ترمب والتجارة والاحتجاجات... أبرز مخاوف الأسواق الصاعدة في 2020

العالم يترقب «تبديد حالة الغموض» ومصير كثير من المسائل العالقة

حاويات شحن في ميناء سياتل بالولايات المتحدة (أ.ب)
حاويات شحن في ميناء سياتل بالولايات المتحدة (أ.ب)
TT

ترمب والتجارة والاحتجاجات... أبرز مخاوف الأسواق الصاعدة في 2020

حاويات شحن في ميناء سياتل بالولايات المتحدة (أ.ب)
حاويات شحن في ميناء سياتل بالولايات المتحدة (أ.ب)

ارتفعت قيمة أسواق الأسهم في العالم على مدار العام الجاري بنحو 3 تريليونات دولار، وتراجعت تقلبات أسعار العملة إلى أقل مستوياتها منذ خمس سنوات، كما انخفضت الفوارق بين العائد على السندات إلى أقل مستوى لها منذ نحو ثلاث سنوات.
ومن الناحية الظاهرية، تنهي الأسواق الصاعدة عام 2019 بخطوات قوية. ولكن بإمعان النظر، يجد المرء الكثير من المخاطر التي تنتظر المستثمرين، من الانتخابات الأميركية إلى الاحتجاجات الشعبية في الكثير من مناطق العالم، والمخاوف المستمرة بشأن تداعيات الحروب التجارية. وبالإضافة إلى هذه المخاطر، هناك المشكلات التي تواجه كل دولة على حدة، مثل ارتفاع وتيرة الإفلاس في سوق السندات المحلية الصينية وتباطؤ النمو الاقتصادي في الهند، واشتداد حدة أزمة نقص الكهرباء في جنوب أفريقيا، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية.
وتشير «بلومبرغ» إلى وجود عدة تصورات متباينة بشأن آفاق الأسواق الصاعدة التي تمثل نحو 60 في المائة من الاقتصاد العالمي، وهو ما يجسده التباين في النظرة المستقبلية لهذه الأسواق، فمجموعة «يو بي إس» المصرفية السويسرية ترى أن الأصول الأعلى مخاطرة في الأسواق الصاعدة ستحقق عائدات بسيطة خلال 2020، في حين يقدم بنكا الاستثمار الأميركيان «غولدمان ساكس» و«جيه بي مورغان تشيس»، صورة أكثر إشراقا لأسواق الأسهم في الدول النامية خلال العام المقبل. ويرى بنك «مورغان ستانلي» أن سندات الأسواق الصاعدة مرشحة للارتفاع خلال العام المقبل.
ويقول ديفيد وو، المحلل الاقتصادي في «بنك أوف أميركا»، والذي قال قبل عام إنه غير متحمس للتعامل في الأسواق الصاعدة ولو بأقل قدر، إن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ومصير قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) سيطرا على الأسواق وقادا حركتها خلال عام 2019، لكن العام الجديد «سيدور حول تبديد حالة الغموض المحيطة بالسياسات، وهو ما سيؤدي إلى زيادة النمو العالمي عبر نمو الطلب مع اتجاه الشركات نحو إعادة بناء مخزوناتها واستئناف الإنفاق الاستثماري».
ويرى بنك «إتش إس بي سي هولدنغز» البريطاني الذي كان يتبنى نظرة متفائلة بشأن 2019 في وقت سابق، أن القادم سيكون أصعب... ويرى محللو البنك، وبينهم بول ماكيل، وجو وانغ، المقيمان في هونغ كونغ أنه «مع التقدم نحو 2020، لا تمضي الأوضاع في اتجاه واحد بالنسبة لعملات الأسواق الصاعدة بحيث تشكل حالة تعاف واسعة النطاق... سيكون عاما آخر مخيبا للآمال».

- الحروب التجارية
كما كان الحال في العام الحالي، سيتابع المستثمرون في الأسواق الصاعدة كيفية تطور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين خلال العام الجديد.
وهناك شكوك كثيرة حول إمكانية أن يؤدي ما يسمى اتفاق المرحلة الأولى الذي تم الإعلان عنه الشهر الحالي إلى تقدم كبير بشأن المشكلات الأكثر عمقا بين البلدين، مثل الاستياء الأميركي من شبكة الدعم الصناعي الضخمة التي توفرها بكين للشركات الصينية. ومن شأن أي إشارة إلى تزايد التوتر بين البلدين، أن تؤثر سلبا على الأصول المالية في الدول النامية، وليس على اليوان الصيني فقط.
ويقول «بنك أوف أميركا» إن «نتيجة الحرب التجارية الأميركية الصينية أساسية بالنسبة للنظرة المستقبلية للأسواق الصاعدة في 2020».

- {الفيدرالي} والدولار
وأنعش جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، أصول الأسواق الصاعدة الأسبوع الماضي عندما لمح إلى اعتزام المجلس وقف الزيادة في أسعار الفائدة الأميركية حتى عام 2021، على الأقل. وإذا حدث هذا بالفعل، فإن الدولار لن يسجل ارتفاعا، كما أنه سيضمن استمرار تدفق رؤوس الأموال إلى الأسواق الصاعدة.
وفي المقابل، إذا ارتفعت معدلات التضخم على نحو غير متوقع، قد يضطر مجلس الفيدرالي والبنوك المركزية الرئيسية في العالم إلى زيادة أسعار الفائدة، وتقليص الفارق في العائد على سندات الدول المتقدمة والصاعدة، فالمستثمرون يحصلون على عائد إضافي عندما يشترون سندات دولارية تصدرها الدول الصاعدة بدلا من سندات الخزانة الأميركية. وقد انخفضت السندات الأميركية إلى أقل مستوياتها منذ أبريل (نيسان) 2018، ليقل الفارق في العائد على سندات الدول الصاعدة والسندات الأميركية إلى أقل من 300 نقطة أساس خلال الشهر الحالي، بحسب بيانات بنك «جيه بي مورغان».

- تباطؤ النمو
يعتقد صندوق النقد الدولي أن الاقتصادات الصاعدة ستحقق معدل نمو يصل إلى 4.6 في المائة خلال العام المقبل، أي نحو ثلاثة أمثال معدل نمو الاقتصادات المتقدمة. ولكن النمو في الصين والهند يتباطأ، وهو ما سيضر بالاقتصادات الصاعدة ككل، بحسب تقديرات بنك «سيتي غروب» الأميركي.
ويرى المحللان ديفيد لوبين في لندن، وديرك ويللر في نيويورك أن «معدلات النمو المحتملة للأسواق الصاعدة تتراجع... ويثير هذا أسئلة بشأن أسعار الأصول، وبخاصة العملات الأجنبية».
وفي المقابل، يرى بنك «غولدمان ساكس» أن البرازيل والمكسيك وروسيا وجنوب أفريقيا ودولا أخرى صاعدة لديها مساحة للحركة على صعيد تخفيف السياسة النقدية، على المدى القصير على الأقل، لتعزيز النمو وهو ما يمثل نبأ سارا بالنسبة للأسواق الصاعدة ككل. ويقول البنك إن هذا سيعزز مكاسب الشركات، وسيساعد الأوراق المالية الصاعدة في تحقيق عائد للمستثمرين يصل إلى 11 في المائة خلال 2020.
ويقول محللو «غولدمان ساكس»، وبينهم أندرو تيلتون: «يمكن للكثير من البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة، خفض الفائدة مجددا خلال الشهور المقبلة، رغم أن عدد البنوك المستعدة للخفض سيتراجع بمرور الوقت».
وقد تستمر ظاهرة البحث عن عائدات أعلى خلال العام المقبل، وبخاصة مع استمرار الفائدة المنخفضة في الاقتصادات المتقدمة، ولكن تراجع العائد على السندات بالعملة المحلية خلال العام الحالي، يعني احتمال تراجع جاذبية الأسواق الصاعدة لرؤوس الأموال الساخنة سريعة الحركة.
وتراجع متوسط سعر العائد على السندات المحلية في الدول النامية إلى 4.2 في المائة، وهو أقل مستوى له منذ أكثر من 10 سنوات، بحسب «مؤشرات بلومبرغ باركليز».
وعلى الرغم من ذلك، يرى محللو بنك «سوسيتيه جنرال» الفرنسي أن المستثمرين ما زالوا يراهنون على الأموال الساخنة للاستثمار في بعض العملات الأعلى مخاطرة. ويوصي محللو البنك بالاستثمار في السندات المحلية المصرية والنيجيرية على أساس أنها قد تعطي عائدا يزيد على 12 في المائة خلال العام المقبل، في حين يوصي «بنك أوف أميركا» بالاستثمار في سندات عملة كازاخستان.

- انتخابات الرئاسة الأميركية
ويمكن أن تترك الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية المقررة يوم 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، أثرها على الأسواق العالمية؛ حيث يرى أغلب المحللين أن الوقت لا يزال مبكرا للغاية على القول ما إذا كانت أصول الأسواق الصاعدة ستستفيد من إعادة انتخاب دونالد ترمب لولاية ثانية، أو من فوز مرشح آخر.
ويقول محللو «سوسيتيه جنرال»، وبينهم جاسون داو في سنغافورة: «هل سيكون فوز ترمب بولاية رئاسية ثانية، أو فوز مرشح ديمقراطي، بالرئاسة نبأ جيدا أو سيئا للأسواق المالية؟ سيظل هذا السؤال مفتوحا، ولكن سيكون هناك تأثير على السياسة الاقتصادية أو الثقة قبل وبعد الانتخابات».

- اضطرابات أميركا اللاتينية
تشهد أميركا اللاتينية احتجاجات شعبية واسعة امتدت من تشيلي إلى الإكوادور وبوليفيا وكولومبيا، على أمور كثيرة، من غياب المساواة إلى الفساد. ومنذ بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي سجلت السندات الدولية لدول أميركا اللاتينية صعودا، لكنها ما زالت أقل مما حققته سندات الاقتصادات الصاعدة الأخرى خلال الأشهر الستة الماضية.
ويقول محللو «سيتي غروب»، وبينهم دانا بترسون: «في عام 2020 لن يختفي الغضب الشعبي ضد الحكومات... الأوضاع السياسية ستؤثر بشدة على أميركا اللاتينية وستظل تؤثر بشدة على حركة التداول في المنطقة».

- إفلاس الحكومات
كان عجز الحكومات عن سداد ديونها السيادية أمرا نادرا خلال السنوات الأخيرة، ولكن في عام 2020، يمكن أن ينضم مزيد من الدول إلى فنزويلا التي توقفت عن سداد ديونها منذ عامين. لقد صارت الأسواق أشد قلقا بشأن الأوضاع في الأرجنتين ولبنان وزامبيا.
وفي أوائل أغسطس (آب) الماضي تراجعت العملة والسندات الأرجنتينية، في أعقاب فوز ألبرتو فرنانديز، المفاجئ، بالانتخابات الرئاسية الأولية، مما فتح الباب أمام صعود اليسار إلى سدة الحكم. وأشار فرنانديز الذي أدى اليمين الدستورية في وقت سابق من الشهر الحالي، إلى اعتزامه الدخول في محادثات جديدة مع الدائنين بشأن سداد الديون المتأخرة.
وتقول كارمن راينهارت، أستاذة الاقتصاد بجامعة هارفارد، إن معركة إعادة جدولة ديون الأرجنتين هذه المرة، ستكون أشد ضراوة من تلك السابقة التي استمرت 15 عاما بعد توقف الأرجنتين عن سداد ديونها عام 2001.


مقالات ذات صلة

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

الاقتصاد امرأة على دراجتها الهوائية أمام «بورصة بكين»... (رويترز)

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

من المتوقع أن يشهد النمو العالمي تباطؤاً في عام 2025، في حين سيتجه المستثمرون الأجانب إلى تقليص حجم الأموال التي يوجهونها إلى الأسواق الناشئة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد برج المقر الرئيس لبنك التسويات الدولية في بازل (رويترز)

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

حذّر بنك التسويات الدولية من أن تهديد الزيادة المستمرة في إمدادات الديون الحكومية قد يؤدي إلى اضطرابات بالأسواق المالية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون في كوريا الجنوبية يعملون أمام شاشات الكومبيوتر في بنك هانا في سيول (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الآسيوية تنخفض في ظل قلق سياسي عالمي

انخفضت الأسهم في آسيا في الغالب يوم الاثنين، مع انخفاض المؤشر الرئيسي في كوريا الجنوبية بنسبة 2.3 في المائة.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ )
الاقتصاد لافتة إلكترونية وملصق يعرضان الدين القومي الأميركي الحالي للفرد بالدولار في واشنطن (رويترز)

غوتيريش يعيّن مجموعة من الخبراء لوضع حلول لأزمة الديون

عيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجموعة من الخبراء البارزين لإيجاد حلول لأزمة الديون المتفاقمة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الاجتماع السنوي الرابع والخمسون للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (رويترز)

المنتدى الاقتصادي العالمي: قادة الأعمال يخشون من الركود وارتفاع التضخم

أظهر استطلاع للرأي أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي يوم الخميس أن قادة الأعمال على مستوى العالم يشعرون بالقلق من مخاطر الركود ونقص العمالة وارتفاع التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«المركزي الأوروبي» يخفض أسعار الفائدة للمرة الرابعة هذا العام

لافتة أمام مقر البنك المركزي الأوروبي (د.ب.أ)
لافتة أمام مقر البنك المركزي الأوروبي (د.ب.أ)
TT

«المركزي الأوروبي» يخفض أسعار الفائدة للمرة الرابعة هذا العام

لافتة أمام مقر البنك المركزي الأوروبي (د.ب.أ)
لافتة أمام مقر البنك المركزي الأوروبي (د.ب.أ)

خفض البنك المركزي الأوروبي، الخميس، أسعار الفائدة للمرة الرابعة هذا العام، مع إبقاء الباب مفتوحاً لمزيد من التيسير النقدي في المستقبل، مع اقتراب معدلات التضخم من الهدف واستمرار ضعف الاقتصاد.

وخفض «المركزي» للدول العشرين التي تتشارك اليورو معدل الفائدة على الودائع البنكية، والذي يؤثر على ظروف التمويل في المنطقة، إلى 3 في المائة من 3.25 في المائة. وكان المعدل قد وصل إلى مستوى قياسي بلغ 4 فقط في يونيو (حزيران) الماضي، وفق «رويترز».

وأشار البنك إلى إمكانية إجراء تخفيضات إضافية من خلال إزالة الإشارة إلى الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوى «مقيد بشكل كافٍ»، وهو مصطلح اقتصادي يشير إلى مستوى تكاليف الاقتراض الذي يكبح النمو الاقتصادي.

وقال البنك المركزي الأوروبي: «إن ظروف التمويل تتحسن، حيث تعمل تخفيضات أسعار الفائدة الأخيرة التي أجراها مجلس الإدارة على جعل الاقتراض الجديد أقل تكلفة للشركات والأسر تدريجياً. لكنها تظل متشددة لأن السياسة النقدية تظل مقيدة ولا تزال الزيادات السابقة في أسعار الفائدة تنتقل إلى المخزون القائم من الائتمان».

ولا توجد تعريفات عالمية لمستوى الفائدة الذي يعدّ مقيداً، لكن الاقتصاديين يرون عموماً أن المستوى المحايد، الذي لا يعزز النمو ولا يبطئه، يتراوح بين 2 و2.5 في المائة.

وبموجب قرار الخميس، خفض البنك المركزي أيضاً معدل الفائدة الذي يقرض به البنوك لمدة أسبوع إلى 3.15 في المائة ولمدة يوم واحد إلى 3.40 في المائة.

ولم يتم استخدام هذه الآليات بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث وفَّر البنك المركزي النظام المصرفي باحتياطيات أكثر من حاجته عبر برامج ضخمة لشراء السندات والقروض طويلة الأجل.

لكنها قد تصبح أكثر أهمية في المستقبل مع انتهاء هذه البرامج. وأكد البنك المركزي الأوروبي، الخميس، أنه سيوقف شراء السندات بموجب برنامجه الطارئ لمواجهة جائحة كورونا هذا الشهر.