صحافيات كشمير... محاولات نسوية فردية لكسر قيود «عالم الرجال»

تحديات تشمل الضغوط الاجتماعية وشح العوائد المادية

رغم هذه التحديات ما زالت تلك النساء شغوفات بمهنتهن
رغم هذه التحديات ما زالت تلك النساء شغوفات بمهنتهن
TT
20

صحافيات كشمير... محاولات نسوية فردية لكسر قيود «عالم الرجال»

رغم هذه التحديات ما زالت تلك النساء شغوفات بمهنتهن
رغم هذه التحديات ما زالت تلك النساء شغوفات بمهنتهن

سافينا نابي صحافية كشميرية احتلت مكانة مرموقة في مجالها على مر السنين، رغم كل الصعاب التي مرت بها. وشأن سافينا، فإن مصرات زهرة هي الأخرى مصورة صحافية كشميرية شابة تعمل على الأرض في كشمير منذ ثلاث سنوات.
وحتى قبل بضع سنوات مضت، لم يكن من السهل بالنسبة للمرأة في كشمير التفكير في مهنة الصحافة، ولكن هذا الوضع بدأ في التغير الآن، حيث تقوم النساء الشابات والموهوبات بإيجاد مساحة لأنفسهن لكسر الصور النمطية وتحدي الأعراف الاجتماعية.
تقول نابي التي غطت كثيراً من المهام مع وسائل الإعلام المحلية والوطنية: «هناك دائماً قيود على عمل النساء بمهنة الصحافة. نحن في كشمير مجتمع محافظ، توارث قيماً عائلية أباً عن جد، لكن النساء حالياً يحاولن تغيير هذه العقلية في كشمير بأسلوبهن الخاص».
وتتابع: «على سبيل المثال، عندما أكملت سحر قاضي دراستها العليا في الصحافة عام 2014، أُبلغت بأنه يجب عليها البحث عن وظيفة في مدرسة أو بنك، إذ إن هذه الوظائف فقط هي ما يوفر الأمن المالي لشابة مثلها في مقتبل العمر».
لكن سحر كان لها رأي وخطط أخرى، حيث قالت: «كنت عازمة على العمل في الصحافة. كان أول تكليف تلقيته هو العمل بمطبوعة محلية، وإعداد التقارير عن آثار فيضانات عام 2014 المدمرة في كشمير. وبعد ذلك بعامين، حصلت على وظيفة في موقع إخباري إلكتروني في دلهي».
لكن في كشمير لم يكن الخروج في مهمة سهلاً على الإطلاق، حيث كانت والدتها تتصل بها خمس مرات في اليوم، وتلح في عودتها قبل حلول الظلام، وتقول: «سيعود الأقارب إلى المنزل، ويخبرونني أن عليّ ترك الصحافة في أسرع وقت ممكن»؛ مثل هذه النصيحة غير المرغوب فيها جعلت الحياة صعبة، لكنها لم تردع سحر.
ولا تضم كشمير سوى عدد محدود من المصورات الصحافيات، وتروي زهرة تجربتها في العمل كمصورة صحافية قائلة: «يتفاعل الناس بشكل مختلف مع رؤية الرجال والنساء، يغطون المصادمات نفسها في كشمير. في المرة الأولى التي ذهبت فيها لتغطية المصادمات في منطقة جاميا بكشمير يوم الجمعة، جاءني صبي وقال لي: من فضلك، سوف تصابين، وأضاف أن هذه مهنة الرجال، ومن واجبهم تغطية مثل هذه الاشتباكات. وعندما عدت إلى المنزل، تساءلت ما الفرق بين أن تصاب امرأة أو أن يصاب رجل؟ هل الرجال لا ينزفون مثلنا؟ الناس يتساءلون: من هذه الفتاة التي ترتدي حجاباً وسط الصحافيين الكشميريين؟ ولم تسمح لي عائلتي بممارسة الصحافة في البداية؛ العقلية وطريقة التفكير في كشمير هي أن النساء لا يمكن أن يصبحن طبيبات أو معلمات، ولا يمكن أن يدرن متجراً صغيراً من بيوتهن».
وحصلت زهرة على نصيبها من الأذى الاجتماعي، حيث وصفت كيف جرت محاولة لتجنيدها للعمل «مخبرة» لدى الجيش الهندي، بعد أن ذهبت لتغطية لقاء معهم. كما تعرضت للاعتقال من قبل ضباط بجيش بلادها في أثناء أدائها لواجباتها المهنية بسبب الادعاء نفسه: «لم يأت أحد لإنقاذي، وحتى الجمعيات الصحافية قالت إنها لا تستطيع أن تساعد، وأجبرني ذلك على التفكير في ترك هذه المهنة»، بحسب زهرة.
لكن الدفعة الحالية من الصحافيات يرفضن هذه المخاوف، ويطالبن بأن يعاملن بمعاملة الذكور نفسها، وهو ما أوضحته نازيمة بهات، مراسلة قناة كشمير: «لا أعتقد أن ساعات العمل أو الصراع هي العوامل الرئيسية التي تجبر النساء على ترك هذه المهنة. القضية الرئيسية هي أنه لا يوجد نمو مالي أو ضمان وظيفة هنا في كشمير، حيث يمكن لرئيسك أن ينهي عملك بالمنظمة، ولا يمكنك فعل شيء حيال ذلك».
وتقول بهات إنها لا تفكر في كونها امرأة عندما تكون في الميدان. ورغم أنها تحظى بدعم والدها وشقيقها، فإن والدتها ما زالت تريدها أن تغير مهنتها، لأنها تشعر أن مهنتها بالغة الخطورة. ومع ذلك، ورغم هذه التحديات، ما زالت تلك النساء شغوفات بمهنتهن.
وأفادت علية أحمد، أستاذة بمركز بحوث التعليم الإعلامي بجامعة كشمير: «النساء في كشمير حالياً يمارسن الصحافة، رغم ما لاقينه في السابق من عوائق. لكن هذا يتعلق بالأوضاع هنا، وبمتطلبات الوظيفة، وهو ما يجعل أولياء الأمور قلقين دائماً، لكن هذا القلق لا يقتصر على الفتيات».
وفي الآونة الأخيرة، ظهرت النتائج المدرسية، وكذلك في حقل الصحافة، إذ حصلت غازي ماروف على وظيفتها الأولى كمراسلة من مدينة رايزنج بكشمير، حيث قالت بكل بساطة: «أردت أن أكون صحافية، وها قد حدث. ما الغريب في ذلك؟ أو بالأحرى: ما الخبر في ذلك؟»
الشابة غازي هي جزء من أعداد متزايدة من النساء اللاتي اخترن الصحافة في هذه المنطقة المضطربة من العالم. هي مجموعة شابة قوية العزيمة من السيدات المحترفات. وشأن الأخريات، فإن أسماء (26 عاماً) تعمل هي الأخرى مراسلة لمجلة «كشمير لايف» الإنجليزية الأسبوعية. وقد بدأت العمل بالمجلة عام 2011، وكانت الصحافة بالنسبة لها مجرد «وسيلة للتنفيس والترويح عن نفسها» خلال سنوات عمرها التي قضتها في كشمير. وتعتقد أسماء أن الصحافيات في كشمير كن يقمن بتغطية ما يحدث في المنطقة طيلة 26 الماضية، وتضيف: «على مدار العشرين عاماً الماضية، كنا منشغلات بالإبلاغ عن الخسائر. لم يكن لدينا وقت للنظر إلى الوراء».
وعندما بدأت فرزانا ممتاز (35 عاماً) حياتها المهنية كصحافية في عام 2002، بصفتها شريكاً في شبكة التلفزيون المملوكة للدولة، لم يكن هناك أي صحافيات في كشمير، حيث تتذكر قائلة: «كنت أعرف صحافية أخرى غيرى. كانت تعمل أيضاً في صحيفة (أوردو ديلي)، كان اسمها أفتاب».
ومع ذلك، فقد تحسنت الأمور، وقالت فرزانا التي تدير مجلة «أخابر كشمير» الأسبوعية باللغة الإنجليزية: «اليوم، هناك عدد من الصحافيات حولها، وكثيرات منهن يعملن في الميدان».
ومع خبرة تمت لسنوات طويلة في مجال الصحافة، يقدم الدكتور دانيش نابي، الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإعلامية، رؤيته الخاصة بشأن الأعداد المحدودة من الصحافيات في كشمير؛ يقول الدكتور دانيش: «أعتقد أن هيمنة الذكور التي تصل أيضاً إلى غرف الأخبار هي أحد أسباب ذلك. ما زلنا غير معتادين على رؤية امرأة تعمل معنا بالتساوي، بالنظر إلى ساعات العمل غير التقليدية للصحافة. لا تجلس الصحافية في غرفة الأخبار لمتابعة ما حدث للخبر الذي قدمته أو كيف تم تحريره. أستطيع أن أجزم أن 99 في المائة من الإناث العاملات في الحقل لم يشهدن جو العمل بغرفة الأخبار المسائية».
وبالنسبة لسمية يوسف، مراسلة الدفاع السابقة في رايزينج كشمير، فإن العمل في هذا المجال لم يكن هو القضية، لكن إسناد المهام الصحافية كان الشيء الأصعب. وقد بدأت سمية مسيرتها المهنية بتقديم التقارير حول الصحة والتعليم، في حين أن معاصريها الذكور دخلوا بشكل مباشر في أخبار سياسية. ولم تكن تغطية أخبار التعليم هي الخيار الأول، لكن كان عليها أن تتحمل ذلك. وعندما كانت تحقق سبقاً ما، كان الزملاء الذكور يقولون إن محرراً آخر قد كتب الخبر نيابة عنها، ووقعه باسمها... قالتها ضاحكة.
وربما كان كثير من ذلك يتعلق بغرف الأخبار في سريناجار التي لم يتم تطويرها بعد لاستيعاب الصحافيات. تقول سمية: «لا توجد حمامات منفصلة للإناث. ولذلك، فإن الأمر يبدو محرجاً في بعض الأحيان».
وتعترف شفق شاه بصراحة بأن هذا هو عالم الرجال، فنادراً ما تحظى المرأة بالثقة في التغطية السياسية، أو تحقيق سبق صحافي سياسي، ولذلك يتوقع لها أن تغطي أخبار المرأة والصحة والتعليم. وهناك ضغط من الأسرة للعودة في وقت مبكر، وهناك ضغوط اجتماعية، حيث تقول شفق: «إذا عادت الطبيبة إلى المنزل متأخراً قد يفهم الناس السبب، لكن إذا تأخرت الصحافية فسيتهمها الناس بالتجاوز». وتقول إن الرجال «لا يمكنهم في بعض الأحيان استيعاب حقيقة أنك أنثى وتعملين بالفعل في هذا المجال».
وتتمتع شفق في الوقت الحالي بحرية اختيار موضوعاتها، مثل حقوق الإنسان والاجتماعيات والمعلومات. ومع ذلك، لم يكن الأمر كذلك بالنسبة لها، أو بالنسبة لكثير من الصحافيات الأخريات.
وتساءلت قائلة: «بمجرد أن تثبت النساء أنفسهن لا يسألهن أحد، لكن لماذا عليها أن تثبت ذلك؟ إذا كنت فتاة، فعليك أن تثبتي أنك فطنة ذكية بما يكفي لفهم السياسة أو استيعاب محتوى الوثائق المهمة. هذا هو السبب في أن الإناث ربما لا يحصلن على تكليف مهم، الأمر الذي يجبر كثيرات منهن على ترك العمل».
وتقول سافينا نابي إن الوقت قد حان لكي يتجمع الصحافيين للاتفاق على تكوين جمعية للتعبير عن صوتهم، مضيفة: «ليس لدينا جمعية نسائية في كشمير. في الواقع، قبل ثلاث سنوات، لم يكن لدينا أي جمعية للصحافيين بشكل عام. توجد الآن مجموعات صغيرة من المحررين والصحافيين، لكن عندما يتعلق الأمر بالصحافيين في كشمير، يجب أن يكون هناك اتحاد من الصحافيات على وجه التحديد من كشمير. أنا جزء من شبكة النساء في الإعلام بالهند، لكن كم من الناس في كشمير يدعموننا؟».



حرب ترمب على «الإعلام المعادي لأميركا» متواصلة

النائبة الجمهورية اليمينية مارغوري تايلور غرين (رويترز)
النائبة الجمهورية اليمينية مارغوري تايلور غرين (رويترز)
TT
20

حرب ترمب على «الإعلام المعادي لأميركا» متواصلة

النائبة الجمهورية اليمينية مارغوري تايلور غرين (رويترز)
النائبة الجمهورية اليمينية مارغوري تايلور غرين (رويترز)

الحرب التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على وسائل الإعلام، منذ اليوم الأول لتسلمه منصبه في ولايته الثانية، عدّها المراقبون استمراراً لحربه التي «انقطعت» بعد خسارته انتخابات عام 2020. وبعدما وقّع ترمب أمراً تنفيذياً دعا فيه إلى إلغاء «الوكالة الأميركية للإعلام العالمي»، بما في ذلك إذاعة «صوت أميركا» - التي لطالما كان يكنّ لها الضغينة - ومجموعة من وسائل الإعلام العالمية الأخرى، و«بأقصى حدّ يتوافق مع القانون المعمول به»، فتح الجمهوريون معركة جديدة تستهدف هذه المرة، التمويل الحكومي لـ«الإذاعة الوطنية» (إن بي آر) و«التلفزيون الوطني» (بي بي إس).

موجات البث... «المعادية لأميركا»

وفي حين يقول الجمهوريون إنه «لا يوجد مبرّر» لتمويل المؤسستين، عقدت الأسبوع الماضي لجنة فرعية بمجلس النواب معنية بكفاءة الحكومة، جلسة استماع حضرتها الرئيستان التنفيذيتان للمؤسستين، حملت عنوان «موجات البثّ المعادية لأميركا»، قادتها النائبة اليمينية المتشددة مارغوري تايلور غرين. واتهمت غرين في مداخلتها الشبكتين بالتحيّز الليبرالي، وأردفت: «بإمكانكم جميعاً أن تكرهونا، لكن على حسابكم». وفي اليوم التالي، قدّم نائب جمهوري مشروع قانون لإنهاء جميع أشكال الدعم الحكومي للمؤسستين.

«الإذاعة الوطنية» في مرمى اليمين الجمهوري الأميركي (غيتي)
«الإذاعة الوطنية» في مرمى اليمين الجمهوري الأميركي (غيتي)

تأتي الحملة الجديدة في سياق جهود الرئيس ترمب الأوسع نطاقاً لتشويه سمعة المؤسسات الإعلامية التي تعارضه، وتهميشها. وخلال الأشهر الأخيرة، منعت إدارته وكالة «الأسوشييتد برس» من حضور فعاليات المكتب البيضاوي بسبب استمرارها في استخدام اسم «خليج المكسيك» بدلاً من «خليج أميركا»، مع أنها تشير إلى التسمية الجديدة. وأيضاً رفعت الإدارة دعاوى قضائية ضد وسائل الإعلام بسبب تغطيتها التي لم ترُق لترمب؛ وسيطرت على تجمّع صحافيي البيت الأبيض مع إضافة منافذ إخبارية مؤيدة للرئيس للتناوب على التغطيات، واستخدمت لجنة الاتصالات الفيدرالية للتحقيق في «الأعداء المفترضين» في وسائل الإعلام، بما في ذلك شبكة «إن بي سي نيوز»، و«الإذاعة الوطنية» (إن بي آر)، و«التلفزيون الوطني» (بي بي إس).

«إن بي آر» و«بي بي إس»

النائبة غرين اتهمت المؤسستين بأنهما «غرف صدى يسارية متطرّفة لجمهور ضيّق من الليبراليين البيض الأثرياء في المناطق الحضرية». وانتقدت على وجه التحديد «بي بي إس» لبرامجها حول الأشخاص المتحولين جنسياً، و«إن بي آر»؛ لكونها لم تغطّ قضية جهاز الكومبيوتر المحمول الخاص بهانتر بايدن، نجل الرئيس السابق جو بايدن.

ومما قالته غرين: «يقع على عاتق الكونغرس تحديد ما إذا كان الأميركيون سيواصلون تزويد (إن بي آر) بأموال دافعي الضرائب لمواصلة أجندتهم التقدمية، أو بالأحرى الشيوعية». وللعلم، تتلقى المؤسستان تمويلاً من «مؤسسة البث العام»، وهي منظمة مدعومة من الحكومة ساعدت في تمويل الإذاعة والتلفزيون العامين منذ إنشائها عام 1967. وتلقّت المؤسسة تمويلاً بقيمة 535 مليون دولار من الحكومة للسنة المالية 2025. ويذهب جزء من هذا المبلغ إلى هيئات البث العامة، حيث يمثّل نحو 1 في المائة من ميزانية «الإذاعة الوطنية» (إن بي آر)، و15 في المائة من ميزانية «التلفزيون الحكومي» (بي بي إس)، بينما تذهب الحصة الأكبر من التمويل مباشرة إلى المحطات الصغيرة المنتشرة على امتداد الولايات الأميركية.

للعلم، سعى الجمهوريون إلى تجريد «إن بي آر» و«بي بي إس» من التمويل الفيدرالي، بحجة أن شبكات الإعلام العام أصبحت «متحيّزة»، وتشكّل هدراً لأموال دافعي الضرائب، «سيما وأن لدى الأميركيين الإمكانية للوصول إلى العديد من خيارات الإعلام الأخرى».

بولا كيرغر... الرئيسة التنفيذية لـ«البي بي إس» (غيتي)
بولا كيرغر... الرئيسة التنفيذية لـ«البي بي إس» (غيتي)

في المقابل، يردّ الديمقراطيون ومؤيدو المنظمتين، نافين وجود «تحيّز»، ولافتين إلى أن الوصول إلى وسائل الإعلام العامة المجانية جزء مهم من نظام بيئي صحي للمعلومات، وأن التمويل الفيدرالي ضروري للحفاظ على برامج الأخبار المحلية، وبالأخص في المناطق الريفية من البلاد.

أميركا تنفق 1.5 دولار للفرد سنوياً

الواقع أنه، مقارنة بالعديد من الدول الأخرى، تُنفق الولايات المتحدة أقل بكثير على الفرد الواحد في قطاع وسائل الإعلام العامة. وذكر فيكتور بيكارد، الباحث في مجال الإعلام بجامعة بنسلفانيا ومؤلف كتاب «ديمقراطية بلا صحافة؟: مواجهة مجتمع التضليل الإعلامي»، لصحيفة «الواشنطن بوست»، أن الولايات المتحدة «تدفع ما يزيد قليلاً على 1.50 دولار للفرد كمعدل سنوي، في حين ينفق البريطانيون ما يقرب من 100 دولار للفرد سنوياً على هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، وهناك دول في شمال أوروبا تنفق أكثر من ذلك».

لكن في حال نجح الجمهوريون في مساعيهم لوقف التمويل الحكومي، ما الذي سيحدث لـ«مؤسسة البث العامة»، وللإذاعة والتلفزيون الحكوميين؟

ما المتوقع من خفض التمويل؟

بالنسبة لـ«مؤسسة البث العامة»، لطالما تعرضت في السابق لعمليات تدقيق ومحاولات لخفض تمويلها. لكنها كانت تنجح في تجاوز اعتراضات الكونغرس، الذي لم يكن يشهد انقساماً حزبياً واستقطاباً سياسياً حاداً كما هو الوضع الآن.

غير أن مركز «بيو» للأبحاث، يقول إن مسألة تمويل «المؤسسة» لم تعد قضية تُحرك غالبية كبيرة من الناخبين. ويعتقد نحو ربع البالغين الأميركيين أنه يجب وقف تمويل وسائل الإعلام العامة، بينما يعارض 43 في المائة منهم ذلك.

بالنسبة إلى الـ«إن بي آر»، سيؤدي وقف التمويل الحكومي إلى اختفاء ما يصل إلى 240 مليون دولار، وإغلاق ما يصل إلى 18 في المائة من نحو ألف محطة محلية تشترك في خدماتها. وستكون مناطق الغرب الأوسط والجنوب والغرب الأكثر تضرّراً. أما على الصعيد الوطني، فسيفقد ما يصل إلى 30 في المائة من المستمعين إمكانية الوصول إلى برامجها التي تُقدّم تغطية وطنية. بيد أن محطات الأعضاء المستقلين في جميع أنحاء البلاد تحصل على معظم الأموال المخصّصة للإذاعة العامة. وهذا ما يجعلها أكثر عرضة للخطر من «الإذاعة الوطنية» التي تحصل على 1 في المائة من ميزانيتها من الكونغرس، وعلى أكثر من ذلك بقليل من المحطات المحلية التي تدفع ثمن برامجها.

مع هذا، تتوقّع «الإذاعة الوطنية» أن تتمكن من تجاوز خفض التمويل. ويعود الفضل في ذلك جزئياً إلى المستمعين المتضرّرين؛ إذ تتوقع طفرة مفاجئة من التبرّعات إذا أوقف الكونغرس تمويلها، وبخاصة في المدن الكبرى، مع مسارعة المستمعين إلى الدفاع عن برامجهم المفضلة.

أما التلفزيون العام «بي بي إس» فمن المرجح أن يكون وضعه أسوأ؛ لأنه يتلقى جزءاً أكبر بكثير من ميزانيته البالغة 373 مليون دولار، من الحكومة الفيدرالية بقيمة 15 في المائة. ومع أن بعض برامجه الأكثر شعبية تتلقى تمويلها من التبرّعات أو من حقوق التوزيع، يُتوقع أن تتحمّل المحطات الأعضاء، التي تعتمد على التمويل العام أكثر منه، العبء الأكبر. وراهناً تستخدم هذه المحطات تلك الأموال لتغطية الشؤون المحلية والمناطق الريفية.

ووفق بولا كيرغر، الرئيسة التنفيذية لـ«بي بي إس»، فإنه «في حين لا يوجد نموذج اقتصادي من شأنه إجبار هيئات البث التجارية على توزيع منافذها في جميع أنحاء الولايات، حيث يكون عدد السكان ضئيلاً للغاية، قد تختفي مصادر المعلومات الموثوقة من المدن الصغيرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة».