الفيتو الروسي الـ14... إصرار على قبول «الواقع على الأرض»

مخيم للنازحين السوريين في كفر لوسين شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
مخيم للنازحين السوريين في كفر لوسين شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
TT

الفيتو الروسي الـ14... إصرار على قبول «الواقع على الأرض»

مخيم للنازحين السوريين في كفر لوسين شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
مخيم للنازحين السوريين في كفر لوسين شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)

لم يكن مفاجئاً استخدام روسيا حق النقض (فيتو) مجدداً لإفشال مشروع قرار «إنساني»، إذ مهدت موسكو لهذا التطور بإبراز تحفظها أكثر من مرة، لأن «المجتمع الدولي لا يتعامل بشكل يتناسب مع الواقع الميداني الجديد» في سوريا.
هنا الإشارة، لا تقتصر على أنه تم إضعاف «داعش» إلى أقصى درجة، وتقويض وجوده على مساحات واسعة، ما يتطلب تعاملاً مختلفاً مع الملف الإنساني ومسائل إدخال المساعدات. الأهم بالنسبة إلى موسكو أن الحكومة السورية نجحت بمساعدة الروس في فرض سيطرة على مساحات شاسعة كانت مغلقة أمامها خلال السنوات الماضية، وأن هذا «الواقع على الأرض» الذي انتقد المندوب الروسي في مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا إمعان غالبية المجتمع الدولي في تجاهله، يجب أن يؤسس من وجهة النظر الروسية لآليات جديدة في التعامل مع كل الملفات المتعلقة بسوريا، وبالدرجة الأولى الملف المتعلق بالنشاط الدولي على مستوى تقديم المساعدات الإنسانية.
المنطق الروسي ينطلق من ضرورة مواصلة الضغط لترجمة النتائج الميدانية التي تحققت إلى إنجازات سياسية، وهو أمر فشلت فيه موسكو حتى الآن، ليس فقط على صعيد ملف المساعدات الإنسانية، بل في مناحٍ أخرى كثيرة تتعلق بترتيبات إطلاق التسوية السياسية، وبالإقرار بخطوات موسكو وشركائها في «مسار آستانة»، فضلا عن المساعي التي لم تحقق آفاقا واسعة حتى الآن، في حشد التأييد الدولي اللازم لمشروعي عودة اللاجئين وإعادة الإعمار. كل هذه أمور ما زال المجتمع الدولي يتعامل بتحفظ مع خطوات موسكو فيها، والفيتو على «القرار الإنساني» جاء ليذكر مجددا أن موسكو قادرة في المقابل بمعونة وغطاء من الحليف الصيني على عرقلة محاولات تجاوز ملامح «الواقع» الذي تم فرضه على الأرض بالقوة العسكرية.
لم تكن موسكو راضية عن الآلية التي فرضت دوليا لإدخال المساعدات منذ يوليو (تموز) 2014 عندما تم تبني القرار 2165 في مجلس الأمن، وهو قرار يضع آليات لنظام الإمداد المبسط للإمدادات الإنسانية والطبية إلى سوريا من الدول المجاورة عبر الخطوط الأمامية والمعابر الحدودية، وخصوصا عبر الحدود مع تركيا بشكل أساسي. تلك الآلية كان يتم تجديدها سنويا، ونجحت في تحقيق الكثير ووفقا للقرار الدولي كان يحق للوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركائها استخدام الطرق عبر خطوط المواجهة ونقاط التفتيش في معابر باب السلام وباب الهوى واليعربية والرمثا.
لكن رياحا كثيرة مرت على الأرض السورية منذ منتصف عام 2014، وتغيرت موازين القوى بشكل جذري، كما تغير إلى حد كبير تعامل المجتمع الدولي مع الأزمة التي طال أمدها وزادت تعقيداتها. وبالنسبة إلى موسكو ما كان مسموحا بالأمس، عندما كانت المعارضة تسيطر على أكثر من ثلثي الأرض السورية لم يعد مسموحا الآن، عندما غدت القوات الحكومية تقف قرب الحدود مع تركيا شمالا، وعلى الحدود مع الأردن جنوبا.
لذلك اختارت موسكو أن تذهب بالمواجهة السياسية إلى آخرها هذه المرة، عبر تعطيل مشروع القرار المقترح من جانب الترويكا (ألمانيا وبلجيكا والكويت) وعبر طرح مشروع روسي تعلم موسكو سلفا أنه لن يحصل على الأصوات التسعة الكافية لتمريره في مجلس الأمن.
بشكل مباشر، يعني ذلك أن يوقف المجتمع الدولي أي تحرك لقوافل مساعدات إنسانية أو جهود تصب في «الملف الإنساني» بدءا من العاشر من يناير (كانون الثاني) المقبل، وهو موعد انتهاء مدة صلاحية القرار الذي لم يتم تجديده.
تعول موسكو على أن المجتمع الدولي سيبدأ بالبحث عن آليات جديدة للتعامل مع الملف الإنساني في سوريا، وأن الطريق لذلك لن يكون إلا عبر الخضوع للرغبة الروسية (حتى لو جزئيا ومن جانب بعض أطراف المجتمع الدولي) بفتح قنوات اتصال مباشرة، والتنسيق مع دمشق حول هذا الملف.
هذا أمر عبر عنه بوضوح المندوب الروسي عندما قال بعد انتهاء عمليات التصويت: «أعتقد أن شركاءنا بحاجة إلى أن يكونوا واقعيين وأن يفهموا ما يمكنهم تحقيقه في هذا الموقف وما هو مستحيل بالفعل».
«المستحيل» من وجهة النظر الروسية أن تقبل موسكو باستمرار تجاهل إنجازاتها الميدانية. ورغم أن موسكو كانت مستعدة للتعاطي بشكل تدريجي، مع هذا الملف عبر طرح التعديل بتقليص عدد المعابر المفتوحة أمام المساعدات الإنسانية إلى النصف، وتقليص مدى سريان الآلية من سنة إلى ستة أشهر، لكن رفض المشروع الروسي جعلها تتخذ الموقف النهائي، لأن «المساومة هنا كانت ستعني إظهار أن روسيا ليست قادرة على الدفاع عن الخطوات التي حققتها ما قد ينعكس على كل المبادرات والآليات التي تطرح من جانب موسكو» وفقا لتحليل خبير تحدثت إليه «الشرق الأوسط».
ما لا يقل أهمية عن الموقف من «أسلوب فرض المساعدات الإنسانية» هو عدم الرضا الروسي عن آليات توزيع المساعدات الدولية، واشتكت موسكو أكثر من مرة من أنها يجب أن توجه إلى «كل المناطق». لذلك كان المشروع الروسي المقدم يركز على «توسيع المناطق التي تصلها المساعدات» مع ربط هذا الأمر بأن يتم تسليم المساعدات الدولية إلى الحكومة، وهي تتولى عملية توزيعها على المناطق.
الموقف الروسي بدا واضحا في ضرورة تضييق الخناق أكثر على إدلب والمناطق التي ما زالت خارج سيطرة النظام. مرة أخرى، أثبتت موسكو قدرتها على شل تحرك مجلس الأمن، حتى في الملفات الإنسانية، لكن الفارق أن «الفيتو» الروسي لم يثر في هذه المرة الضجة الدولية التي أثارتها مواقف مماثلة سابقة، فالوضع حول إدلب مع التصعيد العسكري الحاصل حالياً، يحتل المساحة الأكبر من الاهتمام بدلاً من التركيز على الملف الإنساني وحده، فضلاً عن التعقيدات الكثيرة المحيطة بالتوغل التركي في الشمال، والموقف الملتبس في شرق الفرات.



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.