فنانون أفغان يوظفون القوة الناعمة للفن والثقافة سعياً للتغيير

عميد شريفي لـ «الشرق الأوسط»: فكرتنا أن نحوّل الجدران الفاصلة إلى لوحات تقف في وجه الفساد

نساء ورجال وأطفال شاركوا في الرّسم على الجدران الفاصلة في كابل
نساء ورجال وأطفال شاركوا في الرّسم على الجدران الفاصلة في كابل
TT

فنانون أفغان يوظفون القوة الناعمة للفن والثقافة سعياً للتغيير

نساء ورجال وأطفال شاركوا في الرّسم على الجدران الفاصلة في كابل
نساء ورجال وأطفال شاركوا في الرّسم على الجدران الفاصلة في كابل

تحوّلت كابل، في السنوات الأخيرة، إلى مدينة تحيط بها جدران خرسانية باتت وكأنّها صُممت لحماية مساكن ومدارس وجامعات ومكاتب الطبقة الغنية.
هذه الجدران الفاصلة كانت السّبب في إنشاء مبادرة «Art lords» عام 2014، وهي حركة شعبية لفنانين ومتطوعين تأسست على يد الشّاب الأفغاني عميد شريفي، بدافع الرغبة في تمهيد الطريق للتّحول الاجتماعي والتغيير السلوكي في أفغانستان، من خلال توظيف القوة الناعمة للفن والثقافة كنهج غير تدخلي.
كان شريفي منغمساً في رسم جدارية تتحدّث عن «حريّة التعبير»، أثناء مشاركته، الشهر الماضي، في مؤتمر لحرية الصّحافة في العاصمة البريطانية لندن، حين قال لـ«الشرق الأوسط»: «خرجنا بموجب مبادرة (Artlords) إلى شوارع كابل لمواجهة هذه الجدران الفاصلة، وتحويلها إلى لوحة من القماش تنتظر ريشة تملؤها بالرسومات والألوان والكتابات».
في البدء، كانت الفكرة بسيطة جداً، أن نحوّلها إلى لوحات جدارية تقف في وجه الفساد. وبالطّبع لن تكون الأولى في كابل، التي تعلو فيها جدارية شهيرة تُجسّد رسماً لعينين اثنين كُتب عليها «أراك»: «نؤمن بأن الفساد يجب أن يعاقب». كانت هذه الجدارية الأولى في البلد. وبالفعل لاقت قبولاً واشتهرت وتفاعل معها عددٌ كبيرٌ من سكان المدينة والجوار.
«أن نملأ الجدران فلا بدّ أن نطلب من الجميع المشاركة في مشروعنا؛ فدعونا أطفالاً في الشارع، وأصحاب الدكاكين، وربات البيوت، والمارة، للرّسم معنا، وابتكرنا طريقة لبدء العميلة وتسهيلها، وذلك عن طريق تحديد الصورة وتقسيمها لمربعات مرقمة، ولكل من يود المشاركة أن يلوّن ويرسم الخطوط المحددة في المربع». يقول عميد شريفي ويتابع حديثه: «في البداية، اعتقد المواطنون أننا أجانب، عندما رأوا شعري الطّويل، وكنت محاطاً بعدد من الفنانات، فتحدّثوا إلينا باللغة الإنجليزية، وصدموا عندما أجبناهم بالبشتو أو الفارسية».
في رأي شريفي، فإنّ المبادرة هذه، هي الفسحة التي تُمكّن الشّعب الأفغاني من التعبير عن نفسه، وجملته لهم كانت «ارفعوا أصواتكم وعبّروا بالرّسم عمّا تريدون».
ويتابع شريفي لـ«الشرق الأوسط»، أنّ «نسبة الأمّية في أفغانستان مرتفعة جداً، وهذا الأمر لا بدّ أن يُخرس أصوات الكثيرين من أهل البلد. وعملنا هنا تجسّد بإشراك من لا صوت له ولا منبر في مبادرة الرّسم»، ويضيف: «منذ ذلك اليوم، استطعنا رسم أكثر من 570 جدارية في أنحاء البلاد.
وبدأت مشروعاتنا تتوسع فسافرنا إلى جميع المناطق. لم يكن يهمنا من يتحكم بها، سواء المتمردين أو الحكومة الأفغانية، لأنّ الجداريات تبدأ مع الناس وتعود لهم».
ورداً على سؤال المضايقات التي صادفوها من «طالبان» أو الحكومة، يقول شريفي: «إنني أعمل عند خط رفيع حساس، وعلى أن أكون حذراً، خصوصاً أنّني أخاطب ملفات شائكة تطال جميع الأطراف السياسية في أفغانستان». ويتابع: «في بعض الأحيان أنتظر نحو أسبوعين لأحصل على موافقة للرسم، لكنّني كنت أحصل عليها في كلّ مرّة، ولا أنكر أنّي واجهت بعض الصّعاب في حالات معيّنة حين تُصعّب الحكومة والمتمردون الأمور عليّ، وتحد من الحرّية المطلوبة للعمل، وقد دمّرت (طالبان) لوحة لنا لتمثال يمثل إرث البلد الثقافي بعد أن اتّهموني بالكفر (تبجيل الأصنام) حسب مفهومهم».
لا يسمّي شريفي ومجموعته، أنفسهم، فنانين، بل يرى أنّهم «artivists» (ناشطون من خلال الفن)، يوظّفونه لتغيير حال ما في المجتمع، ولزيادة الوعي لدى الشعب، وتسليط الضوء على بعض الإشكاليات ومعالجتها، مثل الجداريات التي تتحدّث عن السلام، وحقوق المرأة، ودعم حرية الصّحافة، وأخرى تنبذ العنف وتدعو لمواجهته. ويردف شريفي: «هذا الفن الذي قدّمناه للناس باتوا هم أنفسهم ينتجونه، بل بات بحدّ ذاته يزيدهم قوة ووعياً».
وعن الأهداف وراء الجداريات، يوضح شريفي: «كثيرة هي، منها قصيرة المدى، وهي التي تحاول تغيير كابل لجعلها عاصمة الغرافيتي في المنطقة، وتغيير السّلوكيات والأفعال من خلال هذه الجداريات، وبالتالي فهي تساهم في تحفيز التفكير النقدي للناس». وأخرى طويلة المدى، يعتقد شريفي أنّها ستخلق حركة مساءلة بين الجمهور للضغط على الحكومة لتكون أكثر شفافية ومسؤولية.
ليس من حدود جغرافية لرسّامي «الغرافيتي»، فهم يتعاونون ويجتمعون في مدن شتّى حول العالم. ولشريفي جداريات في العديد منها. وهو يراها مدرسة تعلّم الناس، ويصفها بالرّسالة تحديداً لشعوب تعيش في مناطق تخضع لأنظمة ديكتاتورية، حيث تُحجب المعلومات عنهم، ويُمنع عليهم الانفتاح إلى العالم الخارجي بكل ما فيه من تطوّرات جديدة وأفكار مطالبة بتغيير قوانين بالية.
وعن مشروعاته المستقبلية وأعماله السّابقة، يقول شريفي: «لدينا اليوم مبادرة في كابل، ونحن ندعو إليها فنانين من حول العالم لمشاركتنا الرّسم في شوارع العاصمة».
يحلم شريفي بالرّسم في بيروت والرياض وجدة ودبي وتونس، فقد سبق له أن رسم في أستراليا وأميركا، بيد أنّه لم يشارك في رسم جداريات بأي دولة من دول الشرق الأوسط، فهذه الأماكن بالنّسبة له يستطيع التواصل معها أكثر، وفي ذلك يقول: «ثقافتها تحاكي ثقافتي». كما يعتبر أنّ فن الشوارع (الغرافيتي)، ليس حكراً على الغرب، بل يستطيع من شاء أن يوظّفه ويُدخل به ملامح من ثقافته مثل الخط الإسلامي والموزايك وغيرها من فنون الشرق، وبذلك لن تعود الجداريات دخيلة على الشوارع الشّرقية، بل ستكون وليدته وتحمل هويته.
لطالما كان حلم شريفي، منذ طفولته، الذّهاب إلى المتاحف، ولكن الحرب في أفغانستان سلبت منه حلمه الصّغير، واليوم ها هو يرى في رسم «الغرافيتي» علاجاً للنفس والرّوح بعد عقود من الحرب، وحلمه بات حقيقة، فقد صمم أن يصنع من شوارع كابل متحفاً فنّياً.
ووصلت أعماله والمجموعة المشاركة معه إلى 570 جداريّة في مدن مختلفة من أفغانستان، دُمّرت منها ثلاث فقط، فالنّاس الذين شاركوا في رسمها دافعوا عن بقائها.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.