سادت المشاعر السيئة قمة حلف شمال الأطلسي حتى نهاية الاجتماع، خلال يومين من انعقاده في الذكرى السبعين لتأسيس هذا التكتل العسكري؛ حيث وصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بأنه «ذو وجهين» بعد ظهور شريط فيديو في حفل استقبال في قصر باكنغهام، تبدو فيه مجموعة من القادة الأوروبيين يسخرون من ترمب بسبب مؤتمراته الصحافية. وألغى ترمب مؤتمراً صحافياً نهائياً كان مقرراً، ليعود مباشرة إلى واشنطن، على الرغم من تفاخره بإقناع حلفائه الأوروبيين بزيادة الإنفاق الدفاعي وإقناع تركيا بالتخلي عن اعتراضاتها على اعتماد خطة دفاع محدثة لدول البلطيق وبولندا. وغرد ترمب عبر موقع «تويتر» قائلاً: «عندما تنتهي اجتماعات اليوم، سأعود إلى واشنطن. لن نعقد مؤتمراً صحافياً في ختام قمة الناتو، لأننا قمنا بكثير منها خلال اليومين الماضيين». وكان من المقرر في البداية أن يلقي ترمب كلمة للصحافيين بعد محادثات مع نظرائه الـ28 في الحلف.
وتسبب الخلاف في بداية متوترة لليوم الأخير للقمة، التي كان يأمل الحلف أن تكون عرضاً للوحدة «لأنجح حلف عسكري في التاريخ»، وتظهر كيف أن الغرب يمكن أن يقف أمام تحديات من روسيا والصين. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد أثار زوبعة قبل وصوله إلى لندن، بوصفه الحلف «بالميت سريرياً». إلا أنه أكد أمس في نهاية القمة أن الدفاع الأوروبي ليس خياراً أمام «الناتو»، لكنه إحدى ركائز هذا الحلف، الذي يواجه الخلافات بشأن الإنفاق داخله، والتهديدات المستقبلية القادمة من قوى عالمية صاعدة مثل الصين، ودور تركيا في التكتل الدفاعي.
في الأسابيع الأخيرة، حاول ماكرون تغيير جدول الأعمال، من خلال المطالبة بمراجعة استراتيجية الحلف، لكن ترمب - الذي وصل متفاخراً بأنه أجبر الأعضاء على زيادة الإنفاق الدفاعي - ردّ بقوة. ولم يخفِ الرئيس الأميركي قبل القمة استياءه إزاء انتقادات نظيره الفرنسي بشأن الحلف. وقال إن هذه التصريحات «مهينة للغاية» و«مسيئة جداً»، مشيراً إلى أنه «لا أحد بحاجة إلى الحلف الأطلسي أكثر من فرنسا».
ورغم أن ترمب خفف من لهجته لاحقا، فإن ماكرون تمسك بموقفه، وقال إنه مسرور لأنه تمكن من تحويل النقاش في الناتو من المال إلى الأمور الاستراتيجية. ولم تصل سوى 9 فقط من الدول الأعضاء في الناتو إلى هدف الإنفاق المتفق عليه في قمة الحلف عام 2014 بإنفاق 2 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع قبل عام 2024. ورغم كل خلافاتهم التي ظهرت على السطح، تعهد قادته بالتضامن لمواجهة التهديدات من روسيا والإرهاب، وأقروا بالتحديات التي يمثلها تصاعد نفوذ الصين. ووافق الزعماء الـ29 على بيان مشترك، على الرغم من الانقسامات بشأن الإنفاق والاستراتيجية.
وبدأ اليوم الثاني والأخير من القمة مع بثّ شريط فيديو يظهر ترودو، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ورئيس وزراء هولندا مارك روتي يسخرون من تسبب ترمب في تأخير اجتماعات الأيام السابقة. وأثار ذلك غضب ترمب الذي انتقد ترودو لعدم تحقيق هدف أعضاء الناتو بإنفاق 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي على الدفاع. وقال ترمب إن ترودو «ذو وجهين» وأضاف: «إنه شخص لطيف. أعتقد أنه شخص لطيف، لكن الحقيقة هي أنني انتقدته بسبب عدم دفعه نسبة 2 في المائة، وأعتقد أنه ليس سعيداً بذلك». وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان هدد بعرقلة خطة دفاع البلطيق المحدثة ما لم يوافق حلفاؤه على تسمية المقاتلين الأكراد في شمال شرقي سوريا الذين ساعدوا في هزيمة تنظيم «داعش» بأنهم منظمة «إرهابية». واستبعد الرئيس الفرنسي احتمال التوصل إلى توافق مع تركيا على تعريف الإرهاب. وقال ماكرون: «لا أرى أي توافق محتمل». وأضاف: «واضح أننا لسنا موافقين على تصنيف وحدات حماية الشعب الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي كمجموعة إرهابية، وأعتقد أن هناك توافقاً على هذا الأمر»، مشيراً إلى نظرائه في الناتو، ما عدا تركيا.
أما رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون فقال إن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا اتفقت على إجراء مزيد من المحادثات مع تركيا بعد علمها «بالضغوط الهائلة» التي تتعرض لها أنقرة. وقال جونسون: «ندرك الضغوط الهائلة التي تواجهها تركيا»، مشيراً إلى اللاجئين والتهديد الإرهابي «الحقيقي جداً» الذي يمثله حزب العمال الكردستاني المحظور (بي كيه كيه). وأضاف جونسون: «ولذلك فقد اتفقنا على مواصلة الحوار». والتقى جونسون والمستشارة الألمانية أنجيلا الثلاثاء على هامش قمة الحلف في لندن. وأضاف: «كل ما حاولناه هو فهم خطط تركيا لمستقبل الشريط الذي تحتله في شمال سوريا»، وطالب جونسون بتجنب سوء فهم نوايا أنقرة، واختتم كلامه بالقول: «ما قررناه هو أن نواصل الاحتفاظ بهذا المنتدى وأن نواصل المحادثات». وأطلقت تركيا عملية عسكرية في سوريا في مناطق حدودية تستهدف المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم إرهابيين. في حين ساندت الفصائل الكردية التحالف الدولي في معركته ضد تنظيم «داعش» والمنظمات المسلحة الأخرى. وهاجم ماكرون الثلاثاء أنقرة، واتهمها بالعمل مع «مقاتلين مرتبطين» بالتنظيم المتطرف. لكن رغم الخلافات نجح القادة في الاتفاق على «إعلان لندن»، وسحبت تركيا اعتراضاتها بعد أن عقد ترمب اجتماعاً جانبياً غير مقرر مع إردوغان. وجاء في البيان: «في هذه الأوقات الصعبة، نحن أقوى كحلف، وشعوبنا أكثر أماناً». وأضاف: «إن رابطنا والتزامنا المتبادل قد كفل لنا حرياتنا وقيمنا وأمننا لمدة 70 عاماً». وهذا البيان هو الأول الذي يعترف في الحلف بالتحدي الاستراتيجي المتزايد الذي تمثله الصين. كما أكد على الحاجة إلى رد فعل منسق أقوى ضد الإرهاب.
وأبقى الحلف على احتمال إقامة «علاقة بناءة مع روسيا عندما تجعل تصرفات روسيا ذلك ممكناً»، لكنه شدد على التهديد الذي يمثله نشر موسكو صواريخ نووية متوسطة المدى.
وفي إشارة إلى المخاوف الفرنسية والألمانية بشأن الاتجاه الاستراتيجي لحلف الناتو، طلب الأعضاء من الأمين العام ينس ستولتنبرغ التشاور مع الخبراء لتعزيز «البعد السياسي» للحلف.
والثلاثاء التقى الزعماء في مجموعات مختلفة في لندن قبل حضور حفل استقبال مع الملكة إليزابيث الثانية في قصر باكنغهام. لكن ماكرون رفض سحب اتهامه بأن استراتيجية الناتو «ماتت دماغياً»، واستمر ترمب في الإصرار على أن بعض العواصم كانت «متأخرة» في دفع التزاماتها الدفاعية.
وأكدت أورزولا فون دير لاين، الرئيسة الجديدة للمفوضية الأوروبية، أهمية البند الخامس في اتفاقية حلف شمال الأطلسي، الخاصة بالدفاع المشترك. وقالت السياسية الألمانية المنتمية إلى حزب المستشارة أنجيلا ميركل المسيحي الديمقراطي، في بروكسل مساء أمس (الأربعاء): «الناتو، سيظل دائماً البند الخامس الخاص بالدفاع المشترك». وأضافت وزيرة الدفاع الألمانية السابقة أن الناتو هو أقوى حلف دفاعي في العالم. في الوقت نفسه، أعربت فون دير لاين عن قناعتها بأن الاتحاد الأوروبي، وليس الناتو، يجب أن تتوفر لديه القدرة على التحرك في بعض القطاعات، وطالبت الاتحاد الأوروبي بأن يعمل على ذلك، مشيرة إلى أن هذا الأمر يعد من واجبات المفوضية الجديدة تحت قيادتها.
قمة «الناتو»... خلافات سياسية وشخصية وتوافق على مواجهة روسيا والصين
ترمب يلغي مؤتمراً صحافياً ويعود إلى واشنطن غاضباً بعد سخرية زعماء منه
قمة «الناتو»... خلافات سياسية وشخصية وتوافق على مواجهة روسيا والصين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة