غضب في ليبيا بعد توقيع السراج اتفاقاً أمنياً بحرياً مع تركيا

الحكومة المؤقتة: الاتفاقية تستهدف فقط تحقيق مآرب الرئيس إردوغان الاستعمارية

الرئيس التركي خلال استقباله فائز السراج في القصر الرئاسي بإسطنبول ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)
الرئيس التركي خلال استقباله فائز السراج في القصر الرئاسي بإسطنبول ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

غضب في ليبيا بعد توقيع السراج اتفاقاً أمنياً بحرياً مع تركيا

الرئيس التركي خلال استقباله فائز السراج في القصر الرئاسي بإسطنبول ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)
الرئيس التركي خلال استقباله فائز السراج في القصر الرئاسي بإسطنبول ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)

في تصعيد لافت للانتباه، ستكون له تداعياته الإقليمية، أبرمت حكومة «الوفاق» الليبية، التي يترأسها فائز السراج، اتفاقيات عسكرية وأمنية مع تركيا في محاولة لتعويض خسائر قواتها أمام «الجيش الوطني» الليبي، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، وسط حالة من الرفض لدى سلطات شرق ليبيا.
وقال السراج في بيان صدر في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس، إنه تم توقيع مذكرتي تفاهم، إحداهما تخص التعاون الأمني، والثانية مذكرة تفاهم في المجال البحري، وذلك في ختام محادثاته التي أجراها في تركيا مع الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي جدد دعم بلاده لحكومة السراج، وأكد رفضها للتدخل الخارجي في الشأن الليبي.
وأضاف السراج، الذي رافقه مسؤولون أمنيون وعسكريون في حكومته، أن القوات الموالية لها «قادرة على دحر العدوان»، وزعم أنها تدافع عن مدنية الدولة، وتتصدى لما وصفه بمحاولات العسكر الانقضاض على السلطة.
من جهته، رأى فتحي باش أغا، وزير الداخلية بحكومة السراج، في تصريحات تلفزيونية، أمس، أن هذه الاتفاقيات ستعزز قواته في مواجهة قوات «الجيش الوطني»، وستساعد حكومته على تحقيق الاستقرار والأمن.
ولم تتوفر تفاصيل بشأن الاتفاق البحري، الذي يمكن أن يعقد النزاعات المتعلقة باستغلال الطاقة في شرق المتوسط، ذلك أن عمليات التنقيب التي تقوم بها تركيا تغضب القبارصة اليونانيين، واليونان والاتحاد الأوروبي. لكن محمد سيالة، وزير الخارجية بحكومة السراج، قال إنه يأتي «تتويجا لمباحثات مطولة مع الجانب التركي لتحديد مجالات الصلاحية البحرية في البحر المتوسط»، موضحا أن الاتفاق معني بحماية ما أسماه بـ«الحقوق المشروعة للطرفين في المنطقة الاقتصادية لكل منهما، وذلك في ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1981».
في المقابل، قالت الحكومة المؤقتة، التي تدير شرق ليبيا في بيان لها، أول من أمس، إن إبرام السراج لاتفاق دفاع مشترك مع الجانب التركي «يستهدف تقويض جهود قوات الجيش الوطني في اجتثاث الإرهاب من العاصمة طرابلس، وطرد الميليشيات المسلحة منها».
وبعدما أكدت رفضها القاطع والتام لمثل هذه الاتفاقيات غير الشرعية «لكونها مبرمة من غير ذي صفة بموجب أحكام القانون والمحاكم الليبية»، قالت الحكومة الموازية، التي يترأسها عبد الله الثني، إن هذه الاتفاقية «تستهدف فقط تحقيق مآرب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الاستعمارية، ومساعدته في تحقيق حلمه في إقامة إمبراطورية عثمانية ثانية، من خلال الحصول لها على موطئ قدم في ليبيا».
بدورها، اتهمت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الليبي حكومة السراج بـ«الخيانة العظمى»، عبر تحالفها مع تركيا، وقالت في بيان لها إن «تركيا سيكون بمقدورها استخدام الأجواء الليبية، وكذلك البرية، والدخول للمياه الإقليمية بدون إذن، وإنشاء قواعد عسكرية في ليبيا». معتبرة أن الاتفاق «يمثل تهديداً حقيقيا وانتهاكا صارخا للأمن والسيادة الليبية»، وأنه «لا يعد تهديداً فقط للأمن القومي الليبي بشكل خاص فقط، بل أيضا تهديد للأمن القومي العربي وللأمن والسلم في البحر الأبيض المتوسط بشكل عام».
من جانبه، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده أجرت مباحثات مع ليبيا، ووقعت مع حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا، مذكرة تفاهم بشأن ترسيم حدود مناطق الولاية البحرية. مبرزا أن أنقرة «يمكنها إجراء مباحثات مع جميع الدول حول مناطق الولاية البحرية في البحر المتوسط، باستثناء قبرص».
وأضاف جاويش أوغلو، خلال مؤتمر صحافي مع رئيس وزراء كردستان العراق مسرور بارزاني، عقب مباحثاتهما في أنقرة، أمس، أن تركيا «يمكنها خلال الفترة القادمة أن تتخذ مثل هذه الخطوة مع جميع البلدان الواقعة حول البحر المتوسط، وهذا الأمر يشمل أيضاً البلدان، التي من غير الممكن في الوقت الراهن التعامل معها لأسباب معلومة». في إشارة إلى مصر التي توترت العلاقات معها عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي عام 2013.
كما أكّد جاويش أوغلو أن تركيا تؤيد التقاسم العادل للثروات في الوقت، الذي تحرص فيه على حماية حقوقها النابعة من القانون الدولي، سواء في شرق المتوسط أو بحر إيجة، مضيفا: «هذا ينطبق أيضا على الاحتياطيات حول قبرص، ونحن ندافع دائماً عن ضمان التقاسم العادل للثروات هنا بين الطرفين الرومي (اليوناني الجنوبي) والتركي (الشمالي) بقبرص في المساحات، الواقعة خارج الجرف القاري لتركيا أيضاً».
وكان اللواء بحري التركي جهاد يايجي قد حث بلاده مؤخرا على الإسراع في توقيع اتفاقية مع ليبيا لتحديد مناطق النفوذ البحري، مشددا على أن الظروف الحالية في ليبيا تشكل أنسب أرضية لتوقيع مثل هذه الاتفاقية، التي ستكون بمثابة درع ضد اليونان وقبرص (اليونانية) ومصر، التي سبق ووقعت اتفاقية لترسيم الحدود البحرية. وكان إردوغان قد أكد رفض بلاده التدخل الخارجي في الشأن الليبي، قائلا إن حل الأزمة في ليبيا لن يكون عسكرياً، ولا بد من دعم جهود المبعوث الأممي للعودة للمسار السياسي.
وعقب اجتماعه مع السراج، جدد إردوغان دعم بلاده لحكومة الوفاق في مواجهة ما سماه «العدوان» على طرابلس، كما أعرب السراج عن شكره وتقديره للموقف التركي الداعم لحكومة الوفاق.
وفي أول رد فعل على هذا الاتفاق، أدانت مصر التوقيع على مذكرتيّ التفاهم في مجالي التعاون الأمني، والمناطق البحرية، مشيرة إلى أن مثل هذه المذكرات «معدومة الأثر القانوني».
وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان، أمس، إن مجلس رئاسة الوزراء الليبي «منقوص العضوية بشكل بَيّن، ويعاني حالياً من خلل جسيم في تمثيل المناطق الليبية»، لافتة إلى أن «دور رئيس مجلس الوزراء محدود الصلاحية في تسيير أعمال المجلس، وكل ما يتم من مساعٍ لبناء مراكز قانونية مع أي دولة أخرى يعد خرقاً جسيماً لاتفاق (الصخيرات)».
كما شددت مصر على أن التوقيع، وفقاً لما تم إعلانه «غير شرعي، ومن ثم لا يلزم ولا يؤثر على مصالح وحقوق أي أطراف ثالثة، ولا يترتب عليه أي تأثير على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط، ولا أثر له على منظومة تعيين الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».