إردوغان يتحدث مجدداً عن العملية العسكرية في شرق الفرات

دراسة ألمانية تشير إلى مبالغة في عدد اللاجئين بتركيا

جنود أميركيون وأتراك خلال دورية شمال سوريا (رويترز)
جنود أميركيون وأتراك خلال دورية شمال سوريا (رويترز)
TT

إردوغان يتحدث مجدداً عن العملية العسكرية في شرق الفرات

جنود أميركيون وأتراك خلال دورية شمال سوريا (رويترز)
جنود أميركيون وأتراك خلال دورية شمال سوريا (رويترز)

قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن بلاده «لم يعد بمقدورها الانتظار ولو ليوم واحد» فيما يتعلق بإقامة «المنطقة الآمنة» في شمال سوريا.
وفيما اعتبر عودة إلى التلويح بعملية عسكرية في شرق الفرات ضد وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الحليف الوثيق للولايات المتحدة في الحرب على «داعش»، قال إردوغان إن تركيا لن تترك أمنها ومستقبل أشقائها بيد قوى لها حساباتها في المنطقة (في إشارة إلى أميركا).
واتفقت تركيا والولايات المتحدة على إقامة منطقة آمنة لاستيعاب اللاجئين في شمال شرقي سوريا ولإزالة مخاوف تركيا الأمنية وأنشأتا مركز عمليات مشتركة في جنوب تركيا لتنسيق إقامة المنطقة وإدارتها، بدأت مرحلته الأولى من خلال طلعات جوية ودوريات عسكرية مشتركة في شرق الفرات. لكن عمق المنطقة وعرضها وإخلاءها تماماً من الوحدات الكردية يثير الخلافات بين أنقرة وواشنطن.
وقال إردوغان، خلال افتتاح الفصل التشريعي الجديد للبرلمان التركي أمس (الثلاثاء)، إن بلاده تؤيد وحدة تراب سوريا ووحدة شعبها السياسية والإدارية، لافتا إلى أن تركيا تهدف إلى إسكان مليوني سوري في المنطقة الآمنة المزمع تشكيلها على عمق 30 كيلومتراً في شمال شرقي سوريا.
وأضاف: «بلغ عدد السوريين العائدين إلى المناطق التي وفرّنا أمنها حتى الآن إلى 360 ألفاً، والسبب الوحيد لوجودنا في سوريا، هو التهديدات الإرهابية ضد حدودنا وتحولها إلى حاجز يمنع عودة السوريين الموجودين في بلدنا».
وتابع: «الضيوف السوريون في بلادنا لديهم بيوت ووطن. وواجبنا تأمين الأجواء الآمنة لهم في بلادهم، ووجهنا في هذا الخصوص نداءات عدة للمجتمع الدولي».
وقال إردوغان: «ندرك التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الناجمة عن تواجد 3 ملايين و650 ألف سوري في أراضينا، ونعلم أيضاً عدم وجود أي دولة تستطيع تحمّل هذه الأعباء، لكن لا نفكر في مواصلة استضافة ملايين اللاجئين في أراضينا إلى الأبد».
وتتمسك تركيا بمنطقة آمنة بعمق ما بين 30 و40 كيلومتراً وعرض 480 كيلومتراً انطلاقاً من حدودها مع سوريا لتغطية شمال شرق سوريا، وصولاً إلى حدود العراق، من أجل إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن أراضيها، وأن تكون لها السيطرة المطلقة على المنطقة، وهو ما ترفضه واشنطن التي تتمسك بضمانات لحماية الوحدات الكردية وبأن يتراوح عمق المنطقة بين 5 و14 كيلومتراً في بعض المناطق على امتداد 140 كيلومتراً على الحدود التركية السورية بما يلبي الاحتياجات الأمنية لتركيا.
في السياق ذاته، أكد مجلس الأمن القومي التركي، في اجتماعه برئاسة إردوغان مساء أول من أمس، أن تركيا ستعزز جهودها لإنشاء منطقة آمنة في سوريا، ما اعتبره مراقبون تراجعاً عن تهديد سابق لإردوغان بإطلاق عملية عسكرية بصورة أحادية في شمال سوريا، إذا لم تتم إقامة المنطقة الآمنة بالتنسيق مع الولايات المتحدة بنهاية سبتمبر (أيلول) الماضي. وقال المجلس، في بيان، إن «تركيا ستعزز جهودها الصادقة على نحو أكبر لإنشاء منطقة آمنة في سوريا من أجل تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن، حيث تتناول تركيا قضية اللاجئين على أنها مسألة إنسانية». وأضاف: «تركيا تحترم سلامة الأراضي السورية ووحدتها السياسية، وتؤيد الحل السياسي على أساس الدستور الجديد، وتشاطر ذلك مع المجتمع الدولي في كل فرصة».
كان المبعوث الأميركي إلى سوريا، جيمس جيفري، حذر تركيا الخميس الماضي، قائلاً إن «أي عملية أحادية لن تؤدي إلى أي تحسن في الأمن لأي شخص»، لأنها قد تؤثر على مجريات المعارك التي تقودها القوات الكردية ضد تنظيم داعش، وهو ما يمثل أولوية للولايات المتحدة في سوريا.
من جانبه، قال نائب وزير الخارجية التركي لشؤون الشرق الأوسط، سادات أونال، إن بلاده عازمة على دحر جميع التنظيمات الإرهابية المتواجدة في الأجزاء الشمالية لسوريا، كونها أكثر دولة تضررت من الأزمة هناك.
وأوضح، خلال جلسة حول سوريا في مجلس الأمن الدولي، مساء أول من أمس، أنه لا مكان لأي عنصر إرهابي بسوريا في إدلب أو في شمال شرقي البلاد سواء كان تنظيم داعش أو (وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها تركيا تنظيماً إرهابياً).
وأضاف أن تواجد تلك «التنظيمات الإرهابية» وتعزيز قوتها لا يهددان الأمن القومي التركي فحسب، بل يشكلان تهديداً لسلامة أراضي ووحدة سوريا السياسية.
وأشار إلى تواصل الجهود من أجل تطبيق اتفاق سوتشي الموقع مع سوريا حول إدلب، وأن تتم محاربة العناصر المتشددة فيها، لكن دون أن يتم استهداف المدنيين أو البنية التحتية المدنية.
وشدد أونال على أهمية التعاون بين جميع الأطراف من أجل دفع العملية السياسية والتوصل إلى نتيجة نهائية، قائلاً: «قد لا تسفر العملية السياسية ومفاوضات جنيف المقبلة عن نتائج إيجابية ما لم يتم توفير بيئة مواتية في الميدان».
وأشار إلى أن تركيا تستضيف على أراضيها 3.6 مليون لاجئ سوري، وتقدم المساعدات الإنسانية للنازحين في داخل الأراضي السورية. قائلاً: «نعتقد أنه حان الوقت لبدء تهيئة الظروف من أجل عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم بشكل آمن وطوعي، وهذا الإجراء بدأناه بالتنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية ودول الجوار».
في المقابل، اعتبرت دراسة أعدها معهد «دي زيم» الألماني أن إعلان تركيا عن وجود 3.6 مليون لاجئ سوري على أراضيها أمر مبالغ فيه. مشيرة إلى أن العدد الحقيقي أقل من ذلك بكثير، ويقترب من 2.7 مليون شخص، بحسب إحصاءات المديرية العامة للهجرة في تركيا ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين، واصفاً تلك التقديرات بـ«العلمية».
وأشارت الدراسة إلى وجود نقاط ضعف في طريقة وضع البيانات بشأن اللاجئين، «حيث لم يكن هناك، على سبيل المثال، نظام متسق لضبط طريقة تسجيل اللاجئين وإعادة تسجيلهم في أماكن أخرى، ما يعني أيضاً أنه لم يتم حذف الذين عادوا إلى سوريا أو استمروا في طريقهم إلى أوروبا، من منظومة البيانات التركية.
وأبرمت تركيا اتفاقية للاجئين مع الاتحاد الأوروبي في 18 مارس (آذار) 2016، تضمنت بنودها توفير 6 مليارات يورو مساعدات لأنقرة، وسمحت تلك الاتفاقية للاتحاد الأوروبي بإعادة المهاجرين الذين يصلون إلى إحدى الجزر اليونانية (بشكل غير مشروع) إلى تركيا.
وأعلنت الحكومة اليونانية، أول من أمس، أنها تريد إعادة نحو 10 آلاف مهاجر إلى تركيا بحلول نهاية عام 2020، بعد اجتماع طارئ لمجلس الوزراء إثر حريق وأعمال شغب في مخيم بجزيرة ليسبوس. وقال نائب وزير الحماية المدنية، ليفتيريس إيكونومو، في ليسبوس، إنه مع تزايد أعداد الوافدين إلى جزر بحر إيجه، تشهد اليونان «أسوأ فترة» منذ اتفاق الاتحاد الأوروبي وتركيا عام 2016 مع 70 ألف مهاجر ولاجئ على أراضيها.
وتنص الاتفاقية المبرمة بين بروكسل وأنقرة، على عودة المهاجرين غير الشرعيين الوافدين إلى الجزر اليونانية القريبة من تركيا (ليسبوس وخيوس وكوس وليروس وساموس)، واللاجئين السوريين إلى تركيا باعتبارها «دولة آمنة».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.