«إيبولا» والتطرف الديني والتداعيات الاقتصادية.. تتصدر الصحف البريطانية

تغطية مكثفة للاشتباكات العنيفة بين الشرطة والمتظاهرين في وسط هونغ كونغ تشغل الإعلام الأميركي

«إيبولا» والتطرف الديني والتداعيات الاقتصادية.. تتصدر الصحف البريطانية
TT

«إيبولا» والتطرف الديني والتداعيات الاقتصادية.. تتصدر الصحف البريطانية

«إيبولا» والتطرف الديني والتداعيات الاقتصادية.. تتصدر الصحف البريطانية

انتهت الأحزاب البريطانية الرئيسة من عقد مؤتمراتها السنوية الأسبوع الماضي، وعاود البرلمان عقد جلساته بانتظام. الاختلافات في القضايا السياسية والآيديولوجية بدأت تتصدر بقوة صفحات الصحافة المكتوبة، عاكسة بذلك التحضيرات لمعركة الانتخابات العامة المزمع تنظيمها في مايو (أيار) المقبل. لكن القضايا الدولية الساخنة مثل الحرب ضد «داعش» وقضايا التطرف الإسلامي في المجتمعات الأوروبية وخطر فيروس «إيبولا» الذي بدأ ينتشر خارج دول غرب أفريقيا، استحوذت هي الأخرى على نصيب كبير من هذه التغطية، واعتبرت هذه القضايا سببا للتداعيات الاقتصادية الأخيرة للبورصات.
كما تصدرت، ولعدة أيام، القضايا الاقتصادية والخوف من دخول أوروبا في حالة جديدة من الركود الاقتصادي صفحات الجرائد الرزينة. لكن صحيفة «فايننشيال تايمز»، المتخصصة في قضايا المال والأعمال، جاءت تغطيتها مميزة في هذا المجال، وتحت عنوان «تخبط في الأسواق المالية يعيد إحياء مخاوف عدم استرداد السوق عافيتها». لكن بدأت الأسواق في العالم تتعافى نسبيا الجمعة بعد يومين من التقلبات الحادة، لكنها بقيت في دائرة الاهتزاز بسبب المخاوف التي ما زالت تحيط بالنمو العالمي، وهذا ما عكسته الصحيفة. وكتبت الصحف مبينة كيف أن البورصات تمكنت من الحد من خسائرها بعد ظهر الخميس الماضي، وتعزز الهدوء في اليوم التالي، أي يوم الجمعة الماضي، عندما سجلت مؤشرات البورصات الأوروبية ارتفاعا واضحا.
وكتبت صحيفة «التايمز» و«الديلي تلغراف» و«الغاديان» و«الإندبندنت» على صفحاتها الأولى محذرة من انزلاق الاقتصاد الأوروبي الهش، وبينت جميعها كيف أن 460 مليار جنيه إسترليني خسرتها بورصة لندن نتيجة خطط إنقاذ اليونان المتعثرة والتحولات السياسية التي ترفضها الأحزاب السياسية اليونانية بخصوص خطط الصرف وشد الأحزمة، التي تزيد من خطر التدهور الاقتصادي. أضف إلى ذلك أن هناك عوامل أخرى تضاف إلى هذه المخاوف، ألا وهي تباطؤ الاقتصاد الأميركي وتقليل التوقعات بالنسبة إلى نموه في السنوات المقبلة. كما ربطت الكثير من الصحف مثل «الغارديان» و«الإندبندنت» و«الديلي تلغراف» بين أسباب الأخطار الاقتصادية وتفشي فيروس الـ«إيبولا»، الذي اعتبر تهديدا حقيقيا للعالم أجمع.
كما تناولت صحيفة «التايمز» بفخر الأرقام الجديدة بخصوص عدد العاطلين عن العمل في بريطانيا. وكتبت تحت عنوان: «لأول مرة ينخفض عدد العاطلين عن العمل إلى أقل من مليوني شخص منذ ست سنوات، أي أن الأرقام رجعت إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية. الصحيفة المعروفة بميولها المحافظة، حاولت أن تبين أن خطط وزير الخزانة جورج أوزبورن في تعامله مع الديون والصرف والضرائب خلال فترة البرلمان السابقة كانت صائبة. إنه بشكل آخر ترويج انتخابي لحزب المحافظين الذي يجد منافسة شديدة من الأحزاب الصاعدة مثل حزب الاستقلال الذي أصبح يشكل تهديدا للأحزاب التقليدية.
كما أبرزت معظم الصحف ما جاء على لسان وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الذي قال فيه إن بلاده قد تستخدم أحد قوانين العصور الوسطى التي ترجع إلى عام 1351 لتوجيه اتهامات إلى بريطانيين ذهبوا إلى سوريا والعراق للقتال مع تنظيم الدولة الإسلامية. كما غطت الصحف بإسهاب وعلى صفحاتها الأولى قضايا التطرف الإسلامي وتحذير رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من أن التنظيم الذي سيطر مقاتلوه على مساحات كبيرة من الأراضي في سوريا والعراق يمثل تهديدا خطيرا على بريطانيا.
وأبرزت معظمها أرقاما تقول إن نحو 500 بريطاني بينهم كثيرون من أبناء مهاجرين مسلمين يحاربون في العراق وسوريا، لكن العدد الفعلي قد يكون أكثر بكثير. ويخشى مسؤولو الأمن من أن يشن هؤلاء هجوما داخل الأراضي البريطانية لدى عودتهم. وقال هاموند إن أي بريطاني يعلن ولاءه للدولة الإسلامية يمكن أن يكون قد ارتكب جرما بموجب قانون الخيانة لعام 1351 الذي صدر في عهد الملك الإنجليزي إدوارد الثالث.
وفي خضم كل هذه القضايا الساخنة أبرزت صحيفة «ديلي تلغراف» في عدد الجمعة قضية الموت الرحيم المثيرة للجدل. وقالت في عنوانها الرئيس في خبرها على الصفحة الأولى: «تخفيف القيود على الموت الرحيم»، مبينة أن الأطباء لن يواجهوا تهما قضائية تجريمية في حالة مساعدتهم غيرهم ممن يريدون إنهاء حياتهم، في الحالات المرضية المزمنة. ومع نهاية الأسبوع استمرت الصحف في تغطيتها للقضايا الساخنة مثل تفشي فيروس الـ«إيبولا»، لكن صحيفة «الإندبندنت» المشاكسة دائما والتي تميز نفسها باستمرار في اختيار مواضيعها، اختارت على صفحتها الأولى يوم السبت الماضي موضوع المهر والزواج، والمشكلات التي يسببها بين أبناء الجاليات الآسيوية. الاختلاف على المهر يؤدي إلى ارتكاب الجرائم بحق المرأة.
أما صحيفة الغارديان فقد استمرت في تغطيتها لفيروس الـ«إيبولا»، وعلى صفحتها الأولى كتبت «تحذير إلى العالم: يجب القضاء على الـ(إيبولا) أو مواجهة ما واجهه العالم مع مرض نقص المناعة المكتسبة». وأبرزت الصحيفة الخلافات بين الدول الكبرى بخصوص إيجاد الأموال الكافية لمحاربة الفيروس.
و منذ بداية الأسبوع، تظل النزاعات المسلحة وهجمات «داعش» مثار اهتمام الإعلام الأميركي. وخاصة بعد أن زادت هجمات «داعش» بالقرب من بغداد. وزعت خبر صواريخ «داعش» في المنطقة الخضراء وكالة «أسوشيتدبرس»، ونقلته عنها وسائل إعلامية كثيرة. وكان بداية القلق الرسمي الأميركي على بغداد.
وفي غير السياسة والحرب، ومنذ بداية الأسبوع، اهتم الإعلام الأميركي بالأعاصير، والفيضانات. بداية بإعصار «فوينغتونغ» قرب اليابان، وإعصار «حذود» في الهند ونهاية بإعصار «غونزالو» قرب جزيرة برمودا، في المحيط الأطلسي. وكالعادة، ركز التلفزيون على مناظر الإعصار، ونتائجه. وفي غير السياسة، ومنذ بداية الأسبوع، ركز الإعلام الأميركي على مرض «إيبولا»، بداية بإصابة أول ممرضة عالجت أول ضحية «إيبولا» في الولايات المتحدة. ونهاية بأخبار كاذبة بأن موظفة متعاقدة مع البنتاغون، وبالقرب من مبني البنتاغون نفسه، وقعت على الأرض، وهي تتقيأ. ورغم عدم صحة الخبر، عم الخوف البنتاغون، والعاصمة واشنطن.
وفي منتصف الأسبوع، وفي خليط من سياسة وحرب، اهتم الإعلام الأميركي باعتقال جندي أميركي، من قبل البحرية الأميركية، في السفينة بيليليو التي كانت ترسو في خليج سوبيك، في الفلبين، بتهمة قتل امرأة فلبينية من نوع «ترانسجندر» (متحولة جنسيا). وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن مظاهرات في الفلبين معادية للأميركيين أعادت إلى الأذهان عقود احتلال الولايات المتحدة للفلبين (حتى بداية القرن العشرين).
وتابع تلفزيون «سي إن إن» اختفاء، ثم ظهور، كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية. وكان أول ظهور علني له منذ 5 أسابيع. وفي منتصف الأسبوع، أيضا، واستمرارا للحرب ضد «داعش»، كان هناك تركيز على خبر أن الطائرات التركية تقصف مواقع حزب العمال الكردستاني الكردية في جنوب شرقي تركيا. وعاد التساؤل، كما أوضحت كلمة افتتاحية في صحيفة «نيويورك تايمز»، عما إذا كانت تركيا، حقيقة، تريد القضاء على «داعش»، أو تريدها درعا ضد الأكراد المعارضين المقاتلين. وفي منتصف الأسبوع، أيضا، وفجأة، تركزت الأنظار على اليمن بعد أن احتل الحوثيون العاصمة صنعاء، ثم ميناء الحديدة الرئيس. وكان ملاحظا عدم الاهتمام بالحوثيين منذ مدة طويلة، عدا تقارير متفرقة. وفجأة، صارت اليمن مثيرة. ليس فقط بسبب الحوثيين. ولكن، أيضا، بسبب اشتباكات بين الحوثيين و«القاعدة» التي هي عدو الأميركيين الأول. ولم يتضح الموقف الإعلامي (والرسمي) حول هذه الاشتباكات، ومن يؤيد ومن يعارض؟ ومع نهاية الأسبوع، وبسبب هذه التطورات العالمية (داعش، إيبولا، اليمن)، وبسبب كساد عالمي يبدو أنه لن يتحرك، تركز الاهتمام على مؤشر «داو جونز» في «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك)، الذي هبط أكثر من 450 نقطة في يوم واحد. ومحا المكاسب التي حققها في عام كامل. وكان تلفزيون «سي إن بي سي» الاقتصادي هو أكثر المتابعين. (في نهاية نفس اليوم، عاد المؤشر للارتفاع قليلا).
ومع نهاية الأسبوع، أيضا، بدا وكأن مظاهرات هونغ كونغ حسمت لصالح الصين. وظل هناك اهتمام إعلامي كبير بها. وكانت هناك تغطية تلفزيونية مكثفة للاشتباكات العنيفة بين الشرطة والمتظاهرين، في وسط هونغ كونغ، ومحاولة المتظاهرين وضع متاريس على طريق رئيس. ونقل تلفزيون «سي إن إن» المحاولة مباشرة.
وانتهى الأسبوع بخبر متكرر: استمرار انخفاض شعبية الرئيس باراك أوباما:
أولا: استطلاع صحيفة «واشنطن بوست» وتلفزيون «إي بي سي» (40 في المائة فقط يؤيدون عمله).
ثانيا: استطلاع صحيفة «وول ستريت جورنال» وتلفزيون «إن بي سي» (42 في المائة يؤيدون عمله).
لهذا، ربما لم تكن صدفة أن صحيفة «ميامي هيرالد» نشرت صورة عملاقة، في صفحتها الأولى، للسيدة الأولى ميشيل أوباما، وهي في ميامي، تخطب في مؤتمر للحزب الديمقراطي (نيابة عن زوجها).



«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE
TT

«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE

تعيش هوليوود واحدة من أكثر لحظاتها اضطراباً منذ عقود، بعدما تحوّلت صفقة الاستحواذ على «ورنر بروس ديسكفري» إلى مواجهة مفتوحة بين عملاق البث «نتفليكس» من جهة، والتحالف الذي تقوده «باراماونت – سكاي دانس» برئاسة ديفيد إليسون (نجل مؤسس «أوراكل» الملياردير لاري إليسون)، المدعوم بثروات هائلة وشبكة نفوذ سياسية، من جهة أخرى.

ورغم أن ظاهر المعركة تجاري بحت، فإن جوهرها يتجاوز حدود صناعة الترفيه ليصل إلى توازنات القوة الإعلامية في الولايات المتحدة، وإلى مقاربات البيت الأبيض التنظيمية، وربما حتى إلى علاقة الرئيس دونالد ترمب بعدد من هذه المؤسسات.

Paramount, Netflix and Warner Bros logos are seen in this illustration taken December 8, 2025. REUTERS/Dado Ruvic/Illustration

أهمية «ورنر بروس»

تعد «ورنر بروس» إحدى أثقل القلاع الثقافية والإعلامية في العالم. فإلى جانب تاريخها السينمائي العريق، تمتلك الشركة واحدة من أضخم مكتبات المحتوى التي تضم أعمالاً من «هاري بوتر» و«دي سي كوميكس» و«غيم أوف ثرونز»، إضافة إلى شبكة «إتش بي أو» ومحفظة تلفزيونية واسعة. والسيطرة عليها تمنح مالكها ثلاث ركائز جوهرية:

• محتوى ضخم عالي القيمة قادر على تغذية منصات البث لعقود مقبلة.

• حقوق بث وتوزيع دولية تتيح توسعاً كبيراً في الأسواق العالمية.

• تكامل رأسي كامل يجمع بين الإنتاج والتوزيع والبث، ويخلق قوة سوقية استثنائية.

من هنا، فإن فوز «نتفليكس» أو «باراماونت» بالاستوديو يعني تغيّراً جوهرياً في المشهد العالمي، وظهور كيان يتجاوز في وزنه معظم الشركات الإعلامية الحالية.

"باراماونت" تخوض سباقاً مع "نتفليكس" لشراء "ورنر بروس" (أ.ف.ب)

صفقة نتفليكس و«قلق» البيت الأبيض

أعلنت «نتفليكس» قبل أيام التوصل إلى اتفاق مبدئي لشراء معظم أصول «ورنر بروس ديسكفري» مقابل 83 مليار دولار (عرضت فيها 27.75 دولار للسهم)، مع إبقاء «سي إن إن» والقنوات الإخبارية والرياضية ضمن شركة مستقلة تدعى «ديسكفري غلوبال».

عدّ كثيرون الخطوة منطقية: توحيد أكبر منصة بث في العالم مع واحد من أضخم الاستوديوهات، ما يخلق عملاقاً يصعب منافسته. لكن العامل السياسي دخل ساحة المعركة بقوة. فقد صرّح الرئيس ترمب بأنه سيكون «منخرطاً» في تقييم الصفقة، ملمّحاً إلى أن الحصة السوقية لـ«نتفليكس» قد تشكل «مشكلة».

ورغم ثنائه على تيد ساراندوس، الرئيس التنفيذي المشارك للمنصة، فإن تلويحه بالتدخل التنظيمي ألقى ظلالاً من الشك على الصفقة، خصوصاً أن عرض «نتفليكس» يجمع بين النقد والأسهم، ما يعرّضه لتدقيق احتكاري واسع.

باراماونت.. عرض «عدائي» ونقد أكثر

لم تتأخر «باراماونت – سكاي دانس» في الرد. فبعد ساعات من إعلان «نتفليكس»، أطلقت عرضاً عدائياً مباشراً للمساهمين بقيمة 108.4 مليار دولار، وبسعر 30 دولاراً للسهم، أي أعلى بكثير من عرض منافستها.

ويمتاز عرض «باراماونت» بأنه أكثر نقداً وتمويلاً مباشراً، مدعوماً من ثروة عائلة إليسون وصناديق «ريدبيرد» و«أفينيتي بارتنرز»، إضافة إلى ثلاثة صناديق سيادية عربية (السعودية، الإمارات، قطر) تشارك بتمويل بلا حقوق حوكمة. ووفقاً لمصادر في الشركة، فإن عرضها «أكثر يقيناً وسرعة في التنفيذ»، مقارنة بعرض «نتفليكس» الذي يتوقع أن يواجه تدقيقاً احتكارياً وتنظيمياً معقداً.

البعد السياسي للصراع

على الرغم من محاولة الطرفين الظهور وكأن معركتهما تجارية بحتة، فإن السياسة حاضرة بكل ثقلها. ويلعب جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترمب، دوراً محورياً بصفته شريكاً مالياً في عرض «باراماونت» عبر «أفينيتي بارتنرز». وتحدثت تقارير بريطانية عن وعود من «باراماونت» بإجراء تغييرات جذرية في «سي إن إن» في حال فوزها، وهو ما يمنح الصفقة بعداً سياسياً حساساً.

في المقابل، ينتقد ترمب «باراماونت» و«سي بي إس» التابعة لها بسبب خلافات مع برنامج «60 دقيقة». ومع ذلك، صعّد ترمب هجومه المباشر على «سي إن إن»، مطالباً بتغيير مالكيها كجزء من أي صفقة لبيع «ورنر». وقال في اجتماع بالبيت الأبيض: «لا أعتقد أنه يجب السماح للأشخاص الذين يديرون (سي إن إن) حالياً بالاستمرار. يجب بيعها مع باقي الأصول». كما أكد أنه سيشارك بنفسه في قرار الموافقة على الصفقة، في خروج غير مألوف عن الأعراف التنظيمية.

هذا التناقض يكشف عن صراع مفتوح على النفوذ الإعلامي، قد يؤثر على القرار النهائي أكثر من معايير الاحتكار ذاتها، رغم أن اكتمال أي من الصفقتين، سيؤدي إلى ولادة عملاق إعلامي فائق.

منصتان فائقتان

اندماج «نتفليكس ورنر بروس» سيخلق أكبر منصة بث ومكتبة محتوى في العالم، تفوق «أمازون برايم» و«ديزني» مجتمعتين في حجم الاشتراكات والمحتوى الأصلي والحقوق. أما اندماج «باراماونت ورنر بروس» فسيكوّن أكبر استوديو سينمائي - تلفزيوني متكامل، يضم «سي بي إس» و«باراماونت» و«إيتش بي أو» و«سي إن إن» (في حال لم تُفصل)، ما يجعله النسخة الحديثة من «استوديو هوليوودي شامل». وسيعد الكيان الناتج عن أي من الصفقتين الأكبر عالمياً في مجال الإعلام والترفيه، لكن بدرجات مختلفة: «نتفليكس» ستتربع على قمة البث، و«باراماونت» على قمة الإنتاج التقليدي والخبري.

لكن المخاطر كبيرة أيضاً. فوفق محللين، قد يبتلع الاستوديو إدارة «نتفليكس» ويستهلك طاقاتها، بينما يخشى البعض من تراجع نوعية المحتوى إذا خضعت المكتبة الضخمة لمنهج المنصة القائم على الكميات الكبيرة.

ويتفق خبراء على أن كلا العرضين يواجه عوائق تنظيمية ضخمة، لكن الخطر الأكبر ليس تنظيمياً، بل سياسي، كما قال وليام باير، المدير السابق لقسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل. وقال لصحيفة «واشنطن بوست»: «المشكلة الحقيقية هي إن كانت القرارات ستُبنى على اعتبارات قانونية أم على مصلحة الرئيس».

بالنسبة لمحطة «سي إن إن» التي يناهضها ترمب علناً، فستكون مع عرض «نتفليكس»، جزءاً من شركة منفصلة لديها استقلال أكبر، بعيداً عن الصراع السياسي. وهو ما يعدّه كثير من العاملين فيها مخرجاً آمناً، بعد تخوفهم من احتمال أن تقود «باراماونت»، المتجهة نحو توجّهات محافظة، عمليات تغيير واسعة فيها. ومع ذلك، من الناحية الاقتصادية، سيكون مستقبل «سي إن إن» في شركة صغيرة تحدياً قد يقود إلى تقشف أكبر.

وفي النهاية، قد تكون القرارات السياسية هي العامل الحاسم في تحديد من سيضع يده على إرث «ورنر بروس» العريق.


قرارات «يوتيوب» حول «مراقبة المحتوى» تثير جدلاً متصاعداً

شعار «يوتيوب»         (د.ب.أ)
شعار «يوتيوب» (د.ب.أ)
TT

قرارات «يوتيوب» حول «مراقبة المحتوى» تثير جدلاً متصاعداً

شعار «يوتيوب»         (د.ب.أ)
شعار «يوتيوب» (د.ب.أ)

أثارت قرارات «يوتيوب» بشأن «مراقبة المحتوى» بالاعتماد على «نظام الإشراف القائم على الذكاء الاصطناعي في المنصة»، جدلاً متصاعداً بين صُنّاع المحتوى، بعد تكرار حالات الإغلاق المفاجئ لقنوات بـ«تهم الممارسات الخادعة وعمليات الاحتيال»، دون ردود واضحة من المنصة حول الأسباب. إذ يأتي الرد على الطعون بشكل «نمطي جاهز»، مما يعرّض قنوات بارزة للاختفاء بعد سنوات من الجهد.

واللافت أن بعض حالات حجب القنوات انتهت باستعادتها بعد لجوء صُنّاع المحتوى إلى إثارة «ضجة» على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، حسبما رصد «سيرش إنجين جورنال». من جانبها، نفت «يوتيوب»، عبر مدونتها، اتهامات «عدم الدقة»، وقالت إنها «لم ترصد أي مشكلات واسعة النطاق في قرارات إغلاق القنوات، وإن نسبة صغيرة فقط من إجراءات الإنفاذ يتم التراجع عنها».

ويرى المتخصص في الإعلام الرقمي بالإمارات، تاج الدين الراضي، أن «يوتيوب» منصة لها استراتيجية خاصة مقارنةً بالمنصات الأخرى. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «(يوتيوب) ارتبطت بالمحتوى الغني والعميق والفيديو الطويل، ومن ثم فإن أي تطوير في المنصة يجب ألا يخترق هويتها». وأضاف أن «(يوتيوب) ليست منصة تصفّح سريع بلا مضمون، فما يميزها هم صُنّاع محتوى استثمروا وقتاً وجهداً وإنتاجاً».

وعن توسّع «يوتيوب» في استخدام الذكاء الاصطناعي في «مراقبة المحتوى»، قال الراضي: «هذا الاتجاه من (يوتيوب) هو أمر مفهوم في إطار تطوير إدارة المنصة، لكن بشرط أساسي، ألا يتحول الذكاء الاصطناعي إلى نسخة جديدة من (السباق وراء السرعة) على حساب جوهر (يوتيوب)». وأشار إلى أن «أي نموذج رقابي آلي يحمل هامش خطأ عالي المستوى، وعملياً قد لا يكون عادلاً، وهنا تكلفة الخطأ كبيرة، لأنها منصة مهنية أكثر منها منصة عبور سريع».

وأثار الراضي خلال حديثه شعوراً بـ«عدم الأمان لدى صُنّاع المحتوى على (يوتيوب)» وتأثير هذه القرارات على الاستثمار في المنصة. وقال إن «مناخ عدم الأمان يدفع (اليوتيوبرز) نحو محتوى أكثر تحفظاً وأقل عمقاً، ويضعف استعدادهم للاستثمار طويل الأمد في (يوتيوب)، لأن مستقبلهم يصبح مرهوناً بقرار آلي غير متوقع».

وتحدث موقع Dexerto الإنجليزي عن حالة صانع محتوى يملك آلاف المشتركين، تم حظره بسبب تعليق لصانع المحتوى كتبه من حساب آخر عندما كان عمره 13 عاماً. ولاحقاً اعتذرت «يوتيوب» وأبلغته أن الحظر كان خطأ من جانبها.

وأعلنت «يوتيوب» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن برنامج تجريبي باسم «الفرص الثانية» يسمح لبعض المبدعين بإنشاء قنوات جديدة إذا استوفوا شروطاً محددة، وكانت قنواتهم قد أُغلقت منذ أكثر من عام، إلا أن البرنامج لا يعيد الفيديوهات أو المشتركين المفقودين.

من ناحية أخرى، أشار الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب»، نيل مواهان، في مقابلة مع مجلة «تايم»، في ديسمبر (كانون الأول) الجاري، إلى «نية الشركة توسيع أدوات الإشراف بالذكاء الاصطناعي». وقال إن «(يوتيوب) ستمضي قدماً في توسيع الإنفاذ بالذكاء الاصطناعي رغم مخاوف المبدعين».

ويعتقد الصحافي المصري، المدرّب المتخصص في الإعلام الرقمي، معتز نادي، أن النموذج الأنسب ليس اختياراً بين مراجعة بشرية أو شفافية خوارزميات تعلن عنها منصة «يوتيوب»، بل معادلة هجينة تجمع أيضاً الذكاء الاصطناعي. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ذلك يتحقق من خلال الفرز أولاً وفق معايير واضحة، لكن مع مراجعة بشرية إلزامية تشرح سبب المخالفات والبنود التي تعرضت للانتهاك في السياسة الخاصة بالموقع وكيفية تقديم استئناف (ضد قرارات الحظر)».

وتعليقاً على تصريح رئيس «يوتيوب» بأن الشركة ستواصل توسيع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، قال معتز نادي إن «العلاقة المقبلة مع صُناع المحتوى ستكون على المحك، فالمنصة تريد الـAI (الذكاء الاصطناعي) لأنه سلاحها لتنقيح كل المحتوى في ظل العدد الهائل من الحسابات».

وأضاف أن «صُنّاع المحتوى أمام سيناريو مواصلة العمل على منصة (يوتيوب) للحصول على مزيد من الأرباح والانصياع لسياساتها وبنودها، أو التفكير في الهجرة لمنصة تواصل اجتماعي أخرى، لكن يبقى هاجس المكاسب حاضراً، فالكل يبحث عن زيادة موارده، والكنز هنا هو الجمهور بعدد مشاهداته، ومن ثم سيكون الربح هو لغة التعامل بينهما».


بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
TT

بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)

أقفل الإعلامي اللبناني الراحل بسّام برَّاك باب العربية الفصحى وراءه ومشى. أصدقاؤه وزملاؤه، عندما تسألهم من يرشحون لحمل إرثه، يردّون: لا أحد. حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه. أبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. ألقابه ترتبط ارتباطاً مباشراً بها، وهي كثيرة. فهو «الأستاذ» و«المعلّم» و«عاشق اللغة» و«حارسها». كثيرون من أهل الإعلام والصحافة يعدّونه شخصية لن تتكرر في لبنان. وكان برَّاك قد رحل بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الـ53 عاماً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

حالة العشق هذه لم يكن يخفيها عن أحد. يفتخر بإجادة العربية وبالتحدث بها في أي مكان ومناسبة. حتى عندما يحاور أولاده في البيت كان يتكلّم معهم بالفصحى، وهو على يقين بأن زرع بذور العربية في أعماقهم، لا بدّ أن تتفتّح براعمها عند الكبر.

الإعلامية لينا دوغان رافقته في مشوار إعلامي طويل (الشرق الأوسط)

جائزة بسام برَّاك للغة العربية

حلم الإعلامي الراحل بتنظيم جائزة يكرّم من خلالها اللغة المغرم بها. فهو تربّى في منزل يهوى أفراده، من والدين وأخوة، العربية. نشأ على حبها والإعجاب بها. حاول أكثر من مرة إطلاق الجائزة، غير أن ظروفاً عاكسته. وعندما أصابه المرض وبدأت صحته تتراجع، أوصى زوجته دنيز بأن تنفذها بعد مماته.

تقول دنيز لـ«الشرق الأوسط»: «كان يطرب للعربية فيقرأها بنهم، ويتحدث بها بشغف. كانت فكرة الجائزة تراوده دائماً. وعندما مرض أوكل هذه المهمة لي. وسنعلن عن هذه الجائزة في الذكرى السنوية الأولى لوفاته، ونقدمها لمن يستحقها».

المناسبة الثانية التي سيتم تكريم بسام برَّاك خلالها تقام في 18 ديسمبر (كانون الأول)، ويصادف اليوم العالمي للغة العربية. تنظّم مدرسة العائلة المقدسة التي كان أستاذ الصفوف العربية فيها، يوماً كاملاً لاستذكاره.

كان الراحل برّاك يلقب بـ"عاشق اللغة العربية وحارسها" (الشرق الأوسط)

بسام الزميل الخلوق

عندما تسأل أصدقاء الراحل بسام برَّاك عنه تأتيك أجوبة متشابهة، وجميعها تصب في خانة «الزميل الخلوق». يؤكدون كذلك أنه إعلامي متميّز بشدة حبّه للعربية الفصحى.

الإعلامية لينا دوغان التي رافقت برَّاك في مشوارٍ مهني طويل، تعدّه مثلها الأعلى في اللغة العربية. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كان دقيقاً جداً في ملاحظاته للأخطاء في العربية. فعندما تسمع أذنه أي لفظ أو إلقاء أو خطأ يقترفه مذيع أخبار، يبادر إلى تصحيحه بشكل تلقائي».

وعن التأثير الذي تركه بسام على الذاكرة الجماعية من خلال اللغة، تردّ: «لقد قام بخطوة استثنائية في هذا الخصوص. أطلق مسابقة (الإملاء باللغة العربية). ووضع حجر الأساس للغة نحكيها، ولا نجيد قواعدها ولا كتابة ألفاظها. حتى أنه كان من النادر جداً في المسابقة المذكورة، أن ينجح أحد فيها، مع أن المتسابقين من الطراز الأول، ويتألفون من دكاترة واختصاصيين في العربية، إضافة إلى أدباء ووزراء ونواب».

تروي لينا دوغان أنه لبالغ ولعه بالفصحى، كان يتكلمها مع أطفاله. «تخيلي كان عندما يتوجه لابنه الصغير الذي يؤدي بالفرنسية أغنية طفولية معروفة (Tape les mains) يقول له: (صفّق صفّق). كان حارساً للغة، يعدّها أساسية في هويتنا العربية». وتضيف: «لقد كان إعلامياً مثقفاً جداً ومهذباً، خلوقاً. وهو ما بتنا نفتقده اليوم في مهنتنا».

وعما تعلّمته منه تردّ: «الكثير وأهمها الدقّة في العمل. ولا سيما قراءة النص أكثر من 10 مرات كي أتقّن إذاعته. كما تعلمت منه المثابرة في العمل. فبسام كان يملك تقنية إلقاء مثالية. ومرات كثيرة يرتجل مباشرة على المسرح في مناسبة يطلب منه تقديمها».

الإعلامي جورج صليبي كان رفيق دربه في المهنة وفي حب فيروز (الشرق الأوسط)

فيروز ألهمته فرحل وهو يردد «إيماني ساطع»

علاقة وطيدة كانت تربط بين بسام برَّاك والسيدة فيروز. وكان يردد بأنه عشق العربية من خلالها. كان صوتها يلهمه للبحث في هذه اللغة، وكذلك إتقان مخارج الحروف وعملية تحريك النص. آخر مشوار للقائها، قام به بمناسبة تقديم التعازي لفيروز بوفاة نجلها زياد الرحباني، رافقه فيه زميله وصديقه الإعلامي جورج صليبي. وتشير زوجته دنيز إلى أنه كان على علاقة وثيقة بـ«سفيرتنا إلى النجوم». «كانا يتبادلان الهدايا في المناسبات، ومن بينها ربطة عنق أوصاني بأن يرتديها عندما يرحل. وكان يزورها بين وقت وآخر. أما أغنيتها (إيماني ساطع) فقد بقي يسمعها حتى لحظاته الأخيرة». وتتابع: «صوت فيروز كان يرافقنا دائماً، في البيت كما في السيارة، وفي أي مناسبة أخرى. فلا يتعب ولا يملّ من سماعه وكأنه خبزه اليومي».

ولكن من ترشّح زوجته ليكمل طريق بسام في العربية؟ تجاوب: «في الحقيقة لا أعرف من يمكن أن يحمل هذا الإرث. بسام كان يبدي إعجابه بكثيرين يجيدون العربية الفصحى قراءة ولفظاً، ومن بينهم زملاء كالإعلاميين يزبك وهبي وماجد بو هدير وجورج صليبي ومنير الحافي والمؤرّخ الدكتور إلياس القطار وغيرهم، وجميعهم ضليعون بالعربية ويحبونها».

أصدر بسّام برَّاك كتاباً واحداً من تأليفه بعنوان «توالي الحبر»، وتضمن صوراً أدبية كثيرة، وضعها تحت عنوان الحبر، ومن بينها «حبر الحب» و«حبر الوطن» و«حبر فيروز». كما كتب مؤلفاً بعنوان «أسطورة المال والأعمال»، يحكي فيه سيرة عدنان القصار كرجل أعمال وسياسي. والجدير ذكره أن الإعلامي الراحل تأثر كثيراً بأستاذه الراحل عمر الزين. فهو من وضعه على سكة الفصحى المتقنة خلال عمله الإذاعي عبر أثير «صوت لبنان». وعندما رحل الزين أوصى بمنح برَّاك مكتبته المؤلفة من مجلدات ومؤلفات عربية، وكذلك من مدونات، وقصاصات، ورقية وخواطر. واليوم يترك بسام خلفه، إرثين، أحدهما يخصه، والآخر ورثه عن عمر الزين.

صداقة وزمالة وذكريات مع بسام برَّاك

كل من عرف الراحل بسام برَّاك عن قرب من زملاء وأصدقاء، يحدثك عنه بحماس. فالإعلامي يزبك وهبي يعتبره نابغة في مجاله، وكذلك زافين قيومجيان الذي قال عند رحيله إن اللغة العربية أصبحت يتيمة، بينما وصفه الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون بأنه كان «الصحّ دوماً».

حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه، فأبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته

من جهته، يقول زميله جورج صليبي الذي بقي على اتصال به حتى لحظاته الأخيرة، بأنه الزميل الصديق والوفي. كانت تربطه به علاقة مميزة، عمرها 33 سنة، منذ عملهما سوياً في إحدى الإذاعات اللبنانية في أوائل التسعينات. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لجيلنا كان الراحل برَّاك مرجعنا الوحيد للعربية. نتصل به ونستفهم منه حول كيفية تحريك عبارة ما. وحتى عن معنى كلمة تصادفنا لأول مرة. كان موسوعة متنقلة للغة العربية. وأعتبره مقاتلاً شرساً في سبيلها».

ويستطرد صليبي: «كان يبالغ أحياناً في اعتماده الفصحى في أي زمان ومكان. وأذكر مرة عندما أهداني ربطة عنق، اتصلت به لأشكره، قال لي: لا نسميها كرافات أو ربطة عنق، بل (الإربة). فلا أحد يضاهيه في ثقافته وغوصه في هذه اللغة».

ترافق صليبي وبرَّاك في حبّهما لفيروز. الاثنان مولعان بها ويحبان أغنياتها ويحضران حفلاتها، فيلحقان بها أينما كانت حتى خلال تقديمها تراتيل كنائسية. «أول حفلة حضرناها معاً لفيروز، كانت في 17 سبتمبر (أيلول) من عام 1994 وسط بيروت. وبقينا نتذكر هذا التاريخ في موعده من كل عام. فيروز كانت تمثّل له العالم الذي يعشقه تماماً، كما اللغة العربية. وحتى عندما كنا نزورها سوياً، كان يخرج من عندها مفعماً بالفرح والإعجاب».

التقاه صليبي قبل 36 ساعة من وفاته: «حزن كثيراً لمصابه، فمرضه العضال أفقده القدرة على النطق. وهو ما كان يعدّه النقطة الأساسية في مهنته. فكان يحزّ في قلبه كثيراً هذا السكوت الذي ابتلي به وفُرض عليه. المرض أفقده صوته وشغفه بالإلقاء. وكان يعبّر عن هذا الأمر بلوم وعتب. وفي آخر لقاء معه كان شبه فاقد لوعيه، ولا أعرف إذا ما كان يسمعني، أخبرته عن ذكرياتي معه، وعن فيروز وأمور أخرى يحبها».

أما عن إرث بسام برَّاك اللغوي والأدبي، فيعلّق صليبي: «أرشيف غني وضخم، كان يملكه زميلي الراحل بسام. وهو تضاعف بعدما أوصى عمر الزين بتحويل مكتبته الأدبية له بعد رحيله. هذان الإرثان يجب أن يتم الاهتمام بهما من قبل مؤسسة جامعية أو ثقافية، لأن الحفاظ عليهما يفوق قدرة الفرد الواحد».