اللبنانيون... التضحية بـ«الحياة الطبيعية» في سبيل الاحتجاجات

- سيارات تحاول المرور بين الإطارات المشتعلة التي وضعها المتظاهرون المناهضون للسلطة في مدينة صيدا الجنوبية (أ.ف.ب)
- المتظاهرون يسيرون خلال الاحتجاجات المستمرة المناهضة للسلطة في بيروت (رويترز)
- سيارات تحاول المرور بين الإطارات المشتعلة التي وضعها المتظاهرون المناهضون للسلطة في مدينة صيدا الجنوبية (أ.ف.ب) - المتظاهرون يسيرون خلال الاحتجاجات المستمرة المناهضة للسلطة في بيروت (رويترز)
TT

اللبنانيون... التضحية بـ«الحياة الطبيعية» في سبيل الاحتجاجات

- سيارات تحاول المرور بين الإطارات المشتعلة التي وضعها المتظاهرون المناهضون للسلطة في مدينة صيدا الجنوبية (أ.ف.ب)
- المتظاهرون يسيرون خلال الاحتجاجات المستمرة المناهضة للسلطة في بيروت (رويترز)
- سيارات تحاول المرور بين الإطارات المشتعلة التي وضعها المتظاهرون المناهضون للسلطة في مدينة صيدا الجنوبية (أ.ف.ب) - المتظاهرون يسيرون خلال الاحتجاجات المستمرة المناهضة للسلطة في بيروت (رويترز)

يجلس أبو محمود، صاحب سيارة أجرة، على رصيف أحد الشوارع القريبة من وسط بيروت، برفقة مجموعة من سائقي التاكسي، يحتسون الشاي ويتحدثون عن مستجدات الأوضاع الراهنة في البلاد. اتخذ الرجل الستيني وزملاؤه هذه العادة يومياً منذ أكثر من شهر، بعد اندلاع الاحتجاجات المناهضة للطبقة السياسية في لبنان، والتي رافقها قطع للطرق وشل للحياة العامة اليومية في كثير من المناطق.
يقول أبو محمود: «أخرج من منزلي الواقع في ضواحي بيروت يومياً، وكلي أمل بأن يكون وضع اليوم الحالي أفضل من الذي سبقه؛ لكنني غالباً ما أكون مخطئاً. المواطنون لا يتجولون بعيداً عن أماكن سكنهم خوفاً من قطع الطرق المؤدية لمنازلهم. في أول أيام الاحتجاجات، تضامنت مع المتظاهرين الذين قطعوا طرقاً داخل بيروت وخارجها، ولكن بعد نحو أربعة أيام، فقدت القدرة على تحمل الأمر. لدي عائلة مؤلفة من سبعة أفراد ولم أعد قادراً على شراء قوتنا اليومي. ما أجنيه بالعادة هو ما أنفقه يومياً».
حال أبو محمود لا يختلف كثيراً عما يمر به عدد كبير من اللبنانيين الذين يعانون من صعوبات يومية كثيرة، مع استمرار الاحتجاجات الشعبية المناهضة للسلطة، والتي تدخل يومها السابع والثلاثين.
وترافق هذه المظاهرات منذ يومها الأول خطوات كثيرة، مثل قطع الطرق وإقفال المدارس والجامعات وإغلاق بعض الشركات وشل الحركة في المؤسسات العامة.
كما ارتفع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء بشكل ملحوظ (نحو 1800 ليرة مقابل الدولار الواحد، مقارنة بـ1515 ليرة مقابل الدولار، وهو سعر الصرف كما حدده البنك المركزي)، وزادت أسعار المنتجات في الأسواق بشكل موازٍ، علماً بأن هذه الظاهرة ليست وليدة التحركات الاحتجاجية فحسب؛ بل بدأت بالظهور منذ شهر سبتمبر (أيلول).
ويقول جاد، وهو موظف في إحدى شركات التأمين في بيروت، إنه لم يتمكن من الوصول إلى مكان عمله في الأسبوع الأول من الاحتجاجات، علماً بأنه يسكن في قرية بجبل لبنان، تبعد نحو 20 كيلومتراً عن بيروت، وذلك بسبب قطع الطرق.
ويضيف: «في الأسبوع الأول من الاحتجاجات، لم أتمكن من الوصول إلى مكتب الشركة، ولذلك حُسم من راتبي وفقاً لعدد الأيام التي لم أعمل فيها. أما في الأسبوع الثاني، فبدأت الشركة بسياسة تقشفية، وأجبرتنا على الحضور للعمل ثلاثة أيام فقط في الأسبوع الواحد، وقررت تقليص الرواتب آخر كل شهر للنصف».
ويتابع جاد: «صحيح أنني متضرر من هذه الأزمة؛ لكن علينا التضحية فداء للثورة. حرمتنا الطبقة السياسية من أهم حقوقنا على مدى 30 عاماً وصمدنا. واليوم، يمكننا تحمل بعض الأضرار إن كان ذلك سيؤسس لبلد خالٍ من الفساد».
وما يعانيه جاد لا يختلف كثيراً عن وضع جنى، وهي موظفة في إحدى أكبر شركات السفر اللبنانية، والتي أكدت أن الشركة اتخذت تدابير جديدة لتتمكن من تجاوز الأزمة. وقالت: «أصبحنا مجبورين على العمل يومين ونصف يوم في الأسبوع، وجميعنا تقاضينا نصف راتبنا الأساسي في أكتوبر (تشرين الأول)، والوضع سيستمر على ما هو عليه في المستقبل القريب».
وأشارت جنى إلى أنها تتقاضى راتبها بالليرة اللبنانية، أي أن قيمة نصف راتبها لا تصل إلى 400 دولار أميركي، وفقاً لأسعار الصرف في السوق السوداء، ما يقلل من قدرتها الشرائية وإمكان تسديد ما عليها من قروض.
وتابعت: «زوجي يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية أيضاً، ولدينا قروض بالدولار الأميركي، أي أنه يتوجب علينا شراء دولار من الصرافين وفقاً لتسعيراتهم التي تصل أحياناً إلى ألفي ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد، الأمر الذي يخسرنا كثيراً من الأموال».
إلا أن ما تصر جنى على تأكيده، هو أن حالة عدم الاستقرار التي تشهدها الليرة اللبنانية ليست من نتائج التحركات الشعبية؛ بل كانت هذه الظاهرة موجودة من قبل، ولعبت دوراً في انطلاق الاحتجاجات.
بدوره، يقول أسعد، وهو أستاذ متعاقد في ثانوية رسمية بشمال لبنان، إن أبواب المدارس والجامعات أقفلت بوجه الطلاب لأكثر من 20 يوماً، الأمر الذي منعه من تقاضي راتبه الشهر الماضي؛ لأنه يتقاضى أجره نسبة لعدد الساعات التي يعمل بها.
ويضيف: «أقفلت المدارس الرسمية والخاصة ومعظم الجامعات لمشاركة الطلاب في الاحتجاجات، الأمر الذي يعتبر إيجابياً في كثير من النواحي. إقفال البلد وشلّه يساهمان في تشكيل حلقة ضغط على السلطة كي تعطي المتظاهرين مطالبهم المحقة. إلا أن الأزمة تبدو وكأنها ستمتد، ولا يمكننا الاستمرار من دون فتح أبواب المؤسسات التربوية كي لا يلحق أي ضرر بطلابنا».
يتابع: «يمكننا تدريس الطلاب قبل الظهر، والتظاهر بعد ساعات العمل».
وفيما يتعلق بالمعلومات التي تداولها كثير من الأشخاص حول النقص في الأدوية، أكدت غنوة، وهي صاحبة إحدى الصيدليات في جبل لبنان، أنه «عندما كانت الطرق تُقطع بشكل مكثف ويومي، شهدنا تأخّراً في وصول بعض الأدوية؛ لكن بالإجمال لدى معظم شركات الأدوية اللبنانية احتياط مهم من المنتجات يمكنه تلبية حاجة السوق لثلاثة أشهر تقريباً».
وتابعت: «إلا أن بعض المستشفيات عانت بالفعل من انقطاع بعض المواد والمعدات الطبية التي تستوردها من الخارج. والأمر متعلق بإغلاق الطرق وإقفال كثير من الشركات التي تُستورد المواد عبرها».
ومن بين الظواهر الأكثر انتشاراً التي تشهدها فترة الاحتجاجات هذه، توتر العلاقات بين المؤيدين للتحركات ضد الطبقة السياسية، وأولئك الذين يعارضون شعار «كلن يعني كلن» الذي يرفعه الحراك، وقطع الطرق الذي يمنعهم من التنقل بشكل طبيعي.
وتقول سينتيا، وهي ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، إنها أزالت نحو 150 صديقاً من قائمة الأصدقاء على «فيسبوك»، وتضيف: «عندما أقرأ منشوراً مؤيداً لأي حزب، بغض النظر عن الانتماءات، أحذف الشخص من قائمة الأصدقاء لأني لا أتحمل وجود هذه الآراء على صفحتي».
أما رفيق، وهو شاب في العشرينات من العمر، فيؤكد أنه قطع علاقته بصديق مقرب منه بسبب انتماء الأخير لأحد الأحزاب اللبنانية، وتخوينه للحراك، باعتبار أن المحتجين يتقاضون أموالاً من سفارات خارجية، الأمر الذي ينفيه المتظاهرون باستمرار، معتبرين أن التحركات هذه هي «نتيجة تقاعس السلطة اللبنانية في تلبية مطالبنا، ولا يمكن لأحد تشويه صورتها».



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).