فيرجيني فيار تلعب على جينات الدار ... بحرفية

تؤكد في كل عرض تقدمه أن أسلوبها أقرب إلى غابرييل شانيل بنعومته وأنوثته

TT

فيرجيني فيار تلعب على جينات الدار ... بحرفية

في آخر لحظة غيرت دار «شانيل» موعد عرضها الخاص بخط «ميتيه داغ». عرض تعودت تنظيمه في بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) من كل عام في عاصمة من العواصم العالمية. هذا العام قررت إقامته في باريس، ولم يكن يخطر ببالها أنه يمكن أن يتزامن مع إضراب عام ستُعلنه النقابات لإصلاح نظام التقاعد، والذي شمل الكثير من القطاعات، من بينها المواصلات وإغلاق بعض الطرق خوفاً من أعمال الشغب.
رغم ضيق الوقت، استطاعت الدار تقديم عرضها قبل يوم من التاريخ الذي كان مقرراً، حتى تتفادى تعطل وسائل السير وفي الوقت تتجنب الإحراج أمام ضيوفها. والنتيجة كانت مفاجأة سارة؛ لأن كل شيء تم بسلاسة، باستثناء حالة البرد القارس التي لو كان بإمكان الدار التحكم فيها لما تأخرت.
كان هذا أول عرض تتسلطن فيه المصممة فرجيني فيار في «لوغران باليه» من دون أن يخيم شبح كارل لاغرفيلد على الأجواء، على الأقل بالنسبة للحضور؛ لأن المصممة، لم تتنكر لتأثيره عليها، قائلة «أنا ثمرة كل من كارل وغابرييل. فقد تشبعت برموز (شانيل) على مدى سنوات، ولمست عن قرب كيف كان كارل يطوعها».
لم يكن في قولها هذا مبالغة؛ لأنها كانت يده اليمين لـ30 عاماً تقريباً؛ وهو ما يجعل الفطام عنه صعباً في فترة وجيزة. لكن ما يُعطي قولها أهمية أكبر هو أنها كانت دائماً حلقة الوصل بينه وبين الورشات التي تعمل على تنفيذ أزياء وإكسسوارات خط «الميتييه داغ». هي من تتبادل معهم الأفكار وتُوضح لهم رؤية المصمم. عام 2020، تمخضت نقاشاتها مع هذه الورشات عن الكثير من التفاصيل المأخوذة من رموز الدار وجيناتها، مثل زهرة الكاميليا، والريش المتطاير، والسلاسل المجدولة على شكل ضفائر من الجلد، وحزم سنابل القمح المطرزة، وما شابه من رموز حرصت المصممة على صياغتها بأسلوب عصري خاص بها.
أول خطوة اتخذتها كانت اختيارها البقاء في باريس لعرض تشكيلتها بعد أن عودتنا الدار السفر بهذا الخط إلى عواصم عالمية مثل نيويورك وشانغهاي وهامبورغ وعواصم أخرى في السابق. اختارت لها أيضاً عنواناً تاريخياً يرتبط بغابرييل شانيل ارتباطاً وثيقاً هو «31 شارع غامبون» الذي كان مقر عملها وعيشها لسنوات طويلة من حياتها، وتركت فيه إرثاً لا ينضب من الجمال والأفكار. وإذا كان هذا العنوان ولمحات مما يتضمنه من تفاصيل قد ظهرت على الأزياء بشكل خفيف ومتوازن، فإنها في الديكور أخذت حجماً أكبر وأوضح. لتصميمه تعاونت مع المخرجة صوفيا كوبولا ليخرج بهذا الشكل. وحسب ما صرح به برونو بافلوفكسي، الرئيس التنفيذي لـ«ويمنز وير دايلي»، فإن «العرض يتعلق بالميتييه داغ، والعنوان هو 31 شارع غامبون، وهذا يعني شيئاً واحداً، وهو أننا في قلب دار (شانيل)».
جدير بالذكر، أن التعاون مع المخرجة صوفيا كوبولا لم يكن مفاجئاً؛ كونها ليست جديدة على عالم الموضة، ولا على دار «شانيل». بل العكس دخلت الدار منذ أن كان عمرها 15 سنة، كمتدربة، ومنذ ذلك الحين توطدت الصداقة بينهما بشكل رسمي، إلى حد أنها أخرجت مؤخراً شريط فيديو عن معرض «مادموازيل بريفيه» في طوكيو عربوناً لهذه الصداقة. تعاونها مع فيرجيني فيار لرسم معالم الديكور كان طبيعياً؛ كونها تعرف الكثير من زوايا الدار. الجميل في هذا الديكور أنه لم يحاول سرقة الأضواء من الأزياء على الإطلاق. كان هناك توازن بين الاثنين نسجته المصممة بالتويد وأزهار الكاميليا وألوان الذهب والماس؛ ما جعل الأنظار تتركز على الأزياء بالقدر نفسه. فالديكور، رغم فخامته، كان مجرد وسيلة لإدخال الضيوف عالم «شانيل» بدعوتهم إلى شقة غابرييل. وبما أن الشقة لا تستطيع احتواء عددهم الكبير، ارتأت المصممة أن تُحضرها لهم من خلال رموز بداخلها جمعتها غابرييل على مدى عقود، من الثريات الضخمة والرسمات المأخوذة من الـ«بارافانات» التي لا تزال تزين شقتها، إلى المرايا المستنسخة عن السلالم الشهيرة بشارع غامبون، حيث كانت المصممة تجلس مختبئة وراءها لتتابع العارضات وهن يتهادين بإبداعاتها، وتراقب ردود أفعال الزبونات وهن يتابعنهن.
ساعة من الزمن مرت قبل بدء العرض، وهو ما كان متعمداً لإعطاء الحضور فرصة التقاط صور وسط هذا الديكور المثير لنشرها على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، أو فقط للاحتفاظ بها كذكرى. ثم أطلقت إشارة بدء العرض بخفض الثريات الضخمة من السقف إلى مستوى يعلو الخشبة بقليل. بعدها مباشرة بدأت العارضات في النزول من السلالم، أولاً في مجموعة من المعاطف السميكة باللون الأسود مزينة بأحزمة مطرزة معقود بعضها من الخلف. تلتها تايورات بتنورات مستقيمة تحمل نكهة باريسية تشمها من بعيد، وكان واضحاً أنها متعمدة. فالمصممة التي عملت مع الراحل كارل لاغرفيلد لنحو 30 عاماً، لا تزال تذكر أول عرض من خط «الميتييه داغ»، في عام 2002، وكيف كان أيضاً بالنكهة نفسها. لكن لا بد من القول إن الكثير من رموز الدار جاءت أكثر وضوحاً في تشكيلتها لعام 2020، سواء تعلق الأمر بزهرة الكاميليا التي طُرزت إما على تنورة من الصوف، أو ظهرت بشكل ثلاثي الأبعاد على جاكيت أو قميص أبيض أو تعلق بحُزم سنابل القمح التي كانت الآنسة غابرييل تتفاءل بها ورُسمت هي الأخرى بلون الذهب على جاكيت من التول بالأسود، فضلا عن «31 شارع غامبون» التي كتبتها على صدر كنزات من الصوف. موتيفات مأخوذة من البارافانات التي تزين شقتها ظهرت هي الأخرى في أجزاء صغيرة مثل حواشي الأكمام أو الجيوب. جُرعاتها كانت خفيفة مقارنة بما كان يقدمه كارل لاغرفيلد لهذا الخط، فضلاً عن أنه سبق له أن طلب من ورشة «لوساج» تطريز الكثير من موتيفات هذه البارافانات في معاطف قدمها في تشكيلة الـ«هوت كوتور» لخريف 1996 بسخاء أكبر. تبرير المصممة أنها كانت تريد أن تأتي كل قطعة من المجموعة وكأنها «صيد ثمين» يبقى مع صاحبتها طويلاً، وهو ما حققته بمخاطبتها كل الأذواق والأجيال.
إذا كان لا بد من الحكم على التشكيلة، فلا بد من القول إنها لم تكن جريئة ولا ثورية، بقدر ما كانت أنيقة تعبق بنفس أنثوي جديد رغم تقيدها الشديد برموز الدار والنص الذي كتبته غابرييل شانيل وبعدها لاغرفيلد. أخذت من كل منهما عناصر أيقونة مثل زهرة الكاميليا، وصاغتها بأسلوب باريسي عصري تعرف أنه سيلمس وتراً حساساً بداخل المرأة، أياً كان عمرها أو بيئتها. فهذه تشكيلة لكل الأذواق، ولامرأة لا تريد أي تعقيدات في حياتها بقدر ما تريد أزياء سهلة تُبرز أناقتها في كل مناسباتها ولا تتطلب منها الكثير لتنسيقها.
وهذا ما يُحسب للمصممة الفرنسية. فهي لا تتسرع التغيير، بل العكس، تعمل بهدوء على وضع بصمتها بشكل تدريجي، ومن خلال تغييرات طفيفة تأخذ سياسة وثقافة الدار بعين الاعتبار. ورغم هذا، نجحت في إضافة لمستها كأنثى تفهم بنات جنسها.
فرغم عملها مع لاغرفيلد لنحو 30 عاماً، تؤكد تصاميمها لحد الآن، أنها أقرب إلى أسلوب غابرييل شانيل. بيد أن الأهم بالنسبة للدار، أنها تتمتع باللمسة الميداسية نفسها التي كان يتمتع بها سلفها، وليس أدل على هذا من أن أول تشكيلة من خط الكروز صممتها حققت نجاحاً كبيراً بعد طرحها في الأسواق مباشرة. كما أن حقيبتها من الخط نفسه، والتي تتميز بـ«لوغو» جديد، نالت إقبالاً كبيراً إلى حد أنها نفذت من محال الدار. هذه اللمسة الميداسية ستمتد إلى الحقائب التي اقترحتها في عرضها هذا. فهي لا بد أن تثير الرغبة نفسها فيها، ولا سيما تلك التي أخذت شكل قفص استلهمته من قفص في شقة غابرييل، وإن كان أيضاً يستحضر حملة ترويجية قامت بها المغنية الفرنسية فانيسا بارادي لعطر «كوكو» الشهير عام 1992 وظهرت فيها في قفص مماثل. فهذه التصاميم المبتكرة إلى حد الغرابة هي التي تثير فتيات الجيل الجديد، اللواتي لم تنس التوجه إليهن من خلال تصاميم قصيرة، تكشف جزءاً من الخصر حيناً والسيقان حيناً آخر، ليبقى القاسم المشترك بينها، تطريزاتها المبتكرة. لهؤلاء أيضاً اقترحت أفكاراً لتطويع الكلاسيكي بالعصري، مثل تنسيق فساتين مبطنة طويلة على شكل معاطف باللون الذهبي مع بنطلونات من الدانتيل أو مطرزة من الجوانب، في مزيج لذيذ بين الكلاسيكي والشبابي، وطبعاً «اللوغو» الذي يعشقنه.
نهاية العرض اختلفت عن البداية. غاب اللون الأسود تقريباً فيما عدا بعض الفساتين المصنوعة من الدانتيل، وغلبت ألوان الذهب والمرجان التي ظهرت في فساتين سهرة كما في تايورات وكنزات مفتوحة من الصوف الناعم وفساتين منسدلة من الموسلين أو الدانتيل مزين بعضها بالريش أو برشات من الذهب في الحواشي والأحزمة.

- كان الراحل كارل لاغرفيلد هو من ابتدع فكرة «ميتييه داغ» في عام 2002. لم تكن فكرته نابعة من رغبته في إبراز مهارات الورشات التي تتعامل معها الدار ومدى حرفيتها فحسب، بل كانت لإنقاذها من الإفلاس والغياب أيضاً. فقد انتبه إلى أن الكثير من الشركات العائلية الصغيرة تمر بظروف اقتصادية صعبة يمكن أن تودي بها إلى الإفلاس. فباريس التي كانت تحتضن في بداية القرن الماضي المئات من الورش المتخصصة في كل مجالات الموضة، بدأ عددها يتقلص بعد الأربعينات والخمسينات. دار «ليساج» مثلاً اضطرت إلى تخفيض عدد العاملين بها من 120 إلى نحو خمسين فقط في الثمانينات، في حين أعلن بعضها إفلاسه وأغلق أبوابه. كان الأمر يستدعي تدخلاً عاجلاً، وهو ما قام به كارل لاغرفيلد غير مكتفٍ بإنقاذهم فحسب، بل حرص على أن يجعلهم نجوماً. بدأ يتعمد تسليط الضوء على حرفيتهم سواء في عروض الأزياء الموسمية، وتحديداً الـ«هوت كوتور» التي تعتمد على مفهوم صُنع باليد، أو في خط الـ«ميتييه داغ» الذي كما يدل اسمه هو عن المهارات الفنية التي تتمتع بها كل ورشة، من «باري» الواقعة في منطقة «هاويك» بين تلال وهضاب اسكوتلندا، وتتخصص في غزل الصوف والكشمير إلى «ماسارو» المتخصصة في الأحذية و«ليماري» في الزهور والريش و«ميزون ميشيل» في تصميم وصناعة القبعات و«ديسرو» في صناعة الأزرار و«غوسن» لصناعة الذهب والفضة و«لوساج» و«مونتيكس» للتطريز و«غييه» لصنع الورد و«غوسنس» لصناعة القفازات».
على الأرض، كانت فيرجيني فيار هي حلقة الوصل بينه وبين كل الورشات المساهمة في هذه العروض؛ لهذا كان من البديهي أن تُصبح لديها دراية عالية بكل ما يجري فيها وبأدق تفاصيلها، وهو ما أكدته في عرضها الأخير.


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
TT

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها. بيوت الأزياء الكبيرة هي الأخرى تتسابق على حجز مكان رئيسي لها على هذه الواجهات لتسليط الضوء عليها وعلى إبداعاتها. فما لا يختلف عليه اثنان أن هذه الواجهات والزينة، بما في ذلك الأنوار التي تُزين الشوارع والساحات، تعد نقطة جذب سياحي تعتمد عليه لندن كل سنة. عادةً ما تبدأ الحجوزات قبل فترة طويلة.

وبما أن محلات «هارودز» معلمة ووجهة سياحية، فإن فرصة العرض فيها لا تقدر بثمن، وبالتالي فهي لا تمنح الفرصة لأيٍّ كان لاحتلال واجهاتها. لكنَّ «لورو بيانا» ليست أياً كان؛ فهي من أهم بيوت الأزياء العالمية حالياً. تصاميمها المترفة تجذب النظر وتحفز حركة البيع في الوقت ذاته، بدليل أنها من بين بيوت أزياء تعد على أصابع اليد الواحدة لا تزال تحقق الأرباح رغم الأزمة التي ألمَت بكثير من الأسماء الشهيرة.

احتلت «لورو بيانا» كل واجهات محلات «هارودز» بمناسبة الأعياد والاحتفالات (لورو بيانا)

هذا العام، أُتيحت لها الفرصة لتجعل 36 نافذة عرض في «هارودز» ملكها الخاص. لم يكن الأمر سهلاً. بدأت العمل عليه منذ أكثر من عام تقريباً ليأتي بصورة تسلط الضوء على تاريخها وإرثها وأيضاً مهارات حرفييها بشكل جيد، وهو ما مثَّلته «ورشة العجائب» Workshop of Wonders. فكرتُها استعراضُ خبراتهم في غزْل الصوف وأساليبهن الخاصة في المزج بين الحرفية والفن. هنا سيستمتع الناظر بقصة تُسرد من زاوية مدهشة تتبع رحلتهم، من المراعي و طرق عيش الخرفان والغزلان الخرفان وكيفية الحصول على المواد الخام وصولاً إلى المنتج النهائي.

ورشة العجائب

تتميز بديكورات متحرّكة ميكانيكية تُجسّد فكرة مسرح الدمى من خلال الآليات التي تحركها وراء الكواليس. أغلبها من الخشب لتعزيز الطابع اليدوي التقليدي. فهذه الورشة تعكس فكرة مفادها أنّ الطبيعة نفسها ورشة من الجمال والتفرد والكمال.

الجنود المجهولون أو الحرفيون أخذوا نصيبهم من الاحتفال باستعراض مهاراتهم أمام الضيوف (لورو بيانا)

تأتي التصاميم هنا مستوحاة من روح عشرينات القرن الماضي، وهي الحقبة التي أبصرت فيها الدار النور، ممّا يعزز الشعور بالعراقة من خلال استخدام القوام الخشبي والألوان الدافئة الممزوجة بلمسات من الذهب المطفي. تملأ المشهد، دمى مرسومة ومحاطة بسحب من الصوف المنسوج يدوياً. هنا أيضاً يُكشف الستار عن مجتمعات الحرفيين الماهرين Masters of Fibers والأماكن الساحرة حول العالم، حيث يعيش الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال. هنا كل شيء يتأرجح بين الواقع والخيال،

وخلال هذه الفترة، ستفتتح الدار متجرَين جديدَين في «هارودز»؛ الأوّل مخصّص لأزياء الصغار، والآخر للديكور المنزلي، إلى جانب منتجات وتصاميم حصرية تحتفي بتاريخ الدار وبموسم الأعياد.

الواجهة والنوافذ

الجميل في تصميم الواجهات أن التركيز لم يقتصر على عرض تصاميمها بشكل يُغري المتسوقين، بقدر ما جرى التركيز على أخذهم في رحلة ممتعة إلى أماكن بعيدة، لتُعرفهم من أين تُستورد الألياف النادرة قبل أن تتحول إلى رزمٍ قطنية ثم إلى أقمشة فاخرة، يُزيِن بعضها شجرة عيد ميلاد بارتفاع 17 متراً .

... وطبعاً لا تكتمل الإطلالات من دون حقائب تعكس اهتمام الدار بالتفاصيل (لورو بيانا)

صُممت كل نافذة بدقة لتحاكي تحفة فنية تروي مرحلة من تاريخ «لورو بيانا» وقصةً نجمُها الرئيسي أليافٌ وأنسجة خفيفة على شكل رزم تتحرك على حزام ناقل، لتتحوّل إلى قماش من خلال آلية مذهلة، وفي النهاية تتّخذ شكل شجرة عيد ميلاد بطول 17 متراً مزينة بالأقمشة وحلة العيد الفريدة.

نوافذ أخرى، تسرد فصولاً تتناول مواقع ومجتمعات «الحرفيين الماهرين» Masters of Fibers من منغوليا وأستراليا وجبال الأنديز وما بعدها، وصولاً إلى إيطاليا حيث يتم تحويل الألياف والمواد الخام إلى قطع لا تقدر بثمن.

منها ما يحكي قصص صوف الفيكونيا، ونسيج بيبي كشمير، وصوف الملوك وقماش «بيكورا نيراPecora Nera® وغيرها. النوافذ المخصّصة لـصوف الملوك مثلا تركز على عملية البحث عن أفضل المراعي الخضراء لخراف المارينو، وهي عملية تعود بنا إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين وصل القبطان جيمز كوك إلى نيوزيلندا وأستراليا، حاملاً معه خراف المارينو لأول مرة. لدهشة الجميع، وجدت هذه الخراف مكانها المثالي، حيث حظيت بعناية مكثفة على يد المربّين المحليين ومنحتهم هذه الخراف بدورها أجود أنواع الصوف في العالم. أمّا نافذة Pecora Nera® فتروي رؤية وإبداع المزارعة النيوزيلندية فيونا غاردنر التي ركّزت على الخراف ذات اللون الداكن تحديداً. صوفها الثمين يتحوّل إلى ألياف طبيعية لا تحتاج إلى صبغات.

قطع حصرية لـ«هارودز»

احتفالاً بالذكرى المئوية للدار وأسلوبها المتميز بالفخامة الهادئة، تم طرح مجموعة جاهزة للرجال والنساء، حصرياً في «هارودز». كان من الطبيعي أن تستمد إيحاءاتها من الأناقة البريطانية الكلاسيكية مطعَّمة بلمسات مستوحاة من الفروسية وأنماط المربعات، إضافةً إلى اللون الأخضر الأيقوني الخاص بـ«هارودز» و ألوان أخرى مستوحاة من أجواء العيد، مثل الأحمر والأبيض.

لم تستسهل «لورو بيانا» عملية تزيين 36 نافذة وكانت النتيجة مرآة لتاريخها وإرثها (لورو بيانا)

الإطلالات المسائية للمرأة في المقابل تتميز بفساتين طويلة من الحرير المطرّز يدوياً وفساتين محبوكة بقصات عمودية، إلى جانب قمصان ناعمة مصنوعة هي الأخرى من الحرير تم تنسيقها مع سراويل واسعة بسيطة بعيدة عن التكلّف. تضيف أحذية الباليه المسطحة المصنوعة من المخمل الأسود، والصنادل ذات الكعب العالي المطرزة بزهور الشوك الذهبية، لمسة نهائية راقية.

من جهته يتألق رجل «لورو بيانا» في كل المناسبات الرسمية والاحتفالات الموسمية، بفضل التشكيلة الواسعة من البدلات الرسمية.

متجران مؤقتان

سيجد زائر «هارودز» كل ما يطمح إليه من أزياء أو إكسسوارات مصنوعة من أجود أنواع الألياف (لورو بيانا)

بهذه المناسبة خصصت الدار متجرَين مؤقّتَين من وحي الأعياد. الأول في الباب 6، ويشمل عناصر مستوحاة من ورش العمل والأقمشة المطرّزة. تتوسطه طاولة عمل من الجلد مضاءة بمصباح علوي، بالإضافة إلى عجلة صناعية كبيرة تعرض المنتجات الجلدية والإكسسوارات. يمكن للزوّار هنا العثور على تشكيلة حصرية من ربطات العنق والقبّعات المصنوعة من الكشمير الفاخر للأطفال، والصوف، وقماش التويل الحريري بألوان هادئة أو مزيّنة بزخارف تحمل رموز الدب وزهرة الشوك وغيرها. أما للمنزل، فتتوفر تماثيل خشبية للماعز والألباكا، بالإضافة إلى نسخ محشوة منها على قواعد خشبية. وقد جرى تخصيص زاوية خاصة لإدخال اللمسات الشخصية على وشاح Grande Unita الأيقوني، حيث يمكن للعملاء تطريز الأحرف الأولى من أسمائهم.

استلهمت الدار الإيطالية كثيراً من التصاميم من الأجواء البريطانية العريقة... من الأشكال والقطع إلى الألوان (لورو بيانا)

أما المتجر الثاني بباب 9، فخُصّص لفنّ تقديم الهدايا وتجربة حصرية يمكن حجزها لمزيد من المتعة. تبدأ بتعريف الضيوف بعالم الحرف اليدوية، من خلال أشجار الأعياد المغلّفة بالصوف والكشمير، وحيوانات محشوة على شكل الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال، بالإضافة إلى رؤوس أقلام على شكل حيوانات. وتتجلّى بهجة موسم الأعياد في كرة الثلج المصنوعة من الخشب والزجاج التي تضم ماعز الكشمير محاطاً بحبّات الثلج المتطايرة. يستضيف هذا المتجر أيضاً ورشة عمل تُتيح للضيوف اختبار مهاراتهم في الحرف اليدوية أو تعلّم كيفية صنع زينة العيد وتغليف نماذج خشبية بالصوف.

تستمر فعاليّات Workshop of Wonders حتّى الثاني من يناير (كانون الثاني) 2025، وتُشكّل جزءاً مهماً وأساسياً من احتفالات الدار بعيدها المئة حول العالم، وبذكرى تأسيسها عام 1924 على يد بييترو لورو بيانا.