«الحركة الشعبية لتحرير السودان» ترفض مفاوضات السلام قبل تشكيل الحكومة

نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان دقلو «حميدتي»
نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان دقلو «حميدتي»
TT

«الحركة الشعبية لتحرير السودان» ترفض مفاوضات السلام قبل تشكيل الحكومة

نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان دقلو «حميدتي»
نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان دقلو «حميدتي»

رفض الجناح الرئيسي في الحركة الشعبية لتحرير السودان أي مفاوضات سلام مع المجلس العسكري الانتقالي قبل تشكيل الحكومة الانتقالية، وذلك في المباحثات التي شهدتها عاصمة جنوب السودان، جوبا، بين وفد مشترك من «العسكري» و«الحرية والتغيير»، فيما يُنتظر أن يبدأ التفاوض على الوثيقة الدستورية بين الطرفين، غداً (الثلاثاء).
وعاد من جنوب السودان، أمس، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان دقلو (حميدتي) ووفده المكوَّن من رئيس اللجنة السياسية شمس الدين كباشي، ونائبه ياسر العطا، من جوبا، دون التوصل لاتفاق سلام مع المجموعة الرئيسية في «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال»، التي يترأسها عبد العزيز الحلو.
وشهدت مباحثات جوبا لأول مرة منذ عزل الرئيس عمر البشير تفاوضاً مشتركاً بين المجلس العسكري وحركات مسلحة و«قوى الحرية والتغيير»، التي مثَّلها إبراهيم الأمين وأحمد ربيع.
ولم يشارك الحلو في مباحثات جوبا التي عُقِدت بوساطة من رئيس جنوب السودان، سلفا كير ميارديت، واكتفى بمشاركة نائبه، جقود مكوار، الذي قال في تصريحات نقلتها عنه وسائل إعلام محلية إن حركته متمسكة بالتفاوض بشأن قضايا السلام مع الحكومة المدنية الانتقالية المزمع تكوينها. بيد أن مكوار جدد التزام قواته بوقف إطلاق نار لمدة ثلاثة شهور إبداءً لحسن النية، وللمساعدة في تهيئة المناخ لتسوية قضية الحروب في السودان وبناء السلام، وقال: «ملتزمون بالتفاوض مع حكومة متفَق عليها، ولهذا سننتظر تكوين الحكومة المدنية من (قوى إعلان الحرية والتغيير) والمجلس العسكري الانتقالي».
وبدوره، قال المتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي شمس الدين كباشي، في تصريحات صحافية، أمس، إن وفده أجرى مباحثات مع رئيس جنوب السودان تناولت العلاقات الثنائية، أكد خلالها الرئيس سلفا كير ميارديت اهتمامه بالسلام والاستقرار في السودان، وحثهم على الإسراع في تكوين الحكومة الانتقالية لتجاوز الفراغ السياسي في البلاد، وإكمال العملية السلمية.
وكشف الكباشي عن لقاء جمع بين الوفد السوداني و«الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال» لم يشارك فيه رئيسها عبد العزيز الحلو بسبب «ظروفه المرضية»، بيد أن وفد الحركة الذي ترأسه نائبه جقود مكوار، أشاد بثورة الشباب وانحياز القوات المسلحة للثورة، وأكد التزامه بوقف العدائيات ودعمه لجهود السلام، واستعداده للتفاوض بعد تشكيل الحكومة الانتقالية.
وقال الكباشي إن وفده أجرى لقاء مع «الحركة الشعبية - شمال» جناح مالك عقار، توافق خلاله الطرفان على فتح المسارات لإيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المتأثرة بالحرب، وإسقاط الأحكام الغيابية الصادرة في حق منسوبي الجبهة الثورية والحركات المسلحة الأخرى، والعفو عن المسجونين السياسيين من الحركات المسلحة كافة.
من جهة أخرى، ينتظر أن يُستأنف التفاوض على «وثيقة الإعلان الدستوري» بين المجلس العسكري الانتقالي و«قوى إعلان الحرية والتغيير»، اليوم، لكن التفاوض يوم غدٍ (الثلاثاء).
وقال القيادي في «الحرية والتغيير» محمد الصادق لـ«الشرق الأوسط»، إن الوساطة الأفريقية أبلغتهم ببدء اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة لصياغة الوثيقة الدستورية، اليوم (الاثنين)، وأن يدخل الطرفان في التفاوض المباشر على الوثيقة، غداً (الثلاثاء).
ونشرت «قوى إعلان الحرية والتغيير» مسودة الوثيقة المقترحة للنقاش قبل الدخول في التفاوض، وقالت إن هدف النشر هو الحصول على آراء أكبر عدد من المواطنين بشأنها، وعلمت «الشرق الأوسط» أن اللجنة الفنية لـ«قوى إعلان الحرية والتغيير» تلقت كثيراً من المقترحات أدمجتها ضمن الوثيقة المقترحة، وأنها ستنشر للرأي العام بتعديلاتها الجديدة.
ويعد بند الحصانة الوارد في المسودة من أهم القضايا الخلافية بين الطرفين، ففيما وردت في المسودة الأولى حصانة «مطلقة» لرئيس وأعضاء مجلس السيادة الانتقالي، تتمسك «قوى إعلان الحرية والتغيير» بحصانة «إجرائية» يتم رفعها بموافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي.
كما تُعد نسب المشاركة في المجلس التشريعي واحدة من القضايا الخلافية التي يُنتظر تفجرها أثناء التفاوض، فـ«قوى الحرية والتغيير» تمسكت باتفاق سابق منحها نسبة 67 في المائة من المجلس، وترك النسبة الباقية للقوى غير الموقّعة على «إعلان الحرية والتغيير»، إضافة إلى هيكلة القوات المسلحة من قبل العسكريين، وهيكلة جهاز الأمن وقصر مهامه على جمع المعلومات وتحليلها، وأن يتبع إدارياً للسلطتين السيادية والتنفيذية.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.