سنوات السينما: ‪السقا مات‬

عزت العلايلي كما بدا في «السقا مات»
عزت العلايلي كما بدا في «السقا مات»
TT

سنوات السينما: ‪السقا مات‬

عزت العلايلي كما بدا في «السقا مات»
عزت العلايلي كما بدا في «السقا مات»

‪السقا مات‬ ‪(‬1977‪)‬
تقييم الناقد: (ممتاز)
في نظرة جديدة على «السقا مات» تكمن حقيقة أن هذا الفيلم الذي أخرجه صلاح أبوسيف وقام بإنتاجه يوسف شاهين، لم يُقدر جيداً بعد. لقد نال إعجاب النقاد العام لكنه لم ينل بعد السعي لتحليل العمل بناء على مقوّماته الفنية أساساً.‬ الكثير مما تم الحديث فيه كان أدبياً عن كيف تم تحويل رواية يوسف السباعي إلى فيلم ثم إجراء مقارنة بين المصدر والنتيجة. لكن الفيلم يحتوي على أكثر من هذا الجهد وبعض الفشل في الوقت ذاته. إنه عن سقاء الحارة شوشة (عزت العلايلي الذي واكب بعض أفلام أبو سيف الأخيرة) الذي يعيش في كنف بيت يضمّه ووالدته الضريرة (أمينة رزق) وابنه (شريف صلاح الدين). في كل يوم يدور على تلك الحارة ليبيع الماء ويعود إلى البيت طالباً الصلاة والراحة. لكن الشعور بالأسى لا يفارقه منذ رحيل زوجته. هذا إلى أن التقى برجل سعيد اسمه شحاتة (فريد شوقي) يعمل في الجنازات فيسير خلفها داعياً ومستقطباً. تنشأ بين الرجلين المتقدمين عمراً صداقة رائعة، ويفهم شحاتة وضع شوشة سريعاً ويسعى للترويح عنه. السعي لا يستمر طويلاً إذ يموت شحاتة تاركاً شوشة فريسة الحزن والذكريات المرّة من جديد.
تراءت رواية يوسف السباعي للمخرج صلاح أبوسيف فيلماً منذ أن قرأها، لكنه لم يجد التمويل لتحويلها إلى فيلم كونها تتحدث عن الموت وتنزع إلى أفكار وجودية مقابل أخرى روحية وكلا الناحيتين ليس مما يجلب الجمهور العريض الذي تتوخاه شركات الإنتاج. في النهاية قام يوسف شاهين بإنتاج العمل وأمّن تحقيقه. تجارياً لم ينجز الفيلم أي قدر فعلي من النجاح (تماماً كما كان متوقعاً له)، لكن على صعيد فني وعلى مستوى المفاد الإنساني شكل الفيلم علامة فارقة بين أترابه من أفلام الفترة وبل لما بعدها.
كتب محسن زايد السيناريو (بمعية أبو سيف) وهما اشتركا كذلك في كتابة فيلم أبو سيف السابق (1973) «حمام الملاطيلي» الذي جمع نجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً. كان من الطبيعي لهما تغيير الأحداث لا على صعيد تلخيص كتاب من 400 صفحة فقط، بل أيضاً على صعيد نقل أحداثه من النصف الأول للقرن العشرين إلى النصف الثاني منه. لا غاية سياسية من وراء ذلك، بل مجرد تقريب المسافات ليكون الحديث أكثر قرباً للمتلقي. في الوقت ذاته هناك خامة رائعة اعتاد أبو سيف عليها كلما سعى لنقل أجواء الحارة المصرية وشخصياتها. صحيح أن ميزانية الفيلم لم تسمح بمعالجة شاملة للحارة وتقاليدها (كما في «شباب امرأة» مثلاً) بل كانت كافية للتأكيد على محيط هاتين الشخصيتين. عزت العلايلي مستوى من التمثيل يرتفع تحت إدارة المخرجين القادرين على توظيف قدراته كما الحال في «شيء في صدري» لكمال الشيخ و«السيد البلطي» لتوفيق صالح و«الأرض» ليوسف شاهين وحتى في «بين القصرين» لحسن الإمام. هو في صحبة رائعة مع شخصيات «بلدية» و«شعبية» يعكسها بأمانة ومن دون استعراض نمطي أعمى.
فريد شوقي بدوره لم يجد نفسه في فيلم كهذا من قبل، وهو كان قد ترك وراءه أفلام الحركة ومشاهد الضرب وأمّ أعمالاً أكثر شغلاً على الدراما في أفلام مثل «البؤساء» و«إسكندرية ليه؟» و«طائر على الطريق». إلى حد كبير كان «حمام الملاطيلي» ثاني فيلم مختلف في تاريخ فريد شوقي بعد «باب الحديد» (1958) الذي تم زرعه بين عشرات الأدوار النمطية بالنسبة له.
أدى دوره هنا بمهارة ولو أنه يذكّر بالممثل نجيب الريحاني، الوحيد الذي كان يمكن له أن يؤدي دور شحاتة على النحو المرصود ذاته.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.