية مثل الهجوم المسلح في كندا وسط الأسبوع.
إذ تصدر الهجوم على مبنى البرلمان الاتحادي الكندي في أوتاوا التغطية في الصحف البريطانية بعد ثاني يوم من وقوع الحادث، بعدما أطلق مسلح النار على جندي عند نصب الحزب الوطني الكندي الواقع في الجهة المقابلة للبرلمان. وتمكن المسلح من الفرار وجرى البحث عنه بين المباني الحكومية الكندية. وتناولت الصحف الدعم الذي عبر عنه العديد من قادة العالم تجاه ما تمر به كندا. وفي الصفحات الداخلية أفردت الصحف بإسهاب تحقيقات وتغطية كاملة حول العملية والشخص الذي قام بها. كما دقت ناقوس الخطر بخصوص أعمال إرهابية مشابهة من قبل عناصر متطرفة قد تقوم بأعمال في مناطق أخرى من العالم.
ونالت المسائل الاقتصادية نصيبها من التغطية، خصوصا إعلان بنك إنجلترا بأنه قد لا يزيد من رفع محتمل لمعدلات الفائدة والتي وصلت إلى أدنى معدل لها منذ 5 أعوام.
واعتبر الركود في أوروبا يعيق الانتعاش الاقتصادي في بريطانيا، وكذلك توقعات البنك المركزي بتراجع نسبة نمو الاقتصاد خلال الثلاثة شهور الأخيرة من العام، ويرجع ذلك جزئيا لانخفاض الصادرات. وبينت الصحف أن تراجع الصادرات يبرز الخطورة المتمثلة في أنه سوف يكون من الصعب على اقتصاد المملكة المتحدة أن ينمو بوتيرة أسرع من بقية الشركاء التجاريين خلال فترة طويلة دون زيادة نسبة عجز الموازنة.
وفي بداية الأسبوع تناولت صحيفة «التايمز» قضايا التنصت، التي قد تلجأ إليها الأجهزة الأمنية والشرطة من خلال استخدام بعض الثقوب في القانون يعطيها الحق في التنصت على التليفونات الجوالة لبعض الأشخاص دون الرجوع إلى وزير الداخلية من أجل الحصول على تخويل يسمح لهم بذلك.
وفي نفس عدد الاثنين تناولت الصحيفة تصريحات المفوض الأوروبي منويل باروسو حول الجوانب السلبية التي تتبعها الحكومة البريطانية والتي قد تؤدي إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتداعيات ذلك على مشروع الاتحاد الأوروبي وعلى الاقتصاد البريطاني.
وتناولت كذلك صحيفة «الديلي تلغراف» المحافظة في عدد الجمعة الماضية العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكيف أن الاقتصاد الأوروبي يؤثر بذلك على النمو المتسارع للاقتصاد الأوروبي. الصحيفة عكست توجه التيار المحافظ الذي يرغب في خروج بريطانيا من الاتحاد. كما قامت الصحيفة بتغطية موسعة للحفل الثالث لزواج الممثل كلوني من المحامية اللبنانية أمل علم الدين. وعلى صفحتها في عدد السبت الماضي نشرت الصحيفة صورة على صفحتها الأولى لبارعة علم الدين، والدة أمل حماة جورج كلوني.
صحيفة «الغارديان» ركزت في تغطيتها على التعويضات التي ستدفعها الشرطة لضحايا نشاطات عملائها في أوساط المنظمات اليسارية والبيئية، والتي جاءت على خلفية فضح هوية أحد هؤلاء، والذي أقام علاقة مع إحدى الفتيات وكانت النتيجة أنها حملت منه وأنجبت طفلا، على الرغم من أنها لم تكن على علم بارتباطات العميل مع الأجهزة الأمنية. كما تناولت الصحيفة بتغطية موسعة ما يحصل عليه أعضاء البرلمان من أموال نتيجة نشاطاتهم الأخرى إضافة إلى عملهم كأعضاء في مجلس العموم ورواتبهم من هذا العمل.
ومع بداية الأسبوع الماضي، اهتم الإعلام الأميركي، كما ظل بالحرب ضد «داعش»، بصورة خاصة وبنشاطات الإسلاميين، بصورة عامة. وبعد إهمال فترة طويلة صار هناك اهتمام بالحرب الأهلية في ليبيا، بين «الحكومة الجديدة المعتدلة»، وأنصار «الحكومة القديمة الإسلامية» وصف صحيفة «نيويورك تايمز». والتي أشارت إلى أن «القوات الموالية للحكومة الجديدة شنت هجوما على متشددين إسلاميين، مما أسفر عن قتل 75 خلال 5 أيام».
وعن «داعش»، قالت صحيفة «واشنطن بوست» التي تنشر متوسط 3 أخبار كبيرة أو متوسطة الحجم، كل يوم عن المسلمين والإسلاميين، إن «تركيا سوف تسمح للأكراد الأتراك بعبور الحدود والانضمام إلى إخوانهم في مدينة كوباني السورية (الكردية)»
ومع بداية الأسبوع اهتمت القنوات التلفزيونية، مع صور الملابس البراقة للبابا والقساوسة، ومع صور الأماكن الدينية في الفاتيكان بمؤتمر الكاردينالات، الذي كان موضوعه التحديات التي تواجه العائلة المسيحية. وأيضا مناظر براقة لقداس لإعلاء مكانة البابا قبل السابق بول السادس. حضر الاحتفال الباب السابق بنديكتوس السادس عشر، وقرابة 100 ألف شخص. وكان هناك اهتمام خاص بوثيقة مثيرة للنقاش عن السلوك الجنسي للكاثوليك.
وفي منتصف الأسبوع مع أخبار مرض إيبولا، وأخبار الاستعدادات لانتخابات الكونغرس، عادت إيران إلى تلفزيون «فوكس» اليميني، أكثر القنوات اهتماما بإيران. ونشرت صور متظاهرين ضد إصابة نساء بجروح في هجمات بأحماض قاتلة ومشوهة بتهمة عدم ارتداء الحجاب.
واهتم تلفزيون «فوكس»، أيضا بالعدو الأول: روسيا. وأكثر من تغطية.
خبر غواصات سويدية اعترضت طائرات روسية فوق بحر البلطيق، بينما يستمر البحث عن غواصة روسية في بحر البلطيق، أيضا، يعتقد أنها كانت تتجسس على سفن حلف الناتو.
ومع نهاية الأسبوع، صارت الهجمات الإرهابية قريبة من الأميركيين. وذلك عندما أطلق شخص النار داخل مبنى البرلمان الكندي في العاصمة أوتاوا. بعد أن أطلق النار، وقتل جنديا كان يحرس النصب التذكاري، بالقرب من مبنى البرلمان، وكان الهجوم وقع في واشنطن. صارت قناة «سي إن إن»، وقنوات أخرى، تنقل مناظر مباشرة من أوتاوا، وخصوصا صور من داخل مبنى البرلمان لنواب ونائبات تجمعوا داخل قاعة اجتماعات، ووضعوا كراسيهم خلف الباب لمنع دخول الإرهابي (قتل داخل البرلمان).
ومع نهاية الأسبوع، أيضا، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» خبرا في أعلى الصفحة الأولى، وأعادت إلى الأذهان موضوعا كاد كثير من الناس ينسوه، أو نسوه فعلا: إدانة 4 موظفين سابقين في شركة «بلاك ووتر» في قضية تتعلق بقتل 14 مدنيا عراقيا عام 2007، اعتقادا بأنهم كانوا يريدون مهاجمة فريق من جنود وحرس «بلاك ووتر». وتعددت التعليقات بين غاضب «لأننا نريد نسيان حرب العراق»، وبين مؤيد «للذراع الطولى للعدالة الأميركية».
ومع نهاية الأسبوع أيضا عادت أخبار العنف الأميركي داخل أميركا:
في بيلشوك (ولاية واشنطن)، أطلق طالب مسلح النار على زملائه، وقتل واحدا، وجرح آخرين، ثم قتل نفسه. ومرة أخرى، كان الحادث مثيرا، ولاحقته كاميرات القنوات التلفزيونية الرئيسية، ونقلت صورا مباشرة له.
ومع نهاية الأسبوع بالإضافة إلى هلع العنف في الداخل والخارج عاد هلع إيبولا: ثبتت إصابة طبيب في مدينة نيويورك بفيروس إيبولا وكان عاد من غينيا، حيث اشترك في حملة «أطباء بلا حدود» وكأن نيويورك تحتاج إلى هلع جديد: تابعت كاميرات التلفزيونات الحدث دقيقة بدقيقة: شقة الرجل المطاعم التي أكل فيها قاعة الرياضة التي تدرب فيها، سيارات التاكسي التي استقلها (اتصل سائقون قلقون، ووصفوا شخصا، أو أشخاصا).
وبسبب الهلع، سارع العمدة وعقد مؤتمرا صحافيا، وطمأن، أو حاول أن يطمئن الناس.



«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE
TT

«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE

تعيش هوليوود واحدة من أكثر لحظاتها اضطراباً منذ عقود، بعدما تحوّلت صفقة الاستحواذ على «ورنر بروس ديسكفري» إلى مواجهة مفتوحة بين عملاق البث «نتفليكس» من جهة، والتحالف الذي تقوده «باراماونت – سكاي دانس» برئاسة ديفيد إليسون (نجل مؤسس «أوراكل» الملياردير لاري إليسون)، المدعوم بثروات هائلة وشبكة نفوذ سياسية، من جهة أخرى.

ورغم أن ظاهر المعركة تجاري بحت، فإن جوهرها يتجاوز حدود صناعة الترفيه ليصل إلى توازنات القوة الإعلامية في الولايات المتحدة، وإلى مقاربات البيت الأبيض التنظيمية، وربما حتى إلى علاقة الرئيس دونالد ترمب بعدد من هذه المؤسسات.

Paramount, Netflix and Warner Bros logos are seen in this illustration taken December 8, 2025. REUTERS/Dado Ruvic/Illustration

أهمية «ورنر بروس»

تعد «ورنر بروس» إحدى أثقل القلاع الثقافية والإعلامية في العالم. فإلى جانب تاريخها السينمائي العريق، تمتلك الشركة واحدة من أضخم مكتبات المحتوى التي تضم أعمالاً من «هاري بوتر» و«دي سي كوميكس» و«غيم أوف ثرونز»، إضافة إلى شبكة «إتش بي أو» ومحفظة تلفزيونية واسعة. والسيطرة عليها تمنح مالكها ثلاث ركائز جوهرية:

• محتوى ضخم عالي القيمة قادر على تغذية منصات البث لعقود مقبلة.

• حقوق بث وتوزيع دولية تتيح توسعاً كبيراً في الأسواق العالمية.

• تكامل رأسي كامل يجمع بين الإنتاج والتوزيع والبث، ويخلق قوة سوقية استثنائية.

من هنا، فإن فوز «نتفليكس» أو «باراماونت» بالاستوديو يعني تغيّراً جوهرياً في المشهد العالمي، وظهور كيان يتجاوز في وزنه معظم الشركات الإعلامية الحالية.

"باراماونت" تخوض سباقاً مع "نتفليكس" لشراء "ورنر بروس" (أ.ف.ب)

صفقة نتفليكس و«قلق» البيت الأبيض

أعلنت «نتفليكس» قبل أيام التوصل إلى اتفاق مبدئي لشراء معظم أصول «ورنر بروس ديسكفري» مقابل 83 مليار دولار (عرضت فيها 27.75 دولار للسهم)، مع إبقاء «سي إن إن» والقنوات الإخبارية والرياضية ضمن شركة مستقلة تدعى «ديسكفري غلوبال».

عدّ كثيرون الخطوة منطقية: توحيد أكبر منصة بث في العالم مع واحد من أضخم الاستوديوهات، ما يخلق عملاقاً يصعب منافسته. لكن العامل السياسي دخل ساحة المعركة بقوة. فقد صرّح الرئيس ترمب بأنه سيكون «منخرطاً» في تقييم الصفقة، ملمّحاً إلى أن الحصة السوقية لـ«نتفليكس» قد تشكل «مشكلة».

ورغم ثنائه على تيد ساراندوس، الرئيس التنفيذي المشارك للمنصة، فإن تلويحه بالتدخل التنظيمي ألقى ظلالاً من الشك على الصفقة، خصوصاً أن عرض «نتفليكس» يجمع بين النقد والأسهم، ما يعرّضه لتدقيق احتكاري واسع.

باراماونت.. عرض «عدائي» ونقد أكثر

لم تتأخر «باراماونت – سكاي دانس» في الرد. فبعد ساعات من إعلان «نتفليكس»، أطلقت عرضاً عدائياً مباشراً للمساهمين بقيمة 108.4 مليار دولار، وبسعر 30 دولاراً للسهم، أي أعلى بكثير من عرض منافستها.

ويمتاز عرض «باراماونت» بأنه أكثر نقداً وتمويلاً مباشراً، مدعوماً من ثروة عائلة إليسون وصناديق «ريدبيرد» و«أفينيتي بارتنرز»، إضافة إلى ثلاثة صناديق سيادية عربية (السعودية، الإمارات، قطر) تشارك بتمويل بلا حقوق حوكمة. ووفقاً لمصادر في الشركة، فإن عرضها «أكثر يقيناً وسرعة في التنفيذ»، مقارنة بعرض «نتفليكس» الذي يتوقع أن يواجه تدقيقاً احتكارياً وتنظيمياً معقداً.

البعد السياسي للصراع

على الرغم من محاولة الطرفين الظهور وكأن معركتهما تجارية بحتة، فإن السياسة حاضرة بكل ثقلها. ويلعب جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترمب، دوراً محورياً بصفته شريكاً مالياً في عرض «باراماونت» عبر «أفينيتي بارتنرز». وتحدثت تقارير بريطانية عن وعود من «باراماونت» بإجراء تغييرات جذرية في «سي إن إن» في حال فوزها، وهو ما يمنح الصفقة بعداً سياسياً حساساً.

في المقابل، ينتقد ترمب «باراماونت» و«سي بي إس» التابعة لها بسبب خلافات مع برنامج «60 دقيقة». ومع ذلك، صعّد ترمب هجومه المباشر على «سي إن إن»، مطالباً بتغيير مالكيها كجزء من أي صفقة لبيع «ورنر». وقال في اجتماع بالبيت الأبيض: «لا أعتقد أنه يجب السماح للأشخاص الذين يديرون (سي إن إن) حالياً بالاستمرار. يجب بيعها مع باقي الأصول». كما أكد أنه سيشارك بنفسه في قرار الموافقة على الصفقة، في خروج غير مألوف عن الأعراف التنظيمية.

هذا التناقض يكشف عن صراع مفتوح على النفوذ الإعلامي، قد يؤثر على القرار النهائي أكثر من معايير الاحتكار ذاتها، رغم أن اكتمال أي من الصفقتين، سيؤدي إلى ولادة عملاق إعلامي فائق.

منصتان فائقتان

اندماج «نتفليكس ورنر بروس» سيخلق أكبر منصة بث ومكتبة محتوى في العالم، تفوق «أمازون برايم» و«ديزني» مجتمعتين في حجم الاشتراكات والمحتوى الأصلي والحقوق. أما اندماج «باراماونت ورنر بروس» فسيكوّن أكبر استوديو سينمائي - تلفزيوني متكامل، يضم «سي بي إس» و«باراماونت» و«إيتش بي أو» و«سي إن إن» (في حال لم تُفصل)، ما يجعله النسخة الحديثة من «استوديو هوليوودي شامل». وسيعد الكيان الناتج عن أي من الصفقتين الأكبر عالمياً في مجال الإعلام والترفيه، لكن بدرجات مختلفة: «نتفليكس» ستتربع على قمة البث، و«باراماونت» على قمة الإنتاج التقليدي والخبري.

لكن المخاطر كبيرة أيضاً. فوفق محللين، قد يبتلع الاستوديو إدارة «نتفليكس» ويستهلك طاقاتها، بينما يخشى البعض من تراجع نوعية المحتوى إذا خضعت المكتبة الضخمة لمنهج المنصة القائم على الكميات الكبيرة.

ويتفق خبراء على أن كلا العرضين يواجه عوائق تنظيمية ضخمة، لكن الخطر الأكبر ليس تنظيمياً، بل سياسي، كما قال وليام باير، المدير السابق لقسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل. وقال لصحيفة «واشنطن بوست»: «المشكلة الحقيقية هي إن كانت القرارات ستُبنى على اعتبارات قانونية أم على مصلحة الرئيس».

بالنسبة لمحطة «سي إن إن» التي يناهضها ترمب علناً، فستكون مع عرض «نتفليكس»، جزءاً من شركة منفصلة لديها استقلال أكبر، بعيداً عن الصراع السياسي. وهو ما يعدّه كثير من العاملين فيها مخرجاً آمناً، بعد تخوفهم من احتمال أن تقود «باراماونت»، المتجهة نحو توجّهات محافظة، عمليات تغيير واسعة فيها. ومع ذلك، من الناحية الاقتصادية، سيكون مستقبل «سي إن إن» في شركة صغيرة تحدياً قد يقود إلى تقشف أكبر.

وفي النهاية، قد تكون القرارات السياسية هي العامل الحاسم في تحديد من سيضع يده على إرث «ورنر بروس» العريق.


قرارات «يوتيوب» حول «مراقبة المحتوى» تثير جدلاً متصاعداً

شعار «يوتيوب»         (د.ب.أ)
شعار «يوتيوب» (د.ب.أ)
TT

قرارات «يوتيوب» حول «مراقبة المحتوى» تثير جدلاً متصاعداً

شعار «يوتيوب»         (د.ب.أ)
شعار «يوتيوب» (د.ب.أ)

أثارت قرارات «يوتيوب» بشأن «مراقبة المحتوى» بالاعتماد على «نظام الإشراف القائم على الذكاء الاصطناعي في المنصة»، جدلاً متصاعداً بين صُنّاع المحتوى، بعد تكرار حالات الإغلاق المفاجئ لقنوات بـ«تهم الممارسات الخادعة وعمليات الاحتيال»، دون ردود واضحة من المنصة حول الأسباب. إذ يأتي الرد على الطعون بشكل «نمطي جاهز»، مما يعرّض قنوات بارزة للاختفاء بعد سنوات من الجهد.

واللافت أن بعض حالات حجب القنوات انتهت باستعادتها بعد لجوء صُنّاع المحتوى إلى إثارة «ضجة» على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، حسبما رصد «سيرش إنجين جورنال». من جانبها، نفت «يوتيوب»، عبر مدونتها، اتهامات «عدم الدقة»، وقالت إنها «لم ترصد أي مشكلات واسعة النطاق في قرارات إغلاق القنوات، وإن نسبة صغيرة فقط من إجراءات الإنفاذ يتم التراجع عنها».

ويرى المتخصص في الإعلام الرقمي بالإمارات، تاج الدين الراضي، أن «يوتيوب» منصة لها استراتيجية خاصة مقارنةً بالمنصات الأخرى. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «(يوتيوب) ارتبطت بالمحتوى الغني والعميق والفيديو الطويل، ومن ثم فإن أي تطوير في المنصة يجب ألا يخترق هويتها». وأضاف أن «(يوتيوب) ليست منصة تصفّح سريع بلا مضمون، فما يميزها هم صُنّاع محتوى استثمروا وقتاً وجهداً وإنتاجاً».

وعن توسّع «يوتيوب» في استخدام الذكاء الاصطناعي في «مراقبة المحتوى»، قال الراضي: «هذا الاتجاه من (يوتيوب) هو أمر مفهوم في إطار تطوير إدارة المنصة، لكن بشرط أساسي، ألا يتحول الذكاء الاصطناعي إلى نسخة جديدة من (السباق وراء السرعة) على حساب جوهر (يوتيوب)». وأشار إلى أن «أي نموذج رقابي آلي يحمل هامش خطأ عالي المستوى، وعملياً قد لا يكون عادلاً، وهنا تكلفة الخطأ كبيرة، لأنها منصة مهنية أكثر منها منصة عبور سريع».

وأثار الراضي خلال حديثه شعوراً بـ«عدم الأمان لدى صُنّاع المحتوى على (يوتيوب)» وتأثير هذه القرارات على الاستثمار في المنصة. وقال إن «مناخ عدم الأمان يدفع (اليوتيوبرز) نحو محتوى أكثر تحفظاً وأقل عمقاً، ويضعف استعدادهم للاستثمار طويل الأمد في (يوتيوب)، لأن مستقبلهم يصبح مرهوناً بقرار آلي غير متوقع».

وتحدث موقع Dexerto الإنجليزي عن حالة صانع محتوى يملك آلاف المشتركين، تم حظره بسبب تعليق لصانع المحتوى كتبه من حساب آخر عندما كان عمره 13 عاماً. ولاحقاً اعتذرت «يوتيوب» وأبلغته أن الحظر كان خطأ من جانبها.

وأعلنت «يوتيوب» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن برنامج تجريبي باسم «الفرص الثانية» يسمح لبعض المبدعين بإنشاء قنوات جديدة إذا استوفوا شروطاً محددة، وكانت قنواتهم قد أُغلقت منذ أكثر من عام، إلا أن البرنامج لا يعيد الفيديوهات أو المشتركين المفقودين.

من ناحية أخرى، أشار الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب»، نيل مواهان، في مقابلة مع مجلة «تايم»، في ديسمبر (كانون الأول) الجاري، إلى «نية الشركة توسيع أدوات الإشراف بالذكاء الاصطناعي». وقال إن «(يوتيوب) ستمضي قدماً في توسيع الإنفاذ بالذكاء الاصطناعي رغم مخاوف المبدعين».

ويعتقد الصحافي المصري، المدرّب المتخصص في الإعلام الرقمي، معتز نادي، أن النموذج الأنسب ليس اختياراً بين مراجعة بشرية أو شفافية خوارزميات تعلن عنها منصة «يوتيوب»، بل معادلة هجينة تجمع أيضاً الذكاء الاصطناعي. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ذلك يتحقق من خلال الفرز أولاً وفق معايير واضحة، لكن مع مراجعة بشرية إلزامية تشرح سبب المخالفات والبنود التي تعرضت للانتهاك في السياسة الخاصة بالموقع وكيفية تقديم استئناف (ضد قرارات الحظر)».

وتعليقاً على تصريح رئيس «يوتيوب» بأن الشركة ستواصل توسيع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، قال معتز نادي إن «العلاقة المقبلة مع صُناع المحتوى ستكون على المحك، فالمنصة تريد الـAI (الذكاء الاصطناعي) لأنه سلاحها لتنقيح كل المحتوى في ظل العدد الهائل من الحسابات».

وأضاف أن «صُنّاع المحتوى أمام سيناريو مواصلة العمل على منصة (يوتيوب) للحصول على مزيد من الأرباح والانصياع لسياساتها وبنودها، أو التفكير في الهجرة لمنصة تواصل اجتماعي أخرى، لكن يبقى هاجس المكاسب حاضراً، فالكل يبحث عن زيادة موارده، والكنز هنا هو الجمهور بعدد مشاهداته، ومن ثم سيكون الربح هو لغة التعامل بينهما».


بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
TT

بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)

أقفل الإعلامي اللبناني الراحل بسّام برَّاك باب العربية الفصحى وراءه ومشى. أصدقاؤه وزملاؤه، عندما تسألهم من يرشحون لحمل إرثه، يردّون: لا أحد. حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه. أبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. ألقابه ترتبط ارتباطاً مباشراً بها، وهي كثيرة. فهو «الأستاذ» و«المعلّم» و«عاشق اللغة» و«حارسها». كثيرون من أهل الإعلام والصحافة يعدّونه شخصية لن تتكرر في لبنان. وكان برَّاك قد رحل بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الـ53 عاماً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

حالة العشق هذه لم يكن يخفيها عن أحد. يفتخر بإجادة العربية وبالتحدث بها في أي مكان ومناسبة. حتى عندما يحاور أولاده في البيت كان يتكلّم معهم بالفصحى، وهو على يقين بأن زرع بذور العربية في أعماقهم، لا بدّ أن تتفتّح براعمها عند الكبر.

الإعلامية لينا دوغان رافقته في مشوار إعلامي طويل (الشرق الأوسط)

جائزة بسام برَّاك للغة العربية

حلم الإعلامي الراحل بتنظيم جائزة يكرّم من خلالها اللغة المغرم بها. فهو تربّى في منزل يهوى أفراده، من والدين وأخوة، العربية. نشأ على حبها والإعجاب بها. حاول أكثر من مرة إطلاق الجائزة، غير أن ظروفاً عاكسته. وعندما أصابه المرض وبدأت صحته تتراجع، أوصى زوجته دنيز بأن تنفذها بعد مماته.

تقول دنيز لـ«الشرق الأوسط»: «كان يطرب للعربية فيقرأها بنهم، ويتحدث بها بشغف. كانت فكرة الجائزة تراوده دائماً. وعندما مرض أوكل هذه المهمة لي. وسنعلن عن هذه الجائزة في الذكرى السنوية الأولى لوفاته، ونقدمها لمن يستحقها».

المناسبة الثانية التي سيتم تكريم بسام برَّاك خلالها تقام في 18 ديسمبر (كانون الأول)، ويصادف اليوم العالمي للغة العربية. تنظّم مدرسة العائلة المقدسة التي كان أستاذ الصفوف العربية فيها، يوماً كاملاً لاستذكاره.

كان الراحل برّاك يلقب بـ"عاشق اللغة العربية وحارسها" (الشرق الأوسط)

بسام الزميل الخلوق

عندما تسأل أصدقاء الراحل بسام برَّاك عنه تأتيك أجوبة متشابهة، وجميعها تصب في خانة «الزميل الخلوق». يؤكدون كذلك أنه إعلامي متميّز بشدة حبّه للعربية الفصحى.

الإعلامية لينا دوغان التي رافقت برَّاك في مشوارٍ مهني طويل، تعدّه مثلها الأعلى في اللغة العربية. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كان دقيقاً جداً في ملاحظاته للأخطاء في العربية. فعندما تسمع أذنه أي لفظ أو إلقاء أو خطأ يقترفه مذيع أخبار، يبادر إلى تصحيحه بشكل تلقائي».

وعن التأثير الذي تركه بسام على الذاكرة الجماعية من خلال اللغة، تردّ: «لقد قام بخطوة استثنائية في هذا الخصوص. أطلق مسابقة (الإملاء باللغة العربية). ووضع حجر الأساس للغة نحكيها، ولا نجيد قواعدها ولا كتابة ألفاظها. حتى أنه كان من النادر جداً في المسابقة المذكورة، أن ينجح أحد فيها، مع أن المتسابقين من الطراز الأول، ويتألفون من دكاترة واختصاصيين في العربية، إضافة إلى أدباء ووزراء ونواب».

تروي لينا دوغان أنه لبالغ ولعه بالفصحى، كان يتكلمها مع أطفاله. «تخيلي كان عندما يتوجه لابنه الصغير الذي يؤدي بالفرنسية أغنية طفولية معروفة (Tape les mains) يقول له: (صفّق صفّق). كان حارساً للغة، يعدّها أساسية في هويتنا العربية». وتضيف: «لقد كان إعلامياً مثقفاً جداً ومهذباً، خلوقاً. وهو ما بتنا نفتقده اليوم في مهنتنا».

وعما تعلّمته منه تردّ: «الكثير وأهمها الدقّة في العمل. ولا سيما قراءة النص أكثر من 10 مرات كي أتقّن إذاعته. كما تعلمت منه المثابرة في العمل. فبسام كان يملك تقنية إلقاء مثالية. ومرات كثيرة يرتجل مباشرة على المسرح في مناسبة يطلب منه تقديمها».

الإعلامي جورج صليبي كان رفيق دربه في المهنة وفي حب فيروز (الشرق الأوسط)

فيروز ألهمته فرحل وهو يردد «إيماني ساطع»

علاقة وطيدة كانت تربط بين بسام برَّاك والسيدة فيروز. وكان يردد بأنه عشق العربية من خلالها. كان صوتها يلهمه للبحث في هذه اللغة، وكذلك إتقان مخارج الحروف وعملية تحريك النص. آخر مشوار للقائها، قام به بمناسبة تقديم التعازي لفيروز بوفاة نجلها زياد الرحباني، رافقه فيه زميله وصديقه الإعلامي جورج صليبي. وتشير زوجته دنيز إلى أنه كان على علاقة وثيقة بـ«سفيرتنا إلى النجوم». «كانا يتبادلان الهدايا في المناسبات، ومن بينها ربطة عنق أوصاني بأن يرتديها عندما يرحل. وكان يزورها بين وقت وآخر. أما أغنيتها (إيماني ساطع) فقد بقي يسمعها حتى لحظاته الأخيرة». وتتابع: «صوت فيروز كان يرافقنا دائماً، في البيت كما في السيارة، وفي أي مناسبة أخرى. فلا يتعب ولا يملّ من سماعه وكأنه خبزه اليومي».

ولكن من ترشّح زوجته ليكمل طريق بسام في العربية؟ تجاوب: «في الحقيقة لا أعرف من يمكن أن يحمل هذا الإرث. بسام كان يبدي إعجابه بكثيرين يجيدون العربية الفصحى قراءة ولفظاً، ومن بينهم زملاء كالإعلاميين يزبك وهبي وماجد بو هدير وجورج صليبي ومنير الحافي والمؤرّخ الدكتور إلياس القطار وغيرهم، وجميعهم ضليعون بالعربية ويحبونها».

أصدر بسّام برَّاك كتاباً واحداً من تأليفه بعنوان «توالي الحبر»، وتضمن صوراً أدبية كثيرة، وضعها تحت عنوان الحبر، ومن بينها «حبر الحب» و«حبر الوطن» و«حبر فيروز». كما كتب مؤلفاً بعنوان «أسطورة المال والأعمال»، يحكي فيه سيرة عدنان القصار كرجل أعمال وسياسي. والجدير ذكره أن الإعلامي الراحل تأثر كثيراً بأستاذه الراحل عمر الزين. فهو من وضعه على سكة الفصحى المتقنة خلال عمله الإذاعي عبر أثير «صوت لبنان». وعندما رحل الزين أوصى بمنح برَّاك مكتبته المؤلفة من مجلدات ومؤلفات عربية، وكذلك من مدونات، وقصاصات، ورقية وخواطر. واليوم يترك بسام خلفه، إرثين، أحدهما يخصه، والآخر ورثه عن عمر الزين.

صداقة وزمالة وذكريات مع بسام برَّاك

كل من عرف الراحل بسام برَّاك عن قرب من زملاء وأصدقاء، يحدثك عنه بحماس. فالإعلامي يزبك وهبي يعتبره نابغة في مجاله، وكذلك زافين قيومجيان الذي قال عند رحيله إن اللغة العربية أصبحت يتيمة، بينما وصفه الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون بأنه كان «الصحّ دوماً».

حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه، فأبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته

من جهته، يقول زميله جورج صليبي الذي بقي على اتصال به حتى لحظاته الأخيرة، بأنه الزميل الصديق والوفي. كانت تربطه به علاقة مميزة، عمرها 33 سنة، منذ عملهما سوياً في إحدى الإذاعات اللبنانية في أوائل التسعينات. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لجيلنا كان الراحل برَّاك مرجعنا الوحيد للعربية. نتصل به ونستفهم منه حول كيفية تحريك عبارة ما. وحتى عن معنى كلمة تصادفنا لأول مرة. كان موسوعة متنقلة للغة العربية. وأعتبره مقاتلاً شرساً في سبيلها».

ويستطرد صليبي: «كان يبالغ أحياناً في اعتماده الفصحى في أي زمان ومكان. وأذكر مرة عندما أهداني ربطة عنق، اتصلت به لأشكره، قال لي: لا نسميها كرافات أو ربطة عنق، بل (الإربة). فلا أحد يضاهيه في ثقافته وغوصه في هذه اللغة».

ترافق صليبي وبرَّاك في حبّهما لفيروز. الاثنان مولعان بها ويحبان أغنياتها ويحضران حفلاتها، فيلحقان بها أينما كانت حتى خلال تقديمها تراتيل كنائسية. «أول حفلة حضرناها معاً لفيروز، كانت في 17 سبتمبر (أيلول) من عام 1994 وسط بيروت. وبقينا نتذكر هذا التاريخ في موعده من كل عام. فيروز كانت تمثّل له العالم الذي يعشقه تماماً، كما اللغة العربية. وحتى عندما كنا نزورها سوياً، كان يخرج من عندها مفعماً بالفرح والإعجاب».

التقاه صليبي قبل 36 ساعة من وفاته: «حزن كثيراً لمصابه، فمرضه العضال أفقده القدرة على النطق. وهو ما كان يعدّه النقطة الأساسية في مهنته. فكان يحزّ في قلبه كثيراً هذا السكوت الذي ابتلي به وفُرض عليه. المرض أفقده صوته وشغفه بالإلقاء. وكان يعبّر عن هذا الأمر بلوم وعتب. وفي آخر لقاء معه كان شبه فاقد لوعيه، ولا أعرف إذا ما كان يسمعني، أخبرته عن ذكرياتي معه، وعن فيروز وأمور أخرى يحبها».

أما عن إرث بسام برَّاك اللغوي والأدبي، فيعلّق صليبي: «أرشيف غني وضخم، كان يملكه زميلي الراحل بسام. وهو تضاعف بعدما أوصى عمر الزين بتحويل مكتبته الأدبية له بعد رحيله. هذان الإرثان يجب أن يتم الاهتمام بهما من قبل مؤسسة جامعية أو ثقافية، لأن الحفاظ عليهما يفوق قدرة الفرد الواحد».