تبريرات إردوغان تدفع الليبيين إلى التبرؤ من «العرق التركي»

تحدث عن وجود مليون شخص من أصول تركية «يحتاجون دعمي والتدخل لنجدتهم»

TT

تبريرات إردوغان تدفع الليبيين إلى التبرؤ من «العرق التركي»

أثارت التبريرات، التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حول «وجود مليون ليبي من أصول تركية يستحقون دعمه والتدخل لنجدتهم، والوقوف إلى جانبهم» موجهة من السخرية وسط الليبيين، ورأى فيها عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، وسيلة تستهدف «ضرب النسيج الاجتماعي الليبي، وإحداث فتنة بين المواطنين».
وامتدت تداعيات تصريح إردوغان داخل أوساط سياسيين ورواد التواصل الاجتماعي؛ إذ ذهب كل منهم إلى أنه ينتمي إلى الخمسة ملايين ليبي، ولا يتبعون المليون، الذي تحدث عنه الرئيس التركي، في حين رأى البعض أن الأخير «يبحث لنفسه عن قدم في البلد» الغني بالنفط، عبر التفتيش في التاريخ القديم لبلاده، باعتبارها استعمرت ليبيا فترة دامت أكثر من ثلاثة قرون.
في هذا السياق، قال الناشط السياسي الليبي عبد الرحمن السليمي، إن إردوغان «يبحث عن مبررات واهية ومرفوضة للتدخل في بلادنا؛ وهذا ما دفعه إلى تسويق مزاعم غير مقبولة بوجود مليون مواطن من أصول تركية، يعيشون في ليبيا، مما يستوجب حمايتهم»، مشيراً إلى أن الليبيين من أصول ليبية «لا يتجاوز تعدادهم 200 ألف مواطن، يتوزعون في عموم البلاد، البالغ تعدادها قرابة ستة ملايين نسمة».
واستغرب السليمي في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أمس، مبررات إردوغان، وقال إن «الليبيين، وحتى أولئك الذين يواجهون (الجيش الوطني)، لم يعلنوا هوية أخرى تخالف جنسيتهم الحالية»، لافتاً إلى أن «الدولة العثمانية تورطت قديماً في تسليم البلاد إلى الاستعمار الإيطالي، واليوم يدعي إردوغان أنه حامي حمى البلاد».
وسبق لإردوغان أن دافع عما رآه «حق بلاده في جغرافيتها القديمة»، وكان يتحدث عن ضرورة تواجد أنقرة في ليبيا، وهو ما أثار غضب كثير من الليبيين وقتها. وقالت مجموعة «أبناء ليبيا»، إن سبب تمادي إردوغان وادعاءاته يرجع إلى «السلطة الحاكمة في طرابلس وحلفائها الإسلاميين المتحالفين مع أنقرة». وقد قال الدكتور مصطفي الزائدي، أمين عام الحركة الشعبية الليبية، إن «إردوغان يقول إن مليون تركي يخوضون حرباً دفاعاً على طرابلس، ناسياً أن مصطفى كمال أتاتورك، ومن معه، سلموا ليبيا إلى إيطاليا في اتفاقية مخزية لتركيا، قبل أن تكون وبالاً على ليبيا»، مضيفاً: «حديثه (إردوغان) يثير الضحك فعلاً. فالشعب الليبي عربي الثقافة والهوية، مالكي المذهب في أغلبه، كما أن العروبة فيه ليست أصلاً عرقياً شيفونياً، بل هوية وثقافة شكلت وحدة انتماء ومصير».
وتخوف الزائدي مما سماه «خيوط المؤامرة التي تنسج على ليبيا. فبعد فشل محاولات نشر فتنة جهوية وقبلية في ليبيا، وإحداث نزاعات مذهبية مفتعلة من خلال الترويج لمذاهب تكفيرية، يلوح إردوغان اليوم بوجود إثنية تركية في ليبيا».
ووسط التباهي بالجنسية الليبية ومعايرة «الخصوم» بأنهم من أعراق مختلفة، ذهبت شخصيات سياسية في مداخلات تلفزيونية إلى أن أصول فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي، ووزير خارجيته محمد طاهر سيالة «عثمانية»؛ وهو ما دفع الليبي علي جمعة إلى القول: «بعد هذه الاتهامات من حق إردوغان القول (لدي مليون تركي في ليبيا).
ونشرت وسائل إعلام ليبية ملخص كتاب قالت إن مصطفى فوزي السراج، والد رئيس المجلس الرئاسي، ألفه تحت عنوان «ذكريات وخواطر مصطفى فوزي السراج»، الصادر عام 2005 عن مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية، وقالت إنه «تحدث فيه عن نسبه التركي». كما نقل موقع «بوابة أفريقيا» أن والد السراج ذكر في الكتاب أن اسمه مصطفى بن فوزي بن مصطفى بن محمد أغا، والجد الأعلى له هو محمد أغا، من أصل عثماني، وأنه من مواليد مدينة مغنيسا، الواقعة شمال مدينة إزمير التركية.
من جهته، رأى عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، أن تصريحات إردوغان تستهدف «ضرب النسيج الاجتماعي الليبي المتماسك، وإحداث فتنة بين المواطنين»، كما أنها تعد «محاولة لتبرير الاعتداء العسكري التركي على ليبيا، التي تعد دولة مستقلة وعضواً في الأمم المتحدة».
وقال صالح، أمس، نقلاً عن مستشاره الإعلامي عبد الحميد الصافي، إن «الليبيين من أصول مختلفة؛ فهم ليسوا جاليات أجنبية، ولا رعايا لدول أخرى باعتبارهم يحملون الجنسية الليبية، ويتمتعون بحقوق المواطنة كغيرهم، ولم يسبق أن تمت معاملتهم معاملة سيئة حتى يتخذوا حجة لأي دول خارجية للتدخل، وفرض واقع مختلف سيكون تأثيره كارثياً على ليبيا والليبيين».
بدوره، قال عارف النايض، المبعوث الخاص لرئيس حكومة عبد الله الثني المؤقتة في شرق ليبيا: «كنا قلقين بسبب تصريحات إردوغان العلنية، التي حاول خلالها الاحتجاج بوجود مليون ليبي من أصول تركية في ليبيا».
وأضاف النايض، وهو سفير ليبيا السابق في الإمارات، في مقابلة مع وكالة «سبوتنيك» أمس: «هذه إهانة كبيرة للشعب الليبي. جميعنا ليبيون، ولا نفرق على أساس الطائفة... قد يكون إردوغان متابعاً طائفية أتاتورك، لكننا لسنا طائفيين في ليبيا. العرب، والأتراك، والتبو، والطوارق والأمازيغ... جميعهم متساوون».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.