تفاهم «القوات» و«التيار» في العناية الفائقة

TT

تفاهم «القوات» و«التيار» في العناية الفائقة

اقتربت علاقة حزب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ» من نقطة اللاعودة، وشارفت على نعي «تفاهم معراب»، الذي وُقّع في شهر يناير (كانون الثاني) 2016، وطوى فيه الطرفان أكثر من عقدين من الصراعات العسكرية والسياسية، وتوّج بتأييد الدكتور سمير جعجع ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
ولم تهدأ بعد مفاعيل العاصفة التي أثارها جعجع في مقابلته التلفزيونية يوم الخميس الماضي، وهجومه العنيف على التيار الحرّ ورئيسه وزير الخارجية جبران باسيل، واتهامه بالفساد من خلال صفقة استئجار بواخر لتوليد الطاقة الكهربائية، ولم يوفّر جعجع الرئيس عون من انتقاده اللاذع، ما استدعى ردوداً عنيفة من وزراء ونواب «التيار البرتقالي» وقيادييه، سواء في تصريحات إعلامية أو بيانات مكتوبة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
العلاقة المتأزمة بين الحزبين المسيحيين الأكبر، طرحت أكثر من سؤال عمّا إذا كان «تفاهم معراب» لا يزال على قيد الحياة، أم أنه بات في حكم الميّت، واعترف عضو تكتل «لبنان القوي» (برئاسة باسيل) النائب أسعد درغام، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «العلاقة مع القوات اللبنانية في أزمة حقيقية، لكنها لم تصل مرحلة اللاعودة». ورأى أنه «تمكن معالجتها إذا رغب الطرف الآخر، وتوقّف عن اعتماد أسلوب التنكيل»، معتبراً أن «تفاهم معراب لم يمُتْ بعد، لكنه في غرفة العناية الفائقة».
واستغرب درغام كيف أن «القوات اللبنانية موجودة في الحكومة وتمارس دور المعارضة والشعبوية في وقت واحد». وقال: «للأسف يبدو أنهم من خلال النكد السياسي لم يربحوا المعارضة، ولم ينجحوا بأداء دورهم في السلطة، وهذا ما جعلهم يخسرون مصداقيتهم السياسية».
وشهدت العلاقة بين الفريقين المسيحيين تدهوراً كبيراً، بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، التي رفعت عدد نواب «القوات اللبنانية» من 8 نواب إلى 15 نائباً، ومطالبتها بستة وزراء في الحكومة بينها وزارة سيادية ومنصب نائب رئيس الحكومة، وسط معارضة شديدة من باسيل الذي اشترط على «القوات» القبول بثلاثة وزراء أو البقاء خارج الحكومة وممارسة دور المعارضة.
ورغم الأزمات المتلاحقة التي تعصف بعلاقة الفريقين، اعتبر عضو كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية) النائب عماد واكيم، أن «تفاهم معراب يجسّد مصالحة تاريخية بين المسيحيين، ومن مصلحة الجميع المحافظة عليه، لكن المصالح الآنيّة لجبران باسيل أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه». وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن باسيل «يطرح شعارات استرجاع حقوق المسيحيين، ونحن كنّا معه في القضايا المحقّة، بدءاً من انتخاب الرئيس ميشال عون إلى قانون الانتخابات وصولاً إلى استعادة الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني». وقال: «للأسف منذ انتخاب الرئيس عون، بدأ باسيل معركته ضدنا، لتغليب مصلحته الخاصة على المصلحة العامة، وهو يعتقد أنه إذا حققنا إنجازات من خلال عمل مشترك، ستحوّل (القوات اللبنانية) إلى شريك مضارب له، وتصبح المكاسب مناصفة، ويعتقد أنه إذا وصلنا إلى الانتخابات الرئاسية، سيكون الدكتور جعجع متقدماً عليه نظراً إلى حجمه السياسي ودوره وتاريخه النضالي، وهذا ما جعله يخوض معركة مفتوحة ضدنا».
واعترف واكيم أن «الأزمة انفجرت بين (القوات اللبنانية) و(التيار الحرّ)، عندما عارضنا في الحكومة السابقة صفقة استئجار البواخر، ونصحناهم بأن البواخر لن تقدّم حلاً لأزمة الكهرباء، بدليل أن الأزمة تفاقمت بشكل أكبر»، مبدياً أسفه لأن «الرئيس عون الذي لجأنا إليه مرات عدة، وطالبناه بوقف هذا المسار الانحداري، أدركنا أنه يفوّض جبران باسيل بكل شيء ويطالبنا بالتفاهم معه».
ويأتي الانقسام السياسي حول حادثة الجبل، ليعزز الشرخ بين التيار الوطني الحرّ و«القوات اللبنانية» بعد وقوف الأخيرة إلى جانب الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وقال النائب واكيم «بدل الانصراف إلى معالجة الوضع الاقتصادي الصعب، نرى هذا الفريق (عون وباسيل وحزب الله) يفتعل الأزمات، ويتخذ من حادثة الجبل وسيلة لتعطيل الحكومة وهدم البلد». وشدد على أن «القوات اللبنانية ستبقى في مواجهة هذه السياسة (التيار الوطني الحرّ) إلى أن يشعروا بخطر تصرفاتهم، ويعودوا إلى مشروع بناء الدولة بدل بناء مصالحهم».



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.