«العائدون من «داعش»» إشكالية كبيرة ما زالت تتفاقم وتُثير الرعب والفزع في أوروبا، وبعض دول أفريقيا، خاصة مع فرار معظم عناصر التنظيم من أراضي سوريا والعراق. وكشفت دراسة مصرية حديثة عن «وجود اتهامات للعائدين بأنهم يمدون (الإرهابيين) بالمعلومات والأموال». اتسق ذلك مع آراء خبراء وباحثين أكدوا أن «هناك مخاوف من تنفيذ هؤلاء أنفسهم عمليات إرهابية، ذات نهج فردي على طريقة (الذئاب المنفردة)، لذا ترفض بعض الحكومات عودة مواطنيها الذين انضموا إلى (داعش)، وتتخذ إجراءات مشددة في ذلك مثل: إلغاء الجنسية، وسحب جوازات السفر».
ويقول الخبراء والباحثون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك احتمالات تتعلق بإمكانية التحاق العائدين من (داعش) بفصائل متطرفة أخرى عند عودتهم للدول، ليستمر مسلسل ميلاد جماعات إرهابية جديدة». مطالبين «بوجوب وضع هذا الأمر على أجندة الأولويات الأمنية لجميع الدول». «العائدون» قسمتهم الدراسة المصرية على قسمين، الأول هم الذين اقتنعوا بدعاية التنظيم الضالة والمضللة، وسافروا إلى أماكن تمركزه السابقة في سوريا والعراق منذ عام 2014، ثم انجلت لهم حقيقة التنظيم، فاكتشفوا فساد فكره، وانشقوا عنه عقب هزائمه، وعادوا إلى بلادهم مرة أخرى، وهؤلاء يمكن أن نطلق عليهم «المنشقين»... والثاني هم من عادوا إلى بلادهم «متسللين» أو مقبوضا عليهم أثناء محاولة عبور الحدود وصولاً لدولهم، أو عبور الحدود لدولة أخرى.
إجراءات مشددة
الدراسة المصرية، التي أعدها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بالقاهرة، تلفت إلى أن هؤلاء (أي العائدين) يمثلون قلقاً بالغاً للحكومات التي تخشى من منهج العنف والتطرف الذي يتبناه هؤلاء مخافة نشره، ومخافة تكوين «خلايا» تقوم بعمليات إرهابية من وقت لآخر، أو تقدم دعماً معلوماتياً ومادياً لـ«متطرفين» يريدون تنفيذ عمليات إرهابية، فضلاً عن مخافة تنفيذ هؤلاء أنفسهم عمليات إرهابية ذات نهج فردي على طريقة «الذئاب المنفردة»، ومن ثم ترفض بعض الحكومات عودة مواطنيها الذين انضموا إلى «داعش»، وتتخذ إجراءات مشددة في ذلك مثل، إلغاء الجنسية، وسحب جوازات السفر.
وأكد العقيد حاتم صابر، خبير مكافحة الإرهاب الدولي في مصر، أن «عودة الدواعش للدول تمثل خطراً كبيراً، لكونهم كانوا مقتنعين تماماً بأهداف التنظيم المتطرفة، وتلقوا تدريبات على استخدام الأسلحة، وعاشوا في أجواء العنف، واكتسبوا خبرات قتالية، جعلت منهم خطراً دائماً في أي مكان يوجدون فيه»، مضيفاً أن «الدول خاصة الأوروبية تتعامل مع هذا الملف باهتمام شديد، وتتخذ إجراءات مختلفة حيال ذلك».
وقال باحثون في مرصد الأزهر، إنه «لا تزال المخاوف قائمة من عودة هؤلاء لبلدانهم أو التحاقهم بفصائل إرهابية أخرى؛ ليستمر مسلسل ميلاد جماعات جديدة، كما كان الحال مع (داعش) التي نشأت من رحم (القاعدة)». وأكد الباحثون أن سؤال مصير العائدين من (داعش) هو السؤال الأهم للحكومات، وكيف يمكن التعامل معهم، ولا شك أن الإجابة ستختلف من دولة لأخرى، حسب سياسة كل دولة وقدراتها الأمنية؛ لكن الشيء الذي لا خلاف عليه، هو وجوب وضع هذا الأمر على أجندة الأولويات الأمنية لجميع الدول.
ويرى مراقبون أن «الخطر الذي تُشكله عودة هؤلاء (المقاتلين) إلى بلدانهم الأصلية، يُضعف فرصة نجاة هؤلاء بحياتهم، لا سيما أن كثيرا من تلك الدول ترفض استعادة رعاياها... وشهادات كثير من (المقاتلين الأجانب) تُظهر تمسكهم بالآيديولوجية الداعشية، وأملهم في عودة دولتهم يوماً ما».
عناصر مهزومة
وعن مخاطر العائدين من «داعش». قال الباحثون في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف «إذا نظرنا إلى المخاطر التي من الممكن أن تسببها عودة هؤلاء (المقاتلين) للدول، نجد أنه من الناحية الفكرية والعقدية، سيكون تأثيرهم أقوى، وطريقة إقناعهم أسرع، فهم من بويعوا من قبل، وينظر إليهم على أنهم الذين هاجروا لنصرة الدين وإقامة (الدولة) - على حد زعمهم - إلا أن الحظ لم يكن حليفاً لهم، وسيكون ذلك باعثاً قوياً للذين بايعوهم من قبل ومثيراً لحماستهم، لأن يسعوا لإكمال المشوار من بعدهم».
المراقبون قالوا إن بعض هؤلاء المقاتلين كانوا يتولون مهام رئيسية داخل «داعش» لقدراتهم القتالية والتنظيمية الكبيرة، خاصة في العمليات الانتحارية، أو الانغماسية، التي يكون الهدف منها هو الإيقاع بأكبر عدد من الخسائر البشرية.
اتفق مع الرأي السابق خالد الزعفراني، المتخصص في شؤون الحركات الأصولية بمصر، مؤكداً أنه «لا شك أن (العائدين) ليسوا مجرد عناصر مهزومة فقط، فمنهم من أصيب بخيبة أمل، وبعضهم يأمل في العودة من جديد مستقبلاً لسوريا والعراق؛ لكنهم لن يتخلوا عن أفكار التنظيم الإرهابية»، لافتاً إلى أن «هناك اتهامات تلاحقهم بقيامهم بدعم (المتطرفين) بالمعلومات والأموال».
في غضون ذلك، قالت الدراسة إنه «من خلال شهادات (العائدات الداعشيات) نستنبط أنهن حديثات عهد بالتدين، ويفتقرن إلى أي خلفية ثقافية دينية تؤهلهن إلى فهم تعاليم الدين فهماً صحيحاً، وفي الوقت ذاته هن متحمسات للبحث في الدين ومعرفة حقائقه، الأمر الذي جعلهن لقمة سائغة للوقوع في براثن التنظيم، فانخدعن بشعاراته الزائفة التي صورت لهن من قبل - كذباً وزوراً - العيش في المدينة الفاضلة».
وذكرت الدارسة أن «شهادات بعض العائدات من (داعش) أكدت أنه تم استقطابهن جميعاً من خلال مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، و(الذئاب المنفردة) خير دليل على مدى أهمية هذه المواقع للتنظيم ومؤيديه، الذين لم يستطيعوا الذهاب إلى أماكن تمركزه الرئيسية في السابق؛ لكنهم تشبعوا بأفكار التنظيم عبر مواقع الإنترنت، وقاموا بتنفيذ عمليات إرهابية في بلادهم، وهذا يدل على مدى أهمية الإعلام ومواقع التواصل، التي فطن لها التنظيم من قبل».
تطلعات «الداعشيات»
ويشار إلى أن الهزائم الكبيرة التي مُني بها «داعش» خلال الفترة الماضية، طرحت دلالات كثيرة، تتمثل أبرزها في وجود عدد ليس قليلاً من الأوروبيات اللاتي انخرطن في صفوفه، بشكل أثار مخاوف كثيرة لدى الدول الأوروبية من التداعيات التي يمكن أن تفرضها عودتهن المُحتملة إلى أراضيها، خاصة في ظل تمسكهن بالأفكار التي تبناها التنظيم.
وفي عام 2014 أسس التنظيم كتيبة نسائية تُسمى «الخنساء»، كان من إحدى مهامها الرئيسية استقطاب النساء عبر الإنترنت، وإقناعهن في ذلك الحين بالسفر إلى سوريا أو العراق، للزواج من مقاتلي التنظيم، وإنجاب الأطفال، وبعد ذلك شاركن في العمليات القتالية.
ووفقاً لتقارير دولية، فإن بعض «الداعشيات» الأوروبيات رفضن التخلي عن النقاب، ورفضن الاتهامات التي توجه لأزواجهن من عناصر التنظيم بأنهم «إرهابيون»، فضلاً عن إصرارهن على اعتبار الحياة في المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم «نموذجاً مصغراً لمشروع إسلامي... كما لم يخفين تطلعهن إلى العودة من جديد لتلك المناطق، في حالة ما إذا أتيحت لهن الفرصة».
وقالت الدراسة المصرية إن «داعش» خدع الفتيات بتفسيراته المغلوطة لقضايا ومصطلحات بعينها، مثل «الهجرة»، و«الخلافة»، و«تطبيق الشريعة»، وهي قضايا مهمة، ودائماً ما يستغلها «المتطرفون» في استقطاب الشباب، وتكفير المجتمعات، موضحة أنه من خلال شهادات «العائدات» نستنتج الانحلال الأخلاقي لقادة تنظيم «داعش»، ففي حين كانوا يأمرون الشباب بالخروج للقتال، يجلسون هم في منازلهم يتناولون أجود أنواع الطعام... وبعض «المنشقين» عن التنظيم أكدوا أن الفساد كان بداخله ممنهجاً، وله مظاهر كثيرة، ويرتبط بقادة التنظيم، الذين كانوا يعقدون صفقات بترولية وتجارية مع من يدعون أن قتالهم من الأهداف الرئيسية للتنظيم، لذلك وصف أحد المنشقين قيادات التنظيم بأنهم عصابة من «المرتزقة».
المقاتلون الأجانب
في السياق نفسه، تحدثت الدراسة أيضاً عن مصطلح «المقاتلين الأجانب» في «داعش» الإرهابي. وقالت إنه «لم يقتصر الانضمام إلى التنظيم على الشباب والفتيات في دول المشرق العربي والإسلامي فحسب؛ بل انضم إلى التنظيم عدد كبير من الشباب الغربي». وأضافت: «يُمكننا القول إن (المقاتلين الأجانب) ليست ظاهرة جديدة أو خاصة بـ(داعش)؛ بل هي ظاهرة قديمة، إذ تدفقت موجات من (المقاتلين الأجانب) في أوقات متباينة نحو مناطق النزاع في الخارج، مثل (أفغانستان، والبوسنة، والعراق)؛ لكن أمر (المقاتلين الأجانب) الذين تدفقوا إلى سوريا جعل منها أكثر دولة في العالم جذباً لـ(المقاتلين الأجانب) خلال السـنوات العشــر أو العشريــن الماضيــة؛ بل إن أعداد (المقاتلين) الأوروبيين الذين ذهبوا إلى سوريا في السنوات الأخيرة، فاق بكثير عـدد الذين انضموا للقتال في جميع أماكن الصراع الأخرى علــى مــدى الســنوات الماضية».
ويقدر باحثون ومراقبون تدفقات «المقاتلين الأجانب» إلى سوريا والعراق خلال السنوات الماضية بـ60 ألف مقاتل، حضروا من أكثر من 110 دول... من بين هؤلاء ما يقرب من 6 آلاف من أوروبا، بنسب مختلفة من بلد لآخر؛ حيث إن نحو 70 في المائة منهم أتوا من أربع دول هي «فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وبلجيكا»، في حين تُعد إسبانيا من أقل الدول الأوروبية التي انضم منها مقاتلون إلى «داعش» في سوريا والعراق، وكذلك إيطاليا.
وخلصت الدراسة المصرية إلى أن الجهل بالدين وعدم معرفته معرفة صحيحة، كان سبباً للانحراف واعتناق الفكر المتطرف، بالإضافة إلى سهولة الاستقطاب من قبل بعض الجماعات الإرهابية، خصوصاً تنظيم «داعش» الذي كان لا يهتم بمستوى العضو الديني ومدى خلفيته الثقافية؛ بل فتح أبوابه من قبل أمام جميع من يريد الانضمام إليه حتى وإن لم يكن متديناً.