قادة جنوب السودان والمعارضة يرجئون التوصل إلى «اتفاقية سلام»

مصرع 9 أشخاص في منطقة آبيي بين الخرطوم وجوبا

البرهان وموسيفيني وسلفا كير ومشار في أعقاب اجتماعهم في عنتيبي أمس (أ.ف.ب)
البرهان وموسيفيني وسلفا كير ومشار في أعقاب اجتماعهم في عنتيبي أمس (أ.ف.ب)
TT

قادة جنوب السودان والمعارضة يرجئون التوصل إلى «اتفاقية سلام»

البرهان وموسيفيني وسلفا كير ومشار في أعقاب اجتماعهم في عنتيبي أمس (أ.ف.ب)
البرهان وموسيفيني وسلفا كير ومشار في أعقاب اجتماعهم في عنتيبي أمس (أ.ف.ب)

اتفقت حكومة جنوب السودان والمعارضة المسلحة، بزعامة رياك مشار، خلال القمة التي دعا إليها الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني في عنتيبي، والتي حضرها رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان والمبعوث الكيني الخاص كالونزو موسيوكا، على تمديد الفترة ما قبل الانتقالية للمرة الثانية إلى ثلاثة أشهر، وذلك بعد فشلهما في معالجة القضايا العالقة في اتفاق السلام الموقع قبل أكثر من عام. وفي غضون ذلك لقي 9 أشخاص مصرعهم في منطقة آبيي المتنازع عليها بين الخرطوم وجوبا، وذلك في أول هجوم منذ إسقاط نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير قبل ثمانية أشهر.
وقال بيان اطلعت عليه «الشرق الأوسط» إن أطراف جنوب السودان في الحكومة والحركة الشعبية في المعارضة «توصلوا إلى اتفاق على تمديد الفترة ما قبل الانتقالية إلى ثلاثة أشهر أخرى خلال القمة التي جمعتهما في مدينة عنتيبي الأوغندية». وسيبدأ التمديد في الثاني عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وينتهي في الثاني والعشرين من فبراير (شباط) القادم.
وأوضح البيان أن الطرفين اتفقا أيضا على تشكيل آلية لمتابعة تنفيذ القضايا العالقة، خاصة ملف الترتيبات الأمنية، على أن تقدم تقريرها الأولي بعد 50 يوماً من بدء التنفيذ لاستعراض التقدم المحرز حول القضايا العالقة، إلى الرئيسين موسيفيني والبرهان والمبعوث الكيني، باعتبارهم الجهات الضامنة للاتفاقية.
كما دعا البيان الرئاسي المجتمع الدولي إلى دعم تنفيذ اتفاق السلام، وتحقيق الاستقرار والتنمية في جنوب السودان، مطالبا الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا «الإيقاد» بمعالجة وضعية زعيم المعارضة ريك مشار، الذي ما زال تحت الإقامة الجبرية في العاصمة السودانية الخرطوم.
وتأتي هذه القمة بعد ضغوط دولية، ناشدت الرئيس سلفا كير وزعيم المعارضة المسلحة ضمان عدم انهيار اتفاق السلام بعد خلافاتهما حول تشكيل حكومة الوحدة، التي كان متوقعاً إعلانها الثلاثاء المقبل على النحو المتفق عليه منذ مايو (أيار) الماضي، وهذه المرة الثانية التي يتم فيها تمديد الفترة ما قبل الانتقالية من أجل إفساح الوقت لحسم القضايا العالقة بخصوص عدد الولايات وترسيم حدودها، والترتيبات الأمنية التي تنص على تجميع القوات وتدريبها، وتشكيل جيش وطني موحد.
من جهة ثانية، دعا مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه، أول من أمس، وقبيل انطلاق قمة عنتيبي إلى تطبيق اتفاق السلام، وقال بيان المجلس إن أعضاءه «لم يلاحظوا» خلال زيارة لهم إلى جوبا الشهر الماضي «تقدما جوهريا في تطبيق العناصر الأساسية في اتفاق السلام». موضحين أنهم «يدعون الأطراف الموقعة لاتفاق السلام إلى تأكيد التزامهم من جديد علنا بالتطبيق الكامل» لهذا الاتفاق. كما طلب المجلس من الأطراف «تحقيق تقدم فوري»، بما في ذلك الترتيبات الأمنية «من أجل إتاحة تشكيل حكومة انتقالية شاملة بشكل سلمي».
إلى ذلك، لقي تسعة مدنيين، بينهم أحد قيادات الإدارة الأهلية، مصرعهم أمس في منطقة آبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، إثر هجوم شنته مجموعة مسلحة على قرية (دونقوب) وقرية ميدول.
وقال دينق جواج، عضو المجلس التشريعي لإدارة آبيي، للصحافيين إن قوة مسلحة تابعة لقبيلة المسيرية السودانية هاجمت منطقتي دونقوب وميدول، مبرزا أن الهجوم أدى إلى مقتل تسعة أشخاص من بينهم السلطان نيوك أروب، أحد قيادات الإدارة الأهلية في المنطقة، وأن السلطات الحكومية في إدارية آبيي أخطرت بعثة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة (يونيسفا) الموجودة في آبيي بالحادثة قصد اتخاذ الإجراءات المطلوبة، ولم يتسن الحصول على رد من الجهات الحكومية في الخرطوم.
ويعد هذا الهجوم هو الأول منذ التغيير الذي جرى في السودان بعد ثورة ديسمبر (كانون الأول) الماضي وإسقاط نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير في أبريل (نيسان) الماضي، وتشكيل الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.