العراق... احتجاجات «نريد وطناً» في وجه نفوذ إيران

هتافات معادية لرموز طهران وأعمال حرق لقنصلياتها ومقاطعة لبضائعها

العراق... احتجاجات «نريد وطناً» في وجه نفوذ إيران
TT

العراق... احتجاجات «نريد وطناً» في وجه نفوذ إيران

العراق... احتجاجات «نريد وطناً» في وجه نفوذ إيران

يلخص شعار «نريد وطناً» الذي رفعه المتظاهرون العراقيون مطلع حراكهم، الذي انطلق مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. كل ما يتعلق برغبتهم في تغيير صورة بلادهم التي لحق بها كل ما هو «مشين» برأيهم على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما لحق بها من أدران الفساد وسوء الإدارة والعمالة المعلنة لغالبية قواها السياسية لقوى الخارج.
وعلى رغم وجود أكبر سفارة في بغداد للدولة التي احتلت بلادهم عام 2003، وهي هنا الولايات المتحدة الأميركية، فإن حدة النقمة الشعبية عليها، لا تعادل بما لا يقارن مع تلك النقمة المتصاعدة ضد إيران لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر، أن واشنطن وخلافاً لطهران، لم تجد من بين صفوف العراقيين من يسارع إلى التصريح علناً بأنه سيقف معها في أي اعتداء تتعرض له، بينما تحظى طهران بعشرات الفصائل المسلحة الموالية لها التي تعلن ليل نهار أنها ستقف معها في حال تعرضها إلى أي اعتداء. وهذا يفسر محلياً على أنه ولاء معلن وغير شرعي لدولة خارجية على حساب البلاد ومصالحها.

ثمة أسباب عديدة وراء تصاعد مشاعر الكراهية واللا ارتياح من الدور الإيراني في العراق. وهي مشاعر اتخذت أشكالاً شتى، سليمة أحياناً وتتمثل بالانتقادات الشديد التي يوجّهها ناشطون ومثقفون وسياسيون لسياسات طهران في العراق، وعنفية تمثلت في حرق قنصلياتها التي لها منها إضافة إلى السفارة في بغداد 5 قنصليات في عموم البلاد، خلافاً لبقية دول العالم، وهذا مؤشر آخر على حجم النفوذ الإيراني في العراق.
كربلاء والنجف
مشاعر العداء ضد طهران تفجّرت، وبطريقة غير مسبوقة ربما، ظهرت في مظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) التي ما زالت متواصلة. ففي الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أقدم محتجون في محافظة كربلاء التي تعد ثاني (هناك مَن يعدها الأول) أهم مركز ديني لدى الطائفة الشيعية في العالم لارتباطها بالحسين بن علي الشهيد، وأقدموا على إحراق القنصلية الإيرانية فيه. وفي يوم 27 من الشهر نفسه - نوفمبر (تشرين الثاني) - هاجم المتظاهرون القنصلية الأخرى في مدينة النجف، وأضرموا النار فيها، ثم عادوا مرتين متتاليتين وأحرقوا إجزاء من القنصلية ذاتها. بل إن بعض الناشطين شبّهوا حينها «تندّراً» قنصلية إيران في النجف بـ«أركيلة» تبغ يتسلى المحتجون في دخانها وحرقها بين حين وآخر. في عمليتي الحرق بكربلاء والنجف، دارت مواجهات عنيفة مع قوات الأمن خلّفت عشرات الجرحى بين المتظاهرين. ويقول مقربون من صناعة القرار الإيراني إن «القنصليتين في النجف وكربلاء مثلث أحد أكبر الصدمات غير المتوقعة لصناع القرار في طهران، وقد جاءت بعد سنوات من النفوذ وشبكة واسعة من العلاقات والمصالح في أهم مدينتين شيعيتين».
قد تبدو عمليات حرق القنصليتين ذروة ما وصل إليه الغضب الشعبي في النجف وكربلاء خاصة والعراق عموماً ضد الهيمنة الإيرانية التي باتت لا تطاق بنظر غالبية السكان منذ سنوات، لكن ذلك لا يقلل من أهمية عوامل أخرى مماثلة قام بها المتظاهرون في بغداد وبقية المحافظات. حيث عمدوا إلى حرق الكثير من صور المرشد الإيراني علي الخامنئي وقائد فيلق «القدس» التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، وردد المتظاهرون في غالبية الساحات أهازيج وشعارات منددة بإيران. كذلك قام متظاهرون في النجف مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بتغيير اسم «شارع الإمام الخميني» وسط المدينة إلى «شارع شهداء ثورة تشرين». وشملت التصرفات الاحتجاجية المناهضة لإيران إطلاق حملة واسعة لمقاطعة بضائعها في العراق وأطلق الناشطون منذ أسابيع هاشتاغ «خلوها تخيس» بمعنى «دعوها تتعفّن».
البعد القومي
المحامي والناشط محمود الخزرجي في كربلاء يرى، أن أسباب الكره الشعبي للإيرانيين في كربلاء والنجف كثيرة «بعضها متغلل ذات طابع قومي عربي - إيراني يعود لعقود طويلة، وبعضها يعود للسنوات القليلة الماضية». وعن أسباب السنوات الماضية، يقول الخزرجي لـ«الشرق الأوسط» شارحاً: «ثمة وعي متنامٍ لدى الأجيال الجديدة من الشباب التي باتت تدرك حجم الخطر الذي تمثله إيران على مصالحهم ومصالح البلاد بشكل عام، وباتوا يدركون حجم التغلغل الإيراني في جميع مفاصل الدولة والمجتمع، وحجم النظرة الاستعلائية التي يمارسها الإيرانيون في كربلاء والنجف».
ويضيف الخزرجي: «هناك أيضاً، شعور متنامٍ لدى الشباب في كربلاء والنجف أن الحكومات المحلية في المحافظتين واقعة تحت سيطرة ونفوذ الإيرانيين، إلى جانب الكره التقليدي الذي يكنّه سكان المدن الدينية لبعض رجال الدين، ثم جاءت الهيمنة الإيرانية على طيف واسع من المعممين لتزيد نقمة الشباب وغضبهم».
ويشير الخزرجي إلى سبب آخر يرى أنه وراء أسباب النقمة ضد الإيرانيين وحرق قنصلياتهم وهو أن «كربلاء تتألف من خليط سكاني تتحدر أعداد كبيرة منه من الطبقات الفقيرة في محافظات الجنوب العربية، وهؤلاء تحديداً، ينظرون غالباً بازدراء وعدم احترام لمن يطلقون عليهم توصيف (العجم)». ويضيف: «لا ننسى الدور الذي مارسته القنوات الإعلامية المموّلة إيرانياً في تضخيم دورها على حساب التضحيات التي قدمها العراقيون في الحرب ضد «داعش»، ومثّل استهانة بأرواح شباب العراق. هذا التضخيم المتعمد للدور المزعوم أدى إلى خلق مشاعر كراهية واسعة ضد إيران».
على أن عملية حرق أخرى مماثلة قام بها المتظاهرون وطالت القنصلية الإيرانية البصرة مطلع شهر سبتمبر (أيلول) 2018، مثلت ربما الشرارة الأولى لعمليات الحرق اللاحقة، التي تشير بوضوح لا يقبل التأويل إلى حجم الغضب الشعبي العفوي في المحافظات العراقية ذات الأغلبية الشيعية ضد نفوذ إيران وهيمنتها على العراق منذ سنوات، وهذا على رغم ما تردده إيران وأتباعها من أنها عمليات مخطط لها من قبل جهات وأجندة خارجية.
المحور الإيراني الواضح
ومع ذلك، لا يمكن بأي حال النظر إلى عمليات الحرق وجميع الأفعال المناهضة لإيران التي وقعت خلال الاحتجاجات العراقية التي انطلق في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بوصفها لحظة آنية مبتورة عن سياقها الممتد منذ سنوات الذي ترجح اتجاهات غير قليلة تفاعله وبروزه للعلن منذ عام 2011. الذي شهد انسحاب القوات الأميركية من العراق، ودخوله لاحقاً على المستوى السياسي الرسمي ضمن المحور الإيراني. ومعروفٌ، أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي كان قد أعلن دعمه لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد تماهياً مع الموقف الإيراني الرافض للانتفاضة الشعبية السورية التي تفجّرت في فبراير (شباط) 2011. ولذا نرى أنه بعد نحو 5 سنوات من ذلك التاريخ، ظهرت للعلن لأول أهزوجة «إيران بره بره... بغداد تبقى حرة» المعادية لحكم الولي الفقيه ونفوذه في العراق في هتافات المتظاهرين الذي اقتحموا مبنى البرلمان في 30 أبريل (نيسان) عام 2016.
مناهضة نفوذ إيران وغيرها في العراق، لا يقتصر على المواطنين العاديين وجماعات الحراك، إنما يتعداه إلى المرجعية الدينية في النجف وإن لم تشر إليه بشكل صريح مطلقاً، لكنها شدّدت في كثير من خطبها على سيادة العراق ورفض التدخلات الخارجية، وحول موقف مرجعية النجف وعلاقتها بنظام ولاية الفقيه في إيران يقول الباحث علاء حميد إدريس إن: «مرجعية النجف لا تتبنّى مبدأ ولاية الفقيه، رغم التشابه بين المرجعيتين، فهما يختلفان في التعامل مع السياسة والسلطة. إذ لم تكن السياسة حاضرة في ذوق مرجعية النجف طوال مراحل حضورها الاجتماعي والديني، ولا يأتي تدخّلها إلا بعد حصول أزمة أو يطلب منها التدخل».
ويضيف إدريس: «تنبع مرجعية النجف المتمثلة بالمرجع الديني للسيد علي السيستاني مع أن دورها يعتمد على النصح والإرشاد فيما يتعلق بالعراق بشكل مميّز دون بقية الدول التي يوجد فيها مسلمون شيعة، على العكس من المرجعية الدينية في إيران التي يعبّر عنها المرشد الإيراني علي الخامنئي؛ والتي تعمل على إيجاد نفوذ وحضور في أغلب مناطق الإقليم ومنها العراق، ولبنان، وفلسطين، وسوريا، والبحرين، واليمن». ويرى أن «مساحات النفوذ تكشف أن كلتا المرجعيتين مختلفتان بشكل ملموس في الأسلوب والعمل؛ فمرجعية النجف تعتمد مبدأ مسافة التوجيه؛ والمقصود بها الابتعاد عن الدخول في تفاصيل قضايا الشأن العام، أما مرجعية إيران فإنها تعمل ضمن مبدأ الحضور في تفاصيل تلك القضايا انطلاقاً من مبدأ ولاية الفقيه على عموم المسلمين».
ما فعله «داعش»
الكاتب الصحافي والمحلل السياسي سرمد الطائي، يرى أن «لحظة اجتياح تنظيم داعش للعراق كانت صدمة أنتجت وعي الجيل الجديد الذي لاحظناه يستهدف رموز إيران في البصرة وجنوب العراق خريف 2018. وفي هذا إدراك أن العراق يصبح تدريجياً كبش فداء في مواجهة دولية تقوم بها إيران، ولذلك ظهر رأي عام عراقي يرفض أن تنتقل أزمة مضيق هرمز إلى بغداد».
ويقول الطائي، الذي عاش شطراً من حياته في إيران إبان معارضته لحكم الرئيس الراحل صدم حسين لـ«الشرق الأوسط» إن حرب «داعش» الطويلة أدت إلى تشجيع جيل الشباب الكاره للحرب، على إدراك أن التغيير والإصلاح ليس رغبة عابرة كمالية، بل تحوّل حاسم هو مسألة حياة أو موت، لمنع القرارات الحمقاء في السياسة والأمن والاقتصاد.
وينظر الطائي إلى جيل الاحتجاج الجديد بوصفه «جيلاً مختلفاً عن سابقه ولا يمثل أهواءً سياسية بل ينتج عن تحول اجتماعي عميق يجب أن يؤدي إلى تحول سياسي، وهكذا فإن المجتمع الذي شهد توافق 2003 لم يعد مقرراً وحاسماً في عراق 2018 وما بعده من مظاهرات البصرة ولاحقاً مظاهرات تشرين.
وهذه العوامل مجتمعة، بحسب الطائي «أنتجت ثقة وطنية كبرى على أنقاض الفشل السياسي، لم تعد تتقبل أن يصبح العراق كما يردد قادة حرس الثورة الإيرانيين، مجرد مساحة نفوذ لطهران، فكانت مهاجمة المقرات التي ترمز لنظام إيران إعلاناً بسيادة عراقية جديدة يفرضها التحول الاجتماعي لا الطبقة السياسية الخائفة أو أو الحذرة من سطوة الجنرال قاسم سليماني».
محفّزات كثيرة
ومن جانبه، يرى رئيس «مركز التفكير السياسي» الدكتور إحسان الشمري، أن ثمة محفزات كثيرة لحالة العداء ضد إيران في الشارع العراقي، منها «دعمها لمعادلة السلطة التي أنتجت حكومة عادل عبد المهدي التي شكل أغلب أطرافها قوى وفصائل وثيقة الصلة بإيران، وبعد أن صورت هذه الحكومة باعتبارها المنقذة للبلاد، وجد العراقيون أنها حكومة تمثل أجندات خارجية وتسعى إلى ترجمة الرؤى الإيرانية على حساب الداخل العراقي». ويقول الشمري لـ«الشرق الأوسط»: إن «جولات عبد المهدي الخارجية بدت وكأنها محاولات لوقف تصاعد الخلافات بين واشنطن وطهران، مما دفع كثيرين للتساؤل عن جدوى ذلك، وهناك حريق داخلي في البلاد».
ويعتقد الشمري أن العامل الاقتصادي كان من بين أهم محفزات العداء الشعبي ضد إيران، حيث إن «تعامل إيران الاقتصادي واستحواذه على السوق العراقية وبالتالي إسهام ذلك في إيقاف النمو الاقتصادي العراقي على الصعيدين الحكومي والخاص أدى إلى ما يشبه عملية استلاب تام لاقتصاد البلاد دفع الناس وحرضهم على النقمة». وتضاف عوامل أخرى كان لها الدور الحاسم في إثارة الرأي العام العراقي ودفع المتظاهرين إلى حرق القنصليات الإيرانية، ضمنها «طبيعة التصريحات الاستفزازية التي أطلقها قادة إيرانيون ومست بشكل وثيق السيادة العراقية، خاصة تلك التي تتحدث عن تابعية العراق لإيران وارتباطه بمحور ما يسمى بالمقاومة، إلى جانب التصريحات التي أطلقت ضد المتظاهرين ووصفتهم بالمشاغبين المدفوعين من قوى خارجية». ولا ننسى طبعاً، والكلام للشمري «طبيعة الشخصية العراقية التي لا تقبل بالخضوع للأجنبي مهما كان أصله وانتماؤه».
وعن توقّعاته المستقبلية للعلاقة بين العراق وإيران عقب مرحلة حرق القنصليات والمظاهرات المنددة بنفوذها في العراق، يقول: «مهمة الحكومة المقبلة صعبة ومعقدة، وعليها أن تعمل بجد لوضع العلاقة بين البلدين على أسس من المصالح المشتركة وليس على أساس التابعية، وتوقعاتي أن تكون ضمن أولويات الحكومات المقبلة القيام بعملية شاملة لإعادة تقييم العلاقة بين البلدين وما عدا ذلك فإن الغضب الشعبي ضد إيران سيتزايد بمرور الأيام».
بدوره، يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي عبد الرزاق علي، أن «السلوكيات العنيفة للأشخاص أو للجماعات وللسياسات في التحليل السوسيولوجي هي ذلك الشعور بالكره والرعب واللاتسامح. وعادة ما تكون هذه السلوكيات بالاندفاع والتصرف الخارج عن السيطرة». ويقول علي لـ«الشرق الأوسط» إن «ما حدث في مدن البصرة وبغداد والنجف خلال الاحتجاجات الماضية والحالية وما نجم عنها من إقدام المحتجين على اقتحام وحرق القنصليات في النجف والبصرة ومحاولتهم الوصول وحرق السفارة الإيرانية في بغداد ما هي إلا تعبير عن الشعور بالكراهية واللاتسامح مع السياسة الإيرانية المتعلقة بالعراق». يشير الباحث علي هنا إلى المحاولات المتكررة للمتظاهرين في بغداد للوصول إلى السفارة الإيرانية في جانب الكرخ عبر جسر السنك والخلاني المؤديين إليها، مما أدى إلى وقوع خسائر كثيرة بين صفوف المتظاهرين نتيجة للاستخدام المفرط للقوة من قبل القوات الأمنية المرابطة على الجسرين.
تدخلات إيران بعد 2003
ويضيف علي أن «حقبة ما بعد 2003 شهدت تدخلات إيرانية محمومة للتدخل وصناعة جزء من المشهد السياسي العراقي وبحسب مؤشرات كثيرة دعمت السياسة الإيرانية وسعت جاهدة إلى تأسيس قوى سياسية وميليشياوية متعددة خدمة لمشروع وسياسات محددة تمثل مصالحها الاستراتيجية بغض النظر عن تقاطعها مع المصالح الوطنية العراقية». ويشير إلى أن «جيل الاحتجاج الحالي في الوسط والجنوب العراقي يمثل التعبير الجلي والواضح للشعور المتنامي لدى أغلب الشرائح الاجتماعية والتي ترفض سياسات إيران وتدخلاتها وصناعتها ودعمها لفصائل مسلحة وغير مسلحة تعمل بالضد من تطلعات المجتمع العراقي الذي ترزح غالبية أفراده في واقع غارق في الفساد والفشل والمعاناة من سياسات نهبوية تريد للعراق أن يبقى حديقة خلفية لإيران، وحاجتها لأن يكون العراق خط الصد الأول بمواجهة صراعها مع القوى الغربية».
ويتفق الباحث عبد الرزاق علي على أن «تصريحات القادة الإيرانيين ووسائل الإعلام الإيرانية المتعلقة بالعراق شكلت حالة من الاستفزاز والشعور العميق بسلب الإرادة الوطنية وربما حتى الإحساس بالمهانة والحيف والظلم في قرارة الشخصية العراقية، وتحديداً لدى جيل الشباب المحتج غير المتحدر بعقد آيديولوجية أو طائفية».

دور إيران في العراق... قبل الثورة السورية وبعدها

> يصعب النظر إلى عمليات الحرق التي طالت القنصليتين الإيرانيتين في كربلاء والنجف، بوصفهما أفعالاً تمثل لحظة ثورية أقدم عليها شباب غاضبون لا يدركون أهمية ما فعلوا، وتالياً النظر إليها كلحظة منقطعة الصلة بما قبلها من مشاعر عداء وغضب ضد إيران ونفوذها.
ذلك أنه منذ نحو عقد ونصف، ظل التساؤل حول إيران ودورها في العراق وما إذا كان مفيداً أو ضاراً يعاود الظهور بأشكال شتى وفي كل مناسبة تقريباً. وإذ نظرت قطاعات شيعية غير قليلة إلى الدور الإيراني قبل عام 2011 (العام الذي سحبت فيه الولايات المتحدة قواتها من العراق وانطلاق الثورة السورية) بنوع من القبول والتعاطف باعتباره داعماً للعهد الجديد الذي انطلق بعد 2003. فإن تلك القناعات باتت تتراجع شيئاً فشيئاً بعد ذلك التاريخ الذي انكشف فيه «الغطاء» عن الدور المهيمن لإيران، عبر سلسلة تصرفات قام بها حلفاؤها من الساسة وقادة الفصائل المسلحة، بصبر وسرية عاليين بتكريسه في العراق.
على مستوى الشارع نشط أتباع إيران بعد ذلك التاريخ في الترويج العلني للولي الفقيه عبر نشر صوره في الساحات والأزقة الشعبية في صورة لم يسبق لها مثيل، وبدأت الفصائل المسلحة تتحدث علناً عن «محور المقاومة» التي تنتمي إليه وتديره إيران.
وعلى المستوى السياسي، نشط رئيس الوزراء حينذاك نوري المالكي، بدعم إيراني واضح، في مطاردة خصومه من الساسة السنة البارزين أمثال نائب الرئيس السابق طارق الهاشمي ووزير المالية رافع العيساوي.
وبعد بضعة أسابيع على انطلاق الثورة السورية في فبراير (شباط) 2011، أرسل المالكي وفداً رسمياً رفيعاً ضم أعضاء بارزين من حزب «الدعوة» لدعم حكم الرئيس بشار الأسد، الأمر الذي فهم على نطاق واسع محلياً على أنها كانت الخطوة الأولى لزج العراق فعلياً في المحور الإيراني وما تلا ذلك تداعيات وصعود «داعش» واحتلاله نحو ثلث الأراضي العراقية. ومن ثم، ما ترتب عليه من صعود واضح لجنرالات إيران مثل، قاسم سليماني وغيره في الحضور الدائم داخل الأراضي العراقية بذريعة مساعدة البلاد في حربها ضد التنظيم الإرهابي.
من هنا يمكن اعتبار عام 2011، نقطة انطلاق إيران الواسعة في العراق بعد سنوات من العمل السري من جهة، ومن جهة أخرى لحظة تصاعد التساؤلات المحلية المعترضة على ذلك الدور وطبيعته التي مهدت لاحقاً لجميع الأفعال الشعبية المناهضة لإيران.


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.