الجزائر تعيش «فراغاً دستورياً» بنهاية ولاية الرئيس الانتقالي

«إضعاف معنويات الجيش»... تهمة تلاحق منتقدي الجنرال قايد صالح

جانب من المظاهرات الأسبوعية في شوارع العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
جانب من المظاهرات الأسبوعية في شوارع العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
TT
20

الجزائر تعيش «فراغاً دستورياً» بنهاية ولاية الرئيس الانتقالي

جانب من المظاهرات الأسبوعية في شوارع العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
جانب من المظاهرات الأسبوعية في شوارع العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)

انتهت أمس ولاية الرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح الرئيس، ومدتها ثلاثة أشهر، عجز خلالها عن تأدية الدور الوحيد المكلف به دستوريا، وهو تنظيم انتخابات رئاسية لاستخلاف الرئيس المستقيل. وفي غضون ذلك يواجه ثلاثة نشطاء بالحراك الشعبي في الجزائر تعرضوا للاعتقال، عقوبات قاسية بسبب اتهامهم بـ«محاولة إضعاف معنويات الجيش»، على إثر هجومهم ضد قائد الجيش الجنرال قايد صالح في مظاهرات الجمعة الماضية.
وعلى وقع الاحتجاجات التي تعرفها مدن الجزائر كل يوم ثلاثاء، انتهت أمس عهدة رئيس الدولة عبد القادر بعد انقضاء مدة تسييره المؤقت لشؤون البلاد، وهي ثلاثة أشهر ينص عليها الدستور في حال استقالة رئيس الجمهورية.
وتنحى بوتفليقة في الثاني من أبريل (نيسان) الماضي تحت ضغط الجيش والمظاهرات، واستخلفه في التاسع من الشهر نفسه رئيس «مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الثانية) عبد القادر بن صالح بصفته الرجل الثاني في الدولة.
وكلف الدستور الرئيس الانتقالي بتنظيم انتخابات رئاسية في غضون ثلاثة أشهر. وحدد بن صالح تاريخ الرابع من يوليو (تموز) موعدا لها، لكنه ألغي بقرار من طرف المجلس الدستوري لعدم توفر مرشحين. وطالبت الهيئة نفسها من بن صالح «توفير الظروف الملائمة لتنظيم انتخابات جديدة»، ما يعني تمديد ولايته، بينما الدستور لا ينص على حالة كهذه، ولهذا السبب يرى مختصون في القانون أن البلاد في «فراغ دستوري» منذ أمس، وأن استمرار بن صالح على رأس الدولة غير شرعي.
إلى ذلك، قال نشطاء بالحراك إن قوات الأمن بتلمسان (500 كلم غرب العاصمة)، اعتقلت ليل الاثنين - الثلاثاء رفاقا لهم، وإن النيابة استجوبتهم صباح أمس ووجهت لهم تهمتي «محاولة إضعاف معنويات الجيش»، و«إهانة هيئة نظامية». وبحسب محامين رافقوا المتهمين أثناء الاستجواب فقد التقط جهاز الاستعلامات المحلي صورا لهم وهم يرفعون لافتات، ويرددون شعارات أثناء مظاهرات الجمعة الماضية بتلمسان، عدت معادية لرئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع الفريق أحمد قايد صالح.
وأفاد مصدر قضائي بأن اتهامهم جاء بسبب حلقات نقاش، عقدوها بالجامعة في المدة الأخيرة، حول الحراك وتطوراته والسلطة، ودور الجيش في السياسة. ويعاب عليهم، حسب المصدر، أنهم انتقدوا الجيش وقائده بشدة. فيما أكد المصدر القضائي أن مشاركتهم في المظاهرات «لا علاقة لها بالمتابعات إطلاقا».
وتداول ناشطون بشبكة التواصل الاجتماعي صور المعتقلين على سبيل التنديد باتهامهم، وهم أستاذ علم النفس بجامعة تلمسان عبد المجيد بن حبيب، وهو ناشط معروف، وموظف بالجامعة يدعى عصام سايح، ومهندس لم يكشف عن اسمه منخرط بقوة في حركة الاحتجاج الجارية بتلمسان، منذ بداية الحراك في 22 من فبراير (شباط) الماضي.
ويتعامل الجيش بحدة مع المتظاهرين الذين يهاجمون قائده، الذي لا يتردد في سجنهم حتى لو كان لهم انتساب للمؤسسة العسكرية، أو كانوا رموزا تاريخية. وبناء على تهمة «إضعاف معنويات الجيش» فقد سجن الجنرال المتقاعد حسين بن حديد (75 سنة)، الذي يوجد في حالة صحية سيئة بالزنزانة، وسجن اللواء المتقاعد علي غديري، مرشح رئاسية 18 أبريل 2019 التي لم تنظم. كما سجن رجل الثورة لخضر بورقعة (86 سنة) بناء على التهمة نفسها، والثلاثة خاضوا في «المحظور»، خلال تصريحات للإعلام، على اعتبار أن قايد صالح يعتبر «هيئة نظامية»، مثل رئيس الدولة والقضاة، يمنع القانون التهجم عليهم.
وسجنت السلطات المئات من المتظاهرين بتهم أخرى، أبرزها «تهديد الوحدة الوطنية»، وذلك بسبب حمل راية الأمازيغ في الحراك. وآخرين بتهمة «التعدي على موظفين عموميين أثناء تأدية واجباتهم»، ويقصد بها مشادات جمعتهم بأفراد الشرطة خلال المظاهرات. وأدانت نقابة المحامين في بيان «الاعتقالات التعسفية التي تطال المتظاهرين والتضييق على الحق في الدفاع عنهم»، وأعلنت مقاطعة العمل النقابي غدا في كل المحاكم.
وتزامنت حملة الاعتقالات مع سجن كثير من رموز النظام، آخرهم وزير التضامن سابقا سعيد بركات، الذي تم وضعه رهن الحبس المؤقت أول من أمس. ويستمع قاضي التحقيق بالمحكمة العليا اليوم لوزير الصناعة سابقا يوسف يوسفي، المتابع بتهم فساد. كما تم برمجة جلسة من طرف قاضي التحقيق نفسه لسماع وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب، الذي يقيم بفرنسا، لكنه رفض الاستجابة لاستدعاء المحكمة، ولذلك يرتقب إصدار مذكرة اعتقال دولية بحقه.
على صعيد متصل، تظاهر أمس مئات الطلاب والأساتذة كما دأبوا على ذلك كل يوم ثلاثاء مند عشرين أسبوعا للمطالبة بـ«تغيير النظام» وإطلاق «سراح المعتقلين السياسيين».
وردّد المتظاهرون شعارات «النظام ارحل»، و«جزائر حرة وديمقراطية»، بينما كانوا يسيرون في شوارع وسط العاصمة الجزائرية دون تسجيل حوادث، رغم الانتشار الكبير لعناصر الشرطة.
كما رفع الطلاب لافتات كُتب عليها «السلطة للشعب» و«لا للجهوية» و«صحافة حرة».
وحتى إن كان أغلب الطلاب في عطلة بينما الآخرون في امتحانات ما جعل عدد المتظاهرين قليلا مقارنة بالأسابيع الماضية، فإن الحاضرين أكدوا أنهم سيواصلون التظاهر طوال فصل الصيف إذا تطلب الأمر.
وطالب أمس كثير من الطلاب بـ«إطلاق سراح المتظاهرين السلميين». كما استهدفت شعارات المتظاهرين أيضا الفريق قايد صالح، الرجل القوي في الدولة منذ استقالة بوتفليقة.



«هدنة غزة»: اتصالات وضغوط تتوالى لاستئناف الاتفاق

امرأة فلسطينية نازحة وطفلها يسيران أمام أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين وسط غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية نازحة وطفلها يسيران أمام أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين وسط غزة (أ.ف.ب)
TT
20

«هدنة غزة»: اتصالات وضغوط تتوالى لاستئناف الاتفاق

امرأة فلسطينية نازحة وطفلها يسيران أمام أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين وسط غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية نازحة وطفلها يسيران أمام أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين وسط غزة (أ.ف.ب)

اتصالات مصرية بهدف استئناف اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وضغوط بالداخل الإسرائيلي تتصاعد، ضد رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في استمرار الحرب، وتريد التعجيل بصفقة وشيكة لإطلاق سراح مزيد من الرهائن.

تلك التطورات المتعاقبة منذ إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، ونتنياهو العمل على اتفاق بشأن إطلاق الرهائن، تعد بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، عوامل مساعدة تشكل ضغوطاً نحو استئناف عملية التفاوض لإبرام تهدئة جديدة، لا سيما قبل الزيارة الرئاسية الأميركية المرتقبة للمنطقة.

وبحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في لقاء بالقاهرة مع نظيره المجري بيتر سيارتو، وخلال اتصال هاتفي مع وزير خارجية إيران عباس عراقجي «الجهود الرامية لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، وبدء تنفيذ المرحلة الثانية، والعمل على احتواء التصعيد الراهن»، وفق بيانين لـ«الخارجية» المصرية، الخميس.

كما أطلع عبد العاطي نظيره البريطاني ديفيد لامي، على «ما تقوم به مصر من جهود للعودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وبدء تنفيذ المرحلة الثانية، ووقف التصعيد الإسرائيلي الراهن»، مشيراً إلى «أهمية تضافر الجهود في سبيل احتواء التصعيد في المنطقة، وتجنب توسيع رقعة الصراع بالنظر للتداعيات الوخيمة على شعوب المنطقة»، وفق بيان ثالث لـ«الخارجية» المصرية.

وأكّد عضو المكتب السياسي لـ«حماس» حسام بدران، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، الأربعاء، «استمرار الاتصالات والمتابعات مع الوسطاء من أجل وقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة».

وعلى مدار شهر مارس (آذار) الماضي، تعثرت 3 مقترحات للتهدئة؛ أولها أميركي قدّمه مبعوث ترمب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في 13 من الشهر ذاته، لم تقبله «حماس»، وتلاه مقترح مصري، واختُتم الشهر بثالث إسرائيلي، من دون أن تفلح الجهود في التوافق على أعداد المطلق سراحهم من الرهائن؛ ما أدّى إلى تعثر المفاوضات التي تحاول وقف انهيار اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، قبل أن تعلن «هيئة البثّ الإسرائيلية» قبل أسبوع عن مقترح مصري جديد.

وبعد أيام من إعلانه التوجه للمنطقة وزيارة السعودية، خرج ترمب في لقاء مع نتنياهو، الاثنين، بالبيت الأبيض متحدثاً عن أن العمل جارٍ لتحرير الرهائن، وتمنى أن «تتوقف الحرب قريباً»، في حين قال رئيس وزراء إسرائيل: «نحن نعمل حالياً على اتفاق آخر، نأمل أن ينجح، ونحن ملتزمون بتحرير جميع الرهائن».

ويعتقد الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء سمير فرج، أن الجهود المصرية تسعى لإتمام اتفاق قريب، وتضغط في اتجاه ذلك عبر اتصالات وتحركات عديدة، مرجحاً أن تسفر تلك الاتصالات عن ضغط دولي وأميركي أكثر على حكومة نتنياهو للذهاب لتهدئة.

يتفق معه أستاذ العلاقات العربية والدولية الدكتور أحمد يوسف أحمد، في أن الاتصالات والتحركات قد تقود لهدنة، خاصة أن إسرائيل عليها أن تدرك أن القتال والتدمير لن يقودها إلى نتيجة كما سبق طوال أكثر من عام ونصف العام، وأن المفاوضات أقصر الطرق للحصول على الرهائن واستقرار المنطقة، وقد يساعد في ذلك التمرد والخلافات التي تزداد في إسرائيل ضد نتنياهو.

وداخل إسرائيل تتصاعد الأزمات ضد نتنياهو، ووقَّع نحو ألف من جنود الاحتياط في سلاح الجو الإسرائيلي، بينهم طيارون، رسالة احتجاج إعلاناً، في وسائل إعلامية بأنحاء البلاد، عن وقف الحرب في قطاع غزة، بحسب ما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، الخميس، مؤكدين أن «استمرار الحرب لا يؤدي إلى تقدم أي من أهدافها المعلنة، وسيؤدي إلى مقتل الرهائن وجنود جيش الدفاع الإسرائيلي والمدنيين الأبرياء».

وكانت محكمة العدل العليا الإسرائيلية أصدرت أمراً قضائياً مؤقتاً، الثلاثاء، ينص على أن رئيس «الشاباك» رونين بار، يجب أن يبقى في منصبه حتى إشعار آخر، وأمهلت الحكومة المستشارة القضائية للحكومة حتى 20 أبريل (نيسان) للتوصل إلى تسوية بشأن النزاع القانوني المحيط بالتصويت غير المسبوق الذي جرى الشهر الماضي على إقالته، وفق ما نقلته «تايمز أوف إسرائيل»، الأربعاء.

وجاء إعلان فرنسا اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين، ليضيف مزيداً من الضغوط على إسرائيل؛ إذ لاقى تنديداً من وزير الخارجية جدعون ساعر، معتبراً ذلك «مكافأة للإرهاب وتعزيزاً لـ(حماس)»، في حين رحبت «الخارجية» الفلسطينية، وطالبت بوقف «الإبادة».

ويرى فرج أن تلك الأمور تشكل ضغوطاً على نتنياهو، غير أن الأخير لديه ممانعة، لكن توالي الضغوط من احتجاج الجنود إلى أزمة «الشاباك» إلى اعتراف فرنسا بفلسطين... قد يكون عاملاً مساعداً لأن يتراجع مؤقتاً ويقبل بالتهدئة.

ويعتقد يوسف أحمد أن ما يحدث من تمرد وإقالات وصراعات داخلية يعزز الانقسام السياسي داخل إسرائيل، مشيراً إلى أن ذلك قد يكون مؤشرات على احتمال تغيّر الوضع للأفضل بشأن التهدئة، غير أن سوابق نتنياهو غير مشجعة لقبوله بهذا الأمر إلا مضطراً وبضغط أميركي قد يتحقق قبل زيارة ترمب للمنطقة.

ويعزز ذلك، بحسب أحمد، إعلان مهم للغاية من فرنسا باحتمال الاعتراف بدولة فلسطين، وهذا بجانب ما يحدث في إسرائيل وصمود «المقاومة»، وكلها عوامل تساعد مع جهود الوسطاء للضغط نحو تهدئة.