هيئة الانتخابات التونسية تواجه «مأزقاً» بسبب ملف القروي

قيس سعيّد عبّر عن عدم ارتياحه لوجود منافسه في السجن

TT

هيئة الانتخابات التونسية تواجه «مأزقاً» بسبب ملف القروي

قبل نحو أسبوعين من موعد الانتخابات الرئاسية التونسية في دورها الثاني المقرر يوم 13 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، تجد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نفسها في مواجهة مأزق التعامل مع ملف نبيل القروي المنافس في السباق الرئاسي، رغم وجوده في سجن «المرناقية» غرب العاصمة التونسية بتهمة غسل الأموال والتهرب الضريبي. وحذر أكثر من مصدر قضائي وقانوني وسياسي من إمكانية الطعن في نتائج الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية تحت ذريعة عدم تكافؤ الفرص بين المرشحين للرئاسة، وهما قيس سعيد المرشح المستقل الفائز بالمرتبة الأولى في الدور الأول، ومنافسه نبيل القروي مرشح حزب «قلب تونس» القابع في السجن.
وكانت القناة التلفزيونية التونسية الوطنية الأولى (حكومية) قد بثت ليلة الخميس الماضي حواراً مع المرشح قيس سعيد، مما أثار جدلاً سياسياً حاداً حول تمتع أحد المرشحين بحرية التنقل والدعاية السياسية، في حين أن منافسه يقبع في السجن منذ 23 أغسطس (آب) الماضي. وكان سعيد نفسه قد عبر عن عدم ارتياحه لوجود منافسه داخل السجن. وفي هذا الشأن، قال عادل البرينصي، عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا الملف وضع مختلف الأطراف المسؤولة عن الانتخابات الرئاسية، في وضعية حرجة ومزعجة؛ نظراً لعدم تمتع المترشحين للانتخابات الرئاسية في الدور الثاني بحظوظ متساوية.
وعبر البرينصي عن تخوف أعضاء الهيئة ومختلف الأطراف السياسية الساعية لإنجاح هذه المحطة الانتخابية، من إمكانية الطعن في نتائج الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، كما أنها متخوفة من تبعات ما سيحدث لاحقاً، إذا استمر الوضع على ما هو عليه. واعتبر البرينصي أن وضعية نبيل القروي تعد سابقة قانونية، إذ إن القانون الانتخابي التونسي لم يتعرض لمثل هذه الحالة من قبل. كما أن القضاء الإداري لم ينظر سابقاً في هذا النوع، وهو ما يجعل الجميع في مأزق قانوني، على حد تعبيره.
وأضاف البرينصي موضحاً أن القانون الانتخابي لم يتطرق إلى وضعية مترشح للانتخابات الرئاسية، لكنه محروم من إجراء حملته الانتخابية بإجراء قضائي نتيجة وجوده في السجن. وأشار البرينصي إلى ضرورة الإسراع في التعامل مع هذا الملف القانوني حتى تضمن هيئة الانتخابات المعاملة المتساوية بين جميع الناخبين وجميع المترشحين وجميع المتدخلين خلال العمليات الانتخابية.
يذكر أن القضاء التونسي أرجأ النظر في ملف الإفراج عن نبيل القروي إلى الثاني من أكتوبر نتيجة إضراب القضاة لبضعة أيام. ويرى مراقبون أن عدم احترام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات للمواعيد الانتخابية، سيكون مؤثراً على احترام الآجال الدستورية لانتخاب رئيس تونسي جديد خلفاً للرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي الذي وافته المنية في 25 يوليو (تموز) الماضي. وحدد الدستور التونسي مدة 90 يوماً لانتخاب رئيس جديد غير أن هذه الآجال الدستورية قد تكون عرضة للتخطي نتيجة إمكانية التشكيك في نتائج الدور الثاني من السباق الرئاسي، في حال تظلم نبيل القروي من عدم تكافؤ الفرص بين المرشحين.
وتسعى هيئة الانتخابات لاستكمال إجراء الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية قبل نهاية الشهر المقبل لتعلن عن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية، بعد أيام قليلة من انتهاء الآجال الدستورية المحددة في يوم 24 من الشهر المقبل، وفي حال تم الطعن في نتائج الانتخابات الرئاسية، فإن فراغاً دستورياً سيكون حاضراً في المشهد السياسي التونسي لمدة طويلة تنتهي بانتهاء الجدل حول نتائج تلك الانتخابات.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.