دعوات لتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي في العراق

TT

دعوات لتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي في العراق

مثل كرة الثلج، بدأت المظاهرات الشعبية تكبر في العراق. وفي غضون أيام، وبعد وقوع المئات من القتلى وآلاف الجرحى، تحولت المظاهرات إلى احتجاجات واسعة النطاق، وسرعان ما رافق توسعها رفع لسقوف المطالب إلى حد الدعوة للإطاحة بالطبقة السياسية الحالية التي تسيدت المشهد السياسي منذ عام 2003 إلى اليوم.
وفي ساحة التحرير، وسط بغداد، نظم عشرات آلاف المحتجين أنفسهم بطريقة تبدو من الخارج عفوية، لكنها شديدة التنظيم من الداخل. هذا التنظيم شمل كل شيء، بما في ذلك توقيت توزيع وجبات الطعام، ونظام المبيت في الساحة، ومطعمها التركي، أو «جبل أحد» مثلما بات يسميه المحتجون. وفي الوقت الذي يمارسون فيه طقوساً تبدو في غاية الفرح من الخارج أيضاً، فإنها شديدة الغضب من الداخل على الطبقة السياسية التي تبدو الآن في حالة شلل تام عن إيجاد حلول مقنعة لهم. فحزم الإصلاح الحكومية والبرلمانية لم تعد مقنعة للشارع الغاضب الذي لم يعد يبحث عن فرصة عمل أو قطعة سكن، على أهميتها له، بل وبسبب تناقض المواقف داخل ساحات التظاهر فقد ارتفعت السقوف إلى ما هو أكثر جذرية، بما في ذلك الدعوة إلى تغيير النظام البرلماني إلى رئاسي. المفارقة اللافتة أن هذه الدعوة كانت -ولا تزال- تحظى بقبول واسع من أطراف كثيرة داخل الطبقة السياسية نفسها. ففي حالات كثيرة، تمت الدعوة إليها خلال السنوات الماضية، مع وجود محاذير تذهب إلى القول إن النظام الرئاسي قد يكون مقدمة لعودة الاستبداد والديكتاتورية، مثلما يرى أستاذ العلوم السياسية النائب الأسبق في البرلمان العراقي الدكتور نديم الجابري، عبر الرؤية التي طرحها في حديثه لـ«الشرق الأوسط».
الجابري الذي كان أحد المرشحين لمنصب رئيس الوزراء عام 2006، حين كان أميناً عاماً لحزب الفضيلة، يرى أن «مثل هذه الدعوات تنطوي على خطورة في العراق، لأنها يمكن أن تكون مقدمة لعودة الاستبداد والديكتاتورية بسبب البيئة السياسية والاجتماعية في العراق». الرؤية التي يدافع عنها الجابري بشأن عدم صلاحية النظام الرئاسي في العراق يناقضها هادي العامري، أحد أهم أقطاب السياسة العراقية الحاليين، وهو زعيم تحالف «الفتح»، ثاني أكبر كتلة برلمانية، وزعيم منظمة بدر. فالعامري، وفي بيان له، أعلن أن «النظام البرلماني ثبت فشله»، وأضاف: «مع احترامي الشديد لكل المبادرات السياسية الصادقة المخلصة لإيجاد حلٍ لمطالب الشعب العراقي التي عبر عنها أبناؤنا المتظاهرون، نرى الحل الحقيقي يكون في ضرورة إعادة صياغة العملية السياسية من جديد تحت سقف الدستور، ومن خلال إجراء تعديلات دستورية جوهرية».
العامري أضاف أن «النظام البرلماني ثبت فشله، ولم يعد يجدي نفعاً، ولذلك لا بد من تعديله إلى نظام آخر يناسب وضعنا». كما أشار العامري إلى أن «الحكومات المحلية (مجالس المحافظات والمحافظين) هي الأخرى ثبت فشلها أيضاً»، مشدداً على ضرورة «إلغاء مجالس المحافظات، وأن يكون انتخاب المحافظ مباشرة من قبل الشعب». وحيث ينطوي الأمر على مفارقة بين أن تتطابق مطالب المتظاهرين بتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي ومطالب بعض الزعماء السياسيين ممن ينظر إليهم المتظاهرون على أنهم جزء من حالة الفشل، فإن ذلك يؤكد عقم كل الحلول التي باتت تقترحها الطبقة السياسية على المحتجين الذين يعلنون رفضهم لها نتيجة أزمة الثقة بين الطرفين.
وبالعودة إلى الجابري، فإن «الأمر ينطوي على إشكالية حين تنتقل مطالب المتظاهرين مما هو خدمي إلى سياسي، ومن ثم تتبلور المطالب في غالبيتها إلى تغيير النظام من البرلماني الحالي إلى نظام رئاسي». لكن الجابري يرى أن «المشكلة لا تكمن في النظام بحد ذاته، بل تكمن في العنصر البشري غير المؤهل الذي قاد التغيير منذ عام 2003 إلى اليوم، حيث إن القصة لا علاقة لها بنوع نظام الحكم، بل بطريقة إدارة الحكم».
ويحذر الجابري من أنه «في الوقت الذي ينطلق فيه الجمهور بالدعوة إلى تحويل النظام إلى رئاسي لفشل الطبقة السياسية الحالية، فإن المخاطر التي تحيط بذلك ليست قليلة، ولعل أهمها عودة الاستبداد بسهولة إلى بلد مثل العراق، وإن كانت على استحياء».
ويمضي الجابري في الدفاع عن رؤيته بالقول إن «ما سوف يحصل بعد مدة هو تعديل الدستور لصالح الرئيس الذي يمهد لبقائه مدى الحياة». وبشأن الصيغة المناسبة للعراق، يرى الجابري أن «الأفضل هو تعديل النظام الحالي، بحيث يبقى برلماني، لكن يجب انتخاب رئيس الوزراء من قبل البرلمان، ومنحه صلاحيات أوسع، بما في ذلك اختيار الوزراء وتعيينهم».
ومن جهته، فإن جاسم الحلفي، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي أحد قادة التيار المدني المشارك في المظاهرات، لديه رؤية مختلفة لطبيعة ما يريده المتظاهرون بشأن نظام الحكم. ففي حديث لـ«الشرق الأوسط»، يقول الحلفي إن «هناك 3 صيغ من الأنظمة، هي: النظام الرئاسي، ونموذجه الولايات المتحدة الأميركية؛ والنظام البرلماني، ونموذجه الناجح هو بريطانيا؛ وهناك نظام الجمعية، ونموذجه سويسرا. وتتغير طبيعة التعامل بين السلطات، فإذا كان الأساس في العلاقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية هو التنفيذية فالنظام هنا رئاسي، وإذا كانت السلطة التشريعية هي الأساس فإن النظام يكون برلمانياً، بينما في نظام الجمعية تكون السلطات متوازنة»، مبيناً أن «النظام البرلماني ملائم لأي بلد يخرج من حالة الاستبداد إلى النظام التعددي، ولكون بلدنا يمتاز بالتعددية على كل الأصعدة الإثنية والدينية والمذهبية والثقافية، فإنه يحتاج تمثيلاً متناسباً في السلطة التشريعية، وبالتالي العيب ليس في النظام البرلماني، وإنما في طبيعة القوى والتحالفات والأحزاب التي تشكلت وفق التحالفات الطائفية والإثنية طوال السنوات الستة عشرة الماضية».
ويشير الحلفي إلى أن «الحاجة ليست فقط لتعديل قانون الانتخابات، أو المفوضية فقط، بل كذلك قانون الأحزاب، وتركيبة هذه الأحزاب، وهو ما يحتاج إلى عمل جبار، فضلاً عن وجود ضعف في الأحزاب ذات البعد الوطني بسبب أمور كثيرة، نتيجة لغلبة الجانب الطائفي، فضلاً عن الاستبداد في الأنظمة السابقة».
ويتفق الحلفي مع ما طرحه الجابري، قائلاً إن «المشكلة بالفعل ليست في النظام البرلماني، بل الخشية أكبر من النظام الرئاسي، لأن العراق بلد ريعي، وقد تتركز السلطة والثروة بيد رجل واحد، وليس بالضرورة أن يكون عادلاً». ويبرر الحلفي ما يطالب به الشعب، قائلاً إن «الدعوات الجماهيرية لتحويل النظام هي في الحقيقة تعبير عن يأس من الصيغة الحالية للحكم، لكن ليس بالضرورة كل ما يطرح هو صيغة مناسبة أو صحيحة».
أما المستشار السابق لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الدكتور ليث شبر، فيقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «الأسباب التي تدعو الجماهير إلى المطالبة بالنظام الرئاسي متعددة، أبرزها الفشل المتراكم في إدارة البلاد منذ عام 2003، وكذلك الفساد الذي انتشر بصورة غير مسبوقة».
ويضيف شبر أن «هناك أيضاً الصراع السياسي على المناصب بين القوى السياسية الحاكمة، وفق معادلة المحاصصة، بالإضافة إلى التدوير الفاضح المكشوف في الانتخابات»، مبيناً أن «هذه الأسباب، وغيرها، أفقدت المواطن الثقة بمجلس النواب، حيث أصبح يؤمن بأنه العقبة في تقدم البلاد».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.