التمادي في تعطيل جلسات الحكومة يهدد التسوية الرئاسية

من اجتماع امس بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري (دالاتي ونهرا)
من اجتماع امس بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري (دالاتي ونهرا)
TT

التمادي في تعطيل جلسات الحكومة يهدد التسوية الرئاسية

من اجتماع امس بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري (دالاتي ونهرا)
من اجتماع امس بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري (دالاتي ونهرا)

يخطئ من يراهن على أن إقحام الحكومة في لعبة «عضّ الأصابع» سيدفع برئيسها سعد الحريري إلى إعادة تفعيل العمل الحكومي بعد الموافقة على إحالة حادثة الجبل إلى المجلس العدلي مقابل وقف «احتجاز» مجلس الوزراء ومنعه من الانعقاد، بعد أن دخل تعطيله أسبوعه الرابع.
وتؤكد مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» أن تمادي بعض الأطراف في تعطيل الجلسات سيرتد سلباً ليس على الحكومة فحسب؛ وإنما على «العهد القوي» باعتبار أن هذه الحكومة هي حكومته الأولى، وتقول إن إصرار الحريري على دعوة مجلس الوزراء للانعقاد رغم أنه لم يوجّه الدعوة حتى الساعة، سيؤدي حتماً إلى اختبار النيات لمعرفة من يقف وراء رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان في ربطه استئناف الجلسات بإحالة حادثة الجبل إلى المجلس العدلي.
وتلفت المصادر إلى أن استمرار تعطيل الجلسات يشكل اختباراً ليس لموقف رئيس الجمهورية ميشال عون فحسب؛ وإنما للتسوية التي كانت وراء انتخابه، خصوصاً أن كثيرين يعتقدون أن مفاعيلها تنسحب على رئيس الحكومة دون الآخرين وتحديداً رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» و«حزب الله».
وفي هذا السياق، توضح المصادر الوزارية أن تعطيل مجلس الوزراء يعني من وجهة نظر أطراف سياسية عدة أن الابتزاز من خلال فرض الشروط لانعقاده لا يطال رئيس الحكومة من دون الآخرين؛ وأولهم رئيس الجمهورية. وتضيف أن من يحاول منع مجلس الوزراء من الانعقاد لا يستهدف رئيس الحكومة ويعفي في الوقت نفسه رئيس الجمهورية من تبعاته، وتعزو السبب إلى أن استمراره سيؤدي حكماً إلى تطويق العهد وشلّ قدرته بالتعاون مع الحكومة على العطاء، وصولاً إلى تكبيل يدي السلطة الإجرائية.
وتعتقد المصادر نفسها أن التسوية السياسية لا تحلق في اتجاه تحقيق الإنجازات الموعودة بجناح واحد؛ وتحديداً من دون جناح رئيس الحكومة الذي لن يرضخ للعبة الابتزاز، وبالتالي ليس في وارد الاستقالة أو الاعتكاف.
وبكلام آخر؛ ترى المصادر الوزارية أن استثمار التسوية السياسية وتوظيفها للنهوض بالبلد اقتصادياً انطلاقاً من الالتزام بخريطة طريق تكون على قياس مقررات مؤتمر «سيدر»، يمكن أن يواجه صعوبة إذا أراد البعض أن يأخذ منها ما يناسبه. وتؤكد أن مثل هذا الاعتقاد الذي يقوم على الانتقائية في تطبيق أبرز العناوين الواردة في التسوية السياسية، سيؤدي إلى خلل في التوازنات الداخلية من شأنه أن يدفع أطرافاً سياسية إلى السؤال عن مصير «اتفاق الطائف» في ظل التجاوزات التي تهدده.
أما القول - بحسب هذه المصادر - إن موازين القوى الداخلية المقرونة بفائض القوة لدى بعض الأطراف المنتمية إلى «محور الممانعة» بقيادة «حزب الله» وبدعم مباشر من النظام السوري، وأيضاً من إيران، تتيح لهؤلاء الاستمرار في محاصرة الحريري، وصولاً إلى وضعه أمام خيارين: التسليم بشروط هؤلاء، أو الإعداد للإطاحة بالحكومة، فإن «مثل هذا الرهان سيقحم البلد في مغامرة سياسية أين منها المغامرات السابقة؟!».
وتؤكد المصادر أن لا مكان لهذين الخيارين في حسابات الحريري، وتقول إن «هناك ضرورة لتوفير الشروط المؤدية إلى تفعيل العمل الحكومي، لأن ذلك سيمكّن من وقف الانهيار المالي والاقتصادي، وهذا ما يشكل إنجازاً للعهد، لأن ما تحقق منذ انتخاب الرئيس عون حتى اليوم لا يكفي، ما دام هناك من يحاول افتعال العراقيل لقطع الطريق أمام المضي في مشروع النهوض الاقتصادي».
«كما أن المضي في تعطيل جلسات مجلس الوزراء سيرتد سلباً على من يمعن في محاصرة الحكومة وستترتب عليه جملة من التداعيات»؛ كما تقول المصادر، «إذ ليس في وسع من هم على لائحة التعطيل الدخول في اشتباك سياسي مع المجتمع الدولي، خصوصاً إذا كانوا يخططون لتطويق رئيس (الحزب التقدمي الاشتراكي) وليد جنبلاط من جهة، والضغط على رئيس الحكومة لدفعه إلى التسليم بشروطهم» من جهة أخرى.
وتحذّر المصادر من تفويت الفرصة الدولية والإقليمية التي أُعطيت للبنان من خلال مؤتمر «سيدر».
وتؤكد المصادر أن معظم السفراء العرب والأجانب المعتمدين لدى لبنان «يدركون حجم المعاناة التي يمر بها رئيس الحكومة ويبدون تضامناً معه، ولا يرون بديلاً له في الوقت الحاضر، إلا إذا توخى البعض من الإطاحة بحكومته السيطرة على البلد، وهذا ما سيؤدي إلى محاصرة لبنان من قبل الدول النافذة، إضافة إلى أن الأزمة ستتجاوز مسألة تشكيل حكومة جديدة إلى أزمة تهدد النظام اللبناني ككل».
لذلك، يتوقف على الموقف الذي سيتخذه رئيس الجمهورية تحديد المسار العام للوضع في لبنان، «لأن هناك حاجة لإحداث صدمة سياسية تعيد الاعتبار إلى انتظام عمل المؤسسات»، وهذا ما تراهن عليه المصادر الوزارية التي ترى أنه «آن الأوان ليقول الرئيس كلمته». وترى المصادر أن مبادرة الرئيس عون إلى حسم موقفه، تعود بالدرجة الأولى إلى كثرة «الاجتهادات» في تفسير وجهة نظره حيال إصرار أرسلان ومن يقف خلفه على ربط انعقاد مجلس الوزراء بإحالة حادثة الجبل إلى المجلس العدلي.
وتضيف أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم كان انطلق في وساطته في ضوء التعديلات التي أدخلت عليها وبمعية وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، من تسويقه لتسوية تعيد الاعتبار لمعاودة انعقاد جلسات الحكومة، وتقوم على إحالة ملف التحقيق الذي أجرته «شعبة المعلومات» في قوى الأمن الداخلي وبطلب من النائب العام التمييزي بالوكالة القاضي عماد قبلان، إلى المحكمة العسكرية. وتتابع: «معظم الأطراف تعاملت مع هذا المخرج على أنه جاء بمبادرة من الرئيس عون بعدما كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري أول من اقترحه لدى اجتماعه به، لكن تبين لاحقاً (كما تقول مصادر التقدمي) أن جريصاتي سارع إلى غسل يديه منه متناغماً مع النائب أرسلان، وهذا ما يفسر التصلّب الذي أظهره ويظهره من خلال (تغريداته) شبه اليومية أو عبر ممثله في الحكومة صالح الغريب الذي كرر الموقف نفسه في اجتماعه الأخير برئيس الحكومة». وعليه - تسأل المصادر - عن «مدى صحة ما يقال بأن الرئيس عون كان وراء هذا الاقتراح؛ وإنما طرحه في محاولة لفتح ثغرة تدفع في اتجاه التوافق على تسوية، من دون أن يبدّل موقفه في تبني إحالة الحادث إلى المجلس العدلي».
ومع أن الأفكار المطروحة لاستيعاب حادثة الجبل لم تحقق أي تقدم يمكن التأسيس عليه لإحداث خرق يمهّد للتوافق على مخرج، فإن قول الوزير الغريب إن «المحكمة العسكرية» هي المعبر الإلزامي إلى «المجلس العدلي»، يبقى في حدود الرغبة، لأنه لا صلاحية لهذه المحكمة بإحالة الملف إلى «العدلي»!
أما تريث الحريري في دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد؛ فلا يعني أنه سيصرف النظر عنها، خصوصاً أن هذه الدعوة تتناغم مع موقف الرئيس بري الذي يرى أن هناك ضرورة لتفعيل العمل الحكومي على أن يُصار إلى ترحيل الخلاف حول حادثة الجبل إلى حين التوافق على مخرج، فيما تترقب الأوساط السياسية ما سيقوله أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله في خطابه اليوم حول الوضع الحكومي.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.