ممارسات شركات التواصل العملاقة الاحتكارية زادت تكلفة الإعلانات... وهددت الخصوصية

ممارسات شركات التواصل العملاقة الاحتكارية زادت تكلفة الإعلانات... وهددت الخصوصية
TT

ممارسات شركات التواصل العملاقة الاحتكارية زادت تكلفة الإعلانات... وهددت الخصوصية

ممارسات شركات التواصل العملاقة الاحتكارية زادت تكلفة الإعلانات... وهددت الخصوصية

تجري هيئة من القضاة الأميركيين تحقيقات في ممارسات احتكارية محتملة من كبرى شركات التواصل الاجتماعي والمعلومات الرقمية مثل «فيسبوك» وغوغل. وتبحث أكثر من ولاية أميركية في قضايا تتعلق باحتمال أن تكون هذه الشركات قد خنقت المنافسة في الأسواق بمكانتها المسيطرة ورفعت التكلفة للمستهلكين بالإضافة إلى تعريض خصوصياتهم للخطر كما حدث في كشف الإعلام أن شركة «كمبردج أناليتيكا» حصلت من «فيسبوك» عن ملايين الأسماء والمعلومات الشخصية ضمن أبحاثها عن الانتخابات البريطانية.
وفيما يتعلق بشركة غوغل تبحث التحقيقات في تأثير الشركة على سوق الإعلانات الإلكترونية، وتأثير ذلك على المستهلكين. وفي تحقيقات موازية تدرس عدة ولايات أميركية سجل «فيسبوك» في الاحتفاظ بسرية معلومات الملايين المسجلة على صفحات الشركة وأيضا النموذج الإعلاني الذي تتبعه الشركة.
وكانت أنباء هذه التحقيقات قد تسربت أولا إلى صحيفة «وول ستريت جورنال» وأكدها بعد ذلك مكتب المدعي العام في نيويورك الذي أصدر بيانا قال فيه إن حتى أكبر شركات التواصل الاجتماعي في العالم لا بد لها أن تلتزم بالقانون وأن تحترم المستهلكين. وأضاف البيان أن تحالفا من القضاة والمحامين العامين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يشارك في هذه التحقيقات حول الجوانب الاحتكارية لهذه الشركات وسلامة خصوصية ومعلومات المستهلكين.
ويدور البحث من الدوائر القانونية في الولايات الأميركية حول قضايا الإضرار بالمعلومات الخاصة بالمستهلكين وخفض الاختيارات المتاحة لهم وزيادة أسعار الإعلانات.
وتعني هذه التحقيقات أن الحكومة الأميركية وإدارات الولايات بدأت في الآونة الأخيرة التدقيق في عمل شركات التواصل التي كانت تحصل على معاملة خاصة وحماية من واشنطن مقابل الانتقادات الأوروبية. وفي آخر قضية مشهورة إعلامية واستمرت نحو عام كامل في المحاكم الأميركية صدر الحكم فيها بتغريم «فيسبوك» خمسة مليارات دولار بعد اعتبار أنها قد خدعت مستخدميها في أن معلوماتهم الخاصة محفوظة في مواقع مؤمنة وسرية، بينما باعت الشركة هذه المعلومات لشركة «كمبردج أناليتيكا» لاستخدامها في الأبحاث الخاصة بها عن الانتخابات البريطانية.
وتعرض الحكم بالغرامة إلى الكثير من النقد لأنه غير مؤثر في شركة بلغت أرباحها في عام 2018 أكثر من 55 مليار دولار. وطالب البعض برفض هذه التسوية ومحاكمة الشركة ومؤسسها على نقض تعهداتها بالمحافظة على سرية معلومات مستخدميها.
من ناحية أخرى كانت جهات الإشراف الأوروبية أكثر صرامة مع شركات التواصل الإلكتروني، حيث تتعرض شركة «فيسبوك» إلى تحقيقات أوروبية أيضا تدرس فيها المحاكم الأوروبية إمكانية فرض غرامات على الشركة لكسرها قوانين سرية المعلومات.
ووصف تقرير برلماني بريطاني «فيسبوك» ومديري الشركة بأنهم يماثلون العصابات الرقمية بكسرهم لقوانين سرية المعلومات ومنع الاحتكار. ومثلما هو الحال في أوروبا بدأت علاقات «فيسبوك» والشركات الرقمية الأخرى تتراجع في واشنطن أيضا حيث تتفق الأحزاب السياسية على ضرورة التمحيص وكشف أنشطة هذه الشركات.
وحتى الرئيس ترمب نفسه عبر عن استيائه من هذه الشركات ووصفها بأنها «غير أمينة» وأن إجراءات سوف تتخذ ضدها.
ولكن أستاذ القانون في جامعة ستانفورد الأميركية، داغ ميلاميد، علق على التحقيقات بالقول إنه لا يتوقع أن تسفر عن إجراءات حقيقية، بخلاف الغرامات، من أجل تفتيت هذه الكيانات العملاقة أو تغيير أسلوب عملها الحالي. فالذي يحكم في هذه القضايا في نهاية المطاف هي المحاكم وليس الإدارات المحلية في الولايات.
ومع ذلك تدخل قضايا الاحتكار ضد شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة إلى المجال السياسي، حيث صرحت إليزابيث وارين، السيناتور الأميركية عن الحزب الديمقراطي أنها إذا انتخبت في العام المقبل لمنصب الرئيس سوف تقوم بتقسيم الشركات العملاقة مثل «فيسبوك» وأمازون وغوغل من أجل إنهاء احتكارها للسوق. وتعلق جهات استشارية أميركية مثل «بيكون بوليسي أدفايزرز» على أن تطور التحقيقات سوف يرتبط أيضا بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020، حيث يمكن للمحاكم الفيدرالية بعدها أن تتخذ قرارات مصيرية في مستقبل شركات التكنولوجيا.
وهناك سابقة وقعت منذ 20 عاما حيث نجحت قضية منع احتكار فيدرالية ضد مايكروسوفت أجبرت الشركة على المشاركة بالمعلومات مع أطراف ثالثة في السوق. ويقول خبراء القانون الأميركيون إن نجاح قضايا مماثلة في المستقبل ضد شركات التكنولوجيا سوف يتطلب أن تثبت الجهات الحكومية الضرر الواقع على المستهلكين من جراء ممارسات احتكارية من هذه الشركات. وقد يكون من الصعب إثبات ذلك خصوصا أن معظم خدمات هذه الشركات لمستخدميها تكون مجانا أو بتكلفة رمزية.
ولكن نقطة ضعف شركات التكنولوجيا هي كيفية استخدام المعلومات الشخصية الخاصة بمستخدميها خصوصا بعد فضيحة «كمبردج أناليتيكا». وهي نقطة سوف تستخدمها الجهات القانونية التي تعهدت بمتابعة القضايا بكل الوسائل.
أما شركة غوغل فهي تقول إنها تتعاون مع جهات التحقيق وتجيب على كافة تساؤلاتها عن نشاط الشركة في مجال التقنيات الديناميكية. وقالت شركة «فيسبوك» إن مستخدميها لديهم الاختيار في كل خدماتها، وإن الشركة إن لم تجدد خدماتها وتواكب التقنيات الجديدة فإن مستخدميها سوف يغادرونها إلى منصات تقنية أخرى.
من ناحية أخرى أوقفت «فيسبوك» كل نشاطات شراء الشركات الصغيرة المنافسة حتى لا تثير المزيد من القضايا الاحتكارية ضدها. كما أنها تقوم أيضا بتعزيز تكامل شركات تابعة لها مثل «واتساب» و«إنستغرام» حتى يصعب فصلهما عن الشركة الأم.
وتشير شركات التكنولوجيا الأميركية الأخرى إلى أن تحقيقات الاحتكار الجارية من شأنها أن تقلق «فيسبوك» بالدرجة الأولى ومن بعدها شركات أمازون وغوغل، وأضافت نصف هذه الشركات في أبحاث سوق عن دعمها لهذه التحقيقات. وتعتقد هذه الشركات أن «فيسبوك» لم توجه العناية الكافية لتخفيف مخاوف مستخدميها أو الجهات المشرفة على الأسواق، كما تفتقر إلى الشفافية الكافية الأمر الذي أدى في النهاية إلى فتح التحقيقات الفيدرالية ضدها.


مقالات ذات صلة

تايوان تتهم الصين باستخدام معلومات مضللة «لتقويض ديمقراطيتها»

آسيا علما تايوان والصين يظهران في صورة مركبة (رويترز)

تايوان تتهم الصين باستخدام معلومات مضللة «لتقويض ديمقراطيتها»

كشفت تايوان أن الصين تضاعف جهودها لتقويض الثقة في ديمقراطية الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي وعلاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة من خلال نشر المعلومات المضللة.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)
أوروبا صورة ملتقطة في 17 ديسمبر 2024 بالعاصمة الألمانية برلين تظهر فيها أليس فايدل زعيمة الكتلة البرلمانية لحزب «البديل من أجل ألمانيا» خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

إيلون ماسك سيستضيف زعيمة اليمين المتطرف الألمانية في مقابلة مباشرة

أعلنت المرشحة الرئيسية للانتخابات البرلمانية الألمانية عن حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، أنها ستُجري حواراً مباشراً عبر الإنترنت مع إيلون ماسك.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق تاريخياً كانت المواقع تتطلب كلمات مرور معقدة بمزيج من الأحرف والرموز الأبجدية الرقمية (رويترز)

كلمات المرور المعقدة قد لا تكون فعالة كما تعتقد... ما السبب؟

وجد المعهد الوطني للمعايير والتقانة أن «فائدة مثل هذه القواعد أقل أهمية مما كان يُعتقد في البداية»، حيث إنها تفرض عبئاً «شديداً» على ذاكرة المستخدمين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا «أبل» تطلب المشاركة في محاكمة «غوغل» بشأن مكافحة احتكار البحث عبر الإنترنت (رويترز)

«أبل» تطلب المشاركة في محاكمة «غوغل» بقضية مكافحة احتكار البحث عبر الإنترنت

طلبت شركة «أبل» المشاركة في محاكمة «غوغل» المقبلة في الولايات المتحدة بشأن مكافحة احتكار البحث عبر الإنترنت.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
يوميات الشرق الشقيقتان آفا ولونا من النمور البنغالية ذات الألوان غير العادية (رويترز)

آفا ولونا... نمرتان ذهبيتان في حديقة حيوان بتايلاند تصبحان نجمتين على الإنترنت

أصبحت نمرتان نادرتان بفراء ذهبي ذي خطوط بيضاء وعينين واسعتين، في حديقة حيوان بشمال تايلاند، محط اهتمام واسع على الإنترنت.

«الشرق الأوسط» (شيانغ ماي (تايلاند))

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.