جنوب سوريا بعد عام على المصالحة: اغتيالات واحتقان... وتنافس روسي ـ إيراني

تحقيق لـ«الشرق الأوسط» عن ريف درعا بعد عودة الحكومة

تظاهرة احتجاجية في درعا (الشرق الاوسط)
تظاهرة احتجاجية في درعا (الشرق الاوسط)
TT

جنوب سوريا بعد عام على المصالحة: اغتيالات واحتقان... وتنافس روسي ـ إيراني

تظاهرة احتجاجية في درعا (الشرق الاوسط)
تظاهرة احتجاجية في درعا (الشرق الاوسط)

مرّ عام على اتفاق التسوية القاضي بفرض الاستقرار الأمني والعسكري جنوب سوريا برعاية روسية، أواخر شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، لتتحول بموجبه المعارضة إلى «فصائل مصالحة»، وبالتالي تنخرط ضمن تشكيلات الجيش والقوى الأمنية.
وخلال الفترة الماضية، تجلى التنافس الروسي - الإيراني على كسب ولاء أبناء المنطقة، ما أفضى إلى تدهور الأوضاع مجدداً، حيث عاد مشهد الاغتيالات ليخيم على مجرى الأحداث، ويخلط الأوراق من جديد، إذ اعتقد البعض أن سيطرة النظام والقضاء على «داعش» في المنطقة ستنهي تلك الحالة، لكن زادت تلك الحوادث بشكل مريب، وتطورت لتشمل قيادات في فصائل التسوية، وقيادات عسكرية وأمنية في صفوف النظام، إضافة لشخصيات مدنية مقربة من النظام، ومساهمة في الاتفاق، من ضمنها رؤساء بلديات ومخاتير وقيادات حزبية وعشائرية.
بحسب «أبو محمود الحوراني»، المسؤول الإعلامي في «تجمع أحرار حوران»، فإن الأسبوع الماضي شهد أعنف سلسلة من العمليات العسكرية التي شكّلت تطوراً لافتاً، إذ خلال 72 ساعة نفذت نحو 15 عملية اغتيال طالت قادة معارضين سابقين، وآخرين مقرّبين من النظام، تزامناً مع إطلاق النظام سراح عشرات القادة الأمنيين في تنظيم «داعش» سابقاً.
وتابع «الحوراني»: «أبرز تلك العمليات كانت يوم السبت 27 يوليو، عندما دارت اشتباكات بالأسلحة الرشاشة، تلاها انفجار عنيف تبين أن سببه قيام عنصر مرتبط بتنظيم (داعش)، بالتحصن في مزرعة صغيرة ببلدة مليحة شرق درعا، وتفجير نفسه عند محاولة اعتقاله من قبل عناصر تابعين للنظام، رفقة عناصر تابعين للفيلق الخامس التابع لروسيا».
وفي أعقاب تلك العملية نشر تنظيم داعش بياناً تبنى فيه مسؤوليته عن العملية، وذكر البيان أن أحد عناصره «المدعو أبو مالك الأنصاري» اشتبك مع عناصر النظام، قبل أن يقوم بتفجير حزامه الناسف وقتل 8 عناصر، وإصابة 10 آخرين. بعد ساعات من العملية شنت قوات النظام حملة دهم واعتقالات في بلدة مليحة العطش، أسفرت عن اعتقال شخصين، واقتيادهما إلى فرع الأمن العسكري بمدينة إزرع.
وفي إطار الحديث عن أبرز الشخصيات المستهدفة حديثاً، أفاد الناشط حسان عبد الله، بأسماء أبرز الشخصيات، وقال: «تم إطلاق النار على القياديين في فصائل المصالحة يوسف البكار وأبو عدنان الصبيحي ببلدة تل شهاب بريف درعا الغربي، ما أدى إلى مقتل الصبيحي، وإصابة البكار بجروح خطيرة، أُسعف على أثرها إلى المشفى الوطني مدينة درعا، تلاه اغتيال إياد النمر وهو أحد رجال المصالحات المقرّبين من فرع المخابرات الجوية السورية، على يد مجهولين في مدينة الحراك شرق درعا، ثم اغتيال مجهولين للشاب محمد جهاد الحلقي المقرّب من قياديين في (حزب الله)، خلال الأسبوع الماضي، بينما اغتيل رؤساء بلديتي اليادودة وجلين، وعلي سعدون الحسن المقرب من حزب الله مساء الجمعة 2 أغسطس (آب) الحالي».
ولدى السؤال عن المدبر لتلك العمليات أجاب عبد الله إن «عدة أطراف تتسابق لكسب ولاء أبناء المنطقة لصفها، وتعمد إلى أتباع أساليب الخطف والاغتيال المتبادل، عوضاً عن المواجهة المباشرة، فبينما تجند روسيا الشباب ضمن الفيلق الخامس ذراعها في المنطقة، وتدبر اغتيال قادة داعمين لوجود إيران، تقدم الميليشيات الموالية لإيران البطاقات الأمنية والإغراءات المالية، وتكثف نشاطاتها الاجتماعية من خلال نشر الجمعيات الخيرية، وتكليف عملاء محليين بإنشاء مراكز دراسات وأبحاث مهمتها معرفة الشخصيات الرافضة لمشروعها، ثم اعتقالها أو قتلها، وبين هذا وذاك، تتبنى حركة تسمي نفسها المقاومة الشعبية بعض تلك العمليات».
وفي هذا الشأن وثق «مكتب توثيق الشهداء في درعا» 125 عملية ومحاولة اغتيال وإعدام ميداني، خلال العام الأول من اتفاقية التسوية، أدت إلى مقتل 73 شخصاً وإصابة 38 آخرين، بينما نجا 14 شخص من محاولة الاغتيال، ووفقاً لتقرير المكتب شكلت عمليات الاعتقال التي طالت المدنيين والمقاتلين السابقين أحد أبرز الانتهاكات التي مارستها قوات النظام خلال هذا العام، حيث اعتقلت قوات النظام 634 شخصاً تحت تصنيفات مختلفة، تم إطلاق سراح 166 منهم في وقت لاحق، بينما قُتِل 9 منهم تحت التعذيب في سجون قوات النظام (يضم المكتب ناشطين عملوا على توثيق الجرائم والاغتيال وضحايا الحرب منذ أعوام، ويصدر تقارير دورية توثق ما يجري بدرعا)
هذه الاضطرابات لاقت اهتماماً خاصاً من معهد الشرق الأوسط للأبحاث في واشنطن، لذلك نشر تقريراً مفصلاً ذكر فيه أن خطر فقدان السيطرة على درعا مجددا وارد جداً، في ظل زيادة وتيرة العمليات خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وبحسب التقرير فإن الهجمات المتكررة على الحواجز، والحرائق المفتعلة، والاشتباكات المتقطعة، تسببت بإحداث فوضى تنذر بعودة الصراع من جديد إلى المنطقة.
أما عن ردة فعل أهالي الجنوب تجاه ما يجري، دعا القيادي السابق في المعارضة أدهم الأكراد الشباب إلى «العصيان»، وعمل على جمع تواقيع مئات الفعاليات المدنية والوجاهية بمدينة درعا احتجاجاً على ممارسات النظام، في ظل انشغال القيادة الروسية بمعارك الشمال، وإخلالها بوعود الاتفاق، وتغلغل الميليشيات الإيرانية جنوب سوريا، وتجنيدها للشباب، فضلاً عن تروجيها المخدرات، وذلك ما لا يقبله السكان المحليون بحسب الأكراد، لا سيما بعد وقف العمل ببطاقات التسوية، ثم تهديد الشباب بالاعتقال أو الالتحاق بالخدمة العسكرية مباشرة، والإخلال بوعود تأجيل آلاف للطلاب الجامعين العائدين لدراستهم بموجب مرسوم رئاسي.
أدهم أكراد أحد أطراف الاتفاق مع الروس، لكنه رفض الانخراط ضمن فصائل المصالحة، شجع على العصيان والتظاهر، احتجاجاً على ممارسات النظام السوري.
من جهته، أوضح الباحث السياسي نصر فروان، حقيقة مرسوم الجيش، بالقول: «إن هذه الوعود تأتي ضمن خطة منظمة لفرض حالة الاستقرار في مناطق المصالحة، لحين الانتهاء من العمليات العسكرية في الشمال السوري، ثم وضع شريحة الشباب ضمن دائرة الارتياح ومحاولة استئناسهم، تمهيداً لجذبهم طوعياً للمؤسسة العسكرية، وإعادة بنائها برعاية روسية، بعدما تحول الجيش إلى الحالة الميليشياوية التي تحبذها إيران».
ونبه فروان إلى أن النظام يعمل على إعادة التأهيل السياسي للشباب الذين كانوا في مناطق المعارضة من خلال التوجيه الإعلامي، وعقد الندوات ودورات الانتساب لـ«حزب البعث»، كي «لا يفكروا بالهروب، أو الانضمام للحركات المضادة له كالمقاومة الشعبية، فقيادته السياسية متفطنة للآثار النفسية التي تركتها عقليتهم الأمنية ضد المناطق التي انتفضت بوجهها، وحريصة على محاربة أي خطاب إعلامي معادٍ لنهجها، من شأنه تأجيج الشباب ضدها من جديد».
إلا أن تلك الوعود والتطمينات لم تثنِ آلاف الشباب من أبناء المناطق الموقّعة على اتفاق التسوية في محافظات ريف دمشق ودرعا والقنيطرة عن الانشقاق، وترك تشكيلات الجيش، مع انطلاق معارك الشمال السوري، في حين آثر المئات الهروب إلى لبنان أو تركيا بطرق غير شرعية، وبتكلفة قد تصل إلى 5 آلاف دولار خوفاً من إقحامهم بتلك المعارك.
وفي هذا السياق، قال أحد العناصر المصابين حديثاً بجروح بالغة خلال الاشتباكات الدائرة شمال حماة إن أحد ضباط النظام برتبة عقيد قام بإطلاق النار على 15 عنصراً من عناصر التسويات، وقتلهم شمال حماة، بعد رفضهم التقدم على محوري تل ملح والجبين قبل أسابيع، مشيراً إلى أن قوات النظام تتعمد الزج بمقاتلين سابقين في «الجيش الحر» من الموقّعين على التسوية في الواجهة خلال المعارك، وتركهم فريسة سهلة للكمائن التي تنصبها فصائل المعارضة، دون مؤازرتهم.
وأكد أنه يفضل البقاء في بيته بدلاً من زجه بتلك المعارك، بعدما ظهرت موجة انشقاق جديد، تصدرها مئات العناصر من المنضمين حديثاً إلى صفوف الجيش السوري، بموجب التسويات بدرعا، حينما عادوا إلى منازلهم رافضين الالتحاق بقطعهم العسكرية مرة أخرى.
في غضون ذلك، حذر باحث من مغبة استفزاز الأهالي، وأطلعنا على أبرز التحديات التي أعاقت الحركة الاقتصادية عقب مرور عام على سيطرة النظام على الجنوب، قائلاً: «أدى اختفاء منظمات المجتمع المدني إلى انتشار البطالة في صفوف الشباب، بعدما كانت توفر أكثر 20 ألف فرصة عمل، ناهيك بانقطاع المساعدات الإنسانية التي كانت تزيد على مائة ألف طرد غذائي يوزع على العائلات مجاناً بشكل شهري، إضافة لتردي قطاع الزراعة الذي يزاوله معظم أبناء المنطقة، بسبب عدم توفر الوقود اللازم للري، وعدم توفر المال الكافي لشراء البذور، وضعف سوق تصريف المحاصيل، وانخفاض أسعار الليرة السورية المستمر أمام العملات الأجنبية».
وختم: «يبدو أن زيادة وتيرة العمليات العسكرية، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وعزوف الشباب عن الالتحاق بالخدمة العسكرية، سيضع المنطقة وسط حالة تأهب واستعداد للعودة إلى المناوشات والعمليات القتالية بين أهالي الجنوب والنظام، بسبب انعدام الثقة بين الطرفين، وانتكاس اتفاق المصالحة المزعوم».



بيان منسوب لبشار الأسد: غادرت بطلب روسي في اليوم التالي لسقوط دمشق

الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد (رويترز - أرشيفية)
الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد (رويترز - أرشيفية)
TT

بيان منسوب لبشار الأسد: غادرت بطلب روسي في اليوم التالي لسقوط دمشق

الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد (رويترز - أرشيفية)
الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد (رويترز - أرشيفية)

نفى الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، أن يكون قد غادر سوريا «بشكل مخطَّط له كما أُشيع»، مؤكداً: «بل بقيت في دمشق أتابع مسؤولياتي حتى ساعات الصباح الأولى من يوم الأحد 8 ديسمبر (كانون الأول)».

وأوضح الأسد، في بيان منسوب إليه نشرته حسابات تابعة للرئاسة السورية على مواقع التواصل الاجتماعي: «مع تمدد (الإرهاب) داخل دمشق، انتقلتُ بتنسيق مع الأصدقاء الروس إلى اللاذقية لمتابعة الأعمال القتالية منها».

وأضاف: «عند الوصول إلى قاعدة حميميم صباحاً تبيَّن انسحاب القوات من خطوط القتال كافة وسقوط آخر مواقع الجيش. ومع ازدياد تدهور الواقع الميداني في تلك المنطقة، وتصعيد الهجوم على القاعدة العسكرية الروسية نفسها بالطيران المسيّر، وفي ظل استحالة الخروج من القاعدة في أي اتجاه، طلبت موسكو من قيادة القاعدة العمل على تأمين الإخلاء الفوري إلى روسيا مساء يوم الأحد 8 ديسمبر».

وتابع: «مع سقوط الدولة بيد (الإرهاب)، وفقدان القدرة على تقديم أي شيء يصبح المنصب فارغاً لا معنى له، ولا معنى لبقاء المسؤول فيه».

وأضاف الأسد في البيان: «لم أكن في يوم من الأيام من الساعين للمناصب على المستوى الشخصي، بل عددت نفسي صاحب مشروع وطني أستمدّ دعمه من شعب آمنَ به».

وأعلنت المعارضة السورية، يوم الأحد 8 ديسمبر، أنها حررت دمشق وأسقطت حكم الرئيس بشار الأسد الذي امتد 24 عاماً. وورد في بيان المعارضة على شاشة التلفزيون الرسمي: «تم بحمد لله تحرير مدينة دمشق وإسقاط الطاغية بشار الأسد».

وأضافت المعارضة أنه جرى إطلاق سراح جميع المعتقلين، فيما كشف ضابطان كبيران بالجيش السوري عن أن الرئيس بشار الأسد غادر البلاد على متن طائرة إلى وجهة غير معلومة، قبل أن يعلن الكرملين أن «الأسد وأفراد عائلته وصلوا إلى موسكو»، مضيفاً: «منحتهم روسيا اللجوء لدواعٍ إنسانية».

وشكَّلت المعارضة السورية بقيادة «هيئة تحرير الشام» حكومة انتقالية مؤقتة برئاسة محمد البشير، حتى الأول من مارس (آذار) 2025.