دعاوى متبادلة بين النائب حبيش والقاضية عون

TT

دعاوى متبادلة بين النائب حبيش والقاضية عون

تفاعلت قضية توقيف رئيسة مصلحة تسجيل السيارات والآليات في بيروت هدى سلّوم، بقرار مفاجئ من النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، سياسياً وقضائياً؛ خصوصاً بعد دخول النائب هادي حبيش إلى مكتبها بصفته الوكيل القانوني عن سلّوم، وحصول مشادّة كلامية بينهما، بعدما اعتبر حبيش أن قرار التوقيف غير قانوني، وأن عون لم تستحصل على إذن مسبق لملاحقة موكلته من رئيستها المباشرة وزيرة الداخلية ريّا الحسن.
ورتّب هذا الإشكال تداعيات قانونية، بعد الدعاوى المتبادلة التي رفعها الطرفان بعضهما ضدّ بعض، لكن القاضية عون بدت المتضرر الأكبر في هذه المنازلة، بدليل قرار مجلس القضاء الأعلى بإحالتها على التفتيش القضائي، وقد حضرت عون شخصياً قبل ظهر أمس إلى النيابة العامة التمييزية، وتقدّمت بشكوى اتخذت فيها صفة الادعاء ضدّ حبيش بجرم «معاملة الشدّة، والقدح والذمّ وتحقير القضاء»، وطلبت التحقيق معه وتوقيفه، كما تقدّمت هيئة القضايا في وزارة العدل بشكوى مماثلة ضدّ حبيش بسبب الاتهامين أنفسهما.
وفور تبلغه هاتين الشكويين سارع النائب حبيش إلى تقديم دعوى ضدّ القاضية عون، وكشف لـ«الشرق الأوسط» أنه اتهم الأخيرة بـ«معاملته بالشدّة وبالقدح والذمّ وتحقير نواب ومحامين»، مؤكداً أنه «تقدّم بالدعوى ضمن مهلة الـ24 ساعة، كي تسري ملاحقة القاضية المذكورة بالجرم المشهود». ونفى حبيش تهمة معاملة القاضية المذكورة بالشدّة كما تدعي، وقال: «يمكن مراجعة الفيديوهات التي عممتها عون على وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما أوعزت إلى مرافقها بتصوير ما دار داخل مكتبها»، مشدداً على أن القاضية «هي من بادرت إلى التلفّظ بكلام وعبارات نابية بحقه، لا تليق بها امرأة وقاضية، ولا بالمركز الذي تشغله»، كاشفاً أنه تقدّم بشكوى مماثلة ضدّها أمام هيئة التفتيش القضائي، بسبب مخالفتها القانون، وتوقيف موكلته هدى سلّوم من دون إذن من وزيرة الداخلية.
ويبدو أن الطرفين خرجا بأضرار جسيمة جرّاء ما حصل، إذ إن النائب حبيش الذي يتمتّع بحصانة نيابية، لم يسلم من الانتقادات اللاذعة سواء من السياسيين أو من المراجع القضائية والناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب دخوله إلى مكتب عون، وما تبع ذلك من جدال حادّ وصراخ، والتلويح بإحالتها على التفتيش القضائي وإقالتها من منصبها، كما أن عون قد لا تخرج سليمة بعد هذا الإشكال، وقرار مجلس القضاء بإحالتها على التفتيش. وأكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن إحالتها على التفتيش «غير مرتبط بالإشكال الذي حصل بينها وبين حبيش، بل نتيجة تراكمات في سلوكها، وعقدها مؤتمراً صحافياً وإصدارها بيانات إعلامية من دون حصولها على موافقة مسبقة من مجلس القضاء أو وزير العدل»، معتبراً في الوقت نفسه، أن «اقتحام النائب حبيش مكتبها والتهجّم عليها، ولو لفظياً، أمر غير مبرر، تترتب عليه إجراءات قانونية».
ويشكّل قرار إحالة القاضية عون على التفتيش، ضربة معنوية لهذه القاضية المحسوبة على فريق رئيس الجمهورية ميشال عون، ويعزز فرضية نقلها من منصبها في التشكيلات القضائية التي ينكبّ مجلس القضاء على إعدادها، على قاعدة الكفاءة والنزاهة والاستقلالية، وبعيداً عن التدخلات السياسية. وتوقّع المصدر القضائي أن تبدأ هيئة التفتيش التحقيق مع القاضية عون الأسبوع المقبل، ولفت إلى أن «الإحالة على التفتيش لا تعني إيقاف القاضية عن ممارسة مهامها على رأس النيابة العامة في جبل لبنان، لأن هكذا إجراء رهن بقرار يصدر عن وزير العدل (ألبيرت سرحان)، أو توصية تصدرها هيئة التفتيش بنتيجة التحقيقات».
ومن المقرر أن يبدأ قاضي التحقيق الأول في بيروت جورج رزق، استجواب هدى سلوم قبل ظهر اليوم، على أن تمثل أمامه مخفورة في حضور وكيلها المحامي والنائب هادي حبيش أو من ينتدب من مكتبه، وفي ضوء الاستجواب يحدد رزق ما إذا سيصدر مذكرة توقيف بحقها أم يتركها بسند إقامة.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.