رغم إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الاثنين تشكيل لجنة دستورية تضمّ ممثلين عن الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني في سوريا، بعد أشهر طويلة من المشاورات، فإن إحلال السلام لا يزال، وفق محللين، بعيد المنال.
وبعد أكثر من ثماني سنوات من حرب مدمرة أودت بحياة أكثر من 370 ألف شخص، من المنتظر أن تبدأ هذه اللجنة عملها في الأسابيع المقبلة، وسط تباين كبير في وجهات نظر طرفي النزاع إزاء صلاحياتها والمنتظر منها.
وتتألف اللجنة، التي أثارت تسمية أعضائها خلافات بين دمشق والأمم المتحدة على مدى أشهر، من 150 عضواً. خمسون منهم اختارتهم دمشق، وخمسون اختارتهم المعارضة، بينما اختارت الأمم المتحدة الخمسين الآخرين، من خبراء وممثلين عن المجتمع المدني.
ولم تنجح الأمم المتحدة التي عقدت جولات محادثات متتالية بين وفدي الحكومة والمعارضة في جنيف منذ العام 2016 في التوصل إلى تفاهم يمهّد لتسوية النزاع، جراء الخلاف على مصير الرئيس السوري بشار الأسد الذي تتمسك المعارضة بتنحيه، بينما تعتبر دمشق أن الموضوع غير مطروح للبحث.
وبدءاً من العام 2017 طغت محادثات آستانة برعاية روسيا وإيران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة على مسار جنيف. وانبثق عن اجتماع عقد تحت مظلتها في منتجع سوتشي مطلع العام 2018 اقتراح روسي بتشكيل لجنة دستورية مهمتها «صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة». وتتباين قراءة كل من الحكومة السورية والمعارضة لمهام هذه اللجنة، إذ تحصر دمشق صلاحياتها بنقاش الدستور الحالي، بينما تقول المعارضة إن الهدف منها وضع دستور جديد للبلاد. ويقول المستشار الخاص لدى معهد مونتني في باريس ميشال دوكلوس، الذي شغل منصب سفير فرنسا في دمشق، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الأسد «في موقع قوة ويوعز له الروس القيام ببعض الخطوات (على غرار اللجنة الدستورية) لكنه قاوم رغبتهم هذه على مدى أشهر». ويرى أن الأسد «يحتفظ بإمكانية عرقلة استمرار العملية. وفي غضون ذلك ستكون هناك انتخابات... وسيُعاد انتخابه في العام 2021 في حال لم يتغير شيء».
وتأمل الدول الغربية أن يمهد تشكيل اللجنة الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وأن يسمح لملايين اللاجئين السوريين، وكثيرون منهم معارضون للأسد، بالعودة إلى بلدهم.
لكن محللين يقولون إنه من غير المرجح أن يوافق الأسد على أي شيء قد يهدد موقفه وموقعه. ويرجّح الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية جوليان بارنز - دايسي، أن «الحكومة السورية ستواصل بلا شك إعاقة هذه العملية»، مضيفاً: «يجب علينا ألا نتوقع تسوية سياسية عادلة أو إصلاحات جوهرية من جانبها».
ورحبت دمشق بتشكيل اللجنة. وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية عنه الاثنين، إنه «جرى الاتفاق على كل تفاصيل هذه اللجنة، وذلك بفضل مواكبة وتوجيهات» الأسد «طوال 18 شهراً من المحادثات». ونقلت صحيفة «الوطن» المقربة من دمشق في عددها، أمس الثلاثاء، أن «سوريا فرضت رؤيتها فيما يتعلق بتشكيل اللجنة الدستورية وآليات وإجراءات عملها» بعدما كانت محل خلاف طيلة الأشهر الماضية.
من جهتها، أعلنت هيئة التفاوض السورية الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة في الخارج، في بيان الثلاثاء، أنها «غير غافلة عن أي عراقيل قد يضعها النظام في وجه عمل اللجنة»، آملة أن تشكل «بوابة لمناقشة باقي مضامين» قرار مجلس الأمن رقم 2554 الصادر العام 2015 والمتعلق بالتوصل إلى تسوية سياسية في سوريا.
وشكل هذا القرار مرجعاً لجولات التفاوض برعاية الأمم المتحدة في جنيف والتي توقفت في العامين الأخيرين. إلا أن غوتيريش أعلن الاثنين أن موفده إلى سوريا غير بيدرسون «سيجمع اللجنة الدستورية في الأسابيع المقبلة».
ويقول بارنز - دايسي إن تشكيل اللجنة الدستورية «هو السبيل الوحيد، وإن كان ضيقاً، لمحاولة خوض أي شكل من أشكال العملية السياسية»، ما يشكل «انفتاحاً نادراً» على حد قوله.
وإذا كانت دمشق وهيئة التفاوض المعارضة الحاضرين الأبرز على طاولة نقاشات اللجنة الدستورية المرتقبة، فإن الإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا هي أكبر الغائبين.
واعتبرت الإدارة الذاتية الاثنين أن «إقصاءها» عن اللجنة بمثابة «إجراء غير عادل». ولم تدع الإدارة الذاتية للمشاركة في أي من المحادثات حول سوريا في جنيف أو في آستانة وسط رفض لمشاركتها من قبل المعارضة ودمشق في آن معاً.
اللجنة الدستورية أبصرت النور لكن انتهاء النزاع السوري ما زال بعيداً
سفير فرنسا السابق في دمشق: الأسد يحتفظ بإمكانية عرقلة العملية
اللجنة الدستورية أبصرت النور لكن انتهاء النزاع السوري ما زال بعيداً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة